|
العشق في مصادر التراث
سميح مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 4665 - 2014 / 12 / 18 - 17:50
المحور:
الادب والفن
يتبدى من البحث في مصادر التراث ، أن مواضيع العشق والجنس قد أضحت منذ بداية القرن الثالث الهجري، أجزاء مهمة في كتب الفقه والتفسير والفتاوى ، الصادرة عن العديد من الأئمة والفقهاء والعلماء من السلف، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر أصحاب السنن والغزالي وابن قتيبة ، على عكس الفتاوى التي تصدر في الزمن الحالي الذي تتصاعد فيه وتائر القمع الفكري والتجهيل والترهيب وإذكاء الفكر التكفيري الظلامي باسم الدفاع عن الدين .
وفي إطار مواضيع العشق بمعناها الأوسع ظهرت أيضا على امتداد العصور السابقة مؤلفات عديدة لكثير من علماء الدين الكبار ، منهم ابن قيم الجوزية، وابن حزم الظاهري الأندلسي، وجلال الدين السيوطي، ومحمد النفزاوي، وعلي الكاتبي القزويني، والتيجاني، وأحمد بن يوسف التيفاِشي، ونصر الدين الطوسي وغيرهم.
ولهذا تعج المكتبة التراثية العربية بمؤلفات كثيرة عن تفاصيل العشق والجنس، ساهمت بأسلوب سرد شيق وجريء، في نشر وازدهار خطاب متحرر لا يتسق مع إيقاع الرقابة العصرية على الفكر والإبداع القائمة على فتاوى التحريم والتكفير والتطرف بكل تفاعلاتها وتفرعاتها.
وكمثال على ما أقول ثمة كتاب للشيخ جلال الدين السيوطي، يصعب ذكر اسمه الايروتيكي في هذا السياق، مع أنّه وضعه في القرن الخامس عشر، وهناك كتاب آخر بعنوان "روضة العاطر في نزهة الخاطر"، للشيخ محمد النفزاوي، يعتبر في الوقت الحاضر من بين أهم أربعة كتب أساسية في الفن الايروتيكي في العالم، إلى جانب الملحمة الهندية "كاما سوترا"، وملحمة أوفيد، والملحمة الفارسية "أنانجارانجا".
وحتى لا أترك الأمور تجري على عواهنها، سأحاول التعريف بكتابين مهمين من كتب التراث المعنية بالعشق، هما كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" للإمام الفقيه ابن قيم الجوزية، وكتاب "طوق الحمامة في الإلفة والألاف" لإمام مذهب الظاهرية ابن حزم الظاهري الأندلسي.
والمعروف أنَّ الشيخ ابن قيم الجوزية من الفقهاء المتشددين، تفقه في المذهب الحنبلي وأفتى، وغلب عليه حب ابن تيمية، وقد لازمه ملازمة تامة ولم يخرج عن شيء من أقواله، وأيده في كل ما صدر عنه، وقد سجن معه في قلعة دمشق بعد أن أهين وعذب بسببه، ولم يطلق سراحه إلا بعد وفاة ابن تيمية.
وكتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" الذي وضعه قبل ما يزيد عن سبعمائة سنة، حافل بالطرائف الأدبية، النثرية والشعرية، التي تعبر عن فنون الغزل، وحقيقة العشق وأوصافه وكلام الناس فيه ، "وأحكام المحبة ومتعلقاتها وأسبابها وموانعها، وما يناسب ذلك من أمثلة تفسيرية، وأحاديث نبوية، ومسائل فقهية، وآثار سلفية، وشواهد شعرية، ووقائع كونية". وفي الكتاب أيضا وصف شامل لأسماء المحبة المختلفة، وقد حصرها بستين اسما، شرح بتوسع اشتقاقها ومعانيها، ومنها العلاقة والشجو والوله والتعبد والوجد والغرام والهيام والجَوى والصبابة.
وبنظرة سريعة في حيثيات هذا الكتاب القيم يتبين أنَّ ابن الجوزية قد عَرَف المحبة "بغليان القلب وثوراته عند الاهتياج إلى لقاء المحبوب"، وعَرّف العشق "بامتزاج الروح بالروح لما بينها من التناسب والتشاكل، فإذا امتزج الماء بالماء امتنع تخليص بعضه من بعض، ولذلك تبلغ المحبة بين الشخصين حتى يتألم أحدهما بتألم الآخر، ويسقم بسقمه وهو لا يشعر."
