|
احلى قصة حب
بلقيس الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 4671 - 2014 / 12 / 24 - 11:26
المحور:
الادب والفن
ارتعشت شفتاها بتمتمة، بدت معها وكأنها تمارس طقساً غامضاً من طقوس
العبادة ، والدها الصائم المصلي وحاج الحرمين عدّة مرات يسمح لابنته أن تدرس في ثانوية للبنين !
امتلأت بالزهو وهي تسير على الجسر المعلق، تسمع هدير الماء تحت الجسر، وزقزقة العصافير في أعالي أشجار النخيل. فجأة سرت في جسدها رعشة خوف لكنها استجمعت شجاعتها وراحت تدندن مع نفسها : ” لن أخشى الاختلاط وانا التي عشته منذ الابتدائية .. ”
كانت الوحيدة بين ثلاثين طالبا. وفي الصف التقته. كان طويلاً، ممتلئ الجسم مثل
فارس فارع الطول، شامخا. كان متفوقا على زملاءه، وسيما، ذو شخصية رزينة، وسرعان ما جعلها كل ذلك أن تهيم به.
ولأول مرة خاضت غمار تجربة الحب. ذلك الشيء الجميل الذي تسرب إلى الروح كطيف لطيف، بدأ قلبها ينبض كنبضات قلبه ، وهو سرعان ما تنبه لها، ما إن التقت عيونهما حتى شعرا بالإلفة، بالغرام، بالهيام، شعرت بشيء ما يشدها إليه بقوة، لكنها عجزت عن تحديد كنه ذلك الشيء، حتى بدا لها أنها تعرفه منذ أمد بعيد .. بعيد جدا.
ومنذ أول لقاء، بعيدا عن العيون المتطفلة، استحوذ على كيانها، شعرت أنها أسيرته، وبأحاسيس الأنثى أدركت أنه أسيرها أيضا.. ، كان لسانها يتأهب ليقول شيئاً .. لكن الكلمات ظلـّـت مشروعاً يصارع ليخرج من بين شفتيها .. شعرت كم كان الصمت جميلا، وبليغا .. اكتفيا بلغة العيون، تلك اللغة الصامتة.
كان الوقت يقترب من الظهيرة والشمس تختبئ وراء ستارة كثيفة من السحاب الرمادي. استلقت على سريرها وراحت في إغفاءة قصيرة، أحسّت بعدها أن يداً توقظها برفق. وحين فتحت عينيها، جابهت وجه زوجة أخيها بابتسامة وسمعت صوتها الهامس:
ــ سعد عند الباب ويريد أن يتحدث اليك .
نهضت فزعة، مرتبكة وبعد أن فركت عينيها قفزت نحو الباب مهرولة. تزاحمت في رأسها التساؤلات .. فوجئت بسعد يحمل لها كتابا .
ــ أحمد طلب مني أن أوصل لكِ هذا الكتاب. وبعد أن أطرق لحظة، اقترب منها كمن تذكر شيئاً وقال: ــ أمل، لو أن مشاعر أحمد نحوك ( س ) فما هي مشاعرك نحوه؟
وأجابته على الفور قائلة:
ــ طبعا ( س )
ثم صمتت قليلاً وقالت:
ــ بشرط أن تكون ( س ) الأخوة الصادقة.
ضحك سعد وقال:
ــ الأخوة أو الأبوة أو أ ي شيء آخر، المهم أنكما تتبادلان نفس المشاعر.
ــ الذي أرجوه منك أن يبقى السر بيننا ولا أريد أحداً أن يعرف !
ــ كوني مطمئنة . سرّكِ في بئر!
سلمها الكتاب وغادر. ومنذ تلك اللحظة بزغت شمس الحب في سماء حياتها، وشغل حبها له كل تفكيرها.عادت إلى غرفتها واستلقت على سريرها تتصفح الكتاب الذي أرسله لها أحمد.
قرأت أسطراً هنا وأسطراً هناك وهي مشوشة، وسرعان ما شرد ذهنها إلى كلام سعد " لو أن مشاعر أحمد نحوك ( س ) !!… ”
وفي 13 يناير التقت به سراً عند باب بيتهم .. أعلن عن حبه لها وفي آن واحد نطقا سوية بكلمة "أحبك ” . تبادلا عبارات الشوق والفرحة بهذا اللقاء. كانت فرحته بلا حدود وشعر أنها قريبة منه وفهم من كلامها ونظراتها مشاعرها نحوه.
