|
من دالغات جاسم المطير
عدنان عاكف
الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 17 - 09:50
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في نهاية المحاضرة طرح الاستاذ سؤالا على طالبة ، تجلس في المقدمة، وكانت تعتبر من بين الأذكى والأجمل بين الطالبات: - - أي عضو في جسم الإنسان، يمكن بفعل مؤثر ما، ان يضاعف من حجمه ثلاثين مرة؟ بدأ لغط غير مفهوم، يُجهل سببه ودوافعه، يسري في القاعة، التي كانت حتى لحظة تغط في صمت رتيب ممل، ما كان يعكره سوى صوت المحاضر نفسه. - ارتبكت الطالبة واحمر وجهها، وراحت تتلفت حولها، كمن حلت به كارثة مفاجأة وراح يبحث عن مُغيث، كما حدث للعراقيين مع داعش في اليوم العاشر من شهر حزيران، حين استفاقوا على خبر اختفاء ثاني أكبر مدنهم، وربما أجمل مدنهم على الاطلاق. وكان حظ العراقيين أفضل بكثير من حظ تلك الطالبة، التي تركها السؤال المفاجئ تواجه حيرتها لوحدها، فيما وجدنا نحن العراقيين مُغيثنا في حلف دولي ديمقراطي ، الكثير من أعضاءه من حلفائنا القدامى وأشقائنا الجدد، وكان البعض منهم وما يزال من الذين أشرفوا على تمويل وتربية ورعاية هذا الطاعون!.. مدت الطالبة يدها الى منديل صغير وراحت تمسح قطرات العرق الذي لاح على جبينها... أخذتْ نفسا عميقا ومن ثم قالتْ بنبرة رافضة منفعلة متشنجة يائسة: - - ارفض الجواب على مثل هذه الأسئلة بتاتا. بعدها راحت ترطن بكلمات غير مفهومة ثم تركت القاعة بسرعة. عندها توجه الأستاذ، ببرودة دم ، بنفس السؤال الى طالبة أخرى كانت تجلس بجوار الأولى، فأجابت بهدوء تام، وبراءة الأطفال في عينيها : - - انه " بؤبؤ العين ". - - أحسنتِ ! جواب صحيح وباستطاعتك الجلوس. ثم اقترب منها وأضاف بصوت لا يكاد يسمعه أحد: - - أرجو ان تخبري صديقتك بأنها طالبة ذكية ومجتهدة، ولكن يبدو ان الحظ هذه المرة لم يحالفها، لأنها اعتمدت على معلومات مغلوطة استقتها من خارج هذه القاعة.. بعدها وقف الاستاذ ونظر الى " لا " أحد وقال بنبرة أبوية تربوية صارمة : - نصيحتي لتلك الطالبة ولجميع من يسمعني : أتركوا الأوهام المعشعشة في رؤسكم، فأنتم طلبة علم، وإياكم ان تأخذوا الشور من... ! وإلا سيكون بانتظاركم خيبات أمل كبيرة !!! ما هي الأوهام التي كانت تعشعش في رأس تلك الطالبة، التي ينبغي تتخلى عنها ؟ ليست لدي أية فكرة!.. ولا يعنيني الآن من هذا الأمر شيئ ، خاصة بعد ان ضعفت الذاكرة، وهزلت البصيرة والبصر، ونحل الجسد ودب الوهن في خلاياه وعضلاته وأعضاءه وعظامه.. حتى بؤبؤ العين اللعين لم يعد يتجاوب مع أية مؤثرات... وما حدث في العراق من حوادث ومصائب كافية لتفجير بؤبؤات ألف عين وعين ! ولكن لم تعد بمقدور أية أعاصير فاسدة وفضائح سياسية، من تلك التي يتداولها ويتنادر بها السياسيين ان تفسد المزاج أو تُعكره.. الشيء الوحيد الذي أثر على بؤبؤ عيني وضاعف من حجمه ست مرات هي تصريحات السيد وزير المالية الجديد، التي ما انفكت تتوالى محذرة الشعب من احتمال السقوط في حالة من الافلاس ، واكتشافه الاقتصادي المذهل، مع بعض من زملاءه الوزراء الجدد ، المتعلق بضرورة البحث عن موارد أخرى من خلال تطوير الصناعة والزراعة وعدم الاعتماد على النفط فقط. وأقولها براحة ضمير: لو كانت لي