أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الحسين شعبان - زياد أبو عين.. إدوارد سعيد داخل المكان .. خارج المكان














المزيد.....

زياد أبو عين.. إدوارد سعيد داخل المكان .. خارج المكان


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 16 - 18:37
المحور: القضية الفلسطينية
    



الهُوّية وشجرة الزيتون والمكان، ثلاثية تجسّد المأساة الفلسطينية المستمرة، فالهُوّية يُراد طمسها بكل الوسائل، والزيتون هناك عمليات حثيثة لتجريفه لأنه يمثل رمزية خاصة لدى الفلسطينيين، وقد حمل الرئيس عرفات غصنا للزيتون وهو يدخل إلى الأمم المتحدة، والمكان يمثل جذر الفلسطينيين، حيث جرت وتجري محاولات على قدم وساق لإجلائهم من مكانهم الطبيعي وهي أرضهم وهم سكان البلاد الأصليون، لذلك يتمسّكون بالقرار 194 لعام 1948 الخاص بحق العودة، إضافة إلى الحق في تقرير المصير ضمن دولة عاصمتها القدس.
وإذا كان استهداف هذه الثلاثية باحتلال الأرض والسوق والعمل منذ العشرينيات، فإنها اتخذت شكل مصادرة الأرض وإجلاء سكانها الأصليين ومحاولة اقتلاع ما تبقى منهم، لاسيّما بمشروع الدولة اليهودية النقية، في محاولة لإرغام العرب على خيارات أبسطها يكاد يكون مستحيلا.
مؤخرا استهدفت الثلاثية باغتيال زياد أبو عين الوزير والأسير والقدير، الذي أراد أن يعلن للعالم أجمع كيف يمكن للإنسان أن يتمسّك بأرضه ورمزها الزيتون وبهُوّيته العربية ودلالتها الأساسية اللغة والدين لا من باب الاعتباط أو الزعم، بل لأنها تمثل كينونة وجوده، وصيرورة كيانيته ومستقبله بكل تجلّياته الإنسانية.
ومثلما حمل زياد أبو عين روحه وطاف بها من سجن إلى سجن، فإن هذه الروح أزهرت أشجار زيتون حتى في سجنها، وتفرّعت أغصانه، حبّا وجمالا ومقاومة ومستقبلا، في بلاده الولاّدة، التي لا يتورّع المغتصب عن تزوير كل ما فيها حتى برتقال يافا ظل يختمه بماركة مزيفة، ويستولي على الأزقة العتيقة في القدس، في محاولة لتغيير تركيبها الديموغرافي وآثارها وتراثها، ويستمر في أعمال الحفر تحت وحول المسجد الأقصى وملحقاته، ويخترع القصص والأساطير، وينسج الحكايات التي بعضها من صنع الخيال، حول الأحقية التاريخية.
حين سقط زياد أبو عين مضرجا بدمائه اختار المكان، "البئر الأولى" حسب جبرا ابراهيم جبرا، قريته العتيدة، وهو يحمل غصن الزيتون الرمز الأخضر لبلاد خضراء ومزاج أخضر وعين لا تعرف الاّ الأخضر، اللون العروبي الأصيل. في البئر الأولى يتم التشكّل الأول للذاكرة وما استقر فيها من تفاصيل ولم يكن من الممكن محوها أو التجاوز عليها فقد حفرت في القاع.
زياد أبو عين الذي اجترح العذابات كلّها لأنه لا يريد أن يغادر المكان الذي أبصر النور فيه، إنها صيحة ضد الاغتصاب والاقتلاع والمصادرة والاستيطان، وهي وجه آخر لصرخة إدوارد سعيد "خارج المكان" الذي ظلّ هائما به يستعيد من خلال ذاكرته الخصبة، كل تفاصيله ودقائقه الصغيرة ساعة بساعة وحبّة بحبّة، حتى وكأن الحلم الذي راوده استمر يعيش معه ليل نهار.
وتأتي أهمية كتاب إدوارد سعيد "خارج المكان" لا من أسلوبه الشائق والممتع أو من السرد الدرامي، أو بسبب مضمونه فحسب، ولكن لكونه يمثّل إحدى شهادات العصر المهمة عن حدث ما زال يؤرق الضمير الإنساني، فقد استطاع إدوارد سعيد وهو أحد أبرز المثقفين العرب الموسوعيين في القرن العشرين أن يخاطب العقل (الآخر) ويتحدّث عن تجربة اقتلاع شعب من أرضه ورميه خارج المكان في محاولة لمحو ذاكرته وهُوّيته ومصادرة تاريخه ومستقبله.
كان إدوارد سعيد يُعتبر الأخطر بالنسبة للحركة الصهيونية فيما كتبه وفيما استطاع أن يلفت النظر إليه في أحد معاقلها الأساسية ونعني بها الولايات المتحدة، حيث اللوبي المتنفذ، ولهذا تراها، فهمت ماذا يعني كتابه الأول "الاستشراق" وهو ما حدا ببعض قادتها لتحسس استمرارهم ووجودهم في فلسطين عند قراءة هذا الكتاب، الذي صدر عام 1978 وما زال راهنيا حتى الآن، أما زياد أبو العين فهو وجه آخر لما تخشاه قوى التعصب الصهيوني، بتمسكه بالارض والهُوّية ورمز فلسطين ومقاومته بناء الجدار العنصري، الذي أدانته ودعت إلى هدمه محكمة العدل الدولية في فتواها الاستشارية.
"خارج المكان" يمثّل جسرا بين ماضٍ لا يمكن أن يُنسى وحاضر لا يمكن أن يدوم وداخل المكان هو تمسك بالهُوّية والرمز، وبينهما صور وانعكاسات وأحداث ووقائع ومؤامرات وآمال وحروب، ولكن الذاكرة تظلّ قائمة وكأنها تعيش واقعا هو استمرار بحثها عن هُوّية ومكان وأرض ووطن مسلوب.
الهُوّية تتوحّد أحيانا مع رمزية المكان في إطار هارموني متناسق، وهو ما استهدفه المحتل عند اغتيال زياد أبو عين ، وهو اغتيال داخل المكان، مثلما يمثل الترحيل والإجلاء الاغتيال خارج المكان، بالتجريف والابعاد وقطع الجذور الأولى ومصادرة الحقوق بالاستيطان والالغاء. زياد أبو عين كان انموذجا لثلاثية لا يمكن فصم عراها: الهُوّية والزيتون والمكان، وهي الثلاثية الأثيرة التي ظلّ إدوارد سعيد متشبثا بها حتى الرمق الأخير.
*باحث ومفكر عربي
العرب اليوم ، 16/12/2014