وقال في العشق أنه "يصفي العقل ويُذهب الهم ويبعث على حسن اللباس، ويُعلي الهمة ويحمل على طيب الرائحة وكرم العشرة وحفظ الأدب والمروءة، وهو بلاء الصالحين ومحنة العابدين، وهو ميزان العقول وجلاء الأذهان، وهو خلق الكرام." وقال فيه أيضا "أرواح العشاق عطرة لطيفة، وأبدانهم رقيقة ضعيفة وكلامهم ومنادمتهم تزيد في العقول، وتحرك النفوس، وتطرب الأرواح."
وأكد على أن "أحاديث العشاق زينة مجالسهم، وروح محادثتهم، ويكفي أن يكون الأعرابي الذي لا يُذكر مع الملوك ولا مع الشجعان الأبطال يعشق ويشتهر بالعشق فيذكر في مجالس الملوك والخلفاء ومن دونَهُم، وتدون أخبارُه وتروى أشعاره، ويَبقي له العشق ذكرا مخلدا، ولولا العشق لم يذكر له اسمٌ ولم يرفع له رأس."
كما وصف الشوق "بحرقة المحبة والتهاب نارها في قلب المحب، وذلك مما يزيده القرب والمواصلة والاهتياج واللجاج والتمادي في الطمع والحرص على الطلب."
وقد استدلَّ ابن الجوزية في هذا السياق بقول الشاعر ابن الرومي:
أُعانقهـــــــــــا والنفسُ بعدُ مَشُوقــــــةٌ إليها وهل بعـــــــــد العناقِ تدانــي وألثمُ فاها كي تزولَ صبابتــــــــــي فيشــــــــتدُ ما ألقى من الهيَمــــانِ ولم يكُ مقدارُ الذي بي من الجَوىَ ليَشفِيَه ما تَرشُــــــفُ الشَـــــــفتانِ كأن فؤادي ليس يشفي غَليلَــــــــه سوى أن يَرى الروحين تمتزجانِ
ولا يقف ابن الجوزية عند حد التعريف والتوصيف فحسب، بل يدخل في غمار إصدار فتاوى كثيرة، كإباحة النظر إلى وجه المرأة، معتمدا في ذلك على الحديث الشريف المشهور "النظرُ إلى الوجهِ المليح عبادةٌ " وعلى حديث "اطلبوا الخير من حِسان الوُجوه"، وفي هذا إرشاد للناس إلى تصفح الوجوه وتأملها.
وأعتمد في هذا السياق أيضا على بيتين من الشعر للإمام الشافعي:
يقولون لا تَنظـــــــــــــر وتلك بليَّـــــــــةٌ ألا كلُّ ذي عينين لا بدَّ ناظرُ وليس اكتحال العين بالعين ريبة إذا عــــفَّ فيما بين ذاكَ الضمائــرُ
واللافت أنَّ ابن الجوزية اعتمد كثيرا على الشعر في كتابه، ومنه ما يتعلق بسؤال الأئمة عن الاستمتاع بالعشق، ويذكر في هذا السياق ما قاله إسحاق بن معاذ بن زهير شاعر مصر في وقته، كرد على سؤال وجهه إلى الإمام ابن حنبل:
سألتُ إمام الناس نجلَ ابنِ حَنبلِ عن الضمِ والتقبيل هل فيه من باس فقال: إذا جلَّ العَزاء فواجـــــــــــبٌ لأنك قد أحييت عبداً من النّــــــــاس
وفي نفس المنحى يذكر شعرا لابن مُرخِية، يعبر عن سؤال وجهه إلى الإمام أبي حنيفة النعمان:
كتبتُ إلى النعمان يوما رسالة نسائله عن لثَم حِبٍ ممنَـــــــع فقال لنا: لا إثــــــــــم فيه وإنــــــه شهيٌ إذا كانت لعشرِوأربع
وأكثر ما أثارني في كتابه قصيدة شعر طويلة له في وصف الحور أسماها "الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية"، يبوح بها بتفاصيل شبقية جسدية مكثفة ، ومما قاله فيها مما يمكن نشره بدون أي خدش للحياء العام الابيات التالية :
والصدر متسعٌ على بطــــــــــــــنٍ لها والخصــــــرُ منها معـــــــــــــرمٌ بثمان وعليه أحســــــــــن سُـــــــرةٍ هي زينةٌ للبطـــــن قد غارت من الأعكـــان أقدامُهــــــا من فضةٍ قد رُكِّـــــبت من فوقهــــــــا ساقـــــــــان ملتفّــــــــان والسّــــاقُ مثــــل العاج ملمــــــــومٌ به مُخُ العظــــام تنالــــــه العينـــــــــــان وكلامُها يَسبي العقـــول بنغمــــــةٍ زادت على الأوتــــــــــار والعيــــــــدان وسل المتيَّم كيف مجلسُه مع الـــ ــمحبــــــوب في رَوْحٍ وفي رَيحــــــــــان وتدور كاساتُ الرحيق عليهمــــا بأكـــــــفّ أقمـــــــارٍ من الولــــــدان يتنازعان الكأسَ هـــــــذا مـــــــــرةً والخــــــــــــود أخــــرى ثم يَتكئــــان فيضُمها وتضُمُّـــــــــــــــه أرأيت معْــ ــشـــــوقين بعد البعـــــد يلتقيـــــــــان غاب الرقيبُ وغاب كلُ منكدٍ وهما بثـــــــــــوب الوصل مشــتملان
وهناك جوانب أخرى مثيرة كثيرة في الكتاب لا تتسق مع نزعة قوى الجمود الديني وحركات التعبئة الظلامية الحالية، تبين أنّ ابن الجوزية أكثر حداثة في فكره وشعره من الكثيرين من الفقهاء المعاصرين.
أنتقل الآن إلى تناول الكتاب الثاني الذي سبق ذكره، وهو "طوق الحمامة في الإلفة والألاف" لابن حزم الظاهري الأندلسي، وقد ألفه قبل ألف عام، ويعتبر من أهم كتب التراث العربي، له شعبية كبيرة في الدول الغربية كألف ليلة وليلة، كما يعتبر مؤلفه من أهم فقهاء المذهب الظاهري (من أشد المذاهب الفقهية تعصباً وتشدداً) وكذلك من أبرز أعلام الأدب في الأندلس، كانت له ولأبيه من قبله رئاسة الوزارة وتدبير المملكة، ثم زهد فيها وانصرف إلى الشعر والعلم والتأليف، وله بخط يده من تأليفه أكثر من 400 مجلد في الدين المقارن والفقه والتاريخ والعشق، ومن كتبه المعروفة كتاب "الفصل في الملل والأهواء والنحل" وكتاب "المحلى".
عالج ابن حزم في كتابه "طوق الحمامة" كل ما يتعلق بتصنيف "الحب ومعانيه وأسبابه، وأعراضه وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة" بعبارات رشيقة، وأسلوب يتسم بالخفة والظرف، وقد بدأه بذكر أسباب نشوء العاطفة، وتوسَّعَ في ذكر صفاتها الحميدة والذميمة، وحلل سلوك العشاق، وأصول الحب، وعلامات الحب والضني والوصل والهجر والسلو، والوفاء وغيرها، ودعم كل ما توصل إليه بأشعاره، وبنوادر شيقة، وأمثلة في الحب خاصة به، أكد فيها على ولعه بالشقراوات، كما أعطى أمثلة خاصة بتجارب بعض المشاهير من أترابه.
وفي هذا يقول عبد الرحمن المصطاوي "التزم ابن حزم جانب الحقيقة في دراسته للحب، فلا يسعى إلى الخيال، وأفصح عن ذاته واعترف بحبه، ونهج النهج القصصي المحبب إلى النفوس، وقدم أكثر من نموذج وصورة، وهو الفقيه يقول عني أخبرُك، ويتحدث عن قصة حبه لـ "نُعْم" وقصة حب أخرى عاشها".
ومن المدهش أنَّ ابن حزم (الفقيه) قد اعتمد في كتابه القيم ما يسمى "بأدب الاعتراف" بعبارات صادقة عبر بها عن تجربته الشخصية في العشق حيث يقول في باب الوصل: "لقد جربت اللذات على تصرفها، وأدركت الحظوظ على اختلافها، فما للدنو من السلطان ولا المال المستفاد، ولا الوجود بعد العدم، ولا الأوبة بعد طول الغيبة ولا الأمن من بعد الخوف، ولا التروح (الراحة) على المال، من الموقع في النفس ما للوصل، لا سيما بعد طول الامتناع، وحلول الهجر حتى يتأجج عليه الجَوى، ويتوقد لهيب الشوق، وتتضرم نار الرجاء."
إن كانت هذه هي الصورة في الوصل، فما هو حال المحبين في الهجران؟ وفي هذا يتوسع ابن حزم في تفاصيل مختلف أنواع الهجران، ويبين أن :
"أولها هجر يوجبه تحفظ من رقيب حاضر، وإنه لأحلى من كل وصل، ثم هجر يوجبه التذلل، وهو ألذ من كثير من الوصال، ولذلك لا يكون إلا عن ثقة كل واحد من المحبين بصاحبه، واستحكام البصيرة في صحة عقده، فحينئذ يظهر المحبوب هجرانا ليرى صبر محبه، ثم هجر يوجبه العتاب لذنب يقع من المحب، وهذا فيه بعض الشدة، ولكن فرحة الرجعة، وسرور الرضا يعدل ما مضى، فإنَّ لرضا المحبوب بعد سخطه لذة في القلب لا تعادلها لذة، وموقفا من الروح لا يفوقه شيء من أسباب الدنيا، ثم هجر يوجبه الوشاة، ثم هجر الملل، والملل من الأخلاق المطبوعة في الإنسان، ثم هجر القلى حين تنفد الحيل ويعظم البلاء".