عزوة ويْؤخذ بكلامي لمنحنهم جائزة نوبل في علم الاقتصاد لعام 2015. ان ما يعنيني أكثر هو ان الكثير منا، وبسبب طيبتنا، ونوايانا الصافية النقية، حد السذاجة أحيانا، ما زلنا، ومنذ عشر سنوات نعيش خيبات أمل متتالية، بعد ان عشعشت في الرؤوس الكثير من الأوهام، الأحلام الجميلة، بدون ان نتعلم أي درس. فما زال الكثير منا مدمن، وبحسن نية أيضا، على اكذوبة بريئة ( يريد تصديقها حتى وان كانت ضد منطق الحياة ومنطق التطور والتغيير ) مفادها ان السيد رئيس الوزراء الجديد وبضربة فارس مقدام سيقضي على الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة،يساعده في هذه المهمة النبيلة الصعبة فريقه الأشاوس من الوزراء والمستشارين والنواب – الذين لسخرية القدر، كان غالبيتهم من الذين ساهموا في بناء وتشييد مؤسسات التخلف والفساد. وروج لهذه الفكرة، وما يزال يبشر بها بقوة الكثير من أولئك الذين طيلة السنوات الماضية حاولوا حجب الشمس بغربال، وشخصنة ما كان يجري في العراق، وربط كل ما كان يحدث من أعمال عنف وفساد بشخص رئيس الوزراء السابق. على كل من يعز عليهم العراق، ان يدرك: ان الظل لم ولن يستقيم ما دام العود أعوج. واذا كان بينهم من لا يفهم اللغة العربية الفصحى سأترجم ما قلته الى اللغة السومرية : " كلبو ذيلو مستحيلو يستعدلشي" ، وهي العبارة الشعبية التي كانت شائعة، والتي تترجم حرفيا الى العربية : " ذيل الجلب ما ينعدل " ! فاذا كان السيد العبادي يرغب حقا ( وانا لا أشكك بنياته وصدق توجهاته ) ان يفعل شيئا مهما وجوهريا، ان يعلن الطلاق بالثلاث ( مع انه تأخر ) عن النظام السابق، ويتخلى عن جميع العيدان العوج، من كل فئة وطائفة دينية وقومية، والبحث عن قوى وتكتلات وأحزاب، بعيدة عن الطائفية والعشائرية، وبتوجهات عراقية وطنية، لم تتطلخ أيديها بمزبلة المحاصصة والطائفية...وسوف يجد عشرات الآلاف من أصحاب الأيدي النظيفة، حتى من داخل حزبه واتلافه ومن الكتل السياسية الأخرى. ومن بين الأوائل المرحبين والمساهمين في عملية البحث عن العيدان المستقيمة التي يمكن الاستعانة بها في عملية تقويم العراق الجديد هو الاستاذ جاسم المطير.. • * * *
- ليست لي علاقة مسبقة مع جاسم المطير. ولا أعرف عنه سوى انه يحب الحرشة بالرايح والجاي، ينثر مساميره أمام الناس العابرة على باب الله، الذين دارت بهم الدار والدنيا، ليزيد الى همومهم هما جديدا. والعجيب انه يختار الأقدام المتعثرة أصلا، والحافية التي أدماها الشوك. وقد ذكرته باسمه عاريا، لأني لو اعتمدت الألقاب المتداولة في الساحة الثقاسياسية، لكان علي المزج بين الكثير من الألقاب التي توزع وتمنح بمناسبة وبغير مناسبة، و قد يتيه بسببها القارئ، لذلك يكفيه حسب تقديرير لقب الأديب الجميل. والحق يقال ان الكثير من مساميره تعجبني، وخاصة تلك التي تخترق العضلات لتستقر في العظم. ومن المسامير الأخيرة الموجعة هو ما دقه في حلم راودنا، اتضح انه خيال لا يختلف كثيرا عن وهم تلك الطالبة، التي يقال انها حصلت بعد سنين على تخصص عال في " بؤبؤ العين "، وهم راودنا أكثر من عشر سنين، ونحن نحاول ان نحوله الى شبه حقيقة. ومع انه اتضح بانه ليس أكثر من محاولة بائسة سبق ان وصفها الشاعر بقوله : - أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضنك العيش لولا فسحة الأمل ِ - - لن أطيل التعليق على البسمار بل سأتركه بطوله الأصلي كما دقه المطير: - تم تشكيل غرفة عمليات تحرير مدينة جرف الصخر من وزيرين أحدهم قديم والآخر جديد. وقد اتخذ الوزيران مقرهما في قصر من قصور المنطقة الخضراء على نهر دجلة بالرغم من ان المدينة تقع على نهر الفرات!! وتفيد الأنباء ان " أهالي جرف الصخر هبوا منذ أسبوعين هبــّة رجلٍ واحدٍ بعد أن أيقنوا أنه لا يمكن للفلاح العراقي أن يكون أسداً شجاعاً إلا بتحرره أولا من خيوط عنكبوت القادة الحكوميين البيروقراطيين، كي يكونوا قادرين ، جميعاً، على تحرير مدينتهم ومزارعهم وحماية أرواح أطفالهم ونسائهم بعد أن اكتشف جميع الأهالي أن الوزير (الجديد) كان كذاباً والوزير (القديم) أكثر كذباً.. كلاهما نموذجيان في الكلام الكثير والطويل ..!ـ قيطان الكلام: على الفقراء العراقيين أن يأخذوا بأيديهم قضية تحرير مدنهم من الدواعش لأن الوزراء في بلادنا صاروا يفكرون بنشر التصريحات الطويلة عن انتصاراتهم الشخصية!! " - ماذا يعني هذا الكلام؟ أهو دعوة للقطيعة النهائية مع العملية السياسية القائمة في البلاد منذ 2003 ، والدعوة الى الثورة ضد نظام الحكم؟ أعلم ان الكثير من الصقور سوف تنظر الى هذه الدعوة وفق هذا المنظور. ولا أشك بان هناك الكثير من المنتفعين الصغار، ومن الطيبين الذين ما زالوا يؤمنون بامكانية تعديل الظل حتى وان كان عوده موبوء بسرطان الاعوجاج. وهناك بالتأكيد من سوف يحاول ان ينظر باستخدام النواظير ما فوق الأشعة الليبرالية والحداثوية، ليثبت ان المطير وكل من يحذو حذوه ما زال مصاب بأمراض ثورجية من مرحلة ما قبل الغربوتشوفية. - لا أريد ان أقدم تفسيراتي نيابة عن الاستاذ جاسم مطير، وهو حر فيما ذهب اليه. ولكني لم أقرأ في النداء الذي وجهه لفقراء العراق، أكثر من دعوة الى تصحيح المسار الذي اتفقت عليه جميع القوى الوطنية التي عقدت العزم على ازاحة النظام الصدامي الديكتاتوري، وإقامة النظام الديمقراطي الفدرالي الموحد. وان أي مقارنة موضوعية بين ما اتفق عليه غالبة العراقيين وما تم تحقيقه حتى الآن سيكتشف ان الذي أخل بالعهد هي الحكومات المتعاقبة والتكتلات السياسية المتنفذة، وليس جاسم المطير وجماهيره من الكادحين وفقراء العراق..
#عدنان_عاكف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بس إلا مضيع وطن وين الوطن يلكاه
-
فهد في ذاكرة كريم مروة
-
ذكريات من غرفة مهدي محمد علي
-
الذي رأى على ظهر جبل سمكة
-
هل يعود الماءُ الى النهر بعدما !
-
مَن شَرَمَ الشيخ !!
-
تحية لمن جدد فينا الأمل
-
حضارة السلب والنهب !!
-
الإسلام بين النجارين
-
الإسلام بين كامل النجار وصادق العظم
-
لماذا أخفق العرب في انجاز - الوثبة الأخيرة - نحو العلم الحدي
...
-
أفتخر بكوني شيوعي
-
البحث عن الإسلام الآخر
-
شيء من كتاب - تاريخ العلم العام -
-
قوموا انظروا كيف تزول الجبال -2
-
حرية الفكر بين البيروني ودافينشي
-
قوموا انظروا كيف تزول الجبال
-
المسيحية وعمر الأرض
-
الجيش والسياسة قبل ثورة تموز 1958
-
هل كان العراقيون القدامى هواة عنف ودم ؟؟
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|