|
الحزب الثوري بين الفندقة والحندقة
مصطفى مجدي الجمال
الحوار المتمدن-العدد: 4672 - 2014 / 12 / 25 - 15:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
في أجواء ما بعد نكسة 1967 أدركت أجيال جديدة من الشباب اليساري- الآتين من روافد مختلفة- وكذلك بعض اليساريين القدامى أن نظام عبد الناصر يجب أن يدار بطريقة أخرى (وهذا هو الحد الأدنى).. وبعد وفاة عبد الناصر ومجيء السادات (وخاصة بعد حرب أكتوبر) تطور وعي اليساريين الجدد- والقدامى إلى حد ما- إلى أن النظام لم يعد يخصهم.. ومن ثم ضرورة التغيير الثوري.. وبالطبع فإن التغيير الثوري يتطلب حزبًا ثوريًا، وكان مجرد ذكر اسم حزب أو الدعوة لبنائه مغامرة تجلب وجع الدماغ أمنيًا وحتى سياسيًا وفكريًا..
كانت السرية لا مفر منها.. فالتكوينات الأدبية أو النوادي الطلابية كانت واجهات وجبهات للحركة والعمل والتثقيف.. وأخذت الحلقات اليسارية تتقارب كل مجموعة منها مع بعضها على أساس من الثقة والانتماء التاريخي والاتجاه الفكري والموقف السياسي..
وبغض النظر عن الخلافات الفكرية والسياسية والشخصية.. لمحت مبكرًا أن هناك اتجاهين رئيسيين في الطابع التنظيمي للأحزاب المدعاة والمزمع إنشاؤها وقتذاك.. فرغم الادعاء بالطابع الطبقي للحزب- أي حزب منها- والاسترشاد المسجل في وثائقها "بالماركسية اللينينية"، كان من الواضح أن هناك اتجاهين يحكمان في الواقع حركة اليساريين حزبيًا منذ الأربعينيات.. فهناك باختصار (وربما باختزال متعمد مني) اتجاه يميل إلى التوسع في العضوية على حساب حتى البرنامج السياسي للحزب والمستوى الفكري والثقافي والنضالي للعضو.. واتجاه آخر يميل إلى التدقيق المبالغ فيه في العضوية وبخاصة التشدد في التثقيف النظري والهواجس الأمنية المرضية..
أزعم أنني اجتهدت- فيما بيني وبين نفسي وقتها- في محاولة فهم وحل هذه المعضلة.. فتوصلت إلى أن عجز البرجوازية المحلية عن قيادة الثورة "الوطنية الديمقراطية"- بأفقها الاشتراكي- إلى مصيرها المحتوم في عصر الإمبريالية (نتيجة طابعها الطبقي الرث والتابع أيضًا).. وكذلك عدم نضج الحركات العمالية والشعبية الثورية بما يكفي لتولي زمام القيادة (لأسباب أمنية ونقابية وتنظيمية).. وأيضًا ما أحدثته الحقبة الناصرية من توسيع قاعدة الفئات المتوسطة والبرجوازية الصغيرة.. أدى هذا كله إلى ازدحام ساحة وقيادات الحركات اليسارية بكوادر من البرجوازية الصغيرة، وهي فئات تميل بالطبع إلى النشاط الفردي أو الحلقي الضيق.. وتتوجس من التوحيد والعمل المنسق والمنظم على نطاقات واسعة..
كانت النتيجة الطبيعية هي تعثر الوحدات التنظيمية دائمًا بعقبات فكرية وسياسية وتنظيمية.. لكني أزعم أن الجانب الشخصي كان أساسيًا أيضًا، وإن تفنن أصحابه في التسربل بالخلاف الفكري أو الاختلاف في المواقف التكتيكية.. وحتى عندما كانت تتم وحدات بين حلقات تحت ضغط القواعد المناضلة في الواقع فإنها كانت تتم على أساس من المحاصصات الحلقية والشخصية.. لذا كان الشقاق والتوجس واصطناع وتضخيم الخلافات من أهم العيوب التي أودت بتنظيمات كانت واعدة..
وقد مرت الحركة اليسارية المصرية في ربع القرن الأخير (تحديدًا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي) بتطورات تراجيدية تمثلت في منظمات اندثرت بعدما "وضعت بيضها" كله تقريبًا في سلة الحركة الطلابية والثقافية، ومنظمات دمرتها الاتهامات الأمنية المتبادلة التي زادت السرية المفرطة من خطورتها وتأثيرها، ومنظمات وقعت في مصيدة الازدواجية مع أحزاب علنية هي في الحقيقة جزء من النظام لا ثائرة عليه.. وبرزت منظمات جديدة أرادت الاستفادة من سقوط "الستالينية السوفيتية" لتروج لأفكار قطاعات هامشية في اليسار الأوربي المتطرف، إلى حد الدخول في تحالفات مع جماعة الإخوان المسلمين..
