أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 37














المزيد.....

سيرَة حارَة 37


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4671 - 2014 / 12 / 24 - 09:50
المحور: الادب والفن
    


1
" عيشة "؛ كبرى عمتيّ، فقدَتْ ابنتين في فترةٍ قصيرة، قاتمة، من حياتها كأرملة. لم يتبقَ لها إذاً سوى ابنة وحيدة، وكانت بعدُ في أوانٍ مُزهرٍ من العمر. الخشية على هذه الزهرة، كان ولا شك دافعُ " عيشة " إلى قبول تزويجها من ابن أشهر قاطع طريق في الشام....!
" حمو جمّو "؛ هوَ الشقيق الوحيد لزوج عمتنا، ولم يكن لديه سوى هذا الابن حين موته شنقاً في بداية عام 1920، وبأمرٍ مُشددٍ من الملك فيصل. على ذلك، ارتأى الآنَ أشقاءُ " عيشة " أنّ خيرَ وسيلةٍ لحفظ نسَب الأخوين الراحلين سيكون بعقد قران ابنيهما، الوحيدين....!
" علي حسّو "، كان شاباً ربع القامة، متين البنيان، بقسمات وجه كبيرة. حينما كان يغضب، فإن الحَوَل يبدو ظاهراً في احدى عينيه. حتى حلول أجل زواجه بابنة عمتنا، لم يكن هذا الشاب ليُجيدَ شيئاً غير مهنة أبيه، الراحل. إلا أنّ الارتزاق من السلب والنهب لم يعد أمراً سهلاً، مثلما كان الأمر في زمن الأبّ. لأنّ قاطعي الطريق باتوا هدفاً لجيش الاحتلال الفرنسي، كما ولخصومه من ثوار الغوطة. هؤلاء الأخيرين، نفذوا اعدامات ميدانية بحق كل من كان يقبض عليه وهوَ متلبّسٌ بأعمال لصوصية في ريف الشام. فلم يكن أمام " علي حسّو " من خيار آخر، سوى محاولة العيش من السطو على بساتين الحارة. إنّ " عيشة "، المعروفة بالحَزم، هيَ من أجبرَ صهرها أخيراً على التطوّع في سلك الدرك؛ الذي كان آنذاك يستقطب الكثير من شبان الحيّ. كان المغضوب " ديبو "، قاتل ابنتها الحبيبة، يعيش في بحبوحة من راتب سلاح الدرك، فضلاً عما كان يتلقاه من مغانم جانبية؛ كالرشاوى والاستيلاء على محاصيل الفلاحين بحجّة حمايتهم من اللصوص.

2
" عيشة "؛ رحلت عن الدنيا، وكانت في أواخر الستينات من عمرها. بعد حياةٍ حافلة بالمعاناة والنكبات. صورة هذه العمّة، ما فتأت منطبعة في مخيلة طفل الأعوام الخمسة، الذي كنته آنذاك: قامةٌ قصيرة، ممتلئة، وسحنةٌ نحاسيّة، محجوبةٌ نوعاً بخمارٍ قاتم، تنفتح منها عينا طائر الوَشَق، الصغيرتين والحادتين....!
في المقابل، فإنّ ذكرى وحيدة، ضبابية، تبقّت لديّ من الراحلة في سنتها الأخيرة تلك. إذ اصطحبتني إلى الدكان، كي تشتري لي حذاءً جديداً على العيد. وتكمل والدتنا الحكاية وهيَ متضاحكة: " كانت، رحمها الله، لا يهمها أحد في الدنيا غير أسرة ابنتها الوحيدة. لما عادت من الدكان، وتبيّنَ أن الحذاء كان صغيراً، فإنها أعادته لحقيبتها قائلةً أنه سيكون حتماً على مقاس قَدَم أصغر أحفادها "....!
ولكن، قُدِّرَ لعمتنا أن تعيشَ لتشهدَ مأساة كبرى حفيداتها. هذه الأخيرة، كررت حكاية خالتها المغدورة، " كَولي "؛ التي كانت مهووسة بالأفلام السينمائية. مبتدأ الخبر، حينما تسللت هذه الحفيدة خفيةً من البيت لكي تحضر فيلماً مصرياً مع إحدى قريباتها. ما أن علمت الأم بجليّة الأمر، حتى دبّ الرعب في قلبها خشيةَ أن يصل الخبر لمسامع الأخوال. عند ذلك، احتُجزت الابنة الطائشة في حجرة المونة على سبيل التأديب. ومبالغةً في اخافة الفتاة، فإنّ الأم أبلغتها بأنّ الخال الكبير هوَ في طريقه إليهم. الابنة، ما لبثت في اليوم التالي أن استعادت حريتها. بيْدَ أنها كانت قد أضحت على منقلبٍ آخر. عقلها، كان قد أصيبَ بلوثةٍ من شدّة الخوف والوهم. هنا، كان على " عيشة " المسكينة أن ترافق حفيدتها إلى مقامات الأولياء علَّ الشفاءُ يكون ببركاتهم. العمّة، كانت معتادة على زيارة مقام مولانا النقشبندي بشكل خاص، ودأبتْ على ذلك حتى نهاية حياتها. ثمّة إذاً، كانت اللوثة تنتقل من الحفيدة إلى الجدّة؛ إلى من كانت تهمي بوجهها على أرضية الضريح، المفروشة بالسجاد، وهيَ تبكي وتعول وتندب وتلطم.

