كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1306 - 2005 / 9 / 3 - 10:53
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
السيد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج ووكر بوش المحترم
تحية طيبة وبعد,
اليوم وقعت مجزرة جديدة مريعة في بغداد راح ضحيتها أكثر من ألف شخص من الناس الأبرياء من نساء ورجال وأطفال, إضافة إلى عدد كبير من الجرحى. وفي السنتين الماضيتين ذهب عشرات الألوف من العراقيات والعراقيين ضحايا الإرهاب الدموي من عمليات انتحارية وسيارات مفخخة وصواريخ وقنابل لقصف عشوائي, إضافة إلى قتل 1800 جندي أمريكي وعدد غير قليل من بقية القوات الأجنبية الموجودة في العراق. ومن المحتمل أن تذهب ضحايا أخرى على الطريق الذي بدأتموه منذ ما يقرب من ثلاثين شهراً.
من حقكم المطلق أن تعملوا بكل جد وجهد من أجل إبعاد شبح الإرهاب الدولي الدموي عن بلادكم, وأن تتخذوا السبل الكفيلة بحرمان الإرهابيين إمكانية الاقتراب من حدود الولايات المتحدة. ولا أجد مبرراً بأي حال لمعارضة هذه الجهود, بل هي سليمة لكي تمنعوا تعرض حياة مواطنات ومواطنين أمريكيين إلى جريمة بشعة جديدة كما حصل في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 حين حصدت تلك الجرائم البشعة حياة ما يقرب من 2840 إنسان أمريكي. ولكن من حق شعبنا العراقي, بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية أيضاً, أن يعيش بأمن وسلام واطمئنان بعيداً عن جرائم الإرهاب اليومي التي أصبحت حالة اعتيادية يومية. وأخطر ما في القضية هو أن يعتاد الإنسان العراقي على اقتراب الموت منه ومن عائلته وبني وطنه في كل لحظة, إذ أن لذلك عواقب وخيمة لا تخفى عليكم. وسؤالي أليكم هو: هل عندما فكرتم وعملتم على إبعاد خطر النشاط الإرهابي والإرهابيين عن بلادكم وشعبكم, فكرتم أيضاً بأن لا ينتقل هذا الإرهاب إلى العراق, أم أنكم عملتم حقاً على نقل الإرهاب من بلدكم إلى بلدنا ومن شعبكم إلى شعبنا, إذ أن جاء في خطاباتكم الأخيرة ما يؤكد حقنا في توجيه هذا السؤال؟ وهل في هذه الوجهة من النشاط المناهض للإرهاب أي حكمة وحصافة ومساواة في النظر إلى الإنسان الأمريكي والإنسان العراقي على المستويين السياسي والأخلاقي, أم أن قيمة وحياة الإنسان العراقي لا تساوي عندكم إلا جزءاًُ ضئيلاً جداً جداً من قيمة وحياة الإنسان الأمريكي؟ إن تصريحاتكم الأخيرة تكشف عن لعبة ليست إنسانية ولا مقبولة وتلحق أضراراً فادحة بواقع العراق الراهن ومستقبله.
كما تريدون الخير والسعادة والاستقرار لشعبكم وأنتم في أعلى منصب حكومي لأكبر دولة رأسمالية صناعية متقدمة في العالم, وأكبر دولة مالكة للأسلحة الأكثر حداثة وتطوراً وتدميراً وأكثر دولة تمتلك التقنيات الأكثر حداثة في العالم كله, وأكبر جيش في العالم بأساطيله البحرية والجوية الحديثة جداً, أريد الخير والسعادة والاستقرار لشعبي أيضاً, أنا المواطن العراقي الذي لا يملك من حياة الدنيا إلى حبه للإنسان عموماً والعراقي بشكل ملموس. وإذ أنتم تمتلكون كل شيء لتغيير الكثير, فأنا لا أملك كل شيء وعاجز عن تحقيق ما أنتم قادرون على تحقيقه ليس في جلب الخير وإبعاد الشر عن شعبكم فحسب, بل ونقل الشر والضرر إلى شعبي وبلادي المستباحة بالإرهاب. أنا أريد أن يبتعد الشر والسوء والعدوان عن وجه الأرض كلها.
