ياسين لمقدم
الحوار المتمدن-العدد: 4658 - 2014 / 12 / 10 - 01:56
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
في صباح الغد حمل مستشارٌ إلى أعضاء مجلس الحكامة خبر عزم الحاكم على الخروج للتعزية من باكرة غده. فاضطربوا وتتشتتوا بين واجم متكدِّر وقاعٍ على الأرض مغمض عينيه بيده. فما استعدوا به من بهرجة وتزويق ذهب أدراج الرياح، وما بقي غير شعب منذهل أمام الخراب ممعن في النواح.
أختلف أعضاء مجلس الحكامة فيما بينهم، فمنهم من يدعو بالتسليم إلى الأمر الواقع، والإسراع بإخبار الحاكم لعله يرجئ الزيارة أو يلغيها إذا تفهَّم هول الوقائع. وآخرون رأوا الحل في الإسراع بترميم أماكن العزاء، بينما يتمُّ التستر عَنْ باقي الخراب بغرس الأشجار التي تناطح السماء. فإذا مر موكب الحاكم بينها لن تُظهِر له كثافتها ما تخفيه وراءها من أوطان الشقاء.
همهمت الشفاه رافضة لهذه الحلول، واختلفت الاقتراحات وتصادمت الآراء، ولكنها كلها كانت إلى أفول. وشعر أعضاء مجلس الحكم أنهم سائرون إلى الشقاء، وقد تحولت دنياهم السعيدة إلى مجرد هباء. فانتحب فريق منهم وسقط آخرون في دوامة الإغماء. وتحدث بعضهم في هستيرية عما ينتظرهم من أهوال في منافي الصحراء. بل وأسرَّ أشدهم حكمة عن هروبهم خلسة في حالك الظلماء.
بينما الجميع في مجلس الحكم يتخبطون في أمورهم، خرج إليهم الحاكم الذي كان يتوارى وراء الستائر العظيمة، بعد أن رآهم قد استنفذوا كل الحلول العقيمة. صُعق الجميع ووقفوا إجلالا للزائر الكبير، فأمرهم بالجلوس في أماكنهم الفخيمة.
أخبر الحاكم أعضاء مجلس الحكم بمقدرته على التخفي، وأطنب في الحديث عن تسللاته. وأمر بأن ينصرف عدد منهم إلى حال سبيله، وأبقى فقط على زمرة الثقاة من وُلاَّته. وأخبرهم على أنه خارج في الغد للتعزية، بالرغم مما اصابت العواصف في البلاد من تعرية.
وتواطؤً وحتى تبدو الأمور في طبيعتها، أسرَّ لهم الحاكم بخطة مجنونة. إذ أمرهم بإيقاد نيران عظيمة على نقط متقاربة في طريق رحلته الميمونة. وتبخير المياه في قدور كبيرة، وبذلك سيتشكل الضباب الذي سيطغى على شبر من البلاد، فلا ترى فخامته بؤس العباد.
#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