اقترب منها وهمس في أذنها قائلاً:
ــ أحبكِ يا أمل ومنذ وقت طويل وأنا أتحين الفرصة لأفتح لكِ قلبي. ابتسمت بحياء وقالت: ـ قد لا أتقن مثلك حلو الكلام، لكني أبادلك كل المشاعر والأحاسيس التي تحملها
نحوي، ولو أصغيت إلى دقات قلبي لسمعتها تتحدث بلسانك وتحس بعواطفك. لقد
أحببتكَ منذ اللحظة التي رأيتكَ فيها .. كأن روحينا على موعد قد ضُرب منذ الأزل.
تناول يدها بين راحتيه وطبع عليها قبلة طويلة سرت حرارتها في دماء أمل.
أطرقت إلى الأرض بحياء وهمست خجلة:
ــ أعاهدك على الوفاء والإخلاص.
وفي الجامعة ورغم اللقاءات المتباعدة بينهما، لم يشغلها شباب الجامعة عن التفكير به للحظة واحدة، كانت تفكر بأنها خُلقت له وأقسمت أن تصون علاقتهما لتكون مثالاً للحب النقي في أحد الأيام، عادت أمل من الجامعة واستلقت على سريرها بعد تعب النهار،
سمعت إحدى الطالبات تنادي عليها:
ــ أمل أحد أقرباءكِ عند باب القسم الداخلي ويود رؤيتكِ.
ساورها في تلك اللحظة خوف غامض، وخشيت أن تنكشف علاقتهما، وفكّرت بطريقة ذكية لتبعد عنها شك زميلاتها فقالت بأنه قريبها وقد يكون قد جلب لها شيئاً من أهلها. ودون أن يلحظها أحد، فتحت خزانة ملابسها وأخرجت من حقيبتها ثلاثة دنانير ودستها في جيبها لتقول بعدئذ انه جلبها لها من اهلها . وهي تنزل السلم ، أحست بأن قلبها يدق بقوة، وتسمع دقاته عالية وبأن كل من كان حولها يمكنه أن يسمعه. مدّت يدها لتصافحه فتلقفها بحركة تفصح عن شوق عميق. أبقى يده في يدها برهة وظلّ صامتاً يحدق في عينيها الضاحكتين. إنه يتفحصها كما لو أنه لم يرها منذ سنين:
ــ ما لك تحدق بي هكذا؟ ــ عيناكِ .. ــ ما بهما عيناي؟ ــ عيناكِ الضاحكتان .. ” عيناكِ غابتا نخيل ساعة السحر ...” كانت تتلفت يمينا وشمالا خوفا من أن يراهما أحد. انحرفا في شارع فرعي ، وتحت ظلال الأشجار وعبق القداح، سارا كتفا لكتف وكانت تود لو أنها ترخي رأسها على كتفه وتسير مغمضة العينين وتمر بحلم جميل. تخرجت أمل وتعينت مدّرسة في مدينتها. انقطعت عنها أخباره كما انقطعت عنه أخبارها. تقدم الكثيرون لطلب يدها وكانوا جميعهم من ذوي الكفاءات، لكنها رفضتهم جميعاً ، معللة رفضها بأنها تريد أن ترتاح بعد عناء الدراسة. وانقضى عام وراودها هاجس البعد والفراق. وفي عطلتها الصيفية سافرت إلى بغداد لزيارة أختها وهي كلها أمل أن تلتقي به هناك. زارته في المستشفى دون موعد. ترددت وهي تقترب من استعلامات المستشفى، لكن حبها الصادق دفعها إلى هذا اللقاء. صعدت إلى الردهة التي يعمل فيها وقادتها إحدى الممرضات إلى غرفة جانبية في الردهة وقالت:
ــ انتظري هنا وسأعطي الدكتور خبراً بوجودكِ. جلست وراحت تجول ببصرها في أرجاء مكتبه، وعادت بها الذاكرة إلى الوراء ونقلها حلم اليقظة إلى أيام الثانوية والجامعة .. اقشعر جسدها وشعرت بالسعادة في آن واحد، وفجأة دخل أحمد الغرفة فقطع عليها تأملاتها. نهضت لتصافحه ، شدَ على يدها بحرارة وأخذت عيناه تتفحصها بتساؤل، وأبقت يدها برهة أسيرة يده، وظلت ساكنة تحدِق في وجهه . سحب كرسياً وجلس قبالتها ا. ساد الصمت لحظات، بعدها قالت: ــ آسفة قد أكون أزعجتك في هذه الزيارة المفاجئة، وقد أكون قد أخرتك عن عملك! ــ لا أبداً. كنتُ على وشك أن أنتهي من عملي قبل أن تأتي ، لكن ما سر هذه الزيارة بعد كل هذه القطيعة؟ ــ إنه الشوق إليك .. والشوق وحده دفعني للمجيء. أنا وأنت اجتمعنا على الحب مهما تأخرت لقاءاتنا. لقد أصبحتَ أنت وجودي في الحياة ونحن يا حبيبي نكمل بعضنا البعض، أليس كذلك ؟ لكني أخشى الاتصال بك خوفاً من كلام الناس، و أنتَ تدرك معنى علاقات الحب في مدينتنا، والمجتمع التقليدي، وأظنك تشاركني هذا الرأي.
