|
رواية -القرمية- سميحة خريس
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 4658 - 2014 / 12 / 10 - 20:03
المحور:
الادب والفن
هذه الرواية الخامسة التي تتناول تاريخ الأردن الحديث، فبعد رواية وادي الصفصافة لأحمد الطراونية، وجه الزمان لطاهر العدوان، ورواية العودة من الشمال لفؤاد قسوس، ورواية حوض الموت لسليمان القوابعة، تأتي رواية "القرمية" التي تتحدث عن الثورة العربية الكبرى في منطقة شرق الأردن تحديدا، وكيف تم التقدم باتجاه المواقع التركية وتطهيرها، الرواية تتحدث عن شخصية "عودة" وهو يمثل احد أهم الشخصيات الرئيسية التي لعبت دورا حيويا في الانتصارات التي حققها العرب، فالرواية تتحدث عنه كشخصية تاريخية أدبية، كما نجد حضور لشخصية الأمير فيصل و لورنس بالإضافة إلى العديد من الشخصيات التي ساهمة في الثورة مثل "مولد مخلص وجعفر العسكري ونوري السعيد" وغيرهم. كانت اللغة المحكية هي المهيمنة على النص الروائي، لكنها كانت مفهومة من قبل القارئ، وهذا يحسب للنص، الذي قدم لنا رواية باللغة المحكية، لكنها لم تفقد حيويتها اللغوية، كما كان القرآن الكريم حاضرا وبقوة في هذا العمل، مما يدل على الطابع الديني للشخصيات التاريخية التي تناولتها الرواية، وأيضا تؤكد على طبيعة المجتمع الذي يمثل الدين احد أهم الركائز التي يعتمد عليها، كما نجد حضورا للتراث الشعبي، من خلال الأغاني الشعبية وبعض الأبيات الشعرية، وكما قلنا سابقا هناك عدد محدود جدا للأعمال الروائية التي تحدث عن البدو والصحراء، واعتقد بان هذه الرواية تضاف إلى تلك الأعمال المحدودة، وهذا يضاف إلى حسنات الرواية. اعتقد بان الكاتبة استعانت بالكتب التي تحدثت عن الثورة العربية الكبرى، مثل كتاب رورنس "أعمدة الحكمة السبعة" حيث كان هناك دقة تاريخية في تناول الأحداث، مما يشير إلى الأمانة التاريخية، ورغم أننا أمام عمل روائي إلا إن التاريخ الحديث كان حاضرا ويمكن الاستفادة من النص في المعرفة التاريخية. استخدم الخيال الأدبي للدخول إلى النص التاريخي كان من خلال شخصية "عقاب ومحبوبته مزنة، وفرسه الكحيلة، واعتقد هنا كان الدخول إلى النص من هذا الباب قد أضفى على النص لمسة جمالية وفنية، وكان مولد "مزنة" التي جاءت على حساب حياة أمها "رملة" حدثا قريبا من الأساطير القديمة التي تجعل الأبناء يأخذوا دور الآباء، ومولد "الكحيلة" من "الأصيلة" التي تدللت في كنف الشيخ، فيقول "دايود" عن مولدها " أن برقا التمع في الأفق لحظة مغيب الشمس في قلب ذاك الصيف، وانزلقت المهرة المخصبة بالدماء من رحم الأصلية، واستقرت واقفة، لم تثني قوائمها تحتها، ولا انعوج جيدها، استقرت كأنها سيف سل من غمد، التمعت كنصل الذهب" ص43 ،بهذا الطقس الأسطوري تم ولادة "الكحيلة" من هنا لم تكن "الكحيلة" مهرة عادية، كانت كائن سماوي يحمل شيئا من خرق للطبيعة، فلم يكن لأحد إن يقترب منها إلا "عقاب" الذي استطاع أن يقيم علاقة صداقة وتعاطف مع ال"كحيلة". اعتقد كان هناك رمزا يقف خلف "الكحيلة" التي تحدثت عنها الكاتبة بطريقة أسطورية، كما قلنا سابقا، وتبعتها طقوس أخرى قام به الشيخ، "ذبح الشيخ النعاج لمولد "الكحيلة" وضمخ بطن "الأصيلة" ووليدتها بدم الذبائح، وحنى به القوائم، والنواصي، والغرر، فأكل البدو من خير الذبائح حتى شبعوا" ص44، كل هذا يجلنا أمام كائن أسطوري رغم تماثل شكله مع بقية الخيول، لكن طبيعته تختلف تماما، من هنا لم تقبل "الكحيلة" أن