لطيف شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 4663 - 2014 / 12 / 15 - 07:52
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
شجرة الكريسماس أحد أهم ملامح الاحتفال برأس السنة وهو تقليد قديم ، فنجد الكثير يشترون هذه الشجرة بالرغم من أسعارها الغالية ويضعوا عليها الزينة والأنوار البديعة احتفالا ببهجة عيد الميلاد المج
و قد اختلفت القصص التي تحكي عن أصل تلك الشجرة وتتعدد الروايات التي تحاول نسب الشجرة إلي بلدة يري أهلها أنهم أول من اكتشفوا الشجرة .
ويعود استخدام الشجرة حسب بعض المراجع إلى القرن العاشر في انجلترا، وهي مرتبطة بطقوس خاصّة بالخصوبة، حسب ما وصفها أحد الرحّالة ، و هذا التقليد ما لبث أن انتشر بأشكالٍ مختلفة في أوروبا خاصّة في القرن الخامس عشر في منطقة الألزاس في فرنسا، حين اعتبرت الشجرة تذكيراً ب"شجرة الحياة" الوارد ذكرها في سفر التكوين، ورمزاً للحياة والنور ( ومن هنا عادة وضع الإنارة عليها )
كما تشير إحدى الموسوعات العلمية، إلى أن الفكرة ربما قد بدأت في القرون الوسطى بألمانيا، الغنية بالغابات الصنوبرية الدائمة الخضرة، حيث كانت العادة لدى بعض القبائل الوثنية التي تعبد الإله ( ثور ) إله الغابات والرعد أن تزين الأشجار، ثم تقوم إحدى القبائل المشاركة بالاحتفال بتقديم ضحية بشرية من أبنائها . وفي عام 727 م أوفد إليهم البابا بونيفاسيوس ( مبشرا، فشاهدهم وهم يقيمون احتفالهم تحت إحدى الأشجار، وقد ربطوا ابن أحد الأمراء وهموا بذبحه كضحية لإلههم ( ثور ) فهاجمهم وأنقذ ابن الأمير من أيديهم، ثم قام بقطع تلك الشجرة و نقلها إلى أحد المنازل و من ثم قام بتزيينها، لتصبح فيما بعد عادة ورمزاً لاحتفالهم بعيد ميلاد المسيح، وانتقلت هذه العادة بعد ذلك من ألمانيا إلى فرنسا وإنجلترا ثم أمريكا، ثم أخيرا لبقية المناطق، حيث تفنن الناس في استخدام الزينة بأشكالها المتعددة والمعروفة . وقد تمّ تزيين أول الأشجار بالتفاح الأحمر والورود وأشرطة من القماش، لكن أول شجرةٍ ضخمةٍ كانت تلك التي أقيمت في القصر الملكي في إنكلترا سنة 1840، وكان ذلك في عهد الملكة فيكتوريا، ومن بعدها انتشر بشكلٍ سريع استخدام الشجرة كجزءٍ أساسيّ من زينة عيد الميلاد
وعقب اختراع توماس أديسون للكهرباء أضيئت أول شجرة علي يد إدوارد جونسون عام.1882
وقال البعض أن الصلة واضحة تمامًا؛ فما شجرة الميلاد بمصابيحها المتلألئة (أو قديما بشمعاتها المتوهجة) الا العليقة التي رآها موسى النبي في البرية وهي مشتعلة نارًا ولا تحترق.. والعليقة (خروج 3) كانت ترمز للعذراء مريم التي حملت في بطنها الأقنوم الثاني بناسوته المتحد بلاهوته الناري ولم تحترق. لذلك فالعُلِّيقة حملت سر التجسد الإلهي.
أما الرواية الفرعونية لشجرة الميلاد فترجع إلي الملكة إيزيس التي كانت تبحث عن زوجها أوزوريس ووجدته علي شواطئ لبنان فقامت عشترت ملكة لبنان بإهدائها تابوت أوزوريس وقد أحاطت به شجرة وظهرت هذه الشجرة في أعياد الرومان ثم في أعياد المسيح .
