|
في الرد على إسلام بحيري 3
هشام آدم
الحوار المتمدن-العدد: 4660 - 2014 / 12 / 12 - 03:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سيكون هذا المقال هو الجزء الأخير في سلسلة الرد على مغالطات الكاتب إسلام بحيري الكثيرة جدًا، ورأيتُ له مقالًا جديدًا، مواصلة لسلسلة مقالاته بعنوان التي تحمل عنوان: (الدين والإلحاد وجهًا لوجه)، ويبدو أن الأمر سوف يستمر لأطول منذ ذلك. عمومًا سوف أحاول الاختصار قدر الإمكان لرغبتي تناول موضوع آخر أرى أنه أكثر أهمية من تتبع أخطاء ومغالطات الكاتب إسلام بحيري. يقول الكاتب في نهاية الجزء الأول من مقاله نصًا: "الآن ما يُعرف بالإلحاد الجديد مثل إلحاد "دوكنز" و "سام هيريس" و "دانيل دينيت" وأمثال هؤلاء إلحادهم يستند كثيرا على علل، على عوامل، وليس على أدلة .. يقول لك (الأديان هي سبب نكبة البشرية! انظر الى الحروب! انظر الى تاريخ الدنيا! ..الأديان دائما هي السبب!... لذلك نحن ألحَدنا !. هذا ليس برهان ، هذا تعليل"(انتهى الاقتباس) وكما نرى فإن الكاتب يبحث عن "أدلة" ولكن لا ندري أدلة على ماذا تحديدًا؛ فإلى أي مدىً يُصدق هؤلاء أنَّ الملحد يجب أن يُقدم دليلًا على عدم وجود الله الذي لا يوجد دليل على وجوده؟ ومتى قال ملحد إنَّ "دليل إلحاده" هو فساد الأديان وتسببها في الحروب؟ إنَّ تناول الملحد لقضايا الأخلاق والسياسة وغيرها هو في الحقيقة محاولة للفصل بين موضوعات قام المتدينون بربطها بالتدين؛ فالمتدينون هم من قاموا بالربط بين الدين والأخلاق، وحاولوا أن يُصوروا للناس أنَّ وجود الدين مهم وضروري لأنه يُبقي الناس على أخلاقهم، ويحمي المجتمعات من الانهيار والانحلال الأخلاقي الذي قد يُصيب المجتمعات البشرية إن هي تخلت عن الدين، ومثل هذه الحجج الواهية تقدمها الأنظمة الشمولية والدكتاتورية للحفاظ على مصالحها الشخصية ومكاسبها السياسية، فتوهم الناس أنهم لو سقطوا فسوف يكون ذلك بداية لخراب كبير جدًا، وانفلات أمني لا يُمكن دفعه، ولقد سمعنا هذا الأمر ورأيناه واختبرناه على الصعيد السياسي بشكل واضح جدًا.
المغالطة الخامسة: يذكر الكاتب إسلام بحيري في بداية الجزء الثاني من مقاله أنَّ للإلحاد بواعث نفسية، ويقول نصًا: "والرغبة في عدم الإلتزام بقوانين الشرائع السماوية"(انتهى الاقتباس) والحقيقة أنَّ هذه المغالطة هي من أكثر المغالطات سطحية وسذاجة، بحيث يتم تسطيح الفكر الإلحادي إلى الزعم بأنَّ بواعثه هي (فقط) عدم رغبة الملحد في الالتزام بالقوانين والتشريعات الدينية. نظرةٌ واحدةٌ على المجتمع الإسلامي كفيلةٌ جدًا بدحض هذه المغالطة الساذجة، فأنا لست بحاجة إلى الإلحاد كي أُبرر لتركي الصلاة أو الصوم، فهنالك ملايين المسلمين الذين لا يلتزمون فعليًا بالتشريعات الدينية؛ بل ويُخالفونها صراحةً، فكم من مسلم تارك للصلاة؟ وكم من مسلم يفطر في نهار رمضان دون عذر شرعي؟ وكم من مسلم يمارس الجنس المحرم (الزنا)؟ وكم من مسلم يشرب الخمر المحرَّمة؟ وكم من مسلم يظلم ويسرق وينهب ويقتل؟ ليست هنالك حاجة للإنسان أن يترك الدين كي يسلك سلوكًا غير شريف، ولو أننا خصصنا هذا المقال فقط لرصد الحالات غير الأخلاقية لرجال الدين (ناهيك عن عامة المتدينين) لما وسعنا رصد كل الحالات، ويكفي فقط أن نتذكر قصة الشيخ السلفي (فيحان الغامدي) الذي ظل يغتصب ويعذب ابنته البالغة من العمر 5 سنوات حتى ماتت(1)، وقصة النائب البرلماني السلفي الذي أُلقي القبض عليه بتهمة الأعمال الفاضحة في الطريق العام(2)، وكذلك أحد أئمة المساجد في اسكتلندا الذي أدين بتهمة الاعتداء الجنسي على طفلين(3)، وكذلك قصة إمام أحد مساجد بروكلين بنيويورك الذي أتهم بقضية الاعتداء الجنسي على الأطفال(4)، والعديد من القصص الغريبة والمقززة، هذا إضافة إلى فضائح القساوسة التي هي أشهر من أن أسرد أمثلة عليها، على أن المسلمين بالتحديد عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأخلاقية يجب أن يشعر بالخجل من أنفسهم، ولا يحاولوا التطرق إلى مثل هذه الموضوعات، فالتاريخ الإسلامي الباكر، وكتب التراث والسيرة وحتى القرآن يعج بالتشريعات غير الأخلاقية، من سبي للنساء واغتصاب لهن، وإباحة لنكاح القاصرات، فهل هذه هي التشريعات "السماوية" التي لا يُريد الملحد الالتزام بها؟
