|
الشخصية السياسية العراقية - دراسة تحليلية (1 -3)
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 4668 - 2014 / 12 / 21 - 10:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ظاهرة غريبة..ان الحياة السياسية في العراق لم تفرز بعد التغيير قائدا سياسيا بمستوى رجل دولة..فما أسباب ذلك؟ المحللون السياسيون يعزونها الى ان التغيير في العراق جاء بتدخل اجنبي،ولو ان القوى السياسية العراقية كانت هي التي اطاحت بالنظام الدكتاتوري،لأفرزت قائدا سياسيا يوحّدها فتلتف حوله،لكنها كانت اشبه بفرق عسكرية متجحفلة في خنادق..لكل خندق عنوان وقائد..يجمعها هدف واحد هو التخلص من النظام،وتفرّقها مصالح حزبية وطائفية وقومية..ولأن ما يجمعها ينتهي بانتهاء النظام..فان المصالح تتولى اذكاء الخلاف فيما بينها على حساب المصلحة العليا الخاصة بالوطن.ويذكر بريمر في مذكراته،ان الشيعة كانوا يأتونه للمطالبة بمصالح طائفتهم ،وكذا فعل السنّة والكورد..ويضيف بأن لا احد جاءه يطالب بمصالح العراق..وربما كان هذا هو السبب الذي دفع بريمر الى ان يدق (التثليث) في شاصي العملية السياسية العراقية.فضلا عن ان الأحزاب السياسية طاردة للمفكرين من الطراز الموسوعي الرفيع،لأن الأحزاب تحكمها ايديولوجيات وعقائد خاصة بها فيما العراق لا يمكن ان تستوعبه ايديولوجيا او عقديدة محددة. ومع صحة هذا التحليل فانه لا يقدم لنا تفسيرا متكاملا عن الشخصية السياسية العراقية،لأنه يغفل مصدرين رئيسين هما:طبيعة المجتمع العراقي،وطبيعة الأحداث التي شهدها العراق..وتفاعل هذين المصدرين في تكوين الشخصية السياسية العراقية. لنبدأ باستهلال عن المجتمع العراقي يمهّد لفهم هذه الشخصية. يختلف المجتمع العراقي عن المجتمعات الأخرى بأنه شعب منتج لأصناف متضادة من البشر بمواصفات عالية الجودة . فنحن منتجون لمبدعين ومفكرين وشعراء ورجال دين وشيوخ عشائر من طراز رفيع ، وبالمقابل نحن منتجون لقتلة ورعاع وغوغاء بمواصفات " عالية الجودة "، ولكم أن تستشهدوا بقتلة العائلة المالكة عام 1958 والطواف بكفوف أيديهم في حشود هائجة بهستيريا الفاقدين لوعيهم الإنساني ، وقتلة عبد الكريم قاسم والشيوعيين والوطنيين وإذابتهم أحياء بالتيزاب عام 1963، وقتلة البعثيين ووضع إطارات السيارات برقابهم وحرقهم وهم أحياء عام 1991. ونحن منتجون للطغاة ..نرفعهم الى السماء حين يكونون في السلطة ونمسح بهم الأرض حين يسقطون ، وبالمقابل، نحن منتجون لأبطال تشوى أجسادهم بالنار وما يتنازلون عن مبادئهم. ونحن منتجون لمن يفلقون رؤوسهم بالحراب من أجل التاريخ والموت فداء لمن ماتوا ، ومنتجون لمعتقدين عن يقين بأن تاريخهم مزوّر وأسود ومعرقل للتقدم يجب غلق غلافه الأخير. ونحن منتجون لمن يعرفون بالغيرة العراقية والأنفة، ومنتجون أيضا لناهبين من طراز رذيل ، ولا أرذل من سلوك ينهب الناس فيه وطنهم وذاكرة تاريخه، حتى صيروا الفرهود شطارة يتسابقون إليه حيثما حلّت بالوطن محنة . وعلى هذا الإيقاع الثنائي لك أن تضيف ما تشاء من المتضادات التي يكاد ينفرد بها الشعب العراقي عن باقي الشعوب من حيث مواصفاتها "عالية الجودة ".