يوضع أي قيد في أطرافها يمكن أن يحد من حريتها، وترسم لنا الكاتبة مشهد محاولة ترويضها فتقول : "لما طار قفل الحديد عن قائمتي الكحيلة شبت كأنها النار، استقامت بجسدها ولوت جيدها القوي وانطلقت لا تلوى على شيء، صهلت كل الخيل المربطات إلى الأوتاد والحديد، وأرغت الإبل" ص46، بهذا الوصف تكتمل أسطورية الكحيلة، فهي فرس غير عادية، لا يمكن لأيا كان إن يمتطيها، ولا بد لفارسها إن يكون أيضا استثنائيا، من هنا كان "عقاب" صاحب البطولة والعاشق هو فارسها، فقد استطاع إن يجعلها فرسه وتحت سيطرته. لسنا في مجال الربط بين ما جاء في رواية "إبراهيم نصر الله" "زمن الخيول البيضاء" ما جاء في رواية "القرمية" عن الخيل، لكن، والحق يقال بان الحديث عن الخيل يعطي النص لمسة أدبية وجمالية وفنية، تجعل المتلقي يتمتع بما يقرأ، وكأن الحديث عن الخيل له مكانة خاصة عند المتلقي في المنطقة العربية، وهذا ما جعل النص الروائي ـ رغم ما فيه من تاريخ ـ إن يكون نصا أدبيا في المرتبة الأولى، فلم يكن الحدث التاريخي إن ينقص أو يضعف من جمالية وأدبية الرواية، وهذا يحسب للكاتبة التي أبدعت تماما في روايتها. في مقدمة كل فصل وضعت الكاتبة جملة أو قول أو أبيات من الشعر، كفاتحة للنص، وهذا يمثل تأثر الكاتبة بهذا النص أو الكاتب، ومن ثم دعوة القارئ لتناولها والاطلاع عليها. هناك علاقة بين النص الروائي ولوحة الغلاف، حيث يتحدث النص عن الثورة التي قام بها العرب ضد الأتراك، ولوحة الغلاف مجموعة من الخيول، وكلنا يعرف رمزية الخيل في الفن التشكيلي التي توحي بالثورة والتمرد والحرية، واعتقد بان الحديث عن "الكحيلة" وما قامت به عندما حاولوا ترويضها، له علاقة بالترميز وأيضا لوحة الغلاف تدعم هذا الاتجاه. اسم الرواية "القرمية" له علاقة بالمفهوم الذي الشعبي، فكأن الكاتبة تقول لمتلقيها، هذا جذرنا الرئيسي، وهذا ما فعلنا "بقرمية" الأتراك الذي تجاوزوا حدودهم معنا، فالعنوان له علاقة بالنص الروائي. الرواية من منشورات وزارة الثقافة، عمان، 2011، وتقع في 300 صفحة حجم متوسط، سنحاول إضاءة بعض ما جاء في الرواية. الأمير فيصل هذا الرجل كان يسعى للخلاص من الأتراك وإقامة حكومة عربية مستقلة لا تخضع لأحد، من هنا نجده "يرسل فيصل بالشريف "عبد الغني" و مولد مخلص" ليتمركزوا في وادي موسى مراقبين للطريق القادمة من الحجاز .. يفعل "فيصل" ذاك كتكتيك عسكري في حين تتمطى أحلامه شمالا باتجاه دمشق، متناسيا تعليمات "اللبني" التي تقضي عدم التقدم خارج العقبة" ص153، الحديث بهذا الأمر يشير إلى عدم انقياد الأمير لرغبات وتعليمات الانجليز، وأيضا تشير إلى أن التعاون معهم لم يكن يعني الخضوع لهم ولتعليماتهم، لكن هناك لقاء وتعاون في محاربة الأتراك واختلاف بأهداف، كما يستدل من هذه المشهد بان الأمير شخصية عسكرية تعرف كيف تتعامل في الميدان وكيف تقوم بالعمليات التكتيكية التي توحي للعدو بشيء، المراد منها شيئا آخرا. كان هناك حوار بين الأمير فيصل وعبد القادر الجزائري تبن رؤية الأمير لطبيعة العلاقة مع الانجليز "ـ حنا نحارب باموالهم، والحرب تبغي مسايرة." ص170، من خلال هذا القول يظهر الأمير فيصل مقدرته على التعامل بواقعية مع الأحداث، فهو شخص يستطيع التعامل مع الكل، مستفيدا من الظرف لتحقيق أهدافه القومية والوطنية. ويقول "هجرس" خادم الأمير عن سيده، بعد حراسة خيمة الأمير ليلة كاملة: "يحتاج سيدي إلى الليل كله ليدخن كل هذه السجائر" ص90 