دعوني أشرح ما أريد إيصاله لكم:
لا أنوي خوض حوار حول الحرب التي شنت ضد النظام الاستبدادي العنصري والطائفي في العراق, فهي قد أصبحت من الماضي وسقط الدكتاتور الأهوج. ولكن أود أن أسألكم الآتي: هل يعقل أن الدولة الأعظم في العالم, الولايات المتحدة الأمريكية, تدخل حرباً مع النظام العراقي المستبد والعنصري والعدواني الشرس دون أن تأخذ العدة الكافية وتضع في اعتبارها كل الاحتمالات لفترة ما بعد سقوط النظام؟ هل بالإمكان تصور ما جرى في العراق بوجود قوات الاحتلال الأمريكية, وفق رغبتكم وقرار مجلس الأمن الدولي الذي اعتبر العراق تحت الاحتلال الأمريكي والبريطاني, من سلب ونهب وتدمير للبنية التحتية والمشاريع الاقتصادية وأجهزة الدولة ومؤسساتها من قبل الرعاع وأتباع النظام السابق وقوى الشر في العراق, أو تلك الطريقة البائسة التي عولجت بها قضية الجيش وأجهزة الشرطة والأمن وما إلى ذلك, أو طريقة التعامل السلبية والسيئة مع قوى المعارضة الديمقراطية العراقية, وكذلك في الموقف من التقسيم الطائفي السياسي للسلطة في العراق التي أججت الطائفية إلى الأبعاد الراهنة, مجرد صدفة أو خطأً فادحاً ارتكبته الإدارة الأمريكية دون قصد؟ وهل يمكن تصور أن الولايات المتحدة تقوم بخوض حرب ضد نظام صدام حسين دون تأمين مستلزمات مواجهة كل الاحتمالات في أعقاب سقوط النظام لتدارك عواقب ذلك؟ يصعب عليَّ وعلى كل إنسان عاقل تصور أن ما جرى ويجري في العراق كله صدفة بصدفة, وأن الناس في الولايات المتحدة سذج لا يفقهون السياسة وليس لديهم الدراسات بهذا الصدد, وأن ليس للولايات المتحدة أجندة خاصة كانت تعرف ما سوف يقع في العراق وقبلت به لأنه يجري بعيداً عن حدود الولايات المتحدة الأمريكية.
هل يعقل أن بلداً كالعراق يمكن أن يتحرك فيه الإرهابيون المنفلتون من عقالهم, في حين تقف القوات الأجنبية, وعلى رأسها القوات الأمريكية, عاجزة عن التصدي لقوى الإرهاب وتدمير بنيتها التحتية ووضع اليد عليها وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد؟ هل يعقل أن يقتل يومياً في العراق هذا العدد الكبير من الناس الأبرياء والدولة لا تستطيع إيقاف طاحونة القتل المتواصلة؟ أنا عاجز عن فهم هذه المعضلة. ولكن إذا ما غصت في تحليل الظاهرة علمياً وواقعياً واستناداً إلى مجرى الأحداث والنتائج فسأخرج باستنتاجات أنتم أدرى بها ومعاهدكم تعرفها جيداً! ولكن دعوني أطرح القضية بصيغة أخرى.
إن من حقي ومن حق كثرة من بنات وأبناء شعب العراق أن يطرحوا السؤال التالي:
هل تمارس الولايات المتحدة مخططاً يرمي إلى مواصلة سحب المزيد من الإرهابيين من أنحاء العالم العربي والإسلامي إلى العراق لشن الحرب ضدهم وتصفيتهم على أرض العراق بعيداً عن حدود الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل هذا يعني أن الولايات المتحدة تريد استمرار تدفق الإرهابيين عبر الحدود العراقية للبدء بتنظيم وتنفيذ عمليات انتحارية دموية ضد المجتمع العراقي, بأمل أن تقوم قواتكم والقوات العراقية بتوجيه ضربات للقوى الإرهابية المتسللة عبر الحدود؟ وإذا كان هذا صحيحاً لِمَ لا تحاولون وضع حد للقائمين بالعمليات حالياً من خلال مخطط يعرف جيداً أساليب عمل الإرهابيين ويحاول أن يسبق نشاطاتهم بخطوة إلى الأمام, وليس بخطوة نحو الوراء كما يجري الآن!
ومما يزيد من حيرة الناس وشكوكهم متابعتهم اليومية لموقف الولايات المتحدة الأمريكية من الدول التي ما تزال تصدر الإرهاب إلى العراق عبر الحدود, إذ أنها لم تتخذ حتى الآن الخطوات الكفيلة بمنع حصول ذلك, أو اتخاذ إجراءات ضد الدول التي تمارس دعم الإرهابيين, كما هو الحال مع سوريا وإيران والأردن على سبيل المثال لا الحصر.
من يستمع إلى القوى السياسية النشطة حالياً في سوريا, سواء أكانت قوى عراقية أم سورية أم فلسطينية أم لبنانية, وسواء أكانت شعبية أم رسمية, وتلك الداعمة للإرهاب بحجة دعم المقاومة ضد الاحتلال, ومن يقرأ الصحافة السورية التي تواصل تأجيج الضغينة والكراهية والحقد الأسود, كما تفعل جريدة تشرين والبعث وغيرها من الصحف السورية, وتدعم, سياسياً ومادياً وبالأفراد والسلاح, جيوب الإرهاب المنتشرة في مناطق قريبة من الحدود السورية وغرب بغداد, يدرك أن سوريا لم تعد تعير وزناً وانتباهاً للضغوط الأمريكية لأنها تعرف أنها ليست جادة ولا حقيقية, بل هي مجرد تهديد للاستهلاك المحلي. وهو الأمر الذي من شأنه أن تترتب عليه عواقب خطيرة تساعد على تفاقم التدخل السوري في شؤون العراق الداخلية, كما يمكن أن يجر الموقف السوري الإيراني المزيد من الدول العربية إليه. كما حصل أخيراً في الزيارة التي قام بها بشار الأسد إلى الرئيس الجديد في إيران والقضايا التي تم الاتفاق عليها بشأن العراق من أجل استمرار الإرهاب فيه.
أجد نفسي مضطراً, لأنكم أنتم الذين تتصرفون بشؤون العراق وليس حكومته الراهنة, أن أتوجه بما يلي:
• أدعوكم أيها السيد رئيس الولايات المتحدة إلى إعادة النظر بخططكم الراهنة في العراق وتغييرها, إذ ليس من صالح العراق جعل أرضه ساحة أساسية لشن الحرب ضد الإرهاب العالمي, كما أن هذه الخطط سوف لن تجلب الأمن والخير والاستقرار لشعب العراق.
• أدعوكم إلى مد يد التعاون إلى جميع الدول الأوروبية وغيرها لكي تساهم في التصدي إلى الإرهاب الجاري في العراق بمختلف السبل المتوفرة وإلى المشاركة في إعادة بناء العراق والتنمية وتقليص البطالة المنتشرة.
• أدعوكم إلى التعاون الأمني مع قوى الأمن الأوروبية وغيرها للتعاون في الكشف عن أوكار الإرهابيين في العراق, إذ بغير ذلك سوف لن تتوصلوا إلى نتيجة طيبة, إذ أني أشك في طبيعة أجندتكم المطروحة حالياًُ التي تمس مصالح العراق بشكل مباشر.
• أدعوكم إلى إيقاف عمليات الفساد المالي الذي تمارسه الشركات الأمريكية في العراق بحيث أصبحت رائحتها تزكم الأنوف وتثير المزيد من المشكلات.
• أدعوكم إلى احترام الإنسان العراقي من خلال الطريقة التي تتصرف بها قواتكم العسكرية والمدنية مع الناس في بلادي.
• أدعوكم إلى الكف عن استخدام الطائفية كورقة للمساومات وتوزيع الحصص, إذ أن عواقبها وخيمة على الشعب العراقي, وهو الباقي على هذه الأرض وأنتم راحلون قطعاً.
• أدعوكم إلى العمل مع القوات العراقية والمجتمع العراقي جدياً للخلاص من الإرهاب وليس إلى سحب الإرهابيين إلى داخل العراق وشن الحرب ضدهم فيه.
وبدون ذلك سوف لن تستطيعوا الادعاء بأنكم جئتم إلى العراق لجعله نموذجاً للحرية والديمقراطية وممارسة حقوق الإنسان وحق المرأة في المساواة التامة بالرجل. وسوف يتواصل الهم العراقي وهمكم في آن واحد.
مع التحية والتقدير.
كاظم حبيب
31/8/2005
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