والرواية الفرعونية تمثل في الاساطير الفرعونية القديمة صراع البشرية بين الخير والشر, وكان طرفي النزاع فيها هما "ست" الذي كان رمزا لاخطاء البشرية وشرورها فعبروا به عن الشر والخيانة والحسد, أما الطرف الثاني هو" اوزوريس" الذي كان علما علي الحياة المتجددة, وتقول الاساطير انه كان ملكا صالحا مرسل من الاله رع لاقامة العدل وحمل تعاليم السماء الي الارض.
وتحكى الاسطورة كيف غدر" ست "بأخيه "اوزوريس "الذي كان يبغض فيه الجمال والحكمة والخير. فمكر به ودبر مكيدة للقضاء عليه فاتفق مع اعوانه من آلهة السوء والشر ان يقيموا له حفلا تمجيدا لاعماله الخالدة وتكريما لذاته وذلك بنية الغدر به ..
فأعدوا تابوتا جميلا كسوته من الذهب وزعم ست بانه يقدم هذا التابوت النفيس هدية منه لاي من الحاضرين الذي يأتي علي مقاسه ويناسبه, وهكذا جرب كل الحاضرين حظه في التابوت دون جدوي , حتي جاء دور" اوزوريس" وما ان رقد حتي اغلق "ست" واعوانه عليه الغطاء ثم حملوا التابوت والقوه في النيل , فحمله التيار حتي وصل الي الشاطئ الفينيفي بمدينة بيبلوس بجوار شجرة ضخمة وارفة الظلال حوت التابوت في احضانها بامان .
وكان في بيبلوس هذه ملكة جميلة هي الالهة عشتروت التي خرجت ذات يوم تتريض فبهرتها الشجرة الجميلة النادرة فوقفت مشدودة من الدهشة وأمرت بنقلها الي حديقة قصرها .
اما "ايزيس" الحزينة والتي استبد بها الفراق فذهبت تبحث عن زوجها الحبيب اوزوريس وهي باكية بدموعها المدرارة من عينيها علي شاطئ النيل فسقطت دموعها وامتزج بالنيل فحدث الفيضان , وكان الفراعنة ينسبون الفيضان الي دموع ايزيس
وبينما كانت ايزيس تجلس بين سيقان البردي في مستنقعات الدلتا وقد انهكها التعب انصتت الي صوت رياح الشمال وهي تهمس في اذنيها بان الاله اوزريس ينتظرها علي شاطئ بيبلوس ,الذي حملت عنه رسالته اليها ومضت" ايزيس "الي بيبلوس ودخلت علي الملكة عشتروت التي اأكرمت وفادتها واتخذتها نديمة لها ,وكانت ايزيس كلما اقبل المساء تحول نفسها بقوتها السحرية الي نسر مقدس فتحلق في السماء وتحوم حول الشجرة تناجي روح زوجها . ثم حدثت المعجزة وحملت "ايزيس" من روح "اوزوريس". فحملت الطفل حورس في احشائها ورجعت الي ارض مصر حيث اخفته بين سيقان البردي في احراش الدلتا الي ان كبر وحارب الشر واعوانه وخلص الانسانية من شرور "ست" .
وبعد ولادة حورس عادت ايزيس الي بيبلوس وارادت عشتروت الملكة مكافأتها فطلبت منها ايزيس ان تهديها جذع الشجرة الذي يضم تابوت زوجها فاهدته لها, وامرت حراسها ان يحملوا جذع الشجرة الي سفينة اعدتها لها, لتحملها هي وشجرتها المقدسة وتبحر بها الي ارض مصر.
ولما وصلت ارض مصر اخرجت الجثة من تابوتها ونفخت فيها من انفاسها فردت اليها الحياة , فباركها اوزوريس هي وابنها حورس ثم صعد الي السماء, ليعتلي العرش ويصير ملكا للعالم الاخر ورئيسها لمحكمة الاخرة وقيما علي الجنة والنار .
