أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - قه شقولي















المزيد.....

قه شقولي


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 17 - 13:23
المحور: كتابات ساخرة
    


كنت قد كتبتُ هذه المقالة في اليوم الأول من نيسان، كون لهذا اليوم طابع خاص وطقس خاص يمارسه البعض في كل عام ... ليت ما نمر به من مآسِ هي ضرباً آخراً من ... كذبة نيسان !

عماد حياوي المبارك


((قه شقولي))

لم يتوقع صاحبي (أبو مي) أنه وبمجرد مهاتفة قصيرة بيننا، أن يحدث هذا الأمر وبسرعة، ففي الساعة الخامسة من فجر اليوم التالي، كنتُ وزوجتي و ولديّ وابن أخي (سيف) على باب داره.
هبّ الرجل (بالروب) يفتح الباب، تتعقبه زوجته بحذر شديد وقد تربع (شال) بشكل غير نظامي فوق رأسها، وأسترق النظر من خلف النافذة ... بناته الأربع !
قال مستغرباً وقد غلـّـفه خجل شديد وأسف ...
ـ هاي شبيك أبو هاني، حرام واحد يتشاقة وياك، البارحة كانت (كذبة نيسان) !

× × ×

ما حدث يوم المكالمة والتي كانت في ربيع عام 1998 أن صديقي (أبو مي) ـ وهو يعلم بأني (فضولي)* سفر ـ ليخبرني أن ثمة سفرات سياحية لشمال العراق، فتحت حكومة كوردستان (الحدود) لها، وقد غضّت بغداد ـ نوعاً ما ـ العين عنها.

قال أنه سيصطحب عائلته يوم غد الثاني من نيسان فيها، وليزيد من اهتمامي (ويفلفلني) أكثر، وصفها بأنها شاملة كل مناطق الإقليم، وأنه سيتذكرني هناك وسيزودني بصور السفرة لاحقاً، وأنهى مهاتفته بالقول ... (أن مكاني فيها ... خالٍ) !
خلال حديثه استطعتُ أن أعلمُ بأنهم سينطلقون بباص نيسان (منشأة) في الساعة السادسة فجر الغد حسب جدول السفرة.
ولما سألته : أكو إزدحام على الحجز ؟
قال : لا، أصلاً الباص فارغ، لأن لحد الآن قليل يعرفون بهذه السفرة، واحتمال توقفها الشركة.

× × ×

حينما عدنا في ذلك الفجر للبيت (بخـُـفـّي حنين)، حمّلت نفسي الخطأ نتيجة الاستعجال، إلا أن الأولاد نظروا للأمر من زاوية أخرى، وصاروا متحمسين للسفرة أكثر، وقالوا بأن العم (أبو مي) كان صادقاً بكل (سالفته) وما كانت كذبة نيسانهُ سوى حول سفره هو، واقترحوا أن نراجع الشركة ونحجز لنا مقاعد في أقرب رحلة ما دامت كل التحضيرات والاستعدادات قد أنجزناها بالأمس ... الإذن من مدارسهم وترتيب غيابي عن المحل لأسبوع وفي تهيئة الحقائب وعمل نوعين (كليجة) بالتمر وبالجوز.
اقتنعتُ بكلام الأولاد وقلت : والله تمام، لنتوكل !

أتممنا التهام فطورنا واستعجلنا أنفسنا بإتمام أول حجز ممكناً تلافياً للبقاء.
في طريقنا لمكتب السفر في شارع 52، فكرتُ مع نفسي في (كذبة نيسان) التي طالما نتداولها في هكذا يوم، وبقيـْتُ اُقلبها لأنها لم تبرح فكري منذ الفجر عندما ذكّرني بها صاحبي حين كان النعاس والقلق مُطبق عليه ...

تركتُ شهر نَيْسان وما يعنيه لنا كعراقيين بأيامه من سابعهِ لثمانية وعشرينهِ، ولم أفكر حتى بالطقس الجميل الذي يمتاز به هذا الشهر، حيث أنه ربيع العراق القصير، فقد راح فكري يبحث في اللغة عن كلمة (كِذبة)، وقلت ما أسهل إشتقاقها !

فالفعل الماضي كَذَبَ ومضارعه يَكْذِبُ والصفة منه كاذب ومنها أشتـُـقّ أسم الفعل (كِذِبْ) ومفرده (كِـذْبَة)، ومنها نوعين (سودة وبيضة) والناس تتداولهما بكثرة.

يُقابلها الفعل صَدَقَ، يَصْدِقُ فهو صادِقْ، وأسم فعله (صِدِق).
لكن لماذا لم نستخدم أسم الفعل المفرد (صِدْقة) والتي يجب أن تكون على وزن (كِذْبَة).
هل هذا يعني أنه يوجد من يَطلق (كذبةٍ ما) وليس هناك من يُطلق (صِدْقةٍ) بالمقابل، يعني (أكو) كذب و(ماكو) صِدْق ؟
... الله يستر !

ـ هل سمعتم صِدْقَة أيلول أو تشرين مثلاً، بمقابل كذبة نيسان ؟ سألت الأولاد.
وأضفتُ : وعندما نشتق من الحُب الـ (مَحَبّة)، لِمَ لا نقل من الكُره ... (مَكرَهة)، هل حاضرة المحبّة بقلوبنا وغائب الكُره ؟
... ياريت !
لكني أعتقد ـ متشائماً ـ بأن سبب عدم وجود (كـُرْهة) لأنها كلمة مفردة واحدة، بينما يهجم (الكـُره) بغزارة وبجميع إشكاله، وعليه تعاملتْ لغتنا العربية معه بصيغة الجمع والكُثرة ... (كـُره) !

أسئلتي هذه وتحليلاتي ألقيتها على الأولاد في الطريق، لكنها لم تلقَ آذان صاغية، وبدا أنهم لم يفهموا من فلسفتي شيئاّ أبداً، واكتفوا المساكين بفتح أفواههم وعيونهم مبحلقة !

هناك في مكتب السياحة، فاجأتنا موظفة (الاستقبال) بدل الابتسامة وقبل أن ترد التحية ...
ـ أنتوا شنو تريدون تسافرون أزكُرتيّة ؟
ثم عقبتْ : ترة ماكو أزكرتية بالسفرة ... ممنوع.
ـ شنو يعني زكرتية ... ها عمي ؟ سألني سيف.
قرصت كتفه بينما أجبتها بتودد : لا أختي لا تخافين ... إحنة عوائل !

× × ×

بعد يومين كنا في السادسة صباحاً عند مثلجات الرواد بالمنصور ننتظر باصهم، حيث البرنامج أن يكون الفطور في مطعم سياحي على أطراف مدينة كركوك.
كان (كروب) سفرة ممتاز، وفيه (عانستين) متصابيتن ومجموعة شابات وشباب وعوائل بغدادية محترمة.
... أُسكنونا في مجمع سياحي حديث لم يكتمل بَعد، يقع على بحيرة (دوكان)، ومنه جولات لأربيل ومصايفها (صلاح الدين وشقلاوة) ومنها إلى شلالات جُنديان وكلي علي بك والعين السحرية، حيث وبطريقنا، أغلق حمار (متنحر) الطريق الضيق أمام الحافلة، وأبى أن يتزحزح، وكلما نقترب منه يشرع بالنهيق فعجز سائقنا على التعامل معه، لكنها كانت فرصة أن نغادر الحافلة ونتمتع بمناظر خلابة هناك، بعد نصف ساعة قرر (مشكوراً) إفساح المجال وفتح الطريق والسماح لنا بالمرور، وكان لتصرفه (فال) حَسن على السفرة، كما أفتى علينا (الشوفير كاك حمة) !

في يومٍ ثانٍ كانت لنا جولة حُرّة بأربيل وأسواقها ومطاعمها، ويوم ثالث إلى السليمانية والى (مصيف أحمد آوة) باتجاه حدود إيران، وهو ليس مصيفاً بقدر كونه مجرد صدع وسط جبل، يحتضن ساقية مياهها صافية باردة صاخبة وقد حَفرت طريقها بين صخور الكرانيت الأسود، وهذه المنطقة لا تزال بكر، فقد كانت في السابق مواقع محصّنة لمقاتلي حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني.

كان من أهم ما لفت نظرنا بتلك السفرة ولا زلنا نشتاق لطعمه، ما يُقدّم مع وجبة فطور المُجمع، مربى من ورد الروز (الجوري)، لذيذ جداً بنكهته ورائحته ...

كان بإمكاننا رؤية وسماع تدفق المياه الرقراقة الباردة شديدة السرعة والزرقة من بحيرة دوكان، وهي تنساب بقوة أمام السد، لتستمر تجري في نهر الزاب الأسفل بمنطقة رائعة الجمال بدائية الاستثمار، تحيط بها الجبال والأشجار ويشرف عليها السد الذي يتسلق له بمشقّة شارع ملتوٍ، يُوصِل قصبة دوكان بالبحيرة.

يُطلـِق إخوتنا الكورد على منطقتهم الخلاّبة هذه، والتي زدنا شرفاً بالتعرف عليها ... إسم (قه شقولي).

شكراً لكذبة نيسان و(لأبو مي)، فلرُبّ (كذبةٍ) نافعة !
والشكر كل الشكر (للشوفير كاك حمة)، و(لأبو صابر) لأنه رعى السفرة ... وباركها !

عماد حياوي المبارك والعائلة ـ قَه شقولي 1998

× تُعتبر صفة الفضولي ـ عند الهولنديين ـ من الصفات الحَسِنة، وتعني (التوّاق) للتعلم والمعرفة !
× فعلاً هذه السفرات لم تستمر حينها سوى موسم واحد فقط.
× كان العامة الكورد ومنذ ذلك الحين يعاملوننا (كأغراب)، تـُشعِرك بأن كوردستان أصبحت ... بلداً آخر.



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلس ... وسبع كازكيتات
- البعد الرابع حقيقة أم خيال
- الأخوات السبعة
- أعز أولادي
- حمادة سجادة
- طابة
- البوابة الذهبية
- صلاة ... وأنفجارات
- سوق (حانون)
- سالميات
- رقصة الموت
- خروف العيد وخرفان أخرى
- السيد فايف بيرسنت
- واحد سبعة
- حين لا ينفع اليمين !
- سقف العالم
- الرقة
- جوزتو
- وداعاً سنت كلاس
- تيتي ... تيتي


المزيد.....




- قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل ...
- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - قه شقولي