وفي ظني أن الأمور ازدادت التباسًا مع جنوح كثير من الكوادر اليسارية المنفرطة إلى النشاط في المنظمات الحقوقية والدفاعية الأهلية (بكل المشاكل المرتبطة بها من حيث التمويل والأجندة والعمل غير التطوعي..).. بينما اندفعت قطاعات كبيرة من اليساريين الأفراد والمنظمين أيضًا للانخراط في حركات ليبرالية سياسية.. وكان للأخيرة دور مهم بالطبع في التمهيد لثورة 2011 إلا أن خطورتها تمثلت في اعتبارها- عمليًا- بديلاً وتعويضًا عن البناء الحزبي الثوري..
أقفز هنا بسرعة إلى الوضع الحالي.. وأهم سماته هي دخول قطاعات واسعة (من الشباب أساسًا) إلى صفوف اليسار على مختلف المستويات الفكرية والسياسية والحركية.. وفي الوقت نفسه استعاد الكثير من "طيور اليسار المهاجرة" إلى ما يسمى "العمل المدني" والنشاط الفردي. استعادوا انخراطهم في العمل الحزبي.. لكن تعقيدات مسار الثورة المصرية في السنوات الأربع أسهت في مزيد من المشكلات بالنسبة للتآلف بين كل هذه "الأخلاط"..
فكيف حاولت القيادات اليسارية التعامل مع هذه المشكلات القديمة والمستجدة؟
تصور البعض أن تحقيق "الجماهيرية" وزيادة التأثير تتطلب حزبًا واسعًا بالضرورة بمعنى التساهل في شروط العضوية، والصياغة "الأكروباتية" للمقررات السياسية بما يرضي الجميع، ولا مانع أيضًا من تعدد المواقف والأجنحة "المشروعة تنظيميًا" داخل الحزب الواحد.. أي أن يشبه الحزب فندقًا متعدد الغرف والأجنحة!! لكن التجربة أثبتت عقم هذا التصور حيث أفضى إلى الانقسام أكثر مما أنتج وحدة..
بينما تصور بعض آخر أن التشدد والتدقيق في الصياغات (ومن ثم الاختلافات) السياسية هو الأهم حتى لو أصبح الحزب "محندقًا" أو حتى مجهريًا، الأمر الذي يشبع رغبة القادة في الرضا عن أنفسهم، وأنه من الممكن الاستعانة بالانتشار الإعلامي لتعويض ضآلة العضوية وانسحاباتها ونقص الاشتباك مع الحركات الجماهيرية..
مشكلة قائمة وكأداء.. يؤسفني القول إن الجوانب الشخصية طاغية وطافحة فيها أيضًا.. وقد آن الأوان لأن نخرج من هذا الوضع التنظيمي المتعثر والمخزي.. لأنه ليس لائقًا بحجم الثورة المصرية.. وليس جديرًا بتحديات الثورة المضادة القائمة والمقبلة.. كما أن الخلافات المدعاة نفسها آخذة في الانحسار..
الثوري الحق هو الذي يتعلم من التجربة.. والغريب أن التجربة ذاتها متكررة.. لكننا- كبرجوازيين صغار- لا نحب أن نتعلم..
الخلاصة أن من سعوا إلى الحزب الواسع جدًا دخلوا في محن متتالية من المشاكسات الداخلية التي أفقدتهم الوحدة والجماهيرية.. وأن من حرصوا على "النقاء النظري والتنظيمي" قد ازدادوا عزلة..
لذا تتوجب الوحدة فورًا بين من يتفقون على استراتيجية واحدة، ويجب أن يقوم فورًا حزب لليسار المصري يتمتع بوحدة الإرادة مع كفالة الديمقراطية الداخلية المرنة..
#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرفت عبد الغفار شكر
-
يا يساريي مصر اتحدوا
-
رؤوف عباس وخطى مشاها سريعا
-
ثوار الجزيرة
-
لا وطنية بدون العداء لأمريكا وأتباعها
-
الاستقلال عن التسلط وفزاعاته
-
الكراهية العربية المتبادلة مكسب صهيوني مجاني
-
وطنيون لأننا نريد التحول الديمقراطي والاجتماعي
-
لا تجعلوا انتخابات الرئاسة تفقد الثوار وحدتهم
-
صحافة آخر زمن
-
انتخاب رئيس أم الانتصار لمنهج ثوري؟
-
تثقيف خالٍ من الكهنوت والتسطيح
-
تداعيات الذاكرة على هامش سقوط بغداد
-
نداء شبه أخير
-
اضحك مع نزع الملكية الفكرية
-
الكاريزما من الانقلاب إلى الصندوق.. درس شافيز
-
عن شعبوية شافيز وغموض السيسي
-
من كتيبة المجهولين- اليساري بالسليقة
-
مستقبل مغامرة السيسي
-
لا تكرروا خطيئة التحالف مع الشاطر إخوان
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|