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أصبحت أم الربيعين رهينة المحبسين؟
- عن الطائفية وتوابعها!!
- جيوبوليتك العلاقات العربية – الكردية
- المجتمع المدني: أزمة هوّية
- الشاعر السيّاب في اغترابه
- حقوق الإنسان .. مفاهيم خاطئة
- الفجوة بين المثقف وصاحب القرار
- ثنائية الأمن والكرامة
- اغتيال الأدمغة العربية
- عن الإرهاب ومتفرّعاته
- كالمستجير من الرمضاء بالنار !
- الحوار العربي - التركي
- الاعتراف السويدي بدولة فلسطين.. ماذا يعني؟
- غائب طعمة فرمان مهندس الرواية البغدادية!
- ميناء العطر وثورة المظلات
- المسجد الأقصى.. وماذا بعد؟
- عودة لدور المجتمع المدني
- قضايا الشرق في بوزنان
- الفساد والعدالة الانتقالية واسترداد الأموال المنهوبة!
- تونس والطريق الوعر إلى الانتخابات


المزيد.....




- كانت فاقدة للوعي.. فيديو درامي يظهر طفلاً يوقف شرطيًا لإنقاذ ...
- بتصميم مبهر.. عُمانية تصنع برقعًا من 3 آلاف ملعقة معدنية
- مزينة بالأسماك والدلافين.. العثور على فسيفساء مخفية منذ آلاف ...
- اليونسكو تبدي قلقها إزاء حرمان نحو 2,5 مليون فتاة أفغانية من ...
- مصر.. مصطفى مدبولي يكشف عن تطور جديد بشأن تسليم أرض رأس الحك ...
- وزارة الصحة في غزة: عدد القتلى تجاوز 40 ألفًا خلال 10 أشهر م ...
- قائد قوات -أحمد- الروسية: الوضع تحت السيطرة ونواصل تطهير أطر ...
- سودانيون يتخوفون من المستقبل بسبب تعديل إجراءات الإقامة في م ...
- -إيران تصعد محاولاتها لتدمير إسرائيل- – يديعوت أحرونوت
- الوجود العسكري الأوكراني يتوسع: رصد مركبات في سومي مع استمرا ...


المزيد.....

- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الحسين شعبان - زياد أبو عين.. إدوارد سعيد داخل المكان .. خارج المكان