سيومي خليل
الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 16 - 22:20
المحور:
الادب والفن
وأنَا أكْتب ما أكتبه ، تَمنيتُ لو كَتبته من بلادٍ بعيدةٍ ،من بلاد يَختلط فيها الحب مع العَيش ،لكني أكتب وأنَا جالس عَلى فوهة مدفع ،أكتب بنفس الأَنامل التي تَحسست قبل قليل حَد سكين حادٍ ،كَان يتجول لتَوه في نَفس شوارع المنطقة النابتة على القِفار ،وكان يُمارس هِوايته الدًَّائمة ، ويَجز قلوب الكثيرين ،دون أن يتمكنوا من ضبطته .
أكتب إِلبك من نفس البلد التي تَكتب فيها خَرائط طُرق العيش المخزنية ، والتي مازال النَّاس فيها يتخوفون من إعلان الوِفاق مع بعض ، ومازالو يَمرون على أصرطة غير مُستقيمة ،كي يَتحاشوا النظر في أَعين أحبتهم السابقين .
كان من الممكن أن أَتخيل أني أكتبُ إليك كلماتي من علِ ،منْ على جَبل يصافح القمر قبل ظُهوره وقَبل مغادرته ، أو من دَاخل كُوخ يجاور أشجار الصنوبر الممتدة كَالجنود المقاتلين ، لقد كَان من السَّهل أَن أَتخيلني على شَط فارغ إلا من رماله ومِياهه ، أو بين نَاس يَبتسمون في وجهك دون أن يَعرفوا مَن تَكون ، ودون أن يَجعلوك تَفْهم إبتسامتهَمْ في غير مَقصدها ،كَان من الممكن أَن أَهز قلمي في مشرق الأَرض ،فتولد كلمة في مَغربها ، وأنْ أَميل مع الوَرقة كَنسمةٍ هادئةٍ وباردةٍ، لكن الأَرض اختصرت للأَسف الشَّديد ،والحُلم أيضا ، فكنْتُ عاجزا عن الخروج من منطقتي .
أكتب إليك مِن مَنطَقتي ،كَأني حُيوانٌ صَغير ، عَلَّم رئيسه منطقة تَحركه بِبول شَديد الرائحة ، فَما كان منهُ إلا أنْ يحترم حدوده، ومَا كان من الحلم إلا أَن يخشي دخول المنطقة .
في مِنطقتي النَّاس يمشون على أقْدامهم ، يَخرجون عرايا من كل شيء إلاَّ من أَثوابهم ،يتأكدون من أنَّهم وَضعوا العقل جَنب مفاتيح شُققهم في أسوأ جيب ، ويركضون كَعدائي السباقات الطويلة جهة نهايات غير واضِحة ، تُصافح أعينهم كُل شيء كي تمارس مهنة السَّرقة المقدسة ، يسرقون بها المؤخرات ، وإكسسوارات بَعضهم ،والحزن والفرح الذي تَحمله الوجوه ، وتَعثرات الكلام ، يَسرقون كل شيء ، ويتركُون الحب لأن لا حاجة لهم باللَّيل ،فقد جهزوا مأدبة لحم ٍ خالية من البهارات .
كان من الممكن أَن أَكتب إليك من الجَحيم ، على الأَقل هُناك سأَكون لوحدي ، وإن كَان آخرون بجنبي فلن بَهتموا بي مثلما لن أَهتم بهم ، فسيكون الألم شَاغلنا الكبير ، لكن منطقتي التي أكتب لك منها الناس فارغون من كل ش
#سيومي_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