وانسجاما مع هذه الأفكار يقول ابن حزم عن أهمية الحب في حياة الإنسان:
"لقد وطئت بساط الخلفاء وشاهدت محاضر الملوك فما رأيت هيبة تعادل هيبة محب لمحبوبه، ورأيت تمكن المتغلبين على الرؤساء وتحكم الوزراء، وانبساط مدبري الدول، فما رأيت أشدَّ تبجحا ولا أكثر سرورا بما هو فيه من محب أيقن أنَّ قلب محبوبه عنده ووثق بميله إليه وصحة مودته له. وحضرت مقام المعتذرين بين أيدي السلاطين، ومواقف المتهمين بعظيم الذنوب مع المتمردين الطاغين، فما رأيت أذل من موقف محب هيمان بين يدي محبوب غضبان قد غمره السخط وغلب عليه الجفاء، ولقد امتحنت الأمرين وكنت في الحالة الأولى أشد من الحديد، وفي الثانية أذل من الرداء، وألين من القطن، أبادر إلى أقصى آيات التذلل.".
هناك فائض من المعاني والأحاسيس الرومانسية والصور الشعرية الجميلة في طوق الحمامة لا يتسع المجال هنا للتفصيل فيها، لذلك اكتفي بذكر مقولة واحدة يعبر فيها ابن حزم على مقدرته في فهم أحاسيس المرأة، مؤداها "ما رأيت قط امرأة في مكان تحس أنَّ رجلاً يراها أو يسمع حسها، إلا وأحدثت حركة كانت عنها بمعزل، وأتت بكلام زائد كانت عنه غنية، مخالف لكلامها وحركتها قبل ذلك، ورأيت التهمم لمخارج لفظها وهيئة تقلبها لائحاً فيه، ظاهرا عليه، لا خفاء به."
وهنا أقول نفس ما قلته آنفا بشأن ابن الجوزية، بأنَّ أفكار ابن حزم في العشق تتناسب مع حداثة عصرنا المعيش، مع أنّه من أهمّ أئمة مذهب الظاهرية المتشدد والمتعصب، وقد كرس معظم نشاطه للدفاع عنه.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما رأي أهل اليوم من الأئمة والفقهاء بأحكام وقناعات السلف الصالح في العشق والحب والمحبة؟
وجوابي على هذا السؤال أجده في مثال عملي يتصل بتجربة الشاعر المصري أحمد الشهاوي، المتعلقة بكتابه الموسوم "الوصايا في عشق النساء" الذي نشره في عام 2003، و سجل فيه وصاياه للمرأة بمشاعر وأحاسيس رومانسية، طرح فيها أفكاراً ذات دلالة إنسانية، تُعين المرأة على أداء فرائض العشق على خير وجه، وقد تلمس في كل هذا متكأ تراثيا استند عليه، وذلك بالاعتماد على أحاديث شريفة، وأشعار وأقوال مأثورة لبعض الفقهاء والأئمة.
وقد أثار هذا الكتاب جدلاً ثرياً بين المثقفين تناقلتها وسائل الإعلام المصرية والعربية، وبغض النظر عن مظاهر الاتفاق والاختلاف لما جاء فيه فقد تمكن أن يثير نقاشا حيا حول حرية التعبير، خاصة وأنَّ مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر قد أفتى بمصادرة الكتاب لأنَّ أفكاره تتعارض مع الثوابت الدينية.
وقد رد الشهاوي على هذه الفتوى ببيان تناقلته الصحافة المصرية والعربية، بين فيه أنَّ كتابه لا يتعارض مع الثوابت الدينية، وأنَّه اعتمد فيما جاء فيه من وصايا على الأحاديث الشريفة وكتب التراث الدينية، وأضاف في هذا الخصوص انه لو طبقت الفتوى ضد كتابه فستكون النتيجة مصادرة الأدب العربي كله، وكل كتب التراث، وسيكون في المقدمة علماء وقضاة وأصحاب مذاهب وأئمة متشددون ومعتدلون على السواء مثل ابن حزم الظاهري الأندلسي، وجمال الدين السيوطي، وابن قيم الجوزية، وابن الجوزي، وغيرهم، ولهذا أحال الشهاوي الجميع إلى كتب التراث، وما تركه الأئمة والفقهاء والعلماء الأجلاء من السلف، وهم - والقول للشهاوي – أكثر علماً وتفقهاً في الدين من كل المعاصرين.
