|
تصحيح الصحيح!
سليمان جبران
الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 16 - 09:38
المحور:
الادب والفن
تصحيح الصحيح!- سليمان جبران
"بعد نشرنا مقالات مختارة من كتاب "على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربيّة المعاصرة"، للبروفيسور سليمان جبران، تلقّينا العديد من الاتصالات، يطلب فيها أصحابها، نشر المزيد من مقالات هذا الكتاب، خاصة أنه نفذ من السوق. نزولاً عند رغبتهم، نتابع النشر." (المحرر)
تصحيح الصحيح! سليمان جبران
بعض الأدباء، أو المثقفين، أو المعلمين، ينصّبون أنفسهم قيّمين على اللغة، ويحترفون تخطئة عباد الله، بحقّ حينا وبغير حقّ أحيانا. هؤلاء هم أصحاب « قلْ.. لا تقلْ»، أو قوائم «خطأ...صواب». لو اقتصر عمل هؤلاء «الغيورين» على تصحيح الخطأ فحسب لهان الأمر. إلا أنهم في الغالب يتجاهلون كلّ التطوير والتوليد والابتكار في اللغة المعاصرة، ويخطّئون كلّ ما يخرج عن النحو أو المعجم الكلاسيكيين. كأنما نحن اليوم نكتب بلغة سيبويه ومعجم ابن منظور، وكلّ ما يشذّ عنهما خطأ لا بدّ من تقويمه. الواحد من هؤلاء أشبه ما يكون بالشرطي الذي «يكمن» على مفترق الطرق لتحرير مخالفات السير: ما دامت مهمّته تسجيل المخالفات وتغريم العباد فلا بدّ من تنفيذ المهمّة بصرامة، واختلاق المخالفات أيضا، في بعض الأحيان، إذا لم يجد مخالفات ومخالفين! يطالع بعض الناس قوائم «الأخطاء الشائعة» هذه، فيكتشفون أن «الأخطاء»، في لغة الإذاعة والصحافة، والأدب أيضا، أكثر من الهمّ على القلب، وأنهم كيفما كتبوا ومهما احترسوا، واقعون في الخطأ لا محالة، ولا سلامة إلا في الصمت!
في الآونة الأخيرة قرأت كتابا من هذا النوع. اشتريته قبل سنين ولم أفتحه إلا اليوم. مؤلّف الكتاب هو الأستاذ نسيم نصر،واسم الكتاب أخطاء ألفناها، وقد صدر في بيروت،سنة 1994. الكتاب من 200 صفحة، وموادّه مرتّبة ترتيبا ألفبائيا،تمتدّ في الفهرس على 11 صفحة! إلى هذا الحدّ أخطاؤنا التي ألفناها حتى حسبناها صوابا، وتتردّد في كتب وصحف ودوريّات ونسمعها على ألسنة محاضرين وإعلاميين».
