أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: نقطة الحدود














المزيد.....

قصة: نقطة الحدود


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4670 - 2014 / 12 / 23 - 10:35
المحور: الادب والفن
    


تتسلى المرأة بمجلّة مصوّرة، يرنو إليها بين الحين والآخر، تلاحظ المرأة ذلك، تقلّب صفحات مجلتها كأنما هي لا تعبأ بنظراته، غير أنها تسمع كل كلمة تدور بينه وبين سائق السيارة.
منذ خمس سنوات لم يسافر خارج البلاد، ففي ذلك اليوم البعيد من أيام إحدى سنوات القحط أعادوه من المطار، لم يسأل عن السبب، غير أنهم طلبوا منه أن يراجعهم في الأمر، فأوضحوا له السبب، فلم يشأ أن يناقشهم فيه، واستعاض عن السفر إلى الخارج بالغوص في أعماق البلاد في تلك الأيام المقيتة من سنوات القحط: زار كل المدن وكل القرى، تعرّف على حياة الناس في الحقول والمراعي والمصانع والورش، رأى النساء وهن يحلبن ضروع الماعز الضامرة في الأمسيات الغامضة أمام بيوت القش والطين والتنك الصدىء، راقب أطفال الفلاحين الحفاة وهم يكبرون مع الجوع وغبار الطرقات التي تفوح منها روائح مياه عكرة، تدلقها من فوق السطوح أو من الشبابيك فتيات خجولات لهن خدود مثل تفاح فج، تزوج فتاة منهن بعد أن راقبها شهوراً وهي تطلّ على الطريق من خلف نافذة عتيقة، ثم لم تلبث أن ماتت بعد أن أعياها مرض غامض، فقرر بعد خمس سنوات من التطواف الداخلي، وتجرع المرارات والأحزان أن يغادر البلاد في رحلة طويلة إلى الخارج، لعله ينسى أحزانه التي أجّجتها في خاطره سنوات القحط القاسية الشرسة.
حين أنهى مواله الطويل، ران صمت على ركاب السيارة. السائق يجفف العرق عن جبينه، والسيارة تمعن في التوجه نحو نقطة الحدود، والسهول المترامية على جانبي الشارع تجثم في استكانة تحت لفح الشمس. أغلقت المرأة مجلتها، حركتها أمام وجهها عدة مرات، فلم تشعر إلا بتيار من الهواء الساخن، أرخت المجلة فوق ساقيها، ورنت بعيداً عبر السهول. مدّ يده نحو المرأة، استأذنها أن تعيره المجلة، ابتسمت وهي تقدمها له، ابتسم وثبّت عينيه في عينيها لحظات، تصفح المجلة على عجل وهو يفكر بكلمات مناسبة يبدأ بها الحديث معها.
فوجىء بالسائق يطلب من الركاب أن يهيئوا جوازات السفر، ارتبك، وتمنى في أعماقه أن تمرّ الرحلة على خير، تأمل خديها المتوردين، قال وهو يعيد المجلة إليها:
- بعد نقطة الحدود، سيكون لدينا وقت للحديث.
رمقته بنظرة خاطفة وقالت بلهجة توحي بالحياد:
- هل أنت متأكد من ذلك؟
أدرك من سؤالها أنها وعت كل كلمة قالها للسائق أثناء الرحلة، تأملها في مودة ثم هبط إلى مكاتب الحدود، أما هي فقد أخذ السائق جواز سفرها وطلب منها البقاء في السيارة توفيراً عليها واحتراماً لها.
حدّقت في أصناف الخلق من حولها، فلم تطق البقاء في السيارة وسط ضجيج الشاحنات وزعيق السائقين ونداءات الباعة، غادرت السيارة وتمشّت في الظل، والعرق الكثيف يبقع تحت إبطيها، قالت لنفسها: لو أنني أخرت سفري إلى المساء لتجنبت كل هذا الحر، ثم تذكرت الرجل الذي لم يسافر منذ خمس سنوات، فاستشعرت شيئاً من الراحة الخفية وهي تستعيد نظراته المليئة بالتوقعات.
عادت إلى السيارة حينما رأت السائق يعود ومن خلفه بقية الركاب ما عدا ذلك الرجل، همّت أن تسأل السائق عنه، غير أنها لم تشأ أن تبدي تسرعاً ملحوظاَ، أدار السائق محرك السيارة، فهمت المرأة كل شيء، انطلقت السيارة مسرعة، تلفتت المرأة إلى الخلف، رأته يغادر نقطة الحدود عائداً إلى الداخل، لفّها أسى غامر، ظلّ السائق صامتاً طوال الطريق. نزّ عرق لزج بلل صدر المرأة وفخذيها، ثم فكرت في اكتئاب:
ليتني لم أٍسافر هذا اليوم على الإطلاق.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة: قط
- قصة: صمت النوافذ
- قصة: قطة
- قصة: طعنة
- تحولات القصة القصيرة في تجربة محمود شقير/ د. محمد عبيد الله
- قصة: شكوك
- قصة: غابة
- قصة: كلب
- قصة: البيت
- قصة: الأغنية
- الكلب
- قصة: اشتباك
- قصة: وديدة
- قصة: التمثال
- قصة: حالة
- قصة: العلم
- سطوح الأشياء
- قصة: الراقصات
- قصة: إقليم الحليب
- قصة: منال


المزيد.....




- موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر ...
- بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan ...
- الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
- فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
- -رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
- فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
- فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال ...
- اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة ...
- كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك ...
- الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي ...


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: نقطة الحدود