|
هل مات خالد ليثبت لنا أنّ من بعده حياة؟!
راضي كريني
الحوار المتمدن-العدد: 4662 - 2014 / 12 / 14 - 13:01
المحور:
الادب والفن
الدكتور خالد سليمان (14-9-1955— 8-8-2014)
14-12-2014 هل مات خالد ليثبت لنا أنّ من بعده حياة؟! راضي كريني اكتشفنا قدرات ذاتنا، ولم نفكّر في أنّ الموت يقين يهب الحياة، لم نكن كالسيّاب والدرويش ودنقل لنقتنع بما كتب لوقا في إنجيله؛ كي نسقط حبّة قمحنا إلى الأرض لتثمر حبّا كثيرا وتصبح بيدرا لعشق الحياة، لم نرِد لحبّتنا أن تتخلّص من توحّدها وانفرادها. لم نكن يومًا شعراء صوفيّين لنؤمن أنّ الموت أساس الحياة، كنّا نلهو كأطفال في السيّارة التي تجوب المناطق السياحيّة، نرقص ونطرب ونشارك محمّد قنديل غناءه في الصباح: "يا حلو صبّح، يا حلو طلّ"، ونتمايل ونصرخ لنستفزّ النساء، الجالسات في المقاعد الخلفيّة، ونقطع حديثهنّ بقرع طبول فهد بلاّن: "نركب حدّك يا الموتور" و "واشرح لها عن حالتي"... ويعلو صوتنا الغريب عن الحقّ، نتمادى ونشهر صوت الجاروشة في وجوههنّ: لا صوت يعلو على صوت الحق! هل وصل خالد إلى ذاته ليبعدنا عن ذاتنا، ليسبر بالنيابة عن صداقتنا أغوارها وعالمها؛ وليلزمنا أن نتأمّل طول حياتنا ومدى وجودنا ومجال فنائه؟! لماذا هذا الانشغال بالمصير الحتمي؟ نتمنّى لو بقينا في الصحراء العربيّة، حيث كان الموت ذئبًا فتّاكًا يقضّ مضاجع العرب ويأتي على حياتهم، لكنّا قاتلناه بالنيابة عن شعرائهم، وكسّرنا أنيابه، وصرعناه وخلّصنا فلسطين من أنيابه، وانتشلنا خالدًا من خيمة الصراع الوجودي. قهرَنا موتُك الهادئ يا خالد، لماذا لم تزعج ولم تضجّ ولم تصرخ من شدّة الألم؛ كي يسهل البكاء على الرجال ويهون؟ كيف لهذا الغضب أن يتوب ويندحر وينحصر وينكمش، ومن ثمّ لينتشر في ساحات فلسطين، حيث استحال لون حياتنا من سعادة إلى شقاء، ومن اطمئنان إلى توتّر وقلق، ومن فرح إلى حزن. أيّها الصفوريّ، هل خطّطت أن تموت وحدك وأن لا يحمل موتك سواك؟ أم أنّ كلّا منّا محمولا على ذاته؛ فحملتك ذاتك ونأتْ بك لتتحوّل إلى مادة أخرى لا نعرف كنهها؟ كنّا آمنّا أنّه غافلنا الموت، وأنّه غفى تحت رجلي الرحلات والاستجمام والسفر، كنّا اعتقدنا أنّنا خدعناه ليتخلّى عن سيرورة الانفجار بالذات وعن فكرة السقوط والفناء، كنّا متأكّدين أنّنا جعلنا ذئب الصحراء العربيّة مهمومًا بواقع موته، ومحاصرًا بوسواس فنائه... لم نسأل: أنا أم أنت، فلماذا أنت بالذات من يعتريه الوجع واليأس والفناء؟! كيف دخلتَ الإعصار وحدك وكنّا معًا؟ هدّأْنا من روعة عفريت الغبار، نادينا يا خالد أن كن كأبناء صفّورية البررة وهات يدك ومدّها وشاركْنا الحياة فمدّها ... خذ بيدنا لنشاركك الموت، فلم نشاركه! أخذنا بيده، أطبقنا أيادينا على يده... استبسلنا وبذلنا ما يفوق وسعنا وفوق المستطاع وما لا طاقة لإنسان عليه، لكنّ حركة الإعصار كانت أقوى مِن بذلنا وجهادنا .. خدعَنا الإعصارُ وغيّر مِن اتّجاه حركته، فأصبحت كلّها عموديّة إلى أعلى...