3
" حسّون "؛ صديقي وقريبي، شاءَ أن يودّع العالم على طريقته في مثل هذه الأيام من العام 2001. تناول ليلاً حبة ضغط ( وكان يعاني منه زمناً )، ثم أخذ يعبّ من فم زجاجة ويسكي. ظهر اليوم التالي، قام أصدقاؤه بفتح باب غرفته بعد استشارة المسئولين عن الكامب ( معسكر اللاجئين ). فوجدوا على السرير جثةً وزجاجة ويسكي؛ زجاجة، ربما كانت منذورة لليلة عيد الميلاد....؟
" حسّون "، كان انساناً يحبّ الحياة. إلا أن الحياة، غالباً، تخذل من يحبها. وعلى أيّ حال، فقد قدّر لصديقنا أن يعيشَ على طريقته. حينما أنهى العسكرية، لم يكن يجيد أيّ مهنة أو ليحمل شهادة ما. ما أن انقضى عامٌ أو نحوه، حتى نزلت عليه الثروة فجأةً، مثلما تسقط صاعقة على رأس امريء في غابة: منزل والديه تحوّل إلى بناية، فنقده المتعهّدُ ثمنَ شقتين ودكان. كان حسّون من التعقل، أنه وضع ثروته في صندوق توفير، ثم صار يسحبها على دفعات صغيرة أو جنونية....!
" لن أجعلْ جرذانَ مقبرة الحارة تهنأ بجثتي! "؛ هكذا كان حسّون يقولها مقهقهاً. وكان يضيف بلهجة جادة: " في آخر المطاف سأهاجر إلى أوروبة ". لأجل ذلك الهدف، حرصَ صديقنا على ألا يبدد ما تبقى معه من الارث الصاعقة. الحق، فإنه لم يكن قد حرم نفسه من شيء. كان يتناول الغداء في مطعم والعشاءَ في مشرب، علاوة على ارتياده للبارات. صيفاً، اعتاد صاحبنا أن يقضي عطلته في شاليه على الشاطيء الأزرق أو في ميرديان اللاذقية. كما أنه قام بسفرتين سياحيتين، إلى صوفيا وموسكو. هذا الضياع، اللذيذ، آن له أن ينتهي بانتهاء النقود. وإذاً، حان موعد السفر الى أوروبة بمعونة المهربين. وجدَ حسون نفسه في ألمانية، في أحد معسكرات اللجوء. حينما كان يهاتفني من مقره، كان يقول لي كل مرة: " لا صديق لي؛ لا يوجد هنا سوى حمير من كرد تركيا! ". ما لم يكن ليدور في خلد حسون آنذاك، هوَ أن قبره سيحفر في ذلك المعسكر نفسه بين قبرَيْ شخصين مهاجرين من كرد تركيا.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 36
- سيرَة حارَة 35
- سيرَة حارَة 34
- سيرَة حارَة 33
- سيرَة حارَة 32
- سيرَة حارَة 31
- سيرَة حارَة 30
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
- سيرَة حارَة 29
- سيرَة حارَة 28
- سيرَة حارَة 27
- سيرَة حارَة 26
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 37