|
بولس – 6 – بولس ويسوع
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4660 - 2014 / 12 / 12 - 13:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(لكن، إذ كنتُ محتالاً، أخذتكم بمكر) بولس يخاطب أهل كورنثوس [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 16]
من أكثر بحوث الكتاب المقدس المسيحي المُسمى بـ (العهد الجديد) طرافة هي البحوث التي تقارن بين تعاليم يسوع، إله المسيحية، كما هي منسوبة له على لسانه في الأناجيل والأسفار الأخرى وبين تعاليم بولس. إذ هذه المقارنات تترك على وجه الباحث ابتسامة تَعجُّب عريضة بسبب كمية ونوعية معارضة واختلاف إحداهما مع الآخر، وعن مدى تأثير (عقيدة بولس) على الفضاء العقائدي المسيحي وضميره بحيث أنه لا يجد حرجاً إطلاقاً، وبدون وعي منه، يقرأ تعاليم (إلهه يسوع) ثم يتركها وينساها مباشرة ليتمسك (بعكسها تماماً) لأن شخصاً ما يُدعى (بولس)، لم يَرى يسوع إلا حلماً ووهماً، ولم يتتلمذ عليه إطلاقاً، قد قال أنه تلقى وحياً من يسوع في (حياة تلامذة يسوع الذين رأوه وسمعوا منه)(!!!) وأنه، أي يسوع، (قد غيّر رأيه) في "وحيه" لبولس فيما يخص تلك التعاليم. اللاهوت المسيحي، ومعه المسيحيون، كنتيجة لِما قاله بولس لهم، يُكذِّبون يسوع وتلامذته بكل رحابة صدر، من دون وعي منهم، ويصدقون بولس. وهذا هو (مدعاة الطرافة) في كل تلك البحوث. إذ لا مجال للإنكار إطلاقاً أن هناك (تعارض شديد) بين ما كان يقوله بولس وما كان يقوله يسوع. بل إن هناك (الكثير جداً) مما قاله بولس (ولم يقله يسوع إطلاقاً) ولا حتى تلامذته المباشرون الذين صحبوه. فقط اسأل نفسك، على سبيل المثال، هذا السؤال البسيط: أين بالضبط قال يسوع لمستمعيه عن (الخطيئة الأولى) وعن المسؤولية اللازمة لنسل آدم وحواء، تلك الفكرة (المركزية المحورية) التي تدور عليها صُلب العقيدة المسيحية وأسطورة (عقيدة الفداء)؟ وسوف تتفاجأ أن يسوع (لم يذكرها إطلاقاً، ولم يُشر لها، ولم يُعلّمها، ولم يكرز بها إطلاقاً، لا من قريب ولا من بعيد)، ولم تُشر لها الأناجيل إطلاقاً لا على لسان يسوع ولا على لسان تلامذته ولا على لسان خصومه. تلك الفكرة هي (من بنات أفكار بولس واختراعه) ولا أحد سواه [الطريف جداً في هذه العقيدة أنها، من غير أن تعي ذلك، تجعل إلهها يسوع نفسه يحمل تبعات تلك الخطيئة لأنه مولود من امرأة على حسب عقائد المسيحيين]. ومع ذلك لن تجد (مسيحياً عربياً واحداً) يقف موقف الشك أمام تلك الملاحظات الصادمة. لن أطيل في المقدمة فالفكرة واضحة، ولكنني أشجع القارئ الكريم على أن يأخذ على عاتقه أن يقارن بنفسه بين تعاليم بولس وبين يسوع في أي موضوع يشاء، وهو جهد طريف وسهل في آن واحد ولن يكلف الكثير من الوقت، فقط ابدأ ببولس في رسائله وقف عند تعاليمه وحاول أن تجد مرادفاً لها على لسان يسوع أو غيابها تماماً، وأنا أضمن له بأنه سيتفاجأ من سهولة المقارنات وتناقض المواقف بين بولس ويسوع. هذه مقالة، وما سيأتي بعدها، غير شاملة في موضوعها بالتأكيد، ولكنها تعطي (نماذج منتقاة) عن تناقضات تعاليم بولس مع تعاليم يسوع الناصري كما هي مذكورة (على لسان يسوع) في (كل) أسفار (العهد الجديد).