شدّ خالد واندفع ليدخل عين الإعصار الهادئة والصافية وبدأ ينخفض ولم يتسنَ له أن يفكّر في اختيار الطريق الأفضل للوصول إلى الموت! انقضّ عليه عفريت الغبار رفعه إلى السحاب وبقيت يده في يدنا؛ فسلمت يده خارج محيط الإعصار، ترفع شارة الانتصار، وتشير لنا إلى بلده صفّورية، وإلى درب المقبرة، حيث زالت الفوارق بين جسده والوطن، حيث قبرْنا الهوى! يا خالد، أنساني موتك الشعور بالأمميّة وقيّدني بالنزعة القوميّة العربيّة؛ لأصبح عربيّا يبكي الوجود، ويتأسّى على المصير الذي يتربّص بنا! عندما كنتَ هنا، كنّا نتألّم لألمنا ونفرح لفرحنا، كنّا نحقّق فرحنا بوجودنا...أمّا اليوم؛ فالألم والفرح سيّان، نتألّم لألمنا ونصرخ من وجع فرحنا، ويحزننا زمان الوصل عندما يأتي المساء! تياسر خالد مع موته وتسامح معه على اعتبار أنّه رفيق الجمال؛ فهدوء خالد أقوى من المكان و أصلب من الزمان، لم يطق الموتُ صبره وهدوءه وكياسته وحكمته واتّزانه و... اعتقدنا من شدّة يأس الموت وجسارة خالد أنّه قد دنت ساعة انتحار الموت! لم ينتبه خالد أنّه يحمل بذرة فنائه في داخله منذ ولادته، بينما الموت كان يعلم أنّه يحمل خالدًا في أحشائه، استسلم الموت وسقط صريع المقاومة، سقط الموت فيك بمن فيه وبمن يحمله على ظهره منذ الولادة. .اكتمل السقوط واندثر الحمل، اكتمل جمال الموت بموته على حساب الحياة في صفّورية والموت فيها من جديد؛ ليكتمل جمال مأساة حياتنا التي يدخلها الموت متى يشاء وكيفما يشاء وإلى ما يشاء!
#راضي_كريني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمثال أبراهام بورج ذخر
-
المطلوب اعتراف واستنكار وردع
-
لا شعير في المخلاة
-
قانون قبليّ
-
بيبي نتنياهو شاذّ عن السلام والديمقراطيّة
-
بيبي يريد أن نستجيب أكثر لِمُثيراته
-
التنافس في كسب اليمين
-
الهروب من إسرائيل
-
ماذا بقي من حزب العمل؟
-
تقييم خطاب عبّاس
-
المنافسة على لقب الضحيّة
-
أنقذونا من النفاق الألمانيّ
-
دولة نموذجيّة جديدة
-
هل إذا عرفنا اللاشيء عرفنا الشيء؟!
-
سيكحّلها كحلون أم سيعميها؟
-
لا يوجد حلّ عسكريّ للصراع
-
حكومة إسرائيل هي التهديد
-
آراؤهم المسبقة تتحكّم بنقاشاتهم
-
المكاك البربريّ والقيادة الإسرائيليّة
-
التغذية المتبادلة بين الثقافة الفاشيّة والاحتلال
المزيد.....
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور)
...
-
إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر
...
-
روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال
...
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
-الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ
...
-
عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع
...
-
تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر
...
-
المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
-
عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو
...
المزيد.....
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|