سرمد السرمدي
الحوار المتمدن-العدد: 4657 - 2014 / 12 / 9 - 02:20
المحور:
الادب والفن
لاحظ سانفورد ميسنر مشكلتين رئيسيتين عند الممثل المسرحي الأولى هي استغراقه بذاته أثناء التمثيل والثانية هي عدم إصغاءه للممثل الآخر, لأن اعتماد الممثل في عمله على استدعاء ذاكرة (الانفعالية أو العاطفية) الشخصية التي يؤكد عليها أهم منظري فن التمثيل كل من الروسي ستانسلافسكي ومن بعده الأميركي لي ستراسبرغ لن يصل إلى نتيجة., وفكر بطريقة لحل المشكلتين فأقترح تقنية تتكون من تمرينات أطلق عليها اسم التكرار والإصغاء تبدأ باتخاذ الممثل كلمة تدل على حقيقة ماثلة أمامه مثلا يلاحظ أن زميله الممثل يرتدي قميصا ازرق اللون فيقول له انك ترتدي قميصا ازرق اللون فيرد عليه الممثل الآخر بأنه يرتدي قميصا ازرق وهذا يعني أن هذه الحقيقة الماثلة حاليا بين الممثلين لا تتطلب قدرا كبيرا من التفكير فيها ككلمة بحد ذاتها لأنها تدل على شيء موجود أمام الاثنين معا وهما معا يقران بوجودها ولا ينكرانها ولا يتطلب الأمر منهم التفكير في كونها حقيقة أم لا. , من خلال هذا التمرين البسيط يجبر وعي الممثلين على وقف استغراقهم في التفكير بالكلمة ذاتها لأنها حقيقة ماثلة لا تتحمل الشك, ويبدأ الممثل بالانتباه إلى الكيفية التي يقول بها زميله الممثل تلك الكلمة, والكيفية التي ينقل له بها تلك الكلمة وكل ما يتبعها من استثماره لصوته وجسده. , وبهذا التمرين البسيط. , يكون التواصل بين الممثلين على صعيد الفعل وليس على صعيد النص.
أدرك ميسنر مشكلة الممثل في أنه إن لم يكن يستطيع الإصغاء إلى الممثل الآخر لن يستطيع التمثيل, لأن الحياة تحدث في هذه اللحظة التي يبدأ فيها التواصل بين الممثلين وان كان الممثل يفكر في البعد الاجتماعي لشخصيته أثناء تمثيله كأن يفكر في ماضي الشخصية التي يمثلها أو مستقبلها فلن يكون وعيه حاضرا ليعيشها أثناء التمثيل فلا يستطيع الممثل أن يستمع ويستغرق في التفكير بنفس الوقