|
صلاة ... وأنفجارات
عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4660 - 2014 / 12 / 12 - 20:49
المحور:
الادب والفن
صَلاة ... وأنفجارات
كان من بين أحد الإمكانيات القليلة المتاحة أمام العراقي للحصول على (فيزة دبي) بعد عام 2003 هو السفر لعمان للتقديم عن طريق الخطوط الجوية الإماراتية، شرط حجز تذكرتهم بمبلغ 410 دينار أردني، أي ما يعادل 600 -$- وهي أعلى تكلفة طيران، فالأردنية مثلا 400 -$- ، كما كان علينا أن ندفع مئة دينار أخرى لوكيل الإماراتية (أتعاب) التقديم واستحصال الموافقات الأصولية ! هذا حال العراقيين وهذه واحدة من مئات الفرص لنهشه !
ارتأيت ترك الأولاد لدى البيبية ببغداد وأن أصطحب أمهم، وأقمنا بفندق قرب مكتب الحجز (بشميساني) لمتابعة الحصول على الفيزة ... لكنهم قالوا بأنها تستغرق شهراً كاملاً !
وعليه قررنا العودة بانتظارها، فسمعنا بكراج بغداد أن الحدود مكتظة نتيجة نزول قوات أمريكية تفتش حتى الأحذية بحثاً عن (إرهابيين) مُصدرين للعراق، وعلى الكل المكوث فترة طويلة.
لكنهم قالوا بأن حدود سورية مع العراق فوضى ويمكن عبورها سريعاً، فوجدناها فرصة أن نذهب إلى دمشق ولقاء بعض الأهل وقضينا بينهم (بجرمانة) يومين ممتعة، بعدها كان علينا العودة للوطن.
في ساحة (السيوف) أشترطتُ على مكتب السفر هناك، العودة مع سائق (لا يدخن)، فأشترط حجز السيارة لوحدنا والمغادرة قبل الفجر لنكون بالحدود عندما تـُفتح تجنباً للزحام.
بعد أن أنطلق بنا السائق فجراً، وكان شاباً عراقياً،ضلّ الطريق ليتبين بأنه لأول مرة يسلك طريق دمشق ـ بغداد بسبب تشدد الأردنيين بالحدود، وبعد أن اهتدى الطريق بسؤاله بعض المارة القليلين فترة الفجر، توقف ونزل من السيارة ليغوص بالظلام، فتوقعت بأنه كان يريد قضاء حاجة لولا ظهور نور سيجارة قام بتدخينها على عجل وبلهفة وأقسى عليها بشدة وحرقها بدقيقة واحدة ... كنا لا نزال بعد مسير فترة من الوقت على مسافة ساعة من الحدود والوقت قد أدركنا، وبينما كنت استعجلهُ كي نكون ضمن سيارات الوجبة الأولى، بدأ يستغفر ربه (لتأخره) أداء صلاة الفجر، وتحول من سائق لواعظ، ولما لاحت له أضوية مئذنة قريبة، عرج على مسجد وقال انه ملتزم بأداء الصلاة بوقتها ... قلت له : حيرتني معك فما دمت مؤمن لهذا الحد، أحسب حسابك يا أخي.
تململ وأستغفر الله ودخل على عجل للمسجد الخالي من مصلين، انتظرنا لربع ساعة بعدها ففقدتُ أعصابي ودخلتُ لأجد صاحبنا يغرق بنوم عميق ... ركلته بغيظ : إنهض يا أخي فأمامنا الأصعب ... يبدو أن السوّاق لهم قابلية النوم خلال ثوانٍ (أون ـ أوف)، وهو ما ذكرني بسائقنا بالجيش في أيام حرب إيران، كان وبنفس لحظة ما تستوقفه لأمرٍ أو حتى على إشارة مرور حمراء، تراه يغط بنوم عميق، وكان حين نعود للسيارة بعد إتمام مراجعة معينة ونستيقظه، يقوم مباشرة بالسياقة للأمام دون أن يسأل إلى أين ثم يسير دون توقف وبلا هداية حتى نصحح له ! أسرع السائق بنا حين وجد أن الوقت قد مر حتى دون صلاة، وصلنا الحدود متأخرين كثيراً، ختم لنا السوريون بدقيقة، لكن عند الحدود العراقية كانت فوضى وتراصت السيارات فقام جنديان أمريكيان يجلسان على سطح مبنى قريب يترقبان الحركة بأمر جنود عراقيين بإنزال عارضة ومنع الدخول.
ولأننا أصبحنا أول سيارة يوقفوها أمام العارضة، حاولنا بشتى الطرق مع الحرس العراقيين ولو (بأكرامهم) لكن لم تفلح توسلاتنا بالدخول حيث بَرروا أنهم ملتزمون بعدد سيارات محدد، وان الأمريكيان فوق المبنى يراقبوهم، وبدوا (قافلين) دون أي تجاوب. وبختُ سائقنا بسبب تأخرنا الذي سيعني الوصول لبغداد وقت منع التجوال، وقلت له أن يذهب ويصلي ويستغفر ربه لأنه يتخذ من الدين حجة لكسله وتهاونه، وأنه من الأفضل أن يحترم وقت الآخرين ولا يؤدي صلاته وعبادته على حساب وقت الآخرين.
