سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4672 - 2014 / 12 / 25 - 14:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (40).
الإنسان أبدع فكرة الإله لتفى إحتياجاته النفسية والوجدانية والمعرفية ,وليعبر بها دوائر الغموض والألم والحيرة من وجود غير معتنى فكانت الفكرة تعبيراً حقيقياً عن تلك الإحتياجات تبغى ملاذ وراحة وأمان فى عالم مادى يقذف بقسوته .
تتشعب الفكرة لتتسلل وتستوعب كل مفردات الجهل الإنساني وليتماهى الإنسان فيها ليرفع سقوف أوهامه حداً يصل منح الفكرة حالة من الإستقلالية والوجود بالرغم أنها فكرة كل صورها ومفرداتها وبنائها جاء من الدماغ .!
تعتبر الأديان والمعتقدات الحديثة المتمثلة فى اليهودية والمسيحية والإسلام أكثر الأديان التى فتحت آفاق هائلة لفكرة الإله بالرغم أنها مارست عملية تشخيص الإله بل وهبته صفات الإنسان إلا أنها أطلقت الصفات من عقالها لتمنحها معايير كبيرة وخطوط غير منتهية لتتمدد الفكرة ويصير لها الشمولية ولتتهور الأديان ويزيدها رجال اللاهوت تهوراً بمنح الصفات الإلهية الإطلاق واللامحدوية حتى تصبح فكرة الإله ذات وجود لانهائى مانح المفارقة والتعظيم والتبجيل .
تمديد الفكرة لتنطلق فى اللامحدودية واللانهائية والمطلق أصاب الفكرة فى مقتل لترتبك وتدخل دوائر العبثية فهى لاتتحمل الإطلاق بحكم أنها بشرية الرؤية والفكر والمنحى ليكون عملية مطها فى اللانهائى هو تقويض للفكرة ذاتها لتحلق فى التناقض والعبثية واللامعنى.. دعونا نتناول فكرة الإله وفقاً لمعطياتها التى صدرتها منظومة الفكر الدينى الذى روج لفكرة الإله المطلق اللامحدود مع تعاطينا لمفردات الفكر المنطقى العقلانى الفلسفى فهذا ما نملكه للتعامل مع فكرة الإله لنتبين أن الفكرة قد أصابها الإرتباك لتدخل فى دوائر اللامعنى والعبثية .
سيكون نهجنا فى تفنيد وجود إله من المعطيات والفرضيات التى تساق عنه فمنها سنحظى على التناقض الذى ينفى وجوده فلن يكون لنا تصور خاص ننقد على أساسه خارج معطيات فكرة الله بل من أحشاءها ومكوناتها وفرضياتها ومفرداتها ذاتها , كما سنتطرق فى نهاية هذه المجموعة إلى تفنيد حجج الدينيين المتهافته عن وجود إله.
هذه 15 حجة أخرى تفند وجود الله سبقتها 5 حجج فى الجزء الأول فى إطار 50 حجة نستكمل بقيتها فى الأجزاء القادمة.
* 6- الله بين الغاية والعبث .
الانسان كائن عاقل واعي يضع لنفسه دوماً غايات ويخطط لتحقيقها فهو لا يقوم بأى فعل حياتى إلا ليحقق غاية ما وغاياته دائماً خاضعة لأسباب ,فكل فعل يفعله لأجل غاية ما، ولسبب ما، وذلك السبب هو المحرك والدينامو الذى يدفعنا للفعل ولولاه ما كانت هناك حياة ,فالحياة هى البحث عن غاية سواء بشكل عاقل منظم ومعقد وثرى كالإنسان أو بشكل غريزى كالحيوان فهكذا هو الإنسان لنسأل هنا: هل الإله على نفس شاكلة الإنسان باحثاً عن تحقيق إحتياجاته وله خطط وغايات تبغى التحقيق ,فلماذا قام الله بخلق الحياة والوجود فألا يدل فعل الخلق عن افتقاره وحاجته لذلك الفعل أو لنتائج ذلك الفعل باحثاً عن غاية ,وهذا ماصرح به القرآن بأنه خلق الإنس والجن ليعبدون وأفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وإنكم إلينا لاترجعون ,ولكن هذا يتناقض مع كماله وغناه ونزاهته فهو هنا كالإنسان واقع تحت الحاجة والطلب والإحتياج والأسباب ليحدد له غاية .!
