|
لئلا يرقص البيض مع الحجارة
محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 4658 - 2014 / 12 / 10 - 01:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فى عالم النخبة، هناك نمط تكمن أهميته من كونه صورة صادقة لعصره وأمته وقضايا وطنه، فيكون بطلاً فى عصر، وثائراً فى عصر ثان، ومثقف عضوى يرتبط بنبض الوطن وجماهيره فى عصر ثالث، وقد يكون كاتباً أو عالماً أو مفكراً أو قديساً فى عصر آخر. لكن ماهو النمط أو النوع أو النموذج السائد فى عصرنا هذا؟ إنه "اللامنتمى" كما كتب الإنجليزى "كولن ولسون" فى كتابه الذى كان صيحة وعلامة كبرى فى ستينيات القرن العشرين. ولقد ناقش ولسون أعمال وإبداعات كبار الكتاب فى القرنين التاسع عشر والعشرين ليدلل على صدق مقولاته، لكنه توفى العام الماضى ولم تمهله اللحظة ليكتب لنا توصيفه عن رجالات عصرنا هذا ولحظتنا المارقة تلك. وربما كان ذلك رفقاً من الأقدار بنا حتى لاتزداد صدمتنا بما نراه ونعايشه مع نخبة فارقت العصر وقضاياه وغادرت التاريخ بحراكه ومكره ومبتغاه، وقدت أفكارها من قسوة ولوع وحجارة. فى بداية القرن الحادى والعشرين كتبت لك عدداً من المقالات عن عالمنا هذا الذى بدأ غاضباً ومغاضباً بأفكار "هنتنجتون" عن صدام الحضارات، وحرب كوسوفو وإجتياح القوات الأمريكية للبلقان بحجة التدخل الإنسانى لصالح الشعوب المقهورة بينما كان ذلك إيذاناً بالإطاحة بالقانون الدولى وإسقاط مفاهيم سيادة الدول على أراضيها والتأسيس للتدويل المضطرد للعالم، وكان ذلك الإدعاء فى حقيقته محاولة لتطويق الإتحاد السوفيتى والإقتراب من حدوده وتخومه ومجالات تأثيره، وتلا ذلك أحداث 11 سبتمبر واجتياح أفغانستان ثم الحرب على العراق لإعادة ترسيم خرائط المنطقة بما يحقق المصالح الأمريكية والإسرائيلية وبما يقدم العالم الثالث بنفطه وثرواته وحدوده وشعوبه وجبة شهية لغول العولمة الظالمة. تواكب مع ذلك وربما سبقه مقولات فرانسيس فوكوياما عن "نهاية التاريخ والإنسان الجديد" الذى بشر به بعد تفكك الإتحاد السوفيتى بإعتباره إنتصاراً مطلقاً للرأسمالية وإنكساراً حد السقوط للإشتراكية، وأختلفت معه حينها وناقشت مقولاته غرض تصحيحها بأنها ليست نهاية التاريخ بل نهاية السياسة بانتفاء جدلية اليمين واليسار، وجاءت مقالاتى فى الأهرام عن "عالم مابعد السياسة" و" عالم مريض بظواهره وإبداعه" عالم اللايقين الذى بشرت فيه بأن الصراع لايزال قائماً ولم تحسم معركة الرأسمالية بعد، وصدقت مقولاتى بذوبان الحدود الفاصلة مابين اليمين واليسار، وتجلى ذلك بتولى حكومات ذات توجهات راديكالية ويسارية فى فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمغرب وغيرها، وجاءت إعترافات فوكوياما بخطأ مقولاته ورهانه فى مقال شهير ب "النيوزويك" أغسطس 2008 بعد أزمة الرأسمالية الحادة وانكشاف أفقها بإفلاس "ليمان براذرز" وفضائح "هالى برتون" و"إنرون" فى الولايات المتحدة وإضطرار البنك الفدرالى باتخاذ إجراءات تنظيمية تتيح تدخل الدولة فى الإقتصاد، وتبعه معظم البنوك المركزية فى أوروبا، بما أشار إلى أن التوجهات الإشتراكية لاتزال جزءاً من عالم لم تنتصر فيه الرأسمالية بشكل مطلق، وتبعت ذلك بمقالات عن "عالم الماك ورلد" وسياسات الكازينو التى تهدد العالم بالإفلاس والإقتصاد الإفتراضى الذى تؤسس له وتدفع به الولايات المتحدة وأوروبا. وأمام كل هذا وقفت نخبتنا حائرة مترددة وسمحت للطابور الخامس بتقدم الصفوف. وجاء مقالى "مشهد مأزوم وإنتلجنسيا حائرة" فى الأهرام 2004 متحدثاً عن غياب النخبة المصرية وحيرتها أمام أزمة العمل الوطنى، والتى أحسب أن تفاعلاتها لاتزال حاكمة لحيرة النخبة وترددها وغيابها حتى اليوم، والتى سمحت بتنامى الخلافات الغير موضوعية وتسيد منطق الشقاق على محيطنا العام والعمل السياسى واستحقاقات الانتخابات النيابية، وتسيد مواقف اللامنتمين لقضايا الوطن اللاهثين وراء