الاصول اللغوية للخمر

وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 4673 - 2014 / 12 / 26 - 10:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

تصنع اجود الخمور عند العرب من العنب ..

يقال بالاكدية عن ( الكرمة ) ب كارانو Karanu وللعنب Inbu .
ان الكلمة الدالة على الخمر مشتركة في عدد كبير من اللغات العالمية .والاساطير اليونانية المتاخرة لاتجعل من دايونيسوس الها للخمرة فحسب , بل تزعم بان الخمرة والكرمة انتقلتا من اليونان الى بقية ارجاء العالم .

يعتقد اليونانيون القدامى ان فينيوس كان اول من غرس شجرة الكرم (العنب )في اليونان . ومعروف ان اهل اليونان لم يكونوا هم اول من صنع الخمر ,بل كان يصدر اليهم من ( كريت) .
يقول روبرت غريفز ان الكرم كان مهده الاصلي في الساحل الجنوبي للبحر الاسود . وكان نباتا بريا.ومن هناك انتقلت زراعته الى جبل ( نيسا ) في ليبيا , عن طريق فلسطين , ومنها الى كريت , ثم الى الهند عن طريق فارس , والى بريطانيا في العهد البرونزي .

وكانت طقوس شرب الخمرة في آسيا الصغرى وفلسطين اعيادا باخوسية في الاصل تمارس في اعياد القرابين , على غرار طقوس البيرة (الجعة ) في تراقيا وفريجيا .
يقول الباحث د . علي الشوك في كتابه :

( جولة في اقاليم اللغة والاسطورة ) – ط 2 – 1999 – دار المدى للثقافة والنشر , ان كلمة ( الكرم ) كانت مشتركة بين الساميين قبل ان يوجد المقدونيون . ففي العربية والاوغاريتية والعبرية يقال له ( ك ر م ) . وفي الاكدية ( كارانو ) , وقد وجدت هذه الكلمة في نصوص آشورية قديمة ( 2000--1500 ق .م ),وبابلية قديمة في نفس المرحلة .

يرد في المدونات المصرية القديمة ( 2500ق.م ) ذكر لانواع من العنب في صناعة البيرة . ويعزز هذا الراي ماجاء في المؤلفات التاريخية لجامعة كيمبرج في الجزء الموسوم ب ( الاحوال الطبيعية في شرق اوربا وغرب آسيا ومصر قبل المستوطنات الزراعية والمعدنية ) ما مفاده ان العنب وجد لاول مرة على مايبدو في الهلال الخصيب .
ان الكلمة الدالة على الخمر , وهي ( وين ) مشتركة في العديد من اللغات . فالوين من اسماء الخمر باللغة العربية , وهو الزبيب ايضا ,او العنب الاسود , كما قال الثعالبي , عن ثعلب , عن ابن الاعرابي , وانشد قول الشاعر :
كانه الوين اذا يجنى الوين
و ( ي ن ) بالاوغاريتية , خمر , نبيذ , وتقابلها ( ياين ) بالعبرية , واينو Inu بالاكدية , ووين بالحبشية , عنب , خمر , كالعربية .ويظن الدكتور آرنست كلاين في قاموسه عن اصول المفردات الانكليزية في الخمر والنبيذ ان هذه الكلمات ربما كانت مستعارة من اللغات السامية عن طريق قرطاجة .

يرى غزينيوس ان مادة الوين , ربما اشتقت من كلمة ( يوان ) الدالة على الغليان , او البقبقة في حالة التخمر , على غرار كلمة ( خمر ) من التخمر .
لم يتغنى ادب بالخمر وبالكرمة مثلما تغنى بهما الادب العربي , رغم ان الخمرة محرمة بحسب اغلب المذاهب الاسلامية . ويروى ان الذي صد الاعشى عن الاسلام تحريمه للخمر. وهو نفس السبب الذي صد ملك روسيا الوثني في القرون الوسطى عن اعتناق الاسلام ( مضافا اليه تحريم لحم الخنزير ).
وقد كان يظن ان مفعول الخمرة التخديري , والتاثير القوي الذي تتركه عند شاربها مرده الى قوى الهية . ولهذا كان كهنة المعابد يقبلون على احتسائها ,لانها تفك عقدة لسانهم , وتذكي عندهم مؤهلات غير اعتيادية . ولان للخمرة اضرارا تفوق فوائدها , فقد
حرمها الاسلام في الحياة الدنيا ( بحسب علي الشوك ) , لكنه وعد المؤمنين بها في الجنة .

وقد ضرب احد ندماء الوليد بن يزيد بن عبد الملك على هذا الوتر في محاولة لتبرير شربها . جاء في كتاب الاغاني ان الوليد سال شراعة بن الزندبوذ : (كيف علمك بالاشربة ؟ ) قال :ليسالني امير المؤمنين عما احب .
قال الوليد : ماقولك في الماء ؟
قال شراعة : هو الحياة , ويشركني فيه الحمار !
قال : فاللبن ؟
قال : مارايته قط الا ذكرت امي فاستحييت .
قال : فالخمر ؟
قال : ( تلك السارة البارة , شراب اهل الجنة ) .
وكان العرب يشربون الخمر المصنوع من التمر وكانوا يعبدون نخلة نجران ويكسونها بالملابس , ويزينونها بالزينة النسائية . وقد عبدت قبيلة حنيفة التمر (اذا صحت الرواية ) , وصنعت منه تمثالا اكلته حين الم بها الجوع .

وقال الباحث والشاعر اليمني علي المقري في كتابه :
( الخمر والنبيذ في الاسلام )ان الشاعر الاخطل كان يرتاد مجلس عبد الملك بن مروان ثملا , حيث انشد مرة :

اذا مانديمي علني ثم علني – ثلاث زجاجات لهن هدير
دخلت اجر الطرف زهوا كانني – عليك امير المؤمنين امير

وقد ابدى عبد الملك عدم رضاه عن هذه الابيات ليس لانها قيلت في الخمر , بل بسبب قول الاخطل ( عليك امير المؤمنين امير ).
وكان الاخطل وهو مسيحي , يرفض دخول الاسلام لانه كان شغوفا بالخمر . وكان بعض الولاة من المسلمين يحدون شارب الخمر .

ومن الاشجار التي قدسها الساميون النخيل والرمان والزيتون والكروم ..وقد كان النخيل مقدسا عند الهة الحب والولادة ايزيس المصرية , التي تقابل عشتار , او اللات .وقد عثر على منحوتة خشبية للالهة آرتميس كانت تعلق على شجرة مقدسة على نحو ماكان عرب الجاهلية يفعلونه .وهذه الشجرة تشير الى الموضع الذي ولدت فيه , بعد ان اتكات امها الى جذعها عند المخاض .

ويقال ان الاله النبطي (دوشرا ) ولد تحت نخلة , مثلما ولد الاله الكنعاني ادونيس من شجرة المر .
وفي الاية (22) من سورة مريم اشارة الى ان المخاض جاءها , اي مريم ابنة عمران ,عند ولادة ابنها عيسى ( يسوع المسيح )تحت جذع نخلة :
( فاجاءها المخاض الى جذع النخلة ) .
من هنا جاء تقديس العرب قبل الاسلام لبعض الاشجار وثمارها ولمنتوجات هذه الثمار ومنها الخمور والنبيذ .

مقالات ذات صلة:

مقالتنا ( الخمر واشكالية تحريمه في الاسلام ) , وعلى الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=444549

#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات