جمشيد ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 4667 - 2014 / 12 / 20 - 19:39
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
منديل الزمن المجعد
بين فينة و اخرى نسمع عن عبر التأريخ و دروسه و القرآن لا يبخل علينا باساطير الاولين من عاد (اسم قبيلة يقال عاشت في الجزيرة العربية و لكننا لا نعرف شيئا عنها و لا نستطيع التأكد من وجودها في زمن معين) و ثمود (اسم قبيلة كبيرة عاشت في القرن الاول قبل الميلاد) رغم الفارق الزمني الكبير و حتى اذا كانت هذه الاساطير واقعية و اليوم يقول استاذ التأريخ الالمانيAchim Landwehr بان تطبيق عبر الماضي على الحاضر ساءت سمعته كثيرا بسبب الفرق الزمني و الثقافي الذي يفصلنا عن جميع انواع الماضي و طبقاته الكثيرة التي تختلف عن طبقات الحاضر و السؤال هو ما علاقة بدو الجزيرة العربية بتأريخ قبائل اقدم من التأريخ لا يعرف حتى اهل العلم عنها الكثير؟
و لكنه ايضا يضيف السؤال الاتي: ماذا نعمل فاننا لا نملك غير ماضينا الذي يشكل اساسا حتى للتنبؤات المستقبلية؟ المشكلة مع الماضي هي اننا لا نستطيع تغيره و الذي حدث حدث. طبعا يكوّن الماضي هويتنا و يشكل طريق زمني و لكنه خارج امكانيتنا و تأثيرنا لذا لا يعني انتقاده شيئا و لكن ماهي العلاقة بين الماضي و الحاضر اذن؟ ليس للثلاثي الزمني الماضي و الحاضر و المستقبل ضرورة طبيعية بل ثقافية و لربما الافضل هو الفرق بين الان و غير الان.
لا يمكن الاستفادة من عبر الماضي في الحاضر لان ما حدث في الماضي يختلف عن ما يحدث في الحاضر. تطبيق عبر الماضي على الحاضر يلغي الفرق التأريخي بين اليوم و الامس و يعني مساواة اهل العصور البائدة مع اهل الحاضر او بعبارة اخرى يعني احتقار الماضي نفسه و تحويله الى مصعد او درج للحاضر فقط.
الزمن هو منديل مجعد. يقارن الفيلسوف الفرنسي Michel Serres موديل الزمن ببراعة بمنديل: خذ منديل مجعد و افرشه لكويه و حدد بعض النقاط عن المسافات القريبة و البعيدة ثم قم بتجعيد نفس المنديل و ضعه في جيبك. ستلاحظ بان النقاط التي كانت بعيدة عن بعضها اصبحت قريبة من بعضها او تحولت الى طبقات و اذا قمت بقطع اجزاء منه ستتحول نقاط قريبة من البعض الى بعيدة عن بعضها و هذا يعني ليس الزمن طبقة واحدة بل طبقات كثيرة لا يمكن وضع حاضرنا فيها كلها.
www.jamshid-ibrahim.net
#جمشيد_ابراهيم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