إذا نفيت عن الله الإحتياج لكونه كامل منزه عن طلب الحاجة والغاية فستدخله فى دوائر العبثية واللامعنى فهو يصنع أشياء ويضع خطط بلا هدف ولا حكمة ولا تدبير كحال الطبيعة التى تنتج منتجاتها بعشوائية بلا غاية ولاخطة ولا ترتيب .!
* 7- الله كلى المعرفة والحكمة .
لا يمكن أن يكون الله كلى المعرفة والحكمة فى ذات الوقت فكونه كلى المعرفة و يعلم مصير كل إنسان قبل أن يخلقه أكان فى الجنه أم الجحيم بغض النظر أنه من هيأ له سُبل الهداية والضلال أم لا فهو يعلم أن هذا مصيره الجنه وذاك مصيره الجحيم فهنا تتلاشى أى معنى للحكمة الإلهية فنحن أمام عمل عبثى بلا معنى أو ذو مردود بالنسبة له فماذا أفادته أن تتحقق معرفته أن هذا فى الجنه او ذاك فى الجحيم .!
* 8- هل الله خلقنا على صورته أم نحن من خلقنا الله على صورتنا.
معظم الصفات الإلهية ترتبط إرتباط وثيق بوجود الإنسان , فصفات كالرحيم والغفور والمعز والمذل والهادى والكريم و...و.. ألخ هى صفات إنسانية فى الأساس مرتبطة بوجود الإنسان على ظهر الأرض وما يثبت أنها حكر بشري أنك لا تستطيع القول أن الله غفور ورحيم وكريم ومحب ورازق الخ قبل عملية الخلق المُفترضة وظهور الإنسان على مسرح الحياة ,فهذه الصفات لن يكون لها وجود .إذن صفات الله لها نقطة بداية ومنها بدأت مما ينفى فكرة أنها مطلقة لانهائية وغير محدودة .
الصفات الإلهية صفات أبدعها الإنسان القديم وأصبغها وأسقطها على إلهه وأعتقد أن مشكلة الفكر الدينى تأتى من الفقهاء والكهنه الذين أرادوا أن يجعلوا لصفات الإله عدم المحدودية والإطلاق حتى يكون متمايزاً مفارقاً عظيماً فلم يكن لهم خيار آخر فإذا لم يفعلوا هذا لا يكون الإله إلهاً وسيتحدد كوحدة وجودية شأن أى وحدة وجودية أخرى .
السؤال الشائع : هل خلق الله الإنسان على صورته أم الإنسان من خلق إلهه وفقا لتصوراته ؟!.
فكرة خلق الله الإنسان على صورته لن تستقيم مع كونه إله ذو طبيعة مغايرة عن طبيعتنا فلا يوجد أى وجه أو شَبه أو صلة تقارب فنحن طبيعة وهو طبيعة مغايرة تماماً علاوة أنه ليس كمثله شئ أى لو كان صاحب صفات فلن تكون كصافاتنا .
القول أننا خلقنا الإله على صورتنا فتستقيم فقد وضعنا فيه كل صفاتنا المأمولة فهو عادل ورحيم ومنتقم ومحب وغنى وكريم ووووو .. فأليست تلك صفاتنا ومنحناها إياه وهذا يعنى أننا خلقنا الإله .. وعندما يتفذلك المتفذلكون ليقولون أن الإله هو الذى منحنا الصفات فنرجع ونقول لهم بأن عليكم أن تتذكروا أنه من طبيعة مغايرة غير بشرية غير مادية وليس كمثله شئ ولتتابعوا معنا التناقض الذى يحل عندما تتمدد الصفات البشرية فى المطلق .
* 9- الله مطلق القدرة ومطلق المعرفة .