مكاسب شخصية وحزبية ضيقة. ونظرة خاطفة على حياتنا السياسية تنبؤك بما آلت إليه أحوالنا السياسية التى هى مريضة ومؤلمة، ولا أستثنى منها حكومة أو معارضة أو مجتمع مدنى ونخبة سياسية وثقافية وإعلامية. سيادة مفاهيم اللامنتمى على حياتنا السياسية ظاهرة خطيرة لاتهدد حاضراً يسعى للإنجاز والتقدم وإنما تضرب أيضاً بشارات للمستقبل ينبغى صناعة عناصرها وتمكين أواصرها بتضافر جهد الجميع، ولا يصح أن نترك الشعب العظيم يتمترس خلف قيادته رغم مايقع عليه من أعباء ومايقدمه من تضحيات وحده ونسمح لطابور خامس لامنتمى يشكك فى مساراتنا ويقلل من جهودنا ويسخر من طموحاتنا ويحاول اغتيال مشروعنا. واهم من ينكر أننا فى حالة حرب على كل الجبهات، حرب الإرهاب فى الداخل ودعمه المفضوح من الخارج، تهديدات وتحديات على حدودنا الشرقية والغربية والجنوبية وعلى سواحلنا ومنافذنا البحرية، وترصد عامد لإجهاض محاولتنا للنهوض، وانظر لما قامت به المملكة البريطانية من تعليق العمل بسفارتها فى جاردن سيتى بدواعى تهديدات أمنية، وتبعتها كندا وبلجيكا وتهديدات استراليا وحتى بنجلاديش. أليس فى التوقيت مايدفع للشك والريبة، ونحن على مشارف المؤتمر الإقتصادى المهم فى مارس، والانتخابات النيابية، وموسم السياحة الشتوية وأعياد الكريسماس التى تتدفق فيها السياحة التى تحركت بعد زيارة السيسى لإيطاليا وفرنسا وقبلها روسيا. إنه عمل يترصد مشروعنا الوطنى للنهوض والتقدم وورقة ضغط خشنة تمارسها بريطانيا وكندا واستراليا المعروف بتبعية سياساتها للتحكمات الأمريكية والتى تسعى فى أكثر من مناسبة للنجاح فيما رسبت فيه الإدارة الأمريكية بالضغط لصالح جماعة الإخوان الإرهابية من أجل دمجها فى الحياة السياسية والسماح لها بدخول كوادرها للإنتخابات النيابية وهاهى تحاول ضرب السياحة وإفشال الإقتصاد بدعاوى خطورة الأوضاع فى مصر. ولاتنسوا تعيين ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا لحفيد حسن البنا "طارق رمضان" مستشاراً لحكومته الأسبوع الماضى، وبما يؤكد أنهم يستخدمون الجماعات الإرهابية شوكة فى خاصرة مصر والمنطقة العربية. من هنا يتوجب على النخبة قدر من اليقظة، وعلى شبابنا الغاضب عن حق وبعضه عن باطل أن يدرك أن فى الحرب يحتاجهم الوطن أكثر من أى وقت، وعلى الإدارة المصرية أن تفكك عناصر الرفض والغضب التى تدفع الشباب الوطنى للتماهى بمواقفه مع أعداء الوطن واللامنتمين، وعلينا أن نراجع بسرعة قانون التظاهر والنظر فى مظلومية المحكومين من الشباب فى السجون، وحتى نقطع الطريق على الطابور الخامس من استغلال الموقف وإغواء الشباب بالرقص على طبولهم والتلاعب بأفكارهم. هذا لئلا يرقص البيض مع الحجارة، ينكسر البيض وتبقى الحجارة.
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكومة محلب والعقل المؤسسى المفقود
-
المسئولية الوطنية للجامعة من محمد عبداللاه إلى خالد الطوخى
-
بيت الأسماك فى التراث والإرهاب والسياسة
-
الأزهر ينعى ويشجب ويغط فى سبات عميق
-
سياسات الجرى فى الشوارع والأفق البليد
-
هانى سرى الدين ومصطفى الفقى وجيل الوسط
-
وليام روجرز والثعلب فى مصيدة جمال عبدالناصر
-
داعش: حصان طروادة الأمريكى الجديد
-
أخبار اليوم.. من المؤسسة إلى فضاء الدولة
-
أرامل المخططات الأمريكية والأمن القومى
-
مصر فى إطار رؤية استراتيجية: من رد الفعل إلى تخطيط المبادرة
-
أبو العز الحريرى: عندما يكون النضال ديناً للوطن
-
الخارجية المصرية وفضيحة فيرجسون الأمريكية
-
محمود درويش... كزهر اللوز أو أبعد
-
حمدى قنديل والرؤية من -خرم إبرة-
-
إبراهيم عيسى يؤذن فى المغرب لا فى مالطا
-
الأمريكان يحاولون الفهم فى كازابلانكا
-
عندما صفق الأمريكان لمصر والسيسى فى كازابلانكا 1/2
-
إنها الجمهورية الرابعة ياطارق
-
إعادة إعتبار المحكمة الدستورية
المزيد.....
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|