و91، هذه إشارة إلى إن الأمير لم يكن ينام الليل وهو يفكر بثورته وما تواجهه من صعوبات، وأيضا على حجم الهموم التي يحملها الأمير والتي تثقل كاهله، فهو رجل لا يعرف الراحة ولا النوم. أما علاقة الأمير بجنده وكيف يتعامل معهم ، " يمد الأمير يده إلى كعك أمه ، يقضم بهدوء قضمته، فيأكل الرجال، يكتفي بعدها بأن يرفع الكعكة إلى شفتيه جيئة وذهابا كأنه يأكل حتى إذا ما أطمأن إلى شهية الرجال ترك نصيبه" ص92، الأمير من الذين يؤثرون ولو كان بهم خصاصة، رغم إن الكعك من صنع أمه، وهو هدية منها، يقدمه للرجال، فهو يعلم طبيعة السفر والمشاق والصعوبات التي تواجه الرجال، فأراد إن يقدم لهم هدية أمه، رغم ما تحمله ذاك الكعك من معنى للأمير.
عودة الرواية تناولت شخصية "عودة" بإسهاب فهو أكثر الشخصيات التاريخية حضورا، فأولا سنة سنها عودة، كانت بعد مقتل ابنه "عناد" عندما أبطل العمل بالثأر فقال: "ـ علامكم مبلمين؟ الغزو خلص.. غزينا وردونا، خلصنا.. و"عناد" عديته جرو وقع من قطب البيت" ص62، اعتقد بان هذا الموقف ينم عن طبيعة الرجل القائد الذي يتجاوز الألم الشخصي لصالح الهم العام، فليس من السهل على رجل تربى بتربية الأخذ بالثأر أن يقف دون أخذ ثأره، خاصة إذا كان القتيل ابنه، وأيضا هو شيخ القبيلة، ويستطيع إن يشحذ الهمم، ويجير الكل لمصلحته الشخصية، لكنه كان قد علم بان هناك سلوك في الصحراء يجب إن ينتهي لما له من اثر سلبي على الأفراد والمجتمع معا. وعندما يسقط "مفلح القمعان" شيخ الصخور عدو الأمس، حليف المعركة الذي أردته رصاصات الأتراك وهو يهبط مهاجما، انقبضت ملامح "عودة" وهز البعض رؤوسهم وهمس "زعل" ـ له الجنة، قلبي سولفني من يوم شفت افراسه تنبش بأرضها .. المنحوسة؟ ـ شوح "عودة" بيده: ـ هش، ما هي نحس ميته ترفع رأس النشامى" ص192، كتأكيد على انتهاء الثأر والتخلص منه بشكل نهائي، كانت كلامات عودة تدعم وتؤكد هذا التوجه الجديد في السلوك. وعندما فكر الثوار باقتحام الطفلية، كانت حكمة عودة حاضرة ومؤثرة في تحريرها، عندما أرسل احد الأسرى من الجيش التركي ليخبر أهلها وقائدها الحلبي العربي، بان الثوار العرب قادمون، مما جعل "ذياب العوران" يرسل ابنه من الطفلية "يعلن استعداد القرية للتسليم مقابل إعطاءها الأمان على الرزق والعيال" ص197، وهو له قول مشهور ينفع في كل زمان ومكان: " أن تكسب الأصدقاء خير من كسر الأعداء" ص194، فهذه النظرة الإنسانية تبين حكمة الرجل، وعدم تعامله من الأحداث بطريقة شخصية، فهو يظهر منطلق عقلاني ينم على سعة الأفق، وكأن فضاء وسعة الصحراء انعكست على طريقة تفكيره، فأصبح يفكر بشمولية وإنسانية، متجنبا التفكير الذاتي المجرد. أما في المعارك فكان بطلا جسورا يقدم على العدو بكل قوة، لا يهاب الموت، "وقد اقسم احدهم أن رصاصة أصابت عقيد البدو "عودة" بمقتل، وكاد يكذب عينيه وهو يراه ما يزال طائرا فوق صهوة حصانه" ص123، إذن عودة ليس رجلا شهما وحسب بل أيضا مقاتلا شرسا باسلا، من هنا نجده في مقدمة الجيش المهاجم، بين رجاله. كثرة المعارك التي خاضها عودة جعلته بهذا الوصف "ـ يا وجوه الخير، لو كشفتم جسد عودة تشوفون العجين ما بي مغز بليا ضربة سيف أو طعنة خنجر، جسد يعرف الحروب ويخبرها، وعجبي من الموت قصر عني وما لحقني" ص150، هذه شهادة عودة عن نفسه، فهو رجل حرب ومعارك، رجل يعيش الشدائد والصعاب، إن كانت في الحياة العادية الطبيعية آم في الحرب واحتماء وطيس المعارك.
ويقول عنه القائد الحلبي : "ـ دلني .. مين حارب عودة وكسب" ص196، اعتقد بان الكاتبة استطاعت أن تعطينا صورة واضحة عن عودة، وكيف كان قائدا في المعارك، وأيضا تحليه بالحكمة وسعة الأفق والفكر، فهو ليس رجل حرب وضرب وحسب، بل أيضا مفكر ويمكننا الاستفادة من فكره وأقواله، وكما هو الحال بفعله وبسالته.
لورنس هذه الرجل كان يخدم أولا وأخيرا مصلحة الانجليز، فهو ينفذ المخطط الانجليزي، وما عرف عنه بأنه كان متخصص في نسف السكك الحديدية، ومن يقرأ كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" يجد بأنه كان هناك مخطط انجليزي لتخريب سكة الحديد الرابطة بين شمال وجنوب المنطقة العربي، ليس لتعطيل وأعاقت التحرك التركي بقدر عدم استفادة العرب منه لاحقا، فالانجليز كانوا يعلمون بان ربط الطرق في المشرق العربي بسكك حديدية سيقوي التواصل والتعاون فيما بين العرب، من هنا كانت عمليات نسف الخطوط الحديدية يعتبر احد أهم الأهداف من تواجد لورنس في الجيش العربي، "ـ هذا أمرها سهل غد يقوطر "زعل" ومعه "اورنس" لوادي الضليل يلعبون بخط الشمندوفر ويكسرون القضبان ويردون" ص125، ومن خلال هذا الاقتباس يتبين لنا دور لورنس في تخريب السكك الحديدية، وتعطيلها، وهناك احد الكاتب الذين تحدثوا عن الثورة العربية يقول بان المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية عندما أرادتا تصليح خط الحديدي الحجازي وجدتا بأنه سيكلف ملاين الدولارات، وهذا يشير أن عملية تعطيل الخط كانت ممنهجة وتعمل على إنهائه بشكل كامل. كما نجد لورنس يمتعض من بعض الأعمال التي تكون خارج سيطرته، مثل حجم ونوعية المتطوعين في الجيش العربي، "فإذا ما ضاق "لورنس" بهذه التظاهرة ملحا على اختصار المتطوعين إلى أدنى حد ممكن، لم يجد أذنا صاغية خاصة أن اقتراحه هذا كفيل بإحداث ردود أفعال لا مبرر لها" ص185، الرجل لا يريد مصلحة عربية، فهو يجد في الأعداد المتزايدة للثوار عبئا إضافيا على الانجليز، كما يمكن إن يكونوا هؤلاء في المستقبل، أصحاب خبرة عسكرية يمكن إن تضرب الانجليز بعد إن ينكشف مخططهم في المنطقة. الصور الفنية الرواية تحوي العديد من الصور الفنية، وقد امتزج الصورة بالأسطورة، مما أعطاها دلالة مزدوجة، فمولد "مزنة" كان بهذا الوصف، "صاحت رملة بالشهقة الأخير، فرمى الرحم بجناه، وسمعت المرأتان صرخة الحياة أولا، ثم شق البرق صدر الفضاء وزمجر الرعد .. وانهمر المطر" ص37، الصورة تحمل عملية الصراع بين حياتين، لام ووليدتها، من هنا كان رمي الرحم للمولود، وكأنه ليس له علاقة بما يخرج منه، كما واكب عملية الولادة من مظاهر طبيعية، البرق والرعد وانهمار المطر، كل هذا يشير إلى وجود فكرة أسطورية "البعل" الكنعانية التي تتحدث عن نزول المطر والخير بعد عودة "البعل" من الموت، فهنا كان التشابه بين مولد "مزنة" واحتفاء الطبيعة بهذه الولادة من خلال البرق والرعد ونزول المطر. تعود الكاتبة إلى استخدم النص الأسطوري عندما تحدثت عن موت "عناد"ابن "عودة" فكان هناك تماثل بما جاء في ملحمة "البعل" "ذوت أصائل الخيل، جفت الضروع، أكل الناس الشعير إذا وجدوه، جربوا حتى سحالي الأرض وحياتها، حتى هذه نفقت تحت صهد القيظ، سلطت الأرض عقابها على من يرفعون السيف، صارت الصحراء الممتدة امتدادا للصحراء الاهبة في النفوس" ص62، هذا التصوير جاءت به الملاحم والأساطير الكنعانية، فعندما يغيب اله الخصب "بعل/ تموز"أو ربة الخصب "عشتار/ أنانا" يحل القحط ويموت الزرع، ولا تعود تألف البقرة عجلها، ما يلفت النظر ربط مسألة الحياة والموت في الفكر الهلالي، بظواهر الطبيعية، وهذا الأمر يعد تعظيما لعملية الحياة والموت، من هنا جاء استخدام الكاتبة لهذا الربط ليؤكد أهمية هذا الحدث ـ حياة / موت ـ وأيضا تذكير المتلقي بتلك الملاحم والأساطير التي خلفاء أجدادنا. وكانت كلمات "عقاب" عندما نظر للقمر وهو في حالة تأمل تحمل الكثير من الجمالية التي تتوازى مع روعة السماء الصافية ووجود القمر في سماء الصحراء الفسيحة الساكنة والهادئة ليلا، " دثري أيها الكون وامنحني يا قمري الفضي جلدك على الذهاب والغياب والإياب، امنحني قدرتك على اقتناص شعاع الشمس وتحويله إلى حلم ساحر عذب ينير الليالي، امنحني بهاءك، وهاك قلبي ازرعه بنورك، وزعه على الأرض كما ينير الحب، واسقه بفضتك كما يمنح النهر الحياة للزرع" ص173، وهنا أيضا نجد الربط بين الإنسان والطبيعة، فكلمات عقاب تحمل شيئا من فكرة اله القمر، ونجد تأثير الإنسان بالطبيعة، وكأن المشهد السابق يحاكي فكرة الإنسان ـ قديما ـ عن القمر والسماء، ونجد "عقاب" قد أخذت رؤيته صورة إله ـ سن / القمر ـ الذي يمح الضياء والحب والخير على الأرض، وهذه الفكرة أيضا جاءت بها الملاحم والأساطير الكنعانية. إذن هناك حضور للفكر الملحمي والأسطوري في النص، وهذا يجعله يبحر بنا أكثر نحو فضاء الأساطير الرحب. الترميز الخيل لها مكانتها في الفكر العربي، وما جاء به القرآن الكريم من آيات تتحدث عن الخيل يؤكد أهميتها، كما نجد العديد من الفنانين جعلوها رمزا للثورة وللحرية، واعتقد بان رواية "زمن الخيول البيضاء" لإبراهيم نصر الله، الذي جعل من "الحمامة" رمزا للثورة وللجمال في آنا واحد، جاء على خلفية مفهوم الخيل في الفكر العربي، إن كان ذلك بوعي ودراية، آم من خلالي ألا وعي وفي العقل الباطن للكاتب. "سميحة خريس" تؤكد هذا الأمر، وتقدمنا من فكرة الخيل ورمزيتها للحرية والثورة من خلال حديثها عن "الكحيلة" وكما تحدثنا في سابقا، كان مولدها يحمل بعدا اسطوريا، عند ما حالوا ترويضها فعلت العجائب. وكان الكلام المجاز على لسان مدينة البتراء يحمل الرمز بكل تجرد، "رجوتكم، إلى أن يكون رجل يضرب الأرض بسيفه فينشق بحرا، يرفع الماء من عيون الأرض إلى مدينتنا العطشى، فتجيب عيون النساء، أما من رجل يضرب الأرض فتخرج ماء؟ أكون له حبيبة وحليلة... امنحه نور وجهي وشوق جسدي، أسبغ عليه محبتي، أما من رجل؟ أما من رجل؟" ص70، فهنا دعوة للثورة وضرب الأعداء بقوة، فالبتراء هنا ليست تلك المدينة التاريخية وحسب بل هي كل الوطن وكل النساء اللواتي يطمحن للحرية والتحرر.
مواكبة الطبيعة لإنسان الكاتب جعلت مظاهر الطبيعة تتماثل مع مشاعر الإنسان، وكأن الطبيعة تفرح لفرحه وتغضب لغضبه، فبعد مقتل "عناد" كانت الصحراء على هذه الشاكلة، "وصارت الصحراء الممتدة امتداد للصحراء الاهبة في النفوس" ص62، فهنا كانت الصحراء انعكاس لما في النفوس من حمية وغضب. وإذا أضفنا إليها مولد "مزنة" وما حدث من مظاهر طبيعية نجد التوازن بين الإنسان والطبيعة. الرجل والمرأة كانت علاقة "عقاب ومزنة" تعد علاقة فوق الطبيعية، فكان العشق متبادل بين الاثنين، ولا يستطيع احدهما الابتعاد عن الآخر، فيقول "عقاب" عن مشاعره أثناء العودة إلى "مزنة" : "تفهمني الكحيلة وهي تقودني وتعلم أن عودتي كانت لرؤية وجه الحبيبة ليس غير، أهفو إلى لقاء "مزنة" والمحاربين حولي يشتاقون لأنثى، واشتاقها بصورة مغايرة، وإذ يحيطني زندها واشتم حرير صدرها، أتماهى معها، الجسدان يصيران واحدا ثم ينفكان بحكم الحياة وكل ما هو خارج عن الحياة، أما الأرواح فلا يصيبها الملل من هذا العناق الأزلي الأبدي، لا فكاك" ص206، بهذه المشاعر يصف لنا "عقاب" علاقته بزوجته، فهي تتفوق على العلاقات الرجل العادي بالمرأة العادية، وهنا كان الشوق ثنائي الدوافع، دافع روحي يتعلق بالعاطفة، وآخر جسدي يتعلق بالشهوة، وهذا الطرح يعد واقعيا وأيضا روحيا، فهو يلبي حاجة الإنسان من عاطفة الحب والجنس معا. القرآن الكريم هناك العديد من الاقتباسات من القرآن الكريم في النص، وهذا يعد تخصيبا تجميلا لرواية، "لم/ يتبين الخيط الأبيض من الأسود" ص59، "تذروها الريح" ص60، "سكارى وما هم بسكارى" ص122، "قد جعل ربك تحتك سريا" ص290، هناك اقتباسات أخرى عديدة، لكن هذه النماذج تكفي لإشارة إلى تضمين الرواية آيات أو أجزاء من آيات قرآنية. رائد الحواري
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية -وقع الأحذية الخشنة- واسيني الأعرج
-
رواية -حوض الموت- سليمان القوابعة
-
رواية -العودة من الشمال- فؤاد قسوس
-
رواية -وجه الزمان- طاهر العدوان
-
رواية -الجذور- حليمة جوهر
-
الانتقائية
-
-مدن وغريب واحد- علي حسين خلف
-
-الصهيل- علي حسين خلف
-
-الغربال- علي حسين خلف
-
-مرسوم لاصدار هوية- محمد عبد الله البيتاوي
-
-طيور المحبة- يحيى رباح
-
الحوار والإثارة
-
-سامي لبيب- وخداع القارئ
-
فكرة
-
فكر القبيلة هو الأساس
-
رواية -الأنفس الميتة- نيقولاي غوغول
-
-المسكوبية- اسامة العيسة
-
هجوم غير عقلاني على مؤسسة ابن رشد
-
-ذات مساء في المدينة- مجمد خليل
-
مجموعة -الخيمة المحاصرة- إبراهيم العلم
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|