أجبرته على ترك محرك السيارة يدور وبتشغيل التبريد تجنباً للجو حار، بينما راحت عيناي تترقب الجنديان الأمريكيان وهم يؤرجحان (بساطيلهم البيجية اللون) وفي أعينهما نظرات تعالي واستهزاء. وبينما كنا ننظر بعين الحسد للمسافرين الذين نجحوا في الدخول قبلنا وهم يستكملون إجراءاتهم، قلت للسائق أنه وبحجة الصلاة قد ضيع يومه ويومنا، وحتى لو كان قد أداها على حسابنا فهي غير مقبولة ... في هذه اللحظة وبينما عيوننا تترقب المشهد داخل نقطة الحدود من خلال زجاجة السيارة الأمامية، وإذا بتاكسي عراقي نوع (شفروليه ـ كابرس) تدخل مسرعة من جهة العراق باتجاهنا، ولتنفجر على بعد عدة أمتار من الأمريكيان لتصيبهما بجروح بينما تسبب الانفجار (بمذبحة) بين المسافرين الذين كانوا بداخل المبنى، وامتد العصف والدخان ووصل إلينا ...
كان المشهد واضحاً جداً أمام أعيُننا وكأن زجاجة السيارة عبارة عن شاشة سينما تعرض لنا ساحة معركة حقيقية، أنصهر معدن السيارة المنفجرة بثوانٍ كشعلة اللحيم! عمت فوضى وأصوات استغاثة وقام بقية جنود عراقيون بإغلاق الحدود بواسطة مقطورة لشاحنة متوقفة، الأمر الذي منعنا من مراقبة الوضع، لكن كان باستطاعتنا أن نرى على جدران المبنى أشلاء بشر، ووصلت شظايا الزجاج إلى عشرات الأمتار ورأينا طائرة عمودية تقوم بإخلاء الجرحى من الجنود العراقيين والأميركان ... كانت حصتنا من الأنفجار أن سقط على سيارتنا (سحّاب بسطال) وقطعة تاير (دنلوب) !
عاد قسماً من السيارات الواقفة أدراجه لسورية وسط أخبار عن غلق الحدود لثلاث أيام، وأذاعت الوكالات الخبر وسارع الجميع لتبليغ أهلهم عن طريق الهواتف السورية، وعاد البعض أدراجه ليختم دخول سورية من جديد والعودة لدمشق، إلا أن الأكثرية فضلت التريث.
ولأن إعلان الإذاعات الخبر سيُقلقَ أهلنا، نصحتُ سائقنا بالعودة لدمشق، لكن كان من المستحيل اختراق طابور السيارات خلفنا الذي يعدد بالمئات، وشيئاً فشيئاً صار زحام شديد وعلق الجميع بين حدود البلدين ضمن مسافة لا تزيد عن الألف متر ...
نفذ طعام المطعم الشامي، وباعت الدكاكين كل المعلبات والبسكويتا والعصائر، وعانينا من شحة ماء الشرب والغسيل، نساء وأطفال وشيوخ، الكل على نفس النغمة ... (هاي نومتنا بالصحراء) ! خيّم الجميع فوق وتحت السيارات للنوم، وقام حرس الحدود العراقي مشكوراً بطبخ طعام (قصعة) وتوزيعه علينا (كثواب) على روح الشهداء !
ولزم الشيّاب خفارات ليلية لحماية (أعراض) العوائل من حرشة الشباب استجابة (لتحذيرات) من مُسافرة يبدو أنها صاحبة خبرة !
مرت ليلة كاملة فيها نحن عالقون على خط الحدود، ولسنا نعلم إلى متى بل وأين نحن مسجلون، فالسوريون ختموا مغادرتنا في وقت لم يؤشر العراقيون دخولنا !
قلت لسائقي (المؤمن) : الآن عندك وقت تفرش سجادتك وتصلي براحتك ...
قال بخشوع : لولا صلاتي وذكر الله بالمسجد لكنا والسيارة ... بخبر كان !
قلت : إحمد ربك لأن أخذتك (غفوة) وتأخرنا، لو كنت صادقاً وصليت فعلاً لعدت سريعاً ولكان مصيرنا معلق على الجدران ! عماد حياوي المبارك من على خط الحدود السورية ـ حزيران 2005
#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)
Emad_Hayawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوق (حانون)
-
سالميات
-
رقصة الموت
-
خروف العيد وخرفان أخرى
-
السيد فايف بيرسنت
-
واحد سبعة
-
حين لا ينفع اليمين !
-
سقف العالم
-
الرقة
-
جوزتو
-
وداعاً سنت كلاس
-
تيتي ... تيتي
-
بركاتك شيخ سلام
-
أنتوشات
-
شيخصملي
-
أرنبون
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|