هناك طبعا أخطاء كثيرة في تشكيل بعض الألفاظ وفي صياغتها، قام المؤلف بتصويبها مشكورا. إلا أنه يخطّئ ألفاظا وصياغات كثيرة أخرى لأنه،كما أسلفنا، يحتكم إلى القواعد والمعاجم الكلاسيكية فحسب، متجاهلا مئات السنين من التوليدات والتجديدات والابتكارات التي وصلت بلغتنا المعاصرة إلى ما هي عليه اليوم. لا يمكن بالطبع مناقشة كل «التصويبات» التي أوردها المؤلف، ويصعب علينا الأخذ بها أو بالتفسيرات التي رافقتها، لذا فإننا نكتفي هنا بعيّنة منها، دونما تعليق، ثم نناقش الأستاذ في بعض اجتهاداته أيضا: ص 9 : دعاية – خطأ، الصواب: دعاوة. ص 24: تأجير – خطأ، الصواب: إيجار. ص 27 : بحثتُ عنك – خطأ، الصواب : افتقدتك. ص 31 : حضر الرئيس بنفسه – خطأ، الصواب: حضر الرئيس نفسه. ص 35 : مباراتان – خطأ، الصواب: مباريان!! ص 39 : الحكم العادل ذنّب فلانا أو قضى بتذنيبه – خطأ ، الصواب: الحكم العادل قضى بتذنيب فلان على فلان، أي باعتدائه عليه . ص 41 : تشكّلت الوزارة – فيها خطآن، الصواب: تألّفت الوزارة. ص 47 : تقييم – خطأ، الصواب: تقويم. ص 57 : تحاشى – خطأ، الصواب: تجنّب. ص 63 : حضّر – خطأ، الصواب: أعدّ. ص 64 : حضرات السادة – خطأ، الصواب: حضرة السادة. ص 66 : أهنّئك بمناسبة كذا – خطأ، الصواب: أهنّئك بكذا. ص 74 : بدون – خطأ، الصواب: دون. ص 80 : زوج ( بمعنى اثنين ) – خطأ، الصواب: زوجان ( بمعنى اثنين). ص 86 : سويّة – خطأ، الصواب: معا. ص 100: لن أتراجع طالما الحقّ بجانبي- خطأ، الصواب: لن أتراجع ما بقي الحق بجانبي.
هذه عيّنة من التصويبات التي يوردها الأستاذ نسيم نصر في كتابه المذكور متجاهلا، كما ذكرنا، كلّ التجديدات في اللغة المعاصرة. يجدر بالذكر أيضا أن الأستاذ لا يذكر مراجعه عادة، وهي كلاسيكية بالطبع، كأنما هو المصدر والمرجع.
أخيرا، فالأستاذ، رغم عمله الدؤوب في التصويب ، لم تسلم تفسيراته وتأويلاته من الخطأ أحيانا. نكتفي هنا بإيراد بعض هذه الأخطاء للتمثيل:
ص 61: والمُحرِم صفة تعني المانع نفسه من المحرَّمات. وعلى هذا الأساس نسمّي الشهر الأوّل من السنة الهجرية محرَّمًا . الخطأ هنا في تفسير المحرم طبعا. فالمؤلف ظنّ أن الفعل أحرمَ، ومنه اسم الفاعل محرِم، هو بمعنى حرّم،لأن إحدى دلالات الوزن أفعل هي التعدية، مثل فعلّ. لكن من دلالات هذا الوزن أيضا: الدخول في مكان أو حالة، مثل:أنجد (نجد)، أتهم ( تهامة)، أشتى (شتاء)، أصاف (صيف)،أورق (ورق)... وعليه يكون الفعل أحرم لازما، ومعناه الدخول في الحرم. ولو كلّف المؤلّف نفسه عناء البحث في القاموس لوجد مثلا (المنجد) : أحرم:دخل في الشهر الحرام، دخل في الحرم أو في حرمة لا تُهتك .
ص 84: إذا تناولنا [...] كلمة ستّ ، وبحثنا عن متناولها المعنوي لرأيناها [واللام هذه لا تقع في جواب إذا، وإنما في جواب لو، وهو أحد أخطاء ألفناها أيضا!] تعني معنى لا يبعد عن معنى السيادة، إذ إنه يعني اختصار الجهات الستّ التي يريد الآخذون به إعطاء السيدة عن طريق تملّك الجهات الستّ . بل يورد المؤلف أيضا ثلاثة أبيات للبهاء زهير يورّي فيها (من التورية في البديع) في كلمة ستّ، والأبيات ذاتها لا تدعم ما ذهب إليه، بل تبيّن خطأه بالذات!