المغالطة السادسة: يقول الكاتب نصًا: "الإنسان بطبيعته كائن مؤله روحي يبحث عن أصله ومصدره، يبحث عن ربه عن إلهه، يبحث عن المطلق المتجرد عن حدود المادة.. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).. لم يقل يسلمانه لأنه يولد مسلماً"(انتهى الاقتباس) والحقيقة أن هذه الحجة الممجوجة هي واحدة من أكثر الحجج بلاهة على الإطلاق، فمن الناحية المبدئية وجود المعابد في الحضارات الإنسانية القديمة هي واحدة من الأدلة الكثيرة التي تدل على جهل الإنسان وخوفه، واختراعه لفكرة الله، ومن ناحية أخرى فإن القول بأنَّ الإنسان يولد مسلمًا، لهو قول مضحك، لأنه يعتمد على النص الإسلامي لإقامة الحجة على غير المسلمين، فبأي منطق يُمكن أن يُؤخذ بهذا الاستشهاد السخيف والساذج، وإذا كان في المسيحية مثلًا نص يقول: "كل مولود يُود في المسيح." فهل يُمكن اعتماد هذا النص المسيحي كدليل قاطع يُمكن الاستشهاد به؟ الحقيقة أنَّ سذاجة المغالطات التي يعتمد عليها الكاتب تجعل المرء يعيد التفكير في مناقشة هذه المغالطات والرد عليها من أساسه، فهل لا ترقى أبدًا إلى كون اعتبارها حججًا تعمل على تفعيل العقل والقدح فيه، وقد يُلاحظ فيها الطفولية المفرطة؛ إذ لا يُمكن لعاقلٍ أن يستسيغ فكرة أن يعتمد مسلم على نصه الديني لدحض فكرة أخرى(!)
عمومًا أكتفي بهذا القدر من الرد على الكاتب إسلام بحيري، وسأعود بعدها لتناول موضوع غاية في الأهمية؛ إذ بالصدفة المحضة عثرتُ في موقع اليوتيوب حلقات من برنامج "الدليل" الذي يقدمه الأخت فدوى، والأخ وحيد على قناة الحياة المسيحية، وهي بالاشتراك مع الدكتور غالي والذي قمنا بالرد على أكاذيبه ومغالطاته العلمية في سلسلة مقالات منفصلة، دارت الحلقات (207 و 208) عن التطور في محاولة منهم لتشويه النظرية والزعم بأنها "خرافة" .. وكم هو عجيب أنَّ الذين يروجون ويؤمنون بالخرافة باعتبارها "معجزات" يقدمون انتقادات لنظريات علمية باعتبارها "خرافة"، إنه لشيء مخجل حقًا، وسوف أتناول ما جاء في الحلقتين لأكشف مدى التدليس الذي قدمه البرنامج حتى من مراجعه التي عرضها على أنها تنفي نظرية التطور التي أصبحت من الحقائق العلمية المفروغ منها في العالم الحديث، وأعتقد أن هذا الموضوع أهم بكثير من تتبع المقولات والحجج الطفولية للكتاب إسلام بحيري التي بالفعل اقتنعتُ أنها لا تستحق الرد بأكثر مما تم حتى الآن.
--------------------------- المصادر: (1) شيخ سلفي سعودي يغتصب ويعذب ابنته الطفلة حتى الموت https://www.youtube.com/watch?v=UlHXwkxFdMo
(2) نائب برلماني سلفي متهم بأعمال فاضحة في الطريقة العام http://www.alwasatnews.com/3605/news/read/689574/1.html
(3) إمام مسجد في اسكتلندا مدان باغتصاب طفلين http://news.bbc.co.uk/2/hi/uk_news/scotland/431161.stm
(4) إمام مسجد في بروكلين متهم بالاعتداء الجنسي على الأطفال http://www.rediff.com/news/1999/may/14us6.htm
#هشام_آدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الرد على إسلام بحيري 2
-
في الرد على إسلام بحيري
-
رسالة إلى الدكتور سيد القمني
-
المسلمون الجدد - 4
-
المسلمون الجدد - 3
-
المسلمون الجدد - 2
-
المسلمون الجدد - 1
-
بتروفوبيا إلى الإنجليزية
-
السَّنافر - 3
-
السَّنافر - 2
-
السَّنافر - 1
-
المُعاناة في حياة المُلحد
-
الخالق ورطة الخلقيين
-
مصير الأنبياء
-
الحجاب والحرية الشخصية
-
دفاعًا عن نظرية التطور
-
خطايا السَّيد المسيح - 2
-
خطايا السَّيد المسيح
-
فضائح السَّند والمتن في علم الحديث
-
الالتفاتة الأخيرة لخلدون
المزيد.....
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|