|
إجماع
زين اليوسف
مُدوِّنة عربية
(Zeina Al-omar)
الحوار المتمدن-العدد: 4667 - 2014 / 12 / 20 - 14:27
المحور:
كتابات ساخرة
لنتفق أولاً على أن من أكثر اللحظات إلهاماً لنا كبشر هي تلك اللحظات التي تعقب ممارستنا للجنس..نعم أعتقد أن عقولنا حينها تكون تعمل بأقصى طاقة خلاياها و ليس كما يُشاع بأننا نكون مغيبين عقلياً لتطغي على مشاعرنا الغريزية..لهذا و كنصيحةٍ مني لا تمارسي التسلل إلى أفكار كتابٍ ما قبل أن تحصلي على قدرٍ و لو ضئيل من ذلك الأمر و الذي سيعمل على تنشيط خلايا مخك كما على جعل روحك متوثبةً نحو الأمر القادم إليها..هذا الأمر سيساعدك بشكلٍ فعال على التلقي الجيد لجميع الفنون بشكلٍ عام و المعارض الفنية بشكلٍ خاص.
تتساءلين عن سبب عباراتي الأخيرة تلك؟؟..حسناً لنقل أني عانيت مؤخراً من تلك اللحظات التي نشعر فيها أننا فقدنا ذلك الإلهام الذي يجعلنا قادرين على الإحساس بالأمور المختلفة أو المميزة من حولنا..ذلك الإحساس الذي شعرت به عندما شاهدت لوحة إيفان الرهيب و هو يقتل ابنه لإيليا ريبين و لكني لم أشعر به عندما رأيت لأول مرة لوحة ثبات الذاكرة لسلفادور دالي..و لكن دعينا من هذا الاستعراض الثقافي الممل -و الذي أحب ممارسته من وقت لآخر- و لأخبركِ عن التالي.
فقبل عدة أشهر حضرت معرضاً فنياً لفنانةٍ تشكيلية يمنية..كنت أتجول في المعرض و أنا تائهةٌ بعض الشيء بالرغم من رغبتي الشديدة في التركيز فيما أشاهده من حولي..و لعل سبب توهاني ذك هو أني كنت أمر بسرعةٍ كبيرة على اللوحات المستلقية على الحائط أمامي مُتنقلةً فيما بينها باحثةً عن أمرٍ ما يمسني فيثبتني أمام لوحةٍ ما دون سواها بمسامير لا أستطيع انتزاعها بسهولة..فقط لأنتبه أني لو استمريت على هذا الإيقاع السريع في التنقل فإني سأنتهي من جولتي في المعرض في أقل من خمس دقائق!!.
لم تكن مشكلتي حينها هي الالتزام بتعليماتك -و التي كانت تنص على الإبطاء من سرعة تنقل قدميَّ كما من تواثب روحي عندما أحاول إدراك ملامح أمرٍ ما- و لكنها كانت الإحساس بما أراه أمامي أو تحريضه متوسلةً إليه لكي يلمسني..أعلم أنكِ تحبين حضور هذه المعارض الفنية و لهذا ذهبت إلى ذلك المعرض و لكن صدقاً أعترف لكِ أني لا أحب كثيراً أن أضع ذائقتي الفنية في موضع الاختبار..فأنا لا أحب اللوحات التي تجعلني أقف أمامها فتجعلني أمر بحالةٍ من الاعتصار الروحي -كما العقلي- لكي أشعر بها و ربما فقط لكي أراها!!.
و لكن الأسوأ من تلك التجربة هو ما حدث عندما عدت إلى المنزل لأجد بأن أغلب من زاروا ذلك المعرض بدأوا يتحدثون عن الجمال الذي شدهم و مدى روعة اللوحات التي مررت بها دون أن تلمسني كما فعلت معهم كما يبدو!!..و هكذا و دون أية مقدمات وجدتني أغرق من قبل مواقع التواصل الاجتماعي -كما من قبل وسائل الإعلام المحلية- لمدة شهر تقريباً بتغطيةٍ تفصيلية حول مدى نجاح ذلك المعرض و الثورة الفنية التي خلقتها تلك الفنانة في واقع الفن التشكيلي في اليمن بأسره!!.