وقد نجح الشهاوي في إيقاف مصادرة كتابه، وتمكن من توزيعه في الدول العربية، حتى في تلك الدول التي يعلو فيها سقف تحريم الكتابة في قضايا العشق، وكذلك تم له نشر كتاب جديد في عام 2006 هو الثاني في سلسلة "الوصايا في عشق النساء".
وقد انحاز الشهاوي في كتابه الجديد مرة أخرى للمرأة، بتقديم وصايا جديدة لها في صور شعرية أنيقة في مفرداتها الجزئية وصيغها التشكيلية، تعبر عن تطلعاتها وأحلامها، وعن دعوته لها إلى حرية الاستجابة لما فطرت عليه، مستعينا بكل ما قاله من وصايا في كتابه بشواهد من الأحاديث الشريفة وكتب التراث الدينية، ومستخدما أسلوب الرمز كما هو الحال في الطرق الصوفية، بالتنقل فيما يقول ما بين البوح والتصريح المباشر تارة، والإشارة تارة أخرى بالرموز والصور المشبعة بالانفعالات، وترك الأمر للقارئ لتأويل وصاياه على غير ظاهرها.
وقد اعترض علماء مجمع البحوث في الأزهر على هذا الكتاب أيضا، وطالبوا بمنع نشره وتداوله ووصفوه "دعوة واضحة للفسق والتجرد من الحياء والاستغراق في لذات الليل والصرخة في اللقاء"، وكدليل على عدم اهتمام الشهاوي بهذا الاعتراض سجله على غلاف كتابه، ولم يتم مصادرة الكتاب وتم توزيعه وتداوله.
وقد أثار الكتاب أسئلة وتساؤلات كثيرة من قبل بعض المثقفين والأدباء حول قيمته الأدبية، ومنهم من وجده إضافة جيدة يتحلى بالموضوعية، ويسعى إلى تعديل العلاقة التراثية ما بين الرجل والمرأة، بإيجاد شراكة في العشق تجمع الطرفين على سبيل التوحد، وذلك كما جاء في فقرة سجلها د. محمد عبد المطلب على غلاف الكتاب.
وعموما استطاع الشهاوي باعتماده موروث التراث العربي الغني في أدبيات العشق، إعلاء سقف دفاعه بحرارة بالغة عن حق الكتاب والشعراء في الكتابة الحرة، وتمكن بجدارة من الوقوف في وجه عمليات محاصرة الإبداع ومصادرة الكتب التي تمارسها قوى نزعات الانغلاق الديني.
ومما لا ريب فيه أنَّ التصدي للممارسات القمعية المتعلقة بالتدخل في الشؤون الإبداعية الأدبية والفكرية والفنية على جانب كبير من الأهمية، للتغلب على التخلف واللحاق بركب الحضارة، وإيقاف مفعول القوى التي تناهض حرية الإبداع والتفكير، وتعمل على تزوير التاريخ طامسة حقيقة موروث العلماء والفقهاء الذين سبق ذكرهم، وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين الكبار كالرازي والنَظام وأبي العلاء المعري، وعشرات أمثالهم، ممن كتبوا أفكارا معارضة لكثير من الثوابت بحرية وبلغة سافرة، وذلك قبل قرون عديدة دون أن تعرض كتبهم للمنع والمصادرة.
#سميح_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جبرا إبراهيم جبرا: متى يُكرم؟
-
طفولة شاعر
-
ألوانُكِ
-
بطاقات شعرية صغيرة
-
في البدء كانت الكلمة
-
مدينة النجوم
-
لمن تدق ُ الأجراس
-
دين الحب
-
بمصابيح عكا يلمع القمر ُ
-
حيفا تحلق في رحاب الذاكرة
-
القدس
-
لمنْ تدقُ الأجراسْ ؟
-
الحطابة ام أسعد
-
يوميات ابي عبد الله الصغير أخر ملوك الأندلس
-
قراءة في كتاب : مسيحيون و مسلمون تحت خيمة واحدة
-
سيد القوافي ... وداعاً
-
طفلة من غزة
-
جريدة الاتحاد الحيفاوية عرفتني على بعض جذوري في فلسطين
-
أبو العلاء المعري رهين المحبسين
-
قراءة في كتاب : مارغاروش ( ومضات من حيفا )
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|