1- تكليف يسوع الرسل بالتعميد:
يسوع:
يسوع يرسل تلامذته ليعمّدوا الأمم في إسطورة قيامته: (فتقدم يسوع وكلمهم [أي كلم تلامذته الإحدى عشر] قائلاً: دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس) [متى 28: 18-19]
بولس:
بولس يقول أن يسوع لم "يرسله"، وحياً بالطبع، ليُعمّد: (أشكر الله أني لم أعمد أحدا منكم إلا كريسبس وغايس [...] لأن المسيح لم يرسلني لأعمد بل لأبشر) [رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 1: 14 و 17]
2- كيفية التعميد:
يسوع:
(عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس) [متى 28: 19]
بولس:
بولس يُعمّد باسم المسيح فقط: (فقال بولس: إن يوحنا [يقصد المعمدان] عمد بمعمودية التوبة، قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده، أي بالمسيح يسوع. فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع) [أعمال الرسل 19: 5] بولس يقول (أتجهلون؟!!) أن تعميد ليسوع المسيح: (أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته؟) [رسالة بولس إلى أهل رومية 6: 3] (لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح) [رسالة بولس إلى أهل غلاطية 3: 27]
مـــــــــلاحـــــظـــة:
المقارنة أعلاه هي أحد دلائل "تزوير واختراع" النص المقدس المسيحي كما يقول البعض، أو "تطور" العقائد والنصوص المسيحية كما يقول البعض الآخر. فالحقيقة هي أنه عندما نرتب نصوص (العهد الجديد) ترتيباً زمنياً، وليس كما هي الآن مرتبة عشوائياً، فإننا سوف نصل لنتيجة مؤكدة فحواها أن (النص المقدس المسيحي، فيما يخص يسوع والعقائد فيه، قد خضع لعدة تنقيحات وتعديل وإضافة وحذف وتحوير وتهذيب) والمثال أعلاه هو مثال باهر. فرسالتَيّ بولس لأهل غلاطية ورومية قد تم كتابتهما فيما بين 55 و 58 م، ونرى فيهما بولس يُعمّد باسم يسوع فقط ولا وجود إطلاقاً لتكليف (جميع الرسل بتعميد جميع الأمم والكرازة بينهم)، بل نرى العكس تماماً، نرى صراع بولس مع تلامذة يسوع بشكل واضح لا لبس فيه وبالاسم أحياناً. ثم بعد ذلك يأتي إنجيل مرقس، وقد تمت كتابته سنة 70 م أو بعدها بقليل. وما لا يعرفه عامة المسيحيين أن هذا الإنجيل (قد انتهى) عند [16: 8]، عند خروج النساء خائفات من قبر يسوع لأنهن لم يرين جسد يسوع فيه (ولم يقلن لأحد شيئاً)، وكل ما بعده من آيات عن قيامة يسوع وغيرها هو من إضافة ما بعد (القرن الخامس الميلادي، وكل المخطوطات القديمة، ومنها مخطوط سانت كاترين، أتت خالية تماماً من كل الآيات التي أتت بعد [16: 8]). فنص مرقس الأصلي لا وجود فيه (إطلاقاً) لقصة قيامة يسوع في اليوم الثالث وظهوره للمجدلية أولاً، ثم لتلمذين ثانياً، وأخيراً لتلامذته ثالثاً، ولا وجود لتكليف يسوع تلامذته بالكرازة لـ (جميع الأمم) وتعميدهم وأن يخرجوا الشياطين ويتكلموا بألسنة [لاحظ تأثير عقائد بولس على النص] ويحملوا حيات ويشربوا سماً ولا يضرهم (!!!) كما هو موجود في النص المضاف. هذا كله من اضافة أتت بعد 400 سنة على الأقل من قتل يسوع، وجميع الترجمات الحديثة لإنجيل مرقس تضع هامشاً تقول فيه عن تلك الإضافة العبارة الآتية: [المخطوطات القديمة المعتمدة تُنهي الكتاب عند الآية 8]، والبعض من الترجمات الأخرى تضيف لتلك العبارة السابقة تكملة هي: [المخطوطات التي تضيف الآيات فيما بعد 8، تضيف لها إشارة "مشكوك فيه"]، انظر على سبيل المثال وليس الحصر ترجمة (NRSV). وأول تكليف أممي ضمن صلب النص موجود في إنجيل متّى الذي تم كتابته حوالي سنة 80 م، أي بعد خمسين سنة من قتل يسوع، وهو في محتواه محاولة انقلاب على بعض عقائد بولس، ولكن لم يُكتب لها النجاح التام في بعض جزئياتها، وذلك فيما يخص الموقف من الشريعة اليهودية والتعميد وبعض الجزئيات الأخرى. فبولس كان يُعمّد باسم (يسوع المسيح) فقط، ولم يكن يرى التعميد مهمة أساسية للرسل، هذا واضح جداً في رسائله المقطوع بصحة نسبتها إليه، بينما كنيسة متّى كانت تريد أن تعمد باسم (الآب والابن والروح القدس) وترى التعميد (مهمة أساسية أصيلة للرسل)، فوضع كاتب إنجيل متّى على لسان إلهه يسوع تلك العبارة التي نقرؤها اليوم في إنجيله، وتلك هي أحد الجزئيات التي (ربحت فيها كنيسة متّى وخسر بولس وعقائده) ضمن اللاهوت المسيحي.
.... يتبع
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بولس – 5 – بولس والشيطان
-
بولس – 4 – عقيدة التبرير
-
بولس - 3 - بولس والشيطان
-
بولس – 2 – بولس والشيطان
-
بولس - 1
-
في مسألة طيران بولس
-
حرام - وسيأتي
-
مغالطات يسوع المنطقية - 4
-
مغالطات يسوع المنطقية - توضيح
-
مغالطات يسوع المنطقية - 3
-
مغالطات يسوع المنطقية - 2
-
مغالطات يسوع المنطقية - 1
-
الإزدواجية العقلانية المسيحية
-
في مسألة كلبية يسوع
-
في مسألة عري يسوع
-
نصوص كذب يسوع
-
غرائب المنطق في الوطن العربي البائس
-
التعامل مع فاقدي السلطة الأخلاقية
-
الفقه اليهودي والمبادئ الإنسانية الليبرالية
-
نصوص التوحش الإسرائيلي
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|