|
عن الكتابة والملامح الإنسانية في المجموعة القصصية - الحذاء الذي لم يتسن لي أن أنتعله - للأستاذ احماد بوتالوحت
نقوس المهدي
الحوار المتمدن-العدد: 4658 - 2014 / 12 / 10 - 02:15
المحور:
الادب والفن
عن الكتابة والملامح الإنسانية في المجموعة القصصية " الحذاء الذي لم يتسن لي أن أنتعله " للأستاذ احماد بوتالوحت
تقديم
" ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما إلا بالدم". الحسين بن منصور الحلاج
يحار المرء من أين يبتدئ الكلام عند الجلوس إلى صديق يمحضه التقدير و المودة و الإحترام ، و تزداد الحيرة أكثر حينما تضعه الصدفة إزاء الحديث عن كتاباته وانجازاته ، و الانفلات من سلطة و هالة الصداقة و ما بينهما ، موقف أشبه بالجلوس على كرسي الاعتراف تحضر فيه سمات الحميمية و الانبهار ، ذلك " إن الكلام عن الكلام صعب " كما يقول أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء أبو حيان التوحيدي ، لأنه المنتهى و المبتدأ، و البداية دون النهاية هو ، هكذا أحسستني عاجزا بحضرة البياض ، و أنا ألملم أطراف الكلم قصد تقديم العمل القصصي الأول الموسوم بـــ " الحذاء الذي لم يتسن لي أن أنتعله " للقاص المبدع احماد بوتالوحت ، محاذرا قدر الاستطاعة أن أكون محايدا كي لا أقحم فضولي القرائي بين السطور ، أو أسقط رأيي على نصوصه الإبداعية ، مؤثرا النظر إلى ارتسامات الفرح في العيون ، وأثر لذة القراءة على الوجوه العزيزة ، تاركا للقارئ من غير وعظ ، فرصة الاكتشاف بنفسه لهذه العوالم البكر المتلفعة بأسرارها الخفية و خيالاتها السحرية ، و شخوصها الطاعنين في البساطة و العفوية و التلقائية و التحدي ، و لهذا القلم الجميل القادم بكثير من الحزم و نكران الذات وبلا استقواء و خيلاء من حقول العلوم الحقة إلى باحة الآداب الفسيحة و براريها المترامية الأطراف و أفضيتها الرحبة . و ما سأقوله تحبيرا بمداد العرفان هنا والآن عن احماد بوتالوحت الإنسان العاشق للجمال ، المثالي الودود المتواضع العصامي البسيط البشوش المحب للناس ، نموذج المثقف المتعدد في الفضاء الواحد ، لا يمثل سوى غيض من فيض مما أكون عنه من رؤى صادقة ، و أكن له من احترام و تقدير أخوي صرف ، منذ أن تعرفت إليه من سنين التلمذة ، و أستاذا لمادة الرياضيات لم تغره مشاغل الدنيا عن الشغف بالقراءة و البحث الدؤوب عن المعرفة ، ثم اكتشفت بعد ذلك و بحكم العلاقة الرفاقية بيننا أنه يكتب القصة القصيرة ، كما أستنير بحكامة رأيه في بعض ما اكتب ، فلا يبخل علي بتوجيهاته الرصينة . أما القول عن احماد بوتالوحت الأديب و منجزه الإبداعي ، فلا يحتاج لمقدمات فهي البوح و الشرح و الانشراح و الانفتاح و الوضوح و الإشراق والوجد ، والوجود ، و الذيل ، و التكملة هي . و هي تطريز بالكلمات ، و تستمد بلاغة لسانها من فصاحة اللغة ، و إزميل انزياحها الذي لا يني حفرا في الذاكرة الجمعية ، مستعينا بفطرة الحدس ، و أطياف الخيال و وشوم الذاكرة ، و التعبير الصادق و الأمين في قالب إنساني خالص مشحون بالأحاسيس الجياشة والعواطف النبيلة ، التي تبعث في روح المتلقي الأمل والحيوية و المتعة والفضول لمعرفة مصير شخوص عاديين تماما ، ذوي مرجعيات اجتماعية واقتصادية ونفسية ومصائر مشتركة ، في الغالب أرهاط بسطاء عاديين يعيشون بيننا ، يكبرون رغم أنفهم ، يكابرون رغم جسامة العبء والإكراهات المعيشية التي تجابههم ، يصارعون من اجل البقاء بالرغم من ضيق فسحة الأمل ، ماسح الأحذية ، و المعتقل السياسي ، و الفدائي ، والجندي ، و النباش في المزابل ، و البحار ، والمسؤول الفاسد ، والمتسول ، والمومس ، والحالم ، والمقهور ، والمغبون ، والمحبط ، والطفل المحروم من مسرات الصبا ، و الفتاة المتوجسة من خبيئة الدهر ، مخلوقات آدمية من لحم ودم لا تعد ولا تحصى ، تراوغ قدرها ، تتحرك بيننا ، تناوشنا ، تشاكسنا ، تشاركنا فعل المحو و الكتابة ، و خلق الحدث ، أناس عركتهم الحياة ، و همشتهم ، وخذلتهم ، و بهدلتهم ، وقست عليهم ، ومرغتهم في أدران قاعها ، و ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت ، حتى لنكاد نشعر بنوع من الألفة معهم ، و بشيء من الحميمية تجاههم ، و بكثير من الشفقة عليهم ، نقترب منهم ، و نذود عنهم ، ونلتحم بهم ، و نحميهم من غوائل وغدر الزمان الغشوم الكنود ، دون أن نجابه بأية فوائض نظرية ، و لا ادعاءات ومزايدات متكبرة . إنها محاولة ضمنية للبلوغ بتلك الشخوص إلى سدرة المنتهى في عالم عشوائي موبوء ناقص لا يقيم وزنا للمواطن ، ذلك أن ما لا نستطيع تحقيقه قي الواقع نحققه بفضيلة الكتابة ، منتصرين بحماس غامض لا تفسير له على ما يدور بنا من فظاعات الواقع ، و فداحة الفراغ ، مستعينين بالكلامِ المباح على الخرس البليغ ، لأن السياسة بكل ترسانة براغماتيتها وخداعها ودسائسها لم تستطع تحقيق مثلها العليا فينا ، بعكس الأدب الذي استطاع بكل عفويته و عنفوانه ونقاء سريرته زرع قيم التسامح والمبادئ الإنسانية بين بني الإنسان ، وانتشالنا من مرارة الواقع الأليم . في غمرة هذا الاحتفاء بهذا القلم ، لا أنسى الحديث بملء الأشداق عن ما تختزنه منطقتنا من أقلام وخبرات خلاقة هي بمثابة الذهب الإبريز إن صح القول ، وبما أنه لا كرامة لنبي في قومه ، فقد تخسف بالبعض الذاكرة ، و يتمادون في النيتشوية وعبثية شقاء الوعي وصلابة الرأس ، منكرين على هذا البلد الغارق في عزلاته المريرة و القاسية هذه الأفضال العميمة التي لا تحتاج لنار كي تنهض من رمادها ، ولا لشمس منتصف الليل لتبيان رفعة قدرها ، وأهمية رسالتها ، و كان لابد من التفكير في إصدار هذه السلسلة الفكرية والأدبية بفائض من العزم و الإصرار والتآزر الأخوي الذي لا تخبو حرارته ، قصد مد جسور حراك ثقافي بين مختلف الأجيال والحساسيات الفكرية ، وهي مغامرة لا تخلو من سرنمة محببة ، ولا تخلو من أحلام طالما راودتنا أضغاثها الجميلة المتوردة ، وناوشنا طيفها المخملي الناعم لأجل خلق حراك ثقافي واعد ، ومراوغة الفراغ السديمي بعيدا عن كل وصاية أو دعاية من أو لأية جهة ، لا التمجد غايتنا ولا المكوث في الظل بغيتنا ، متكلين على تمويلنا الذاتي ، معتمدين على مجهوداتنا الشخصية الذي لا تخلو من نضالية ، و لا تنتقص إلى تضحية و إيثار وصفاء سريرة ، معولين على رحابة صدور القراء الذين يمنحون هذه المبادرة الحياة والحيوية والاستمرارية ، فالجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب في كتاب الحيوان يورد أنه " ينبغي لمن كتب كتاباً ألاّ يكتبه إلا على أن الناس كلهم له أعداء " . لا يخص الجاحظ بكلامه أعداء معينين أو تقليديين ، و إنما يعني في الصميم القارئ الفعلي الحقيقي الأصيل المفتون بمسرات القراءة اللاتقاوم ، وهو تحت سطوة سحر البيان أو " لذة النص " بتعبير رولان بارث ، و ينصح النقاد من استخدام كلمة قارئ بحذر شديد ، بعد ظهور نظريات نقدية حديثة حول نظرية القراءة والتلقي ، و تصنيفها للقراء إلى فئات متعددة و متباينة ، وتلك حقيقة نستشعرها في هذا الزمن الموحش بسبب شحّ عملية القراءة، وتدني كعب المعرفة ، و أضحت فيه صنعة الكتابة و شؤون الثقافة و الفنون بشكل عام بعضا من إيحاء " شبع الكرش " للرأس ، لأن الكتابة في حد ذاتها تجديد وخلق و تمجيد وعشق وتحقيق الوجود للكائن . ويكفينا قول الكاتب والروائي الايطالي الكبير إيتالو كالفينو في روايته الشائقة " لو أن مسافرا في ليلة شتاء" : ( الشيء المهم للقارئ ولي هو الاستمتاع بقراءة كتابي ، بصرف النظر عن الجهد الذي وضعته فيه ) . (قل كلمتك وامش) هكذا يقول فيلسوف الفريكة أمين الريحاني . واترك للتاريخ مهمة التكلف بتدبير عواقب الأمور و هذا آخر القول و ما بعده كلام ...
المهدي نقوس اليوسفية بتاريخ 30 – 11 - 2014
#نقوس_المهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سهرة مع الثعابين
-
تجليات الخطاب الصوفي في رواية قرية ابن السيد للروائي المغربي
...
-
الحمرية - أقصوصة
-
ظاهرة التشرميل بالمغرب
-
الأدب المهجري تاريخه خصوصياته ومظاهره
-
-ذكريات سرمدية- للشاعر عبد اللطيف بحيري قراءة في العتبات
-
هل هي بداية خريف الحركات الاسلاموية في العالم العربي
-
ترجمان الأرباض الهامشية - تأملات في تجربة ذ. علي أفيلال
-
ترجمان الأرباض الهامشية - تأملات في تجربة ذ. علي أفيلال
-
-وشوشات مبعثرة- ليلى مهيدرة - قراءة في الانساق
-
ترنيمة لمفاتنها
-
حقوق الإنسان باليوسفية.. الواقع والآفاق
-
أعض على أناملي ثملا بالفجيعة
-
قراءة في رواية الطريق الى الملح للمبدع عبد الكريم العامري
-
أكبادنا عشب هذا الربيع.. وقصص أخرى
-
مخامرات عباس الرابع
-
أوطان آيلة للسقوط
-
التوك توك - أقصوصة
-
فتية على الحافة.. ونصوص اخرى
-
شهادة من مظاهرات 20مارس - 4 -
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|