الله مطلق القدرة ومطلق المعرفة أيضاً فمن احشاء هاتين الفرضيتين يكمن التناقض والإشكالية والإستحالة ,فمطلق المعرفة يعلم كل ما كان وما سيكون بكل التفاصيل الدقيقة ,ومطلق القدرة تجعله يفعل كل مايريد فى المستقبل فلا يحوله شئ ولكن إذا إستطاع أن يغير ويبدل بحكم أنه كلى القدرة فهو حينها لن يكون كلى المعرفة !! ,وإذا حقق دوماً معرفته كما قدرها فلن يكون كلى القدرة .!
خلاصة القول : هل يقدر الله على تغيير أمر يعلم وقوعه في المستقبل؟
فإذا كان الجواب بـ (نعم) يقدر : فالله هنا قادر وحر وليس مطلق العلم كونه يجهل التغيير .!
وإذا كان الجواب بـ (لا) يقدر : فالله هنا ليس مطلق القدرة كونه مُقيد بما يعلمه ولا يستطيع الحيد عنه .!
* 10- تناقض الرحمة والعدل فى المطلق .
لو افترضنا أن الرحمة لانهائية، فلا يمكن القول أن العدل لانهائي في نفس الوقت. فعلى الرغم من كون الإثنتان صفات جيدة، إلا أن تطبيق كل واحد منهما فى اللانهائية المطلقة بلا توقف سيجلب التناقض واللامنطقية .. لماذا ؟!
العدل المطلق يستحيل أن يتحقق فى رحمة مطلقة والعكس صحيح منطقياً أيضا فتحقيق العدل فى المطلق وتفرده يعنى أن أى فعل بشرى حتى ولو كان بسيطا تافهاً فسيتم حسابه وتوقيع الحكم والقصاص فيه وهنا لن تتحقق الرحمة , وكذلك لو تم تفعيل الرحمة المطلقة فلن يعاقب الإله أى فعل مهما كان كبيراً ,فالرحمة والمغفرة المطلقة ستقبله وبذا تتوقف العدالة تماماً لذا يستحيل أن يتم تفعيل العدالة والرحمة المطلقة إلا بتعطيل إحداهما عن الحضور والفعل ,ولكن هذا الـ"تعطيل" يبطل لانهائية الصفة ,فاللانهائي لا تتعطل فيه فعل الصفة مهما كانت الظروف , وعليه فلا يمكن إعطاء الصفات الثبوتية قيمة مالانهائية لما ينتج عن ذلك من إضطراب في التصرف وعدم الحكمة.
على المؤمن المعترض الذي يقول أن العدل والرحمة موجودان معاً في الله وأنهما يكملان بعضهما البعض أن يدرك أن هذا لا يمكن تحقيقه في حال إذا كان العدل و الرحمة مقدارهما مالانهاية غير محدودة , فيجب أن يكونا محدودان ونسبيان بحيث تفسح كل واحدة منهما المجال للأخرى للفعل كما فى سلوك الإنسان وهذا يعنى إستحالة أن يكون الله لانهائي العدل والرحمة فى ذات الوقت .
فى نفس السياق صورة أخرى للتناقض : فكيف يتحلى الله بالرحمه المطلقة إلى جانب التجبر والإنتقام المطلق . !
* 11- الله العظيم .
هل نحن من نصف الإله أم الله يحمل فى ذاته صفاته ليعلنها لنا .. إذا كان الله يحمل فى ذاته صفاته منذ الأزل ويخبرنا عنها فكيف يعتبر نفسه عظيماً قديراً إلى آخره من الصفات التبجيلية ,فكيف أدرك الله أنه عظيم وهو واحد أحد وحيد متفرد صمد لا يشاركه الوجود آلهة أخرى حتى يكون فيهم العظيم عليهم .!
الصفة تتحقق من وجودها وسط وجود يكون النقيض متواجد وإلا فنحن أمام الهراء والعبث بعينه ,فأنا لا أستطيع وصفك بالكريم أو العظيم أو العادل الخ وأنت تعيش على الكرة الأرضية وحيداً لوحدك متفرداً , فالصفة لكى تتحقق لابد من وجود حيّ تتحقق فيه صفات أخرى ضدية تميز الصفة وتحقق وجودها أى يكون هناك بخيل أو حقير أو ظالم لتكون أنت الكريم أو العظيم أو العادل ولكن المُفترض أن الله وحيداً.!