ــ نعم أشارككِ رأيكِ، لكن انقطاع أخباركِ عني، أخذني إلى هواجس كثيرة، هواجــــس محب يخشى على حبيبه خاصة وقد سمعت أن الكثيرين تقدّموا لطلب يدكِ. بقيت أمل مطرقة دون حراك ولم تصدق ما سمعته. صمتت وهي تنظر في وجهه دون أن تقول شيئاً. شحب وجهها قليلاً وهي تستسلم لحزن يعيش في داخلها، دون أن يظهر على ملامحها. .تسارع نبض قلبها، شعرت بدوار، انتابتها أحاسيس غريبة. صمتت، وأطلقت تنهيدة طويلة، دفعت بخصلة شعرها خلف أذنها، ونظرت إلى ساعتها. ــ هل أدرككِ الوقت؟ ــ لا. لدي متسع منه، لكن ما الفائدة من بقائي فترة أطول؟ ضحكت ضحكة مفتعلة، ولوت شفتها السفلى ونهضت، وبحركة متوترة غادرت بسرعة. شعرأحمد بانقباض فترك كرسيه ولحق بها بخطوات سريعة، أشاحت بوجهها وأسرعت الخطى تنزل السلم وغادرت المستشفى. وفي الشارع داهمها ضجيج السيارات وحركة المارة، رفعت منديلها لتمسح العرق المنساب على جبينها، كأن غشاوة من ضباب ينزل على عينيها، وأوشكت أن تسقط، لكنها تمالكت نفسها، وسارعت الخطى نحو الباص . .ألقت بجسدها المنهك على الكرسي تحدقُ طويلا في الطريق. دارت في رأسها تساؤلات عديدة لا تعرف لها جواباً. ومع لفحات هواء تموز الساخنة، عادت بها ذاكرتها إلى اليوم الأول يوم صارحها بحبه .. وأحسّت كأن صوته يرن في أذنيها ” أحبكِ يا أمل وأصبحتِ وجودي وكل حياتي .. أحس بالسعادة معكِ و .. و .. ” أفاقت فجأة من تأملاتها على صوت توقف الباص في محطته الأخيرة. نزلت وشعرت بحاجتها إلى الوحدة وأنها بحاجة إلى وقت لتهتدي إلى قرار صائب ينتشلها من حيرتها فعادت لبيت أختها. جلست على السرير متكئة بظهرها إلى الجدار وشعرت بهدوء يتلبسها، وفجأة بدت وكأن يداً تعتصر قلبها ثم انفجرت ببكاء صامت. لازمها صداع قوي، استلقت على ظهرها وفتحت أزرار قميصها العلوية، عقدت يديها تحت رأسها وتنفست بعمق وغرقت في بحر ذكرياتها كما يغرق المرء في حلم لذيذ وراحت تبكي بصمت وتردد متسائلة مع نفسها:" أما زلت تحبيه يا أمل؟؟ " ولم لا وقد أصبح هو وجودها في الحياة، أوشكت أن تناديه، لكن صوت أختها وهي تناديها للغداء قطع عليها أفكارها:
ــ لا رغبة لي في الطعام ، لقد تناولت ساندويتشاً وأنا في طريقي إلى البيت.
عادت ودخلت من جديد في زحام الأفكار. تراءت لها صورته وهو يصارحها بحبه.. وبأنها حبه الأول والأخير.” يا إلهي هل يمكن للحب أن يولد وينمو ويزدهر ثم يموت فجأة هكذا؟ "
إنها ذاتها الهواجس التي تراودها، كلما تضاعف حبها وتمسكها به، فهي تتسائل مع نفسها ترى هل أصدق أنه تغير؟هل .. وهل؟ أسئلة كثيرة ومضطربة تجول في داخلها. قلبها الوحيد وإحساسها الذي لم ولن يخطأ أنه يحبها دون شك وراحت تدندن مع نفسها:" لا مستحيل قلبي يميل ويحب يوم غيرك .. " حاولت أن تهون على نفسها وأن لا تدع الجزع يدخل إلى قلبها، ومر عام آخر ولم تسمع منه أو عنه شيئاً، تقدم كثيرون لخطبتها، ورفضتهم جميعا، أنهى الخدمة العسكرية وعُينَ طبيباً في المدينة التي تعمل فيها. ومن إحدى صديقاتها المدرسات، عرفت أمل أنه يسأل عنها. انتهزت الفرصة واتصلت به هاتفيا لتهنئه على التعيين.