واضح طبعا أن الستّ لفظ من اللغة المحكية، تطوّر من سيّدة . فنحن في المحكية لا نقول سَيّدي بل سِيدي (بمعنى جدّي أيضا)، وفي المؤنث: سِيدْتي تتحوّل إلى سِتّي، ومنها سِتّ طبعا، بمعنى سيّدة أو جدّة! ص 104: أمّا كلمة عائلة، التي رسخت في الاستعمال بمعنى ذوي القربى الحميمة، وغالبا ما تتألّف من الأبوين والأبناء، فهي صيغة اسم الفاعل مؤنّثا. وأغرب ما في خطأ استعمالها أنها تؤدّي،في حقيقة معناها، ضدّ ما حمّلناها من معنى. العائل القائم بعيالة من هم في عهدته يكفيهم معاشهم. و العائلة مؤنّث العائل. فهل من سبيل إلى اعتماد فصاحة الكلمة وأصالتها البلاغية من منابع العربية، حتى نقلا عن ألسنة العامّة، هذه المرّة، فنستعمل عيلة بدلا من عائلة؟
ونردّ على الأستاذ بأسلوبه، فنقول: هل من سبيل إلى اعتماد المراجع لتعرف أن اسم الفاعل تكون دلالته المفعول أحيانا؟ وهل من سبيل إلى النظر في القرآن الكريم: ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى ( ). فهل معنى العائل في الآية الكريمة مَن يعول أم مَن يعال؟! () سورة الضحى 93، 8-6
ما جئنا بهذا المقال إلا لتحذير القرّاء، كلّ القرّاء، من قبول كل ما يُكتب لأنه مكتوب حبرا على ورق. خصوصا حين يغالي الغيورون في تقصّيهم أخطاء العباد، فيعمدون أحيانا إلى تخطئة ما ليس خطأ. ليس كل ما يُكتب صحيحا، وليس كلّ تصويب صائبا!
ملحقة: بالإضافة إلى الكتاب أعلاه، قرأت كتابا آخر من تأليف الأستاذ عبد المعطي إسماعيل عبادة، عنوانه: مثابة الكاتب، الخطأ والصواب في اللغة العربية( ). هذا الكتاب أيضا يتناول الأخطاء الشائعة ، كما يظهر من عنوانه،ويتّبع النهج السابق إلى حدّ بعيد. لكن لا داعي إلى الخوف،فلن أعرض له في هذا السياق بالتفصيل. مع ذلك لا بدّ لي هنا من إيراد بيتين من الشعر صدّر بهما المؤلّف كتابه، ليرى القراء كيف يصلح الأستاذ أخطاء العباد ويخطئ هو في نظم بيتين اثنين، فيورد الضربين فيهما (التفعيلة الأخيرة من كل بيت) من نوعين مختلفين،مخالفا بذلك أحكام علم العرَوض! هذا الكتابُ ذخيرةٌ **** وخري دةٌ وم ث ابَ هْ فابس طْ إلهي نفعَهُ ****** وامنحْ مؤلفَهُ ثوابَهْ
#سليمان_جبران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من باب الترفّع عن المحكيّة
-
الأرقام العربيّة والهندية
-
كيف صرت معلّما!
-
هوامش للغتنا المعاصرةِ
-
الاختلاف سيّد الأحكام!
-
الأستاذ الياس
-
سليمان جبران:على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربيّة، مج
...
-
مات وعينه على سحماتا
-
كيف تقول كلّ شيء يا أبو مازن
-
يا أصحاب العربيّة، كونوا على حذر!
-
سليمان جبران: كيف نترجم מ-;-ת-;-ח-;-ם
...
-
لائحة الدفاع!
-
أحمد فؤاد نجم و شعر المحكيّة
-
كيف نقول Traffic Jam او פ-;-ק-;-ק-;- بالعر
...
-
...علمتَ شيئا وغابت عنك أشياءُ!
-
حكاية الفيل والنملة
-
الطريقة الأكيدة للقضاء على غزة العنيدة
-
الأستاز!
-
أشهر من الحمص؟!
-
اسمعوا الحكيم!
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|