|
حركة المعنى ودورها في الكشف عن المسكوت عنه لدى الروائي التونسي عامر بشة
علي البهلول
الحوار المتمدن-العدد: 4665 - 2014 / 12 / 18 - 19:03
المحور:
الادب والفن
إن القصة أو الرواية أو ما شابه ذلك من الأعمال السردية و ما يكتنف هذا الجنس من غموض في تحديد نسبه و جنسه وما يكتنفه أيضا من غرابة في عملية إنتاج جمله و أفكاره داخل نسيج العمل الإبداعي فإن كاتبه يبقى و إن كان يسعى لتحصيل لذة كامنة كمون النار في الحجر من خلال الإبداع و تجاوز المعنى فإن القارئ و الناقد تبقى له اللذة الأولى والنهائية في عملية "الجهاد" و فك الطلاسم لتجاوز النسق النظامي و البنى المعتادة لأن اللفظ الروائي لفظ يهز الناقد هزا من خلال طلاسمه التي يصعب الولوج إليها. و التالي الرواية عند عامر بشة أصبحت جنسا أدبيا مستقرا على رأيه ونوعه و سؤاله و إحراجاته المتولدة من قضاياه و بالتالي إمتداد و إنفتاح على الفنون الأدبية و الأجناس السردية الأخرى للكشف عن اليومي و عن الهامش بين ثنايا المجتمع و بين آيات المثقف. كمقدمة لهذه الورقة النقدية وجب التأكيد على أن الرواية عند عامر بشة تثير فينا الإرتباك منذ النفاذ إلى العنوان و من الرموز المتكررة و التي تفضي أحيانا إلى إستحالةإقتفاء مسارب دلالتها و أيضا لمعالجتها لأكثر من قضية في سياق واحد. إذن فكيف تجسدت حرمة المعنى في الكشف عن المسكوت عنه إنطلاقا من رواية "هروب معلن"؟. التفلسف في المعنى إبداع، تجلي و رغبة في الحياة، متعة و غاية لإستكمال الوجود، لوغوس و وعي بالذات و وغول إلى وجود العمق. و المتأمل في إشكالية العلاقة بين رواية "هروب معلن" (1) و بين الواقع كوجود فلسفي يستدعي جهدا عقلانيا شاقا، لا من خلال البحث بل من خلال إيجاد المقاربات التي حاول الروائي التأسيس إليها لذلك يمكن القول أن رواية عامر بشة هي إمتداد للماضي و الحاضر و المستقبل و إنفتاح على الزمان و المكان تأسيسا لبلاغة حمالة أوجه تأسيسا و تحقيقا لرغبات عن طريق الكتابة بجعل دمه حبرا شاهدا على ميلاد نصه و هنا يصدق قول الجاحظ بأنه لا خير في كلام لا يدل على معناك و لا يشير إلى مغزاك و إلى العمود الذي إليه قصدت و الغرض الذي إليه نزعت (2) المبحث الأول: الفينومينولوجيا و القراءة الخارجية للنص: إن في تحديدنا لدلالة الفينومينولوجيا و علاقتها بالأدبيفضي إلى المرور بطائفة من الصعوبات المتعلقة بتحديدي سياق جوهري يكون سبيلا للولوج إلى المعنى. فالفينومينولوجيا هي علم ما يرى و ما يظهر و بالتالي الوصف و التجلي والفهم من زوايا متعددة. و تاريخيا في مجال فلسفي تمظهرت الفينومينولوجيافي عدة أوجه مع هوسرل خاصة حيث إستقر الّأمر معه من خلال النظر إلى هذا المفهوم على أساس أنه منهج فلسفي قائم بذاته من خلال معالجة الحقائق بإعتبارها ظواهر خالصة. أما أدبيا وهو سياقنا فالإهتمام سينصب على مظاهر الوعي كما تتجلى في الأثر ذاته (3). و بالتالي من هذا المنطلق سنحاول من خلال الفينومولوجيا إعادة إنتاج المعاني الكامنة في النص و هذا من خلال النزاع القائم بين الذاتي و الموضوعي، بين الإنسان و العالم