* 13- الله محبة .
من اجمل الصفات التى أسقطها الإنسان على الإله هى " الله محبة " ولنسأل هنا :هل المحبة فى ذات الله سرمدية أزلية أم أنها مُستحدثة , فلو كانت المحبة مُستحدثة بحدوث الإنسان كحالة منطقية من وجود المشاعر مع وجود من يستوعبها ,فالله يفقد ألوهيته عندما تَتحدد الصفة أو تُستحدث فلا تعرف معنى المطلق لتدخل فى دوائر البشرية حيث الحدود والبدايات والنهايات ,ولكن لو كانت الصفة فى ذات الله وكينونته متواجدة معه منذ الأزل ,فكيف تتواجد الصفة بدون المفعول به .. كيف يتواجد حب فى العدم بلا وجود لموضوع الصفة ولا فعلها , فهل أستطيع القول أنى أكره أو أحب فلان وهذا الفلان ليس له أى وجود .
* 14-الله الغاضب صاحب الانفعالات والمشاعر .
الله يغضب ويثور على الكافرين والأشرار ويرضى ويحب المؤمنين الأبرار وهذه الإنفعالات بغض النظر أنها بشرية المنشأ والهوى وكردود فعل فستنال من ألوهيته كونه صاحب مواقف إنفعالية متغيرة متفاعلاً مع الحدث الإنسانى متأثراً به .
الله مطلق القدرة وعالم بكل شيء ولديه علم الماضي والحاضر والمستقبل كما يؤمنون بينما المشاعر ردود أفعال وحالة وجدانية تنتج عن أحداث غير متوقعة فى الحياة , فكيف يمكن لإله مطلق القدرة أن ينفعل لتتفجر الإشكاليات فإذا كان الله يغضب أو يرضى فهل غضبه هنا جاء بعد الحدث الذى قام به الإنسان أم قبله .؟!
من المنطقى أن يكون الغضب الإلهى مواكباً للحدث ولكن وفقا للمعرفة المطلقة للإله فسيكون الغضب منذ الأزل ,فالله يعلم كل شئ ولديه هذا الحدث فى مدوناته قبل خلق الإنسان فهل غضب اثناء تدوينه للحدث أم أنه إنتظر الحدث ليغضب بمعنى هل الله ينفعل وقت الحدث أم إنفعل منذ الأزل..فإذا كان وقت الحدث فهذا دليل على بشرية الفكرة وهوانها فهو كحالنا ينفعل ويتأثر فى الحال وإذا كان إنفعاله منذ الأزل فلنا أن نتوقف أمام هذه الطبيعة الغريبة العبثية الغير منطقية التى تجعل غضبه من الكفار مثلاً قبل وجودهم بل مرافقة لوجوده الأزلى ولنسأل أيضا عن جدوى وتهافت هذا المشهد العبثى .
إذا أفترضنا كاتب سيناريو ومخرج فى نفس الوقت وكتب قصة فيلم وبدأ الممثلون في تمثيل هذا الفيلم وكان من ضمن أحداث الفيلم مشاهد مزرية فهل من الطبيعي أن يغضب وينفعل المخرج من الممثلين ,فمن المؤكد لن ينفعل ويحتد كونه من كتب هذه القصة وأعد سيناريوهاتها ويعلم بأن الممثل يقوم بهذا الدور وفق لما رسمه له . إذن كيف نفسر غضب الله منفعلاً وكأنه تفاجأ بالفعل من عبد يعلم مسبقاً أنه سيفعل ما فعله , إذا كان ولا بد من الغضب فالمُفترض أن يغضب عليه منذ الأزل لعلمه السابق لما يفعله لا أن تكون له ردة فعل مفاجأة ليغضب ويعاقب فأليس هذا المشهد سيضع الله فى العبثية والسخف .