ــ ألو ألف مبروك على التعيين! أتمنى لك التوفيق. ــ شكراً أمل. ــ عرفت صوتي، ظننتك نسيته! ــ كيف أنسى صوت من تسكن قلبي! من الضروري أن أراكِ وفي أقرب فرصة. ــ طيب سوف ألقاك غداً. أغلقت الهاتف وراحت تدندن مع نفسها" أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غد .. " وبين القلق والدهشة والفرح، اختلقت لنفسها عذراً كي تخرج من البيت وحدها. أحست أن بندول الساعة قد انتقل إلى قلبها فجأة من أقصى اليمين إلى اقصى الشمال. بدأ فمها يجف بالتدريج وطرف لسانها أصبح مثل قطعة خشب تمر على شفتيها بحركة بطيئة، عندما دخلت الزقاق حيث يقع بيت أهل أحمد تعثرت خطواتها وسرت رجفة في ركبتيها، وحين اقتربت من الباب الخشبي توقفت دون أن تجرؤ على طرقه. شعرت وكأن جسمها يهتز ويرتجف، تملكتها الرهبة باقتراب موعد اللقاء .
" ضروري أن أراكِ وفي أقرب فرصة …" هي العبارات ذاتها التي قالها لها عبر الهاتف. ترددت قبل أن تطرق الباب. تسارع نبض قلبها وانتابتها أحاسيس غريبة جعلتها تتردد في اللقاء همست مع نفسها " ماذا تفعلين يا أمل؟ هل نسيتِ أنكِ تعيشين في مدينة لا يخفى فيها شيء ؟ الحب ممنوع ومحرم، وستكون قصتكِ على كل لسان!. " وفي لحظات قلقها ، بدأت تهيء نفسها لاستقبال الحدث.” الحياة بلا حب .. بلا خفقان قلب .. بلا شغف إلى اللقاء ليست هي الحياة. أنا أحب .. أنا أعشق وحبي ليس جريمة. " همست مع نفسها. وبلهفة وحنين وشوق ودعاء وظنون وخوف، طرقت الباب. فتحته أمه واستقبلتها بحرارة وشعرت أمل أن خيطاً خفياً يشدّها إلى هذه المرأة الرائعة التي تبحث عن سعادة ابنها
وما إن رآها أحمد حتى سارع لاستقبالها. جلس قبالتها وراح يحدثها عن الماضي الجميل وعلاقتهما الصادقة، رغم ما اعتراها من صعوبات وفتور بعد تخرجهما من الجامعة. وفي أحد الأيام، كانت في زيارة إحدى صديقاتها وهناك التقت امرأة تقرأ الكف. مدّت أمل كفـّـها لتقرأه لها. أمسكت المرأة كف أمل ونظرت فيه بتمعن ثم رفعت عينيها في وجهها وقالت "هناك شاب في حياتك، يحبكِ وتحبينه. ستتزوجان وتنجبان وتخلصان لبعضكما وتعيشان بسعادة كبيرة.” وسكتت. فأسرعت أمل تسألها: ــ وماذا غير ذلك؟
ــ يؤلمني أن أقول لكِ أن هذه السعادة لن تدوم طويلاً.
خالج أمل قلق كبير وعادت مسرعة إلى البيت. القت بنفسها على السرير وراحت تفكر بما قالته قارئة الكف، لكن أمها قطعت عليها تفكيرها.
ــ لقد كانت عندنا والدة أحمد. جاءت لتطلب يدكِ لأحمد.
تظاهرت أمل بعدم الاكتراث بالموضوع وأخبرت والدتها بأنها لا تفكر في الزواج في الوقت الحاضر. طلب أحمد يدها من والدها، لكن الوالد رفض. و لم يستسلم أحمد بل راح يسأل عن عناوين أخوانها في بغداد علـّـه يستطيع أن يقنعهم. آذار .. شهر الخير والعطاء، غداً عيد نوروز، قطار النهار يحملها إلى بغداد والقطار الليلي يهدهده، موعوداً بالعرس والطيب. صباح نوروز كان الأربعاء من أيام الأسبوع حين قام أحمد بزيارة أخيها ليطلب يدها منه .