و ذلك من خلال أعمال الروائي عامر بشة و الذي ينتمي إلى المدرسة الفلسفية الروائية من خلال خلعه للأقنعة و كشفه للحقيقة و في سبيل الخير و العدالة و إن دل هذا الشيء فإنه يدل على أن عامر بشة يشتغل على جملة من الثوابت تمجد قيم الخير و الحب و الجمال و تنتصر لقيم الحرية و العدالة على مستوى وطني و إقليمي و عربي و إنساني (4). إن عامر بشة حاول العمل على مبحث الإنسان في إطار الدولة، مبحث المثقف في إطار المشروع الإستبدادي و بالتالي أصبحت نصوص عامر بشة يقع إختصارها في وعي كاتبها و بالتالي شخصية (ل) في حركيتها الروائية السردية (إنتفض، راح، خرج) كلها أفعال تعبر عن إرتباك و حيرة في جميع الميادين. فالشخصية الروائية(ل) عاشت التمزق والإنكسار و الموت الأكلينيكي نتيجة نظام سياسي فاسد. و بالتالي حاول عامر بشة العمل على بطله الروائي و الذي جعل إسمه حرفا ظاهريامطلسما و كأننا هنا بعامر بشة يتبنى قول إبن رشيق بأن أصل الرمز هو الكلام الخفي الذي لا يكاد يفهم. و كأننا هنا وجب علينا إستدعاءالسيماناليز التي حاولت جوليا كريستيفا صياغته لإخراج نص عامر بشة من دلالته اللغوية من خلال عناصره و أجناسه الأدبية إلى مادة يكون فيها العمل على مضامينها لإستحضار كل ما يختلج الاثر الفني من إشكالات فلسفية و أدبية و سياسية و حتى نفسية. و بالتالي نستنتج من خلال دراستنا لوعي الكاتب أنه كان يعي بكل المسارات و الإتجاهات الفلسفية و الإجتماعية و بالتالي يبدو أن الأديب عامر بشة كانت له رغبة كامنة في تفجير العالم و تشكيل صورة تقوم على الخصائص الجمالية الفلسفية من خلال الرمز المعتمد و من خلال تداخل الوجود باللاوجود و الوعي بالاوعي و من هنا أصبحنا نتكلم عن الصورة الروائية التي تعكس الواقع و بالتالي تجاوز الحواس للتوغل في عمق الثورة و ذلك من خلال جعل أحداث الرواية تدور في السجن بإعتباره نموذجا مصغرا للدولة المستبدة. و بالتالي تداخل المرجعيات و الإيديولوجيات كان تأسيسا لوعي ثقافي بقيمة الثقافة و بقيمة الإنسان ككائن فاعل ثقافيا و مفعول به سياسيا. ظاهريا إتخذت رواية عامر بشة نسق نظامي يتمثل في الكشف عن أزمات إرتبطت بالدولة و بسياساتها المستبدة. إن فكرة عامر بشة في تأسيسه لرواية "هروب معلن" إنطلقت من لحظة المكاشفة الحقيقية للثورة من خلال الهروب من السجون: "أهربوا ... أهربوا ... (5)" إستلهام كان نتيجة مخاضات و إرهاصات عاشها الروائي زمن الإستبداد و زمن الثورة و قبلها و بعدها. إذن فمن خلال الفينومينولوجيا نتبين أن عامر بشة قد أخذت منه الحقيقة مأخذها فأصبحنا نتكلم هنا عن المسكوت عنه وعن اللامتكلم فيه بأساليب تفوق الإبداع. المبحث الثاني: الميكرونصية و دورها في الكشف عن المسكوت عنه: إن الميكرونصية مفهوم لست أدري هل أستعمل من قبل أم لا و لكننا في الأصل إستعرنا هذا المفهوم من ميكروفزياء السلطة لفوكو و التي تفيد أنها علم يقوم على تجزئة السلطة إلى جزئيات و بالتالي حاولنا إعتماد مفهوم الميكرونصيةأي تفكيك النص الأدبي إلى جزئيات و نحاول نحن صياغته للكشف عن الهامش و المسكوت عنه و خاصة أن الكاتب إتخذ من التخارج و إنتهاك الحدود بين الأنواع غرضا له و هذا ما جعلنا نتكلم عن عنف الكتابة و الصراع بين الوعي واللاوعي. و هنا يشير الروائي عامر بشة في روايته إلى مجموعة من الشخصيات الواقعية و ليست الخيالية على غرار مسرحي و كادح و مؤمن و صحفي للكشف عن أوجه الصراع المتولدة من السلطة المستبدة فكل شخصية إتخذت من السجن حياة و مأوى لها إلا و كشفت عن قمة التراجيديا. "مسرحي هو ممثل عانى البطالة و الجوع و التمرد" (6). أما صحفي فكانت غايته تعرية مظاهر الفساد و مؤمن سجين أعتقل وهو في طريقه إلى المسجد لأداء صلاة الصبح (7). عموما رواية "هروب معلن" نشأت تمردا على الواقع للكشف عما يخالج المثقف من صراعات داخلية و خارجية و من خلال إبراز علاقة السيد بالعبد. و يبقى الإتفاق على أن المعنى في أثر عامر بشة قد إتخذ عديد الأوجه فأصبحنا نتحدث عن معنى في سياق نفسي و معنى في سياق .إجتماعي و كأننا نقر بأننا سقطنا في ميتافيزيقا المعنى حيث أصبحنا نتكلم عن ماورائيات هذا العمل و عن بعده الماقبلي و المابعدي و تحرره من قيد اللغة و قيد اللفظ، لذلك يمكن القول بأنه يبقى التأمل و التأويل في هذا النص قائما لأنه حمال أوجه و يبقى التأسيس للحرية و لفعل الكتابة من سمات الأحرار.
الهوامش 1- عامر بشة، هروب معلن ط 1 الثلاثية الثانية 2013 مطبعة سوجيك صفاقس 2- الجاحظ، البيان و التبيين تحقيق عبد السلام محمد هارون بيروت دار الجيل (د ت) ج 1 ص 116 3- د أحمد الودرني، نظرية المعنى بين التوصيف و التعديل و النقد مركز النشر الجامعي تونس 2008 ص 108 4- من تقديم د محمد البدوي رئيس إتحاد الكتاب التونسيين لرواية "هروب معلن" 5- عامربشة، "هروب معلن" ص 9 6- نفس المصدر ص 34 7- نفس المصدر ص 13
#علي_البهلول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقيقة الوجود كما هو موجود في أعمال الروائي التونسي سمير بولي
...
-
المفكر التونسي شاهين السافي يتحدث للحوار المتمدن عن السياسي
...
-
الشعر والمقاومة يجتمعان في نادي الابداع الأدبي بصفاقس
-
الدكتور والباحث التونسي محسن الزارعي في حوار خاص حول السياسي
...
-
تبعية العرب للغرب بين الواقعي والديني
-
الباحث والكاتب التونسي علي البهلول يبشر بامكانية ايجاد الحلو
...
-
صمت التلاشي
-
الشاعر التونسي العربي جمال الصليعي يقول للصهاينة بأن يبحثوا
...
-
أمين عام حزب الكادحين فريد العليبي:مقاطعة الانتخابات التونسي
...
-
ايقاع الموت وموسيقى الأمل في -ولو مشيا على الجمر-للشاعر والا
...
-
هل سينجح نداء تونس في حل مشاكل تونس
-
ايقاع الموت
-
تأملات ارتكاسية
-
أقاصيص تجري في غير مجراها للدكتور محمد الخبو ابداع في اللامت
...
-
الاعاقة الذهنية الواقع والتحديات التريزومي 21 نموذجا:مقتطف م
...
-
قراءة في شذرات من كتاب جدل التنوير لماكس هوركهايمر وثيودورف
...
-
حلم على وتر التردد لوغوس ووعي بالذات للشاعر التونسي شاهين ال
...
-
أبو الهول وحادثة العين
-
هل سينجح الفريخة والسلامي في حل مشاكل صفاقس
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|