* 15- الله مَالك المُلك .
الله مَالك المُلك، ولكنه مُلك من الوهم ، فماذا الذى يعطى قيمة ومعنى للملكية كونه فى حالة تفرد .. بالرغم أننا نردد كثيرا مقولة ان الله مَالك المُلك مَالك ما فى السموات والأرض فنحن نصوره هكذا كإقطاعى كبير يملك الأرض وماعليها لكن تلك المقولة غير منطقية وبلا أى معنى وتسخف فكرة الألوهية عندما تبحث فى معنى وتعريف الإمتلاك .
لا تتحقق الملكية إلا عندما يتنافس المتنافسون على الإستحواذ والإقتناء ليحرصوا على إثبات ملكيتهم بالعقود أو الإشهار فلو تخيلت نفسك وحيداً على كوكب الأرض فمن العبث والجنون أن تمشى صارخاً لتقول أنا مالك الأرض .! (بالرغم أن هذا حدث فى مرويات التراث الإسلامى). !
تنتفى الملكية بعدم وجود منافسين لك متنازعين على ملكيتك لذا لن تحتاج لتوثيق وإشهار تلك الملكية أما عندما تكون الأرض آهلة بالبشر فمن الممكن أن تصرخ وتهلل وترقص لإثبات ملكيتك .. الملكية شأن أى صفة لا تتحقق إلا بوجود الضد أى لن تَدرك أنك تمتلك إلا عندما ترى الآخرين فاقدى الملكية فلن تقول أننى أملك الهواء مثلاً لأن الجميع يشاركونك فيه.
الله كواحد أحد صمد لا يشاركه أحد فى الألوهية فلا ينافسه وينازعه آلهة أخرى منذ الازل حتى يُعلن أنه يمتلك الارض والسموات لذا تكون مقولة الله مالك مافى السموات والأرض هى اسقاط فكر بشرى تخيل الإله إقطاعياً .
* 16- الله حيّ
مقولة تُردد دوماً أن الله حيّ ,وعندما تستغرب من هذه المقولة ستجد الدهشة فى عيون المؤمنين ليقولون : وهل تتصور الله ميت .؟!
يا سادة مقولة الحيّ تعنى انه يتغير ويتطور ,وفى كل لحظة بحال مغايرة عن اللحظة السابقة ولن نقول أنه ينمو ويتنفس ويشرب ويتكاثر فهكذا كلمة حيّ .
الإشكالية أننا خلقنا فكرة الله ومنحناه صفاتنا ومنها الحيّ فليس من المعقول أن يكون الخالق ميت أو جماد فيصير الخالق أقل من المخلوق . ولكن معنى أن الله حي أنه غير كامل ,فالحى يتغير والكمال ثبات ومثالي المحتوى لذا توصيف الله بالحيّ إنساني عن جدارة ويثبت أننا من نرسم آلهتنا ليمنح الإنسان فكرة الإله صفاته ولم يدرك أن من المُفترض أن الإله ذو طبيعة مغايرة أى أن كل الصفات التى نطلقها عليه ليست بذات معنى ولكن ماذا نقول عن خيال فطرى انسانى برئ لم يفذلك الأمور حينها ليأتى الأحفاد ليقولون غير المحدود وغير المادى وذو الطبيعة المغايرة .
* 17- الله يُحيى ويُميت .
"لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " سورة الحديد 2 -"فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " البقرة 73 - "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ البقرة 258 .
تناولت فى مقال سابق المناظرة بين ابراهيم ونمرود لأركز على المحاجاة التى تبتعد عن أى منطق ,فإبراهيم ينسب للإله أنه يجعل الشمس تشرق من الشرق ويطالب النمرود أن يجعلها تشرق من الغرب أى أنه نسب ظاهرة طبيعية متكررة إلى الله حال دجل أصحاب التصميم الذكى , فماذا لو سبقه نمرود و نسب هذه الظاهرة له أو لإلهه ليطالب ابراهيم أن يجعل الله يأتى بالشمس من المغرب !!.. كان حرياً أن تكون الحجة هى تحدى الصعوبة فيقول إبراهيم هاهى الشمس تشرق من الشرق وغداً سيجعلها الله تشرق من الغرب ليأتى الدور عليك أو على إلهك فيجعلها تشرق من الغرب فى اليوم التالى .