ولنقل شيئا عن العراق له دلالاته في تكوين الشخصية العراقية. ينفرد العراق عن بلدان المنطقة بأمور وأحداث لها تاريخ يمتد الاف السنين يتمثل أهمها بالآتي : 1. انه البلد الذي تؤخذ فيه السلطة بالقوة المصحوبة بالبطش بمن كانت بيده. 2. وأنه البلد الذي سفكت على أرضه أغزر دماء المحاربين من العراقيين والعرب والأجانب، لاسيما : المغول والأتراك والفرس والانجليز...وأخيرا ، الامريكان. 3. وأنه البلد الذي نشأت فيه حضارات متنوعة ومتعاقبة ، انهارت أو أسقطت بفعل صراع داخلي أو غزو أجنبي. 4. وأنه البلد الذي تنوعت فيه الأعراق والأديان والمذاهب ، في مساحة مسكونة صغيرة نسبيا. 5. وأنه البلد الذي كان مركز الشرق الاسلامي حتى الهند والسند ، وحيث عاصمته كانت مدينة الخلافة الاسلامية. ولنلتقط من احداث ما بعد التغيير أهم حدثين لهما علاقة بتشكيل الشخصية السياسية العراقية. الأول: ان التغيير في(2003) تجاوز هدفه من الاطاحة بالنظام الى الاطاحة بالدولة العراقية..فنجم عنها ما يمكن ان نعدّه قانونا اجتماعيا نصوغه بالآتي:
(اذا انهارت الدولة وتعطّل القانون وصارت الحياة فوضى.. شاع الخوف بين الناس وتفرقوا الى مجاميع او افراد تتحكّم في سلوكهم الحاجة الى البقاء،فيلجأون الى قوة تحميهم يحصل بينهما ما يشبه العقد يقوم على مبدأ الحماية المتبادلة).
من هنا بدأت "ثقافة الاحتماء" وحدث تحول اجتماعي سيكولوجي سياسي خطير ،هو ان الشعور بالانتماء صار الى المصدر او القوة التي تحمي الفرد، وتعطّل الشعور بالانتماء الى العراق وتحول الى ولاءات لا تحصى. الحدث الثاني هو :تبادل الادوار بين السنة والشيعة. فلقد كانت السلطة في العراق بيد السّنة العرب اكثر من الف سنة، فيما كان الشيعة في دور "المعارضة" للزمن ذاته.ولقد فهم تبادل الأدوار هذا بين الطائفتين كما لو كان تبادل ادوار بين "الضحية" و"الجلاّد"..بمعنى ان الشيعة " الضحية" استلمت السلطة (الجلاّد) وعليها ان تاخذ بثارها ،وان السنة (الجلاّد) صارت (الضحية) وعليها ان تدافع عن نفسها. ومن هذا الشحن السيكولوجي اعتمدت الشخصية السياسية العراقية العزف على الوتر الطائفي لترويج نفسها بين طائفتها تمهيدا لفوزها بالانتخابات..ومنها تحديدا نشأ ما نصطلح على تسميته :(البرانويا السياسية) التي كانت احد اهم اسباب الكارثة العراقية بعد التغيير.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدكتور حيدر العبادي - افعلها تدخل التارخ
-
السياسييون وعلماء الاجتماع
-
في سيكولوجيا خسارة الفريق العراقي
-
القيم وصراع الاجيال في المجتمع العراقي- تحليل سيكوبولتك (3-3
...
-
القيم وصراع الاجيال في المجتمع العراقي- تحليل سيكوبولتك (2-3
...
-
المؤتمر الوطني للتربية الايجابية - طموح وتحديات
-
القيم وصراع الاجيال في المجتمع العراقي- تحليل سيكوبولتك (1-3
...
-
ماذا لو خرج الحسين الآن في بغداد؟!
-
ثورة الحسين..درس لحكّام هذا الزمان
-
القيم بعد التغيير وعلاقتها بالأزمة السياسية
-
نرجسية الفيسبوك
-
تأثير الطلاق في الأطفال - تحليل سيكولوجي
-
ثقافة نفسية(119): وصفة -سحرية- لكشف من يكذب عليك!
-
في العراق..تفرح وتبكي معا..في ليلة!
-
ثقافة نفسية(166): الغيرة والحب
-
عراقيون..مدمنو فيسبوك! تحليل سيكولوجي
-
ثقافة نفسية (120): حذار ان تكون عاطفيا!
-
الرئاسات الثلاث مع التحية..المبدعون لخلق عراق معافى
-
لصوص بغداد..بين زمنين
-
ثقافة نفسية (112):تفسير الاحلام بين ابن سيرين وفرويد
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|