وكان عيد الميلاد .. أو عيد أوزوريس وتمثيل الاله وقيامته من أعز ما يحتفل به المصريون ومن أهم أعيادهم الدينية نسبة الي حورس من روح الاله .
وكان يحتفل بهذا العيد في أول شهر كيهك( كا هي كا ) أي" روح علي روح "الذي سمي بهذا الاسم نسبة الي ميلاد حورس من روح الاله , وهو رابع أشهر التقويم المصري حين تنحسر مياه الفيضان فتعود الخضرة الي الارض التي ترمز الي بعث الحياة وقد اصطلح المصريون القدماء علي تهنئة بعضهم البعض بقولهم "سنة خضراء" وهي من الاصطلاحات العامية التي عبرت القرون ومازالت تعيش علي شفاهنا .
ومن اسطورة الثالوث المقدس او اسطورة الميلاد نري ان اوزريس قد عاش ومات وردت اليه الحياة ثانية فأصبح شجرة خضراء لذا كان المصريون القدماء يرمزون للحياة المتجددة بشجرة خضراء.
وكان اهم تقاليد عيد الميلاد عندهم الاحتفال بشجرة الحياة التي يختارونها من الاشجار الدائمة الخضرة ,التي تحتفظ بخضرتها طوال العام وقد سرت هذه العادة من الشرق الي الغرب فخرجت من مصر ومنها الي بابل ثم عبرت البحر المتوسط لتظهر في اعياد الرومان ,ثم تعود لتظهرر مرة اخري في اعياد ميلاد السيد المسيح وشجرة الكريسماس الخضراء ,والتي يختارونها من الاشجار التي تحتفظ بخضرتها طوال العام كالسرو والصنوبر.
وقد فرض عيد ميلادالسيد المسيح نفسه علي العالم كله ليشترك الجميع ببهجة المولود العظيم في مزود حقير حاملا معه شجرة الحياة او شجرة الكريسماس الي انحاء الكون بكل طوائفه واجناسه واشكاله حاملا السلام والخيرالمتمثل في الشجرة الخضراء.
وعادة نستخدم كثير من الزينات باشكالهاالجميلة والوانها الجذابة وانوارها الرائعة كل عام, الا ان كل من هذه الزينات والالوان لها معني خاص وتشير الي حقيقة الاصل الحقيقي والمرموز اليه واليك الرمز والمعني :
فالنجمة التي نضعها فوق الشجرة تمثل النجمة التي ظهرت للمجوس مرشدة اياهم الي مزود مولود بيت لحم
اما الاجراس التي نعلقها في الشجرة ونزين بها البيوت تستخدم كرمز للعثور على الخروف الضال.
اما الشموع فتعبر عن السيد المسيح نور العالم وايضا تعلمنا ان نكون شموع مضاءة وسط عالم حالك بالظلام. اماعجاز بابا نويل فيمثل عصا الراعي. والجزء المعقوف او الملتوي من العصا يستخدم لجلب الخروف الضال, "ان لم تكن راعي كن عجاز الراعي ".
اما الالوان وغالبا نستخدم الاحمروالاخضروالابيض فالاحمر اشارة الي الفداء والتضحية حتي الدم اما اللون الاخضر للشجرة الصنوبر دائمة الخضرة طول ايام السنة، تعطينا الامل في شباب الروح المتجدد دائما ولانذبل بفقدان الرجاء والأمل . والابيض يمثل صفاء القلب ونقاوته. اما شكل الشجرة الابري واتجاهها نحو الاعالي فترمز الى الصلوات المتجهة نحو السماء وكأنهاتردد مع صوت الملائكة: ولنرنم جميعا "المجد لله في الاعالي وعلي الارض السلام وبالناس المسرة "
#لطيف_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