سيعنينا هنا التعاطى مع الجزئية الأولى من الآية والتى تناظرها آية سورة الحديد بأن الله " يُحْيِي وَيُمِيتُ "وهى مقولة كبيرة تُردد بإستمرار وتعنى بالفعل القدرة الإلهية فإذا إنتفت قدرته على الإحياء والموات فلن يكون قادراً وحينها سيفقد الإله ألوهيته .. ولكن هل الله يميت الإنسان فعلا ؟!
الموت بيولوجي إما يكون موتاً سريرياً أى موت وظيفى كالإنعدام الفجائي لدوران الدم في الأوعية الدموية والتنفس أو يكون الموت بيولوجي دماغي وهو حالة إنعدام وتوقف وظائف الدماغ وجذعه والنخاع الشوكي بشكل كامل ونهائي أو يكون الموت عبارة عن تداعى وإنهيار وظائف الجسد نتيجة تهالكها أو إختراق فيروس يُسرع بإنهيارها أو نتاج حادث فجائى .. لنسأل هنا كيف يُميت الله الإنسان والأمور تتعلق بأمور عضوية بحتة يمكن التغلب عليها بالعلاج .
فى حالة الله يُميت فلابد أن تكون فى سيناريو ولكن هذا الأمر سيُفسد وينسف أمور كثيرة ستقودنا إلى عبثية وفساد الفكرة بالضرورة .. فالله سيُميت الجنين فى بطن أمه ليتدخل ويعيق نشوء الحياة والتكوين فيه , بل سيتعمد أن يُفسد أى فرصة له للحياة أو قد يدفع الأم دفعاً لأن تُجهض نفسها أى يسيطر على كل تلافيف دماغها لتندفع فى إجهاض نفسها ! ..كذلك يُمكن أن نعتبر الله يُميت عندما يُوجه الفيروس بشكل روبرتى فى جسد الإنسان ليوفر له كل سبل الحياة والرعاية والإنتشار والتوجيه ليخترق الجسد فى لحظة معينة حتى تتحقق إرادته وقدرته بالموت..أى أن الله يعبث فى أحشائنا حتى تختل ويتحقق الموت وتكون هنا أى محاولة للعلاج والتداوى هى مناهضة لمقدراته ومخططاته ومشيئته إلا إذا كان يحاورنا ويلاعبنا!
يُمكن إعتبار موت أحد المارة نتيجة إصطدام سائق سيارة به رغماً عن أنف السائق أو المار ,فالله رتب السيناريو كاملاً حتى يتحقق الموت ليتعمد إجبار السائق على الإصطدام بالمار.. بل يكون الله هو المُحرض الأول والأخير للقاتل على القتل وإلا لما تحقق الموت ,فلو ترك الأمور لمزاج القاتل فقد يتراجع ولا يتحقق الموت الذى حدده للمقتول فى اللحظة التى رتبها ليُهيمن الله على عقل وفكر وأصبع القاتل ليضغط على الزناد , ليكون القاتل هنا أداة لتنفيذ قصف العمر ولنسأل من يوجه المسدس ويفكر ويضغط على الزناد .. الأصبع هو أصبع القاتل والله قابع فى دماغه يوجه أمر إطلاق النار ويوجه عضلة الأصبع لتحقق الموت .. الله "يُحْيِي وَيُمِيت" مقولة متهافته ولكى تتحقق عليك ان تقبل بالسيناريوهات والمشاهد العبثية السابقة .!
* 18- الله والبعث .
خطأ منطقي آخر يقدمه الإيمان بفكرة الله أن الله يحيي العظام وهي رميم , ليعود الانسان بذاته كما كان ليقف أمام ربه ليحاسب بجسده وتكون المتعة والعذاب بالجسد الذى تم إستجماعه وتركيبه " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها" وهي آية يعتبرها البعض إعجازاُ بدل من خيال واهم ,فهل حقا يستطيع الله ان يعيد العظام وهي رميم و يعيد كل إنسان بذاته فأليس هذا استحالة علمية عقلانية منطقية .