استقبله أخاها بحرارة، لكنه لم يعطه وعدا. وفي المساء استدعاها أخوها وحدها وقال لها: ــ اليوم زارني أحمد، زميلك في الثانوية وطلب يدكِ مني .أنا لم أعده بشيء قبل أن أسمع رأيكِ . احمرّت وجنتاها وردًت بخجل قائلة: ــ إنه شاب ذو أخلاق رفيعة وسمعة طيبة وثقافة عالية وينتمي إلى عشيرة معروفة بوطنيتها. لم تجرؤ أن تقول لأخيها بأنها ترتبط بأحمد بعلاقة حب منذ عشر سنوات. ــ أفهم من كلامكِ أنكِ موافقة ! ــ أجل، بعد موافقة العائلة. الخامس من نيسان، الربيع ينفث أنفاسه مع نسمات الدفء، ومع حلول الثامنة صباحاً وصل أحمد إلى بيت أختها واصطحبهما زوج أختها وأخيه وأختها الصغرى إلى المحكمة لعقد القران. جلست إلى جانبه في السيارة ويكاد الصمت يطبق على كل شيء، إنه صمت مشحون بأحاسيس الربيع والحب. توقفت السيارة أمام محكمة الكرخ. كان أحمد متألقاً، لكن مسحة من القلق تغطي وجهه كلما نظر إلى حبيبته .. أحقاً ستصبح أمل التي أحبها منذ عشر سنوات زوجته؟! سأل القاضي إن كان الزواج بمحض إرادة الطرفين. نظر الحبيبان أحدهما إلى الآخر وضحكا في سرهما. نعم إنه لا يعرف أن وراء ذلك قصة حب، نسجا خيوطها منذ عشر سنوات وأخفياها عن أعين الحاسدين واللئام، وطرزاها بالأمل والإخلاص . كانت فترة خطوبتهما قصيرة لم تتجاوز الثلاثة أشهر. ولم يمر يوم دون أن يزورها ويتناول العشاء معها، وأصبحت زيارته جزء من حياتها اليومية، وكانت تنظر إليه وتتأمل في عينيه فلا تجد فيهما إلا الصدق والإخلاص والوفاء. وكانت تبادله هذا الصدق والوفاء، وتعد معه الأيام التي ستنتقل بعدها إلى عشهما الصغير.
وفي الأول من تموز 1973 ، عقدا العزم على الاقتران كزوجين بعد قصة حب عنيف.أمسية الزواج بعد ثلاثة اشهر من الخطوبة، جلسا متجاورين في السيارة التي تقلهما إلى الفندق وهما يشعران بروعة هذه اللحظات وهما على عتبة حياة جديدة خططا لها قبل عشر سنوات. واستطاعت أمل بقلبها الكبير أن تحافظ على هذا الحب. كان دائما يذكر لها قائلاً: "سنوات مضت من عمري وأنا برفقتكِ. كنتِ فيها مثال الحبيبة والزوجة والأم والصديقة والرفيقة الوفية المخلصة ..”
يسألونه هل تحبها؟ ويجيب:" أحبها حباً جنونياً وسنوات الزواج زادت من حدة هذا الحب "
وجاءت طفلتهما سمر، كانت امتداداً لحب لا ينتهي. وسرعان ما تحققت نبوءة قارئة الكف، فقد رحل سريعا، شهيدا، رحل إلى الأبد .. إلى الأبد .. وها هي أمل تراقب نمو سمر يوما بيوم، ثمرة حبها، حتى أصبحت سمر شابة نضرة، ضاجة بنسغ الحياة، متلهفة للسعادة، تبحث عن المصادفات العذبة التي تروي الروح، وتحلم بالحب كأمها!!..
#بلقيس_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الذكرى الثلاثين لاستشهادك ستبقى يا أبا ظفر شمعة تضيء ليل
...
-
لحظة لقاء
-
حوار مع البحر
-
حوار مع الفنانة نماء الورد
-
التاسع من مايو .. يوم الانتصار على الفاشية
-
أبا ظفر في عيد ميلادك
-
حوار مع الشاعرة ثناء السام
-
تنهنئة من القلب
-
ورحل فنان الشعب
-
المركز الثقافي العراقي في السويد بيت لكل العراقيين
-
أبا ظفر .. عشت بكرامة واستشهدت بشرف
-
التملك عند الأطفال
-
عيد مبارك
-
الأطفال مرآة المجتمع
-
ثمانية عشر شهرا مع النصير الشيوعي الشهيد ابو ظفر
-
كلمات مضيئة ( 1 )
-
بحيرة ساوة ... الإهمال
-
تجربة اعتز بها
-
لهجتي ... هويتي
-
كم نحن بحاجة الى مثل هذه الشخصية
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|