عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 16 - 09:35
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
هاجم التيار المعادي للأرمن جاليتهم المستقرة في مصر بسبب مساعدتهم لأقرانهم اللاجئين من الأستانة. مع ازدياد عدد اللاجئين، ونهوض الجالية في إغاثتهم، اشتدت حدة الهجوم علي الأرمن المستقرين الذين وصفتهم جريدة " البريد" بانهم جاءوا إلي مصر لاستدرار خيرها، وكانوا قد حضروا إليها صائعين ، لا درهم لهم ولا دينار، فأصبحوا ذوات ثروة ويسار. احترفوا بحرفة المخانجية وبيع الحشيش وتهريب التنباك والدخان وغيره. وبهذه الوسيلة استحوذوا علي أموال المصريين غنيمة باردة". ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل إن الأرمن ما زالوا يبتزون أموال المصريين ب" التدليسات والغشيات".
وجدير بالذكر ان هذه الحملة العنيفة ضد الجالية الأرمنية ، لم تنبع من حقيقة استقرارهم في مصر، ولكنها تتلخص في مساعدتهم لأقرانهم الثائرين ضد السلطنة العثمانية. تذكر جريدة " البريد" أن الأرمن "يبتزون أموالنا بكل الوسائط ثم يبعثون بها إلي العصاة من جنسهم ليقووا بها علي ما هم عليه من العصيان . وهذا أكبر دليل علي أنهم قوم يكفرون النعمة وينكرون الجميل ".
ولهذا ، وجهت الجريدة آنفة الذكر لوما عنيفا إلي " الأرمن الذين يقطنون مصر يتمتعون بالرفاهية والراحة في ظل الدولة العلية وياكلون عيش المصريين ثم يساعدون أعداء دار خلافتهم علي ما هم عليه من الثورات والأمور الممقوتة".أكثر من هذا ، سعت هذه الجريدة إلي المساس بأقوات الأرمن عندما ناشدت جموع الشعب المصري بان نحذرهم ونحاذر علي اموالنا من أن نصرف شيئا منها في مشتري أي شيء من أرمني لنكون بذلك قد قمنا بواجب علينا نحو دار خلافتنا وامتنا وديننا ". ولم تكتف " البريد" عن نشر الإعلانات التي تطلب من المصريين "نبذ مبيوعات هذه الطائفة الغادرة عملا بطاعة مولانا أمير المؤمنين".
وبخلاف التهديد الاقتصادي الذي أحدثه اللاجئون للمستقرين ، ثمة هوة معنوية وجدت هؤلاء وأولئك. فقد اعتبر الارمن أنفسهم " من ذوي الشعور القومي اليقظ" الذين بذلوا تضحيات جمة في سبيل وطنهم وتعرضوا من أجله للإيذاء والمظالم علي أيدي السلطات العثمانية.اما الأرمن المستقرون في مصر ، فقد أصبح معظمهم- من منظور اللاجئين- مصريين لا يجيدون اللغة الأرمنية وكادوا ينسونها، وتجردوا من كل عاداتهم الأرمنية القومية فأصبحوا من أهل البلاد يربطهم بالأرمن كنيستهم فقط. وقد ألقت جريدة " لوسابير" الأرمنية القاهرية الضوء علي هذه الظاهرة واصفة الأرمن المستقرين بانهم " مصريون مائه في المائه وعرب أكثر من أي عرب".
زد هنا أيضا ، أن الأرمن اللاجئين علي جميع مذاهبهم الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية قد أقاموا معا تحت رعاية الطائفة الأرثوذكسية مما أوجد حساسيات ومشكلات خاصة عندما تعاطف الأرثوذكس مع أقرانهم علي حساب الآخرين. في هذا الصدد، انتقدت جريدة " المقطم" لجنة رعاية الأرمن اللاجئين بالإسكندرية لأنها " استثنت الأرمن الإنجيليين من الصدقات وخصتها كلها بالباقين". وذكرت الجريدة أن هذا التمييز لا يجوز إنسانيا ناهيك أن معظم المتبرعين بالصدقات هم من الإنجيليين في مصر وبريطانيا وأمريكا. واختتمت الجريدة انتقاداتها للجنة الرعاية باملها في ألا تفرق بين الأرمن- علي اختلاف مذاهبهم- في "توزيعها الصدقات ليعلم الناس جميعا ان أعمال البر والإنسانية منزهة عن الأغراض الطائفية".
هذا ، وقد ارتبط وجود الأرمن اللاجئين في مصر بإثارة القضية الأرمنية وأوضاع الأرمن المتردية في بلادهم واتهام السلطان عبد الحميد بمسئوليته التامة عن مذابح الأرمن وشقائهم. والحقيقة ان إثارة مثل هذه المسائل من قبل المتعاطفين مع الارمن – أو بالأحري المناوئين للباب العالي- لم تحرج فقط الحكومة المصرية ، بل أحرجت السلطات العثمانية وسلطانهم الخليفة أمام مسلمي مصر الذين يكنون له مشاعر دينية هيابة.
في هذا الصدد، لفتت جريدة " لسان العرب" أنظار المصريين إلي أنه قد " ساءنا أن يفتتح عامنا الجديد بما جاءنا به لسان البرق عند حدوث مذابح جديدة في أورفة من أعمال أرمينية بعد أن كنا نؤمل ان يكون عامنا هذا عام سلام وسكون، وان تأمر الدولة العلية رجالها بالامتناع عن هذه المنكرات.. ونحن نخشي ان يستمر الأمر علي هذا المنوال وأن تكون سنتنا الجديدة تتمة للعام الغابر في هذه الفظائع والمنكرات. كما اوضحت ذات الجريدة بان عبد الحميد قد أمر" بمنع الإسعاف والإحسان عن الأرمن الذين يقدر أراملهم إلي الآن بثمانين ألف أرملة وأيتامهم بثمانية عشر ألفا يتيما . ولا يخفي كم يخرج عن هذا الجيش الجرار من الدعوات الصالحات للدولة العثمانية".
وتجدر الإشارة إلي أن المآسي التي ألمت بالأرمن علي أيدي السلطات العثمانية، قد خلقت نفورا لدي قطاع من المصريين . وقد عبرت مجلة " الرأي العام" عن هذا بوضوح قائلة:" كل القلم ومل اللسان من ذكر مصائب الأرمن حتي ثار الاختصار لازما في وصف اهوالهم". أكثر من هذا، مضي علي الأمة الأرمنية عاما أو أكثر" والأتراك يستأصلونها استئصالا . ويذبحون منها المئات والألوف كل يوم غير الذين يميتونهم في السجون، وفي الجبال تائهين يتضورون جوعا أو يقتلهم البرد والشقاء".
كما سعي المناهضون للنظام العثماني إلي تشويه صورة عبد الحميد لدي المصريين عندما وصفوه صراحة أنه" الآمر بالجزر والذبح". وقد عللوا هذا بانه عالم بكل امر.. يحدث في سلطنته، ولا يتم شيء بدون أمره وتدبيره لأن سلطة السلطان علي رعاياه معروفة، فلو هو أراد منعهم من ذبح بعضهم بعضا لامتنعوا". وعلقت مجلة " الرأي العام" علي ما تكبده الأرمن إبان حكم عبد الحميد بقولها:" وما ذاقت أمة من يوم آدم مثل الذي ذاقه الأرمن في أيام السلطان عبد الحميد".
وعندما لم تنقطع المذابح والانتهاكات ضد الأرمن ، سارع أعداء النظام العثماني بتقديم أخبار هذه المذابح أولا بأول بغية تأليب الرأي العام المصري ضد السلطان- الخليفة. ونترك القلم إلي مجلة " الرأي العام" كي تقدم أنموذجا من الخطاب الذي اعتادت ان توجهه إلي المصريين علي صفحاتها في خضم تعليقها علي نزوح الأرمن إلي مصر؛إذ تصف المجلة أوضاع ولاية أضنة بإقليم قيليقية علي النحو التالي:" فإن الحكام هنالك أشربوا مبدأ السلطان فجعلوا يضيقون علي الأرمن ويعاملونهم معاملة المرء لعبده او بهيمة، وسمحوا لزنادقة الترك ووحوش الكرد أن يستبدوا بهم، وياتوا ما أرادوا من النكر معهم عبدا لأحقر أعدائهم المتوحشين. وتقرر في الأذهان أن قتل الأرمني لا يعد من قبيل المخالفات الصغري، وأن إقدام الأرمن علي الشكوي من تركي او كردي جناية كبري يجازي عليها الأرمني المسكين بالسجن طويلا أو بالتعذيب إلي أن يموت. وأدي ذلك إلي قحة زادت عن حد الوحشية عند جماعة الكرد والترك في تلك الولاية إلي حد أن فلاحيهم المحتقرين صاروا يستعيضون عن الثيران والحمير بالأرمن في فلاحتهم. فيربطون إلي النير اثنين أو ثلاثة من الذين كانوا بالأمس كبراء ولايتهم، ويجرجرونهم في الفلاحة وهم يسوقونهم بالوخز المدمي والجلد المؤلم حتي تسيل الدماء ويعجزون عن جر المحراث أو يموتون ونير الفلاح فوق أعناقهم . وما كان نير الفلاح التركي أثقل من نير سلطانه".
أيضا ، نظم المتعاطفون مع الأرمن حملات تبرع لصالح منكوبيهم في الدولة العثمانية حيث" تألفت في الثغر جمعية خيرية غايتها إسعاف الأرمن المنكوبين وجمع المال وإمدادهم علي حياتهم التي يتناوبها السيف والجوع والبرد الشديد، وهي مؤلفة من رجال الثغر وأكابره .. فقد بلغت نكبات الأرمن وشقائهم مبلغا لم يورده تاريخ ولا أنبأنا به شعب. وصار ذكر تعاسة هؤلاء الأقوام وتصور حالتهم مما تتقذي له العيون حتي تغار منها الأكف".
#عطا_درغام (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