إن جسم الانسان ذرات وجزيئات من مختلف الاشكال جاءت إلى البنية الجسدية من الطعام والشراب ,أي انها ذرات وجزيئات من مكونات الكثير من النباتات والحيوانات الاخرى. وعندما يموت الانسان يأكل جسده الديدان والطيور والحيوانات وتمتصه النباتات ثانية ,لتنتقل الجزيئات إلى أجساد بشر آخرين على مدى آلاف السنين لتنتقل هذه الجزيئات من أجساد الى أخرى، ليصبح الجزئ الواحدة متنقلاً ومشتركاً فى أجساد بضعة الاف من الاشخاص فأي منهم سيعيده الله بجسده وكيف ستكون الاجساد هي نفسها ومكوناتها مشتركة على الدوام .
أن يتمكن الله من إعادة فلان بجسده يتعارض مع إمكانية أن يعيد علان لأن المكونات المستخدمة هي نفسها فلايمكن ان تكون المكونات ذاتها في مكانين مختلفين بنفس الوقت، ويزداد التعقيد اذا كانت ستنتقل في بضعة آلاف آخرين من البشر .
* 19- الله كلى الخير والصلاح وكلى الشر أيضا .
بدايةً وجود الشر ينفى تماما كلى الخير والصلاح .
دعونا نتناول حجة ابيقور التى أطلقها فى أسئلة ولم يستطع احد أن يتصدى لها .!
هل يريد الله أن يمنع الشر ,لكنه لا يقدر ..حينئذ هو ليس كلى القدرة .!!
هل يقدر ولكنه لا يريد ..حينئذ هو شرير. !!
هل يقدر ويريد ..فمن اين يأتى الشر اذن. !!
هل هو لا يقدر ولا يريد ..فلماذا نطلق عليه الله اذن .!!
ثم ألا يوحي وجود الشر في العالم ان الله لا يمكن أن يكون كلي القدرة و كلي الصلاح في ذات الوقت وإذا كان الله عاجز أو يخطأ أو يسمح فكيف يعد إلهاً.
* 20- هل الله عاقل .؟!
عندما نلقى سؤال هل الله عاقل سنحظى بإندهاش من المؤمنين فكيف لا يكون الله غير عاقل فإذا كان الإنسان عاقل فسيكون الإله العظيم الخالق كلى العقل بكل تأكيد لتصب فى نفس الوقت مع الحجة التى يعتمدونها ويروجون لها فى تفسير الوجود والحياة بأنه إحتاج لمصمم عاقل لينفوا قول الملحدين أن الوجود مادى غير عاقل جاء من الفوضى والعشوائية .
إذن انتم ترون الله عاقل ولكن وفقا لمفاهيم التعقل ومعطيات الإله فلن يكون الإله عاقل !! .لماذا ؟.
العقل يقوم بالتعاطى مع مشاهد مختلفة ليقوم بترتيبها وتنظيمها وفق إحتياجاته ورغباته وأولوياته .. إذن العقل هنا يتعامل مع أمور خارجة عنه ليتأثر بها ويتفاعل معها فينظمها بطريقته بينما المُفترض أن الإله لا يكون كذلك فلا يتأثر بظروف خارجية عنه ولا يتفاعل معها فلا تكون الظروف أشياء خارجة عن خلقه ليتعاطى معها ويتأثر بها ويرتبها ,فالمفترض أنه خالقها .
العقل يتأثر بالعوامل الخارجية فيوازنها ويرتبها وفق أولوياته وإحتياجاته ودوماً وفق محصلة القوى المؤثرة والمفترض ان الإله لا يتأثر بالعوامل الخارجية ولا يوازنها ولا يخضع لمحصلة قواها وفى هذه الحالة لن يكون الله عاقلاً لكماله ونزاهته عن التأثر والخضوع والتوازن .
دمتم بخير.
من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع " .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