|
المستوطنون الغاليون
أوري أفنيري
الحوار المتمدن-العدد: 1306 - 2005 / 9 / 3 - 10:54
المحور:
القضية الفلسطينية
أيها المستوطنون الغاليون -- "غاليون" بكل معنى الكلمة.
وقد حان الوقت للحديث، بدون ملامح الرحمة التقية ودون "لو" ودون "لكن".
لقد دفعنا مليارات لتوطينكم هناك. دفعنا مليارات لإبقائكم هناك، فمعظمكم يعيش هناك على حسابنا. دفعنا مليارات لحمايتكم وعشرات الجنود والجنديات سقطوا في هذه المهمة. والآن ندفع مليارات (ثمانية؟ عشرة؟ اثني عشر؟) لإخراجكم من هناك، مقابل تعويضات سخية.
لكن هذا كله لم يكن كافيا. ها أنتم تصرخون مرة أخرى "النجدة". ها أنتم مظلومون مرة أخرى. ومرة أخرى تستحقون المزيد المزيد. مليارات أخرى. مناطق كاملة من البلاد ومن المفضل أن تحتوي على شواطئ، خاصة بكم، لكي تنتقلوا كـ"مجتمعات منفردة". لكي تتمكنوا من أن تكونوا مختلفين. لكي تكون لكم مدراس خاصة بكم. لكي يتلقى معظمكم، مرة أخرى، رواتب كمستخدمين لدى السلطة المحلية والتعليم والأمن.
لا أعلم فيما إذا كان كتاب الأرقام القياسي لجينيس يمنح لقب الرقم القياسي لمن أحرزوه في الوقاحة. إذا كان الأمر كذلك، فهذا اللقب من حقكم دون منافس. أنتم لا تعصرون المليارات فحسب أنتم على ثقة تامة أيضا بأن هذا من حقكم. كما كان من حقكم في الماضي أن تحصلوا على فيلات فاخرة بنصف الثمن، مصدر رزق، أراضي ومياه، لذلك فأنتم تستحقون كل شيء الآن أيضا. من حقكم أخذ الأموال التي يستحقها المرضى، المسنّون، المعاقون، الأولاد والعاطلون عن العمل. لأنكم ملح الأرض. لأنكم تتمسّكون بلحية المسيح المنتظر. لأن الله اختاركم.
ربما كنت أواسيكم، لو قلتم كلمة ندم واحدة على 1500 بيت من البيوت الفلسطينية التي هدمت بسببكم، وهي أكثر من كافة بيوت المستوطنين التي تهدم الآن. لو عبّرتم عن مواساتكم لمصير آلاف الأولاد الذين طردوا من بيوتهم خلال نصف ساعة، دون تعويضات ودون فنادق وأخصائيين نفسيين. وكذلك ندمكم على آلاف الأشجار التي اقتلعت لضمان "أمنكم".
وقد قال ذات مرة هيلل العجوز، اليهودي الأكثر أخلاقية، عندما رأى جمجمة تطفو على سطح ماء النهر: "لأنك أغرقت، أُغرقت..." (الأولى بفتح الألف والثانية بضم الألف - المترجم).
يجب أن تتذكروا: ليست "الدولة"، تلك الهيئة المجهولة، هي التي تدفع الحساب. من يدفع الحساب هو أنا وكل قارئي هذه الأسطر، من جيوبنا.
إلى مجلس "ييشاع"، تحية وبعد -
كفى، لقد انتهت الخدعة. انفجرت الفقاعة.
لقد بسطتم علينا الرعب طيلة أشهر. فجّرتم رؤوسنا بالأرقام الخيالية. مائة ألف متظاهر، مائة وخمسون ألف متظاهر. "لقد نشّطنا ما مجموعه مليونين". أي: حوالي 40% من السكان اليهود في إسرائيل.
وهذا ما هو إلا نقطة في بحر. لقد وعدتم بأن يحضر مئات الآلاف إلى غوش قطيف. عشرات آلاف الجنود والضباط سيرفضون الانصياع إلى الأوامر. ستسد كل طرقات البلاد. ستُشلّ الدولة. سينتفض الشعب بأكمله ضد ذلك الرجل الرجل الوحيد الذي يريد بمفرده أن يخرجكم من قطاع غزة.
ماذا حدث؟ لم تسقط خشبة من السماء. لم تسد حتى طريق واحدة. قلة قليلة فقط رفضت الانصياع للأوامر أقل بكثير من رافضي الخدمة من منطلق الضمير الذين ينتمون إلى معسكر السلام وأي منهم لم يكن مستعدا، مثلهم، للذهاب إلى السجن لسنة أو أكثر.
وبالأساس: بقيتم لوحدكم. لوحدكم تماما. لقد كان ذلك واضح للعيان منذ اللحظة الأولى، حين لم يظهر، في مظاهراتكم الكبيرة، شخص واحد لم يعتمر "الكيبا" المحاكة أو "كيبا" العائدين إلى الدين. لم ينضم إليكم أي جزء آخر من الجمهور: لا اليسار، لا اليمين العلماني، حتى ولا الحريديم. كل أقاويل التفاخر والتكبّر، التي سمعناها صباحا ومساء، تطايرت كفقاعة صابون.
ما بقي هو "أم النكسات". ولكن، بدل الاختفاء عن الحلبة لوقت طويل، بدل أن تجروا "حسابا مع أنفسكم" وأن تهضموا إخفاقكم، ها أنتم تتربّعون على قمة الوقاحة، وتستمرّون وكأن شيئا لم يكن.
إلى وسائل الإعلام، تحية وبعد--
ألتمس عذركم لأنني أتوجه إليكم وكأنكم رجل واحد. فأنتم مجموعة من الصحف، محطات الراديو وقنوات التلفزيون. إلا أنني أتوجه إليكم بصيغة المفرد لأنكم كنتم كذلك في الأسابيع الأخيرة. لقد تحدثتم جميعا وكأنكم شخص واحد، بأسلوب واحد وبنفس المصطلحات. وجميعكم، فيما عدا بعض المميزين، خنتم وظيفتكم.
لقد شكلتم في الأسابيع الأخيرة منصة لدعاية المستوطنين. كل الصحف، كل محطات الراديو، كل قنوات التلفزيون، على مدار الساعة، سبعة أيام في الأسبوع. كل جشأة وكل حازوقة مستوطن تحوّلت لديكم إلى خبر وحتى إلى نبأ مثير. صوت معسكر السلام لم يكد يسمع وصوت المعارضين للمستوطنات، الملتزمين، لم يسمع أبدا.
لقد أغرقتمونا في بحر ضحل، ساعات تتلوها ساعات من الصراخ والبكاء، الهستيريا المفبركة والهستيريا الحقيقية. تسلسل لا نهاية له من المشاهد التي تم إخراجها خصيصا للتلفزيون وهدفها معلن وهو "النحت في الوعي" و"خلق صدمة". من أعالي سطح شا-نور طلب عضو الكنيست أرييه إلداد "أقفاصا" لفبركة الحالة المأساوية وحتى مراسل واحد لم يكتب: "أيها المجانين، انزلوا عن السطح!" وبدل تقارير موضوعية سكبتم علينا شلالا من الكلمات المشحونة: "مشهد صعب"، "ألم كبير"، صور تمزق القلوب"، "هؤلاء الشبيبة الرائعون". (في حالات نادرة فقط ظهر من بين هذه المشاهد المفبركة بصيص من الحقيقة. مثل ذلك الولد الذي وقف يصلي بجانب أمه، وحين رأى أن الإخلاء مستمر، قال مستغربا: "يا أمي، الصلاة لم تساعد!")
أين وقفت الصحافة المحققة من هذه الغوغاء كلها؟ لماذا لم نسمع عن عدد المتظاهرين الحقيقي؟ ما هو "مجلس ييشاع" أصلا، ومن الذي انتخبه، وما هي مكانته القانونية، ومن أين أتوا بعشرات الملايين التي صرفت على هذه المواجهة؟ لماذا لم يتم التحقيق للكشف عن الحقل الذي زُرعت فيه هذه الأعشاب الضارة، ماذا يحدث في الجهاز التعليمي "الرسمي-الديني" الذي يثقّف على حسابنا أجيالا من البلطجيين المتطرفين؟
ولماذا لم يجرؤ أي شخص على الكشف عن مهزلة "ستالينغراد" و"مسادا"، التي كان يعرف مقاتلوها جيدا أن أحدا لن يستخدم ضدهم الهراوات أو الغاز المسيّل للدموع وأن كل الموقوفين سيتم إطلاق سراحهم غداة ذلك اليوم أو في اليوم الذي يليه؟
سيّدي رئيس الحكومة --
أعتذر. في الحقيقة لم أومن بأنك ستستمر في هذه الحكاية إلى النهاية. ولكنك أنجزت ما وعدت بإنجازه، بغض النظر عما إذا كان لديك خيار آخر أم لا، بغض النظر عما إذا انزلقت ولم يكن بإمكانك العودة أو أن الأمريكيين أرغموك على ذلك.
غير أن الاختبار الحقيقي الذي يواجهك يبدأ الآن فقط. أعمالك في الأيام القريبة ستحدد فيما إذا كنت ستحوز على مكانة تليق بك في التاريخ، أو أن التاريخ سيتذكرك كأبله.
قال رئيس حكومة آخر، وهو الزعيم البريطاني دافيد لويد-جورج، حين حاول تبرير الانفصال عن أيرلندا: "لا يمكن القفز من فوق الهاوية بوثبتين". أنت تواجه نفس الوضع الآن، فقد بدأت القفز وها هي الهاوية سحيقة من تحتك. إذا توقفت في النصف فستسقط إلى الحضيض.
