الطيب طهوري
الحوار المتمدن-العدد: 4665 - 2014 / 12 / 18 - 19:01
المحور:
الادب والفن
إليها، تلك المرأة التي في الظنون
حين حمل فأسَ الصمت وبدأ الحفر في القلب كانت الريح تعوي في الخارج والأشجار البرية تنوح..
الضربة الأولى تركت جرس الشوق يرن..
الثانية فتحت بابا للذكرى..
الثالثة غاصت بعيدا في الليل الناهض من غفوته..
استيقظت النجوم فزعةً..
القمر أيضا فرك عينيه تائها..
والرجل الذي كان يحفر واصل حفره باكيا..
***
امتدت السواقي ماء حارا أبكى التراب الذي كان قد استيقظ لتوه..
قالت الأعشاب : ياله من يوم ساخن..
أما العصافير فقد مرت أسرابها تحضن الهواء الذي كان ريحا عالية العواء..
كان الرجل ما يزال يحفر..
وكانت الفأس التي في اليد المحمومة دمهُ..
وكانت الحفرة قد صارت بركة من خلاء..
***
لم يسترح الرجلُ..
لم تُسقط يده المحمومة الفأسَ..
كانت الحفرة الأخرى قد بدأت تفتح سرها..
في الحفرة كانت امرأةُ الأعماق تنشر ظلعها..
كانت ابتسامتها التي فارقته تستعيد عمرها..
كان الشعر الوهاج الظل الذي مد غصنهُ..
والعينان السوداوتان كانتا حقله في المدى..
هل أحفر كل هذا الحقل؟ سأل الرجل فأسه ويده المحمومةَ صامتا..
هل أحفر كل هذا العمر الذي كنته؟ ..
لم تتكلم الفأسُ..لم تقل اليد المحمومة : آهْ..
كانت اليد الأخرى تحفر أرضها..
والعمر كان يجر خطاهْ..
***
ما زال الرجل يحفر قبلهُ..
ما زالت امرأة الأعماق صحراءً لاهثةً تبتلع دوامات رملها الرجال واحدا تلو الآخر من قبْل عنترة إلى ما بعد الطيب ِ..
ما زالت العصافير زاعقة..
والنوارس التي شكلت لون عينيه ما زالت تحومُ..
وما زالت يداه يعفر ظلهما الترابُ النازف ملحهُ..
ما زال فمه عطشا شاهقا..
مازال صدره حمأ مسنونا..
ساقاه الفلواتْ..
***
الرجل الشاعر ماتْ..
المرأة ماتت أيضا..
صار النهر دما ..
والأشجار حريقا يتنهد نوقا ترغو..
والشمس غبارا حجريا..
البحر رمادا صار، خياما تائهةً..
والصخر صدى..
#الطيب_طهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