و لقد كان من حسن حظي أني وجدت صديق لي كان قد حضر ذلك المعرض مثلي فسألته مستفسرةً عن رأيه في اللوحات التي شاهدها و أنا أخشى أن يخبرني بما يردده الجميع و لكنه فاجأني و أخبرني بأن رأيه كرأيي تماماً..جيد أصبحنا إثنين..نعم لا أنكر أني كنت قد بدأت بالشعور بالرعب..تعلمين إننا و خلال تقدمنا في العمر تبدأ حواسنا في فقدان حدتها و لكن هل ينطبق ذلك الأمر على حواسنا الروحية لا الحسية فقط؟؟..لأني -و لكي أصدقك القول- كنت قد بدأت أشك بعد ذلك الإجماع في أن ذائقتي الفنية قد بدأت في العطب كما أمور أخرى عديدة.
ستخبرينني أني شعرت بالغيرة؟؟..تباً لتلك التهمة التي تلاحق أي أنثى تنتقد أخرى..ليس الأمر مرتبطاً بالغيرة و لكن أن يحصل أمر ما على كل هذا الإجماع لهو أمر يثير الرعب و الشك في مصداقيته أكثر مما لو حصل خلافٌ ما حوله..فتخيلي لو أن النبي الكريم محمد نزل من غار حراء ليخبر قريش بدينه الجديد فاتبعوه جميعاً و كانوا له من المصدقين دون أدنى مقاومة فكرية من قبلهم و من دون أن تُراق قطرة دم واحدة!!..حينها لو كنت في مكان محمد لأصابني الشك بكل ما مررت به سابقاً في ذلك الغار و لاعتبرت أن كل ما مررت به كان مجرد هلوسة ذهنية نتيجة نقصٍ في الأوكسجين.
ما حدث أثناء ذلك المعرض -و ما تلاه من تهريجٍ إعلامي- هو أكبر جريمةٌ اُرتكبت بحق تلك الفنانة و من سيأتي بعدها..و من المحزن أن تلك الفنانة التشكيلية كانت كما يبدو سعيدة بذلك الإجماع على مدى جودة لوحاتها..و هو الأمر الذي أثار دهشتي فلو كنت مكانها لشعرت بالرعب و ربما لتقيأت..نعم كنت سأشعر بالرعب لأن الجميع اتفقوا على مدحي و الإشادة بي و هو أمر لم يحدث حتى مع الأنبياء رغم ما أتوا به من تعاليم روحانية شديدة البساطة..و لو كنت مكانها لكنت شعرت بالطمأنينة أكثر لو كنت صادفت شخصاً واحداً على الأقل يصف لوحاتي بالرداءة أو حتى بكلمةٍ تخالف الجميع كأن يخبرني بأنها عادية.
بالنسبة إليَّ الأفكار الجيدة -كما الرديئة- هي التي يحصل حولها خلاف ما..ليس بالضرورة أن يكون التعبير عن ذلك الخلاف عن طريق الاشتباك الجسدي -كما يحدث من حولنا الآن- و لكن على الأقل عن طريق وجود وجهات نظر مختلفة حولها..الإجماع على أمرٍ ما أمر يثير الرعب في النفس و لا يبعث على الطمأنينة و الاستقرار النفسي كما نعتقد..و لن أذهب بعيداً في فكرتي بل سأنهي حديثي كما بدأته بالحديث عن الجنس..فهل تجدين أن هناك إجماع ممن هم حولنا على طريقة ممارستنا للجنس مع الآخر؟؟..الجميع له طريقته و الجميع يختلف أيضاً في رأيه حول شرعية أو حُرمة بعض التفاصيل الجنسية التي نضيفها لنشعل بها اللذة في حياتنا الجنسية..و لو أمرنا شخصٌ ما قائلاً أن على الجميع ممارسة الجنس بطريقةٍ واحدة لا تتغير لتمنى أن يقتله الكثيرون قبل أن يرتد إليه طرفه..لأن فكرته تلك ستشعرنا بالرعب و عدم الراحة لأننا سنكون على يقين من أننا على وشك أن نفقد تلك اللذة لو حدث ذلك الإجماع.
#زين_اليوسف (هاشتاغ)
Zeina_Al-omar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقاب
-
إذن بالسفر
-
و ثالثهم الله
-
أستار الكعبة
-
رجل الكهف
-
قصة اغتيال نمطية
-
هلوساتٌ في حوض ماءٍ ساخن
-
القطعة الناقصة
-
سيارة للدعارة
-
خطأ إملائي
-
-سيلفي- إسلامي
-
اعتراف
-
تصويت
-
صداع الجمعة
-
على الكنبة
-
حج مسعور
-
محمد بين الأقدام
-
أوجاعٌ جنسية
-
لوط
-
فتاة سيئة السمعة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|