إذا لم تتقدم بسرعة باتجاه تسوية تاريخية مع الفلسطينيين فأنت ستحقق، بكلتا يديك، نبوءة الدمار التي يتنبأ بها بنيامين نتنياهو: نشوب انتفاضة ثالثة وتحوّل قطاع غزة إلى ميدان لإطلاق قذائف الهاون وصواريخ القسام المطورة.
هذا ليس الوقت المناسب للتفكير بالانتخابات القادمة والنظر إلى العوزيّين (عوزي لنداو) والبيبيين (بنيامين نتنياهو) على أنواعهم، إلى ليكود أ وليكود ب هذا هو وقت النظر إلى الأمام وإنجاز الخطوة التاريخية.
هذا هو اختبارك، وهو فقط الذي يحدد فيما إذا كان الانسحاب من غزة حادثة ثانوية أو أنه إنجاز تاريخي.
أيها المصالحون الأعزاء --
ها أنتم تظهرون الآن كالفطر بعد المطر. تريدون المصالحة، عقد اللقاءات، "رأب الصدع في الشعب".
لا يوجد أي صدع. بل على العكس، لقد توحّد الشعب حول هذه المسألة بشكل يثير العجب أو حتى الاستغراب.
لا يوجد "صدع" هنا، بل هي مواجهة لا يمكن تحاشيها بين الأغلبية الساحقة في الجمهور الإسرائيلي وبين فئة صغيرة تعتبر نفسها مختلفة. إذا أردتم إثباتا على ذلك، فها هم المستوطنون يطالبون بإقامة بلدات خاصة بهم في إسرائيل وفيها مدارس مختلفة تختلف أيضا عن الجمهور الصهيوني-المتديّن عامة.
لقد عبّر الجمهور الإسرائيلي بأغلبيته الساحقة، عن رغبته في دولة القانون، دولة ديمقراطية تقرر فيها الأغلبية، من خلال احترام حقوق الأقلية. دولة متعقلة، حرة وحكيمة. دولة لها حدود ودستور، تكون جزءا من البشرية المتحضرة. دولة تحترم كل الأديان ولكنها لا ترضخ للدين.
لقد هبّت ضد هذه الدولة، قبل 30 سنة، الفئة المتطرفة التي تطمح إلى إقامة دولة أخرى عوضا عنها: دولة دينية، قومية وعنصرية، يتحكم بها القانون الإلهي كما يفسره حاخاموها. دولة وظيفتها احتلال أرض إسرائيل كلها وتوارثها وطرد سكانها وملئها بالمستوطنات.ئيل كلها وتوارثها، سرائيل كلها وتوارثها، يمقراطية تقرر فيها الأغلبية، من خلال احترام حقوق الأقلية. دولة
لا يمكن إيجاد أي تسوية بين هاتين النظرتين ويمنع أن تخلق مثل هذه التسوية الكاذبة. لأن التسوية المقترحة ستكون دائما أحادية الاتجاه، وتهدف إلى إعادة الأغلبية الإسرائيلية إلى أحضان أقلية متطرفة تتبع للحاخامين. الضبابية الفكرية هي عامود دخان ينشط من خلفه الهدامون. ما نحتاجه هو العكس: تسليط الأضواء الناصعة، التي لا ترحم، لتكشف عن لب النزاع، ليعرف كل إنسان في إسرائيل ما هو سبب النزاع.
لا حاجة إلى "أمر مصالحة" بل ما نحن بحاجة إليه هو "أمر تجنيد" تجنيد للدفاع عن دولة إسرائيل.
إلى البروفيسور يشعياهو ليبوفيتش رحمه الله --
رويت لي ذات مرة، أنه عندما احتل أتباع الداعية المسلم عبد الوهاب مدينة مكة، كان أول شيء فعلوه هو هدم قبر النبي محمد، لكي لا يسجد المؤمنون للحجارة. الآن يعلنون لدينا عن أن الكُنس في غوش قطيف هي أماكن "مقدسة". أنت كنت ستحوّل هؤلاء الدجّالين إلى تراب ورماد، كما فعلت عندما قلت، بصوتك الحاد والقاطع، أن حائط المبكى قد تحول إلى "ديسكوتك ديني".
نحن نفتقدك الآن.
#أوري_أفنيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا هو اليوم
-
مسيرة القمصان البرتقالية
-
ثلاثة في سرير واحد
-
نهاية عهد بوغي
-
طريق مرصوفة بالنوايا السيئة
-
ماذا نتذكّر؟ كيف نتذكّر؟
-
الحملات الصليبية الجديدة
-
احذروا الكلب فهو ينهش!
-
والنتيجة كانت التعادل
-
من يحسد أبا مازن؟
-
قبل الكارثة المقبلة
-
إكليل بلير
-
الجبل والفأر
-
أعطني فرصة
-
تحطيم أبي مازن
-
لا تفرح بسقوط عدوك
-
مميّز في عصره
-
أنهى دوره
-
على طريق حرب أهلية
-
شكرا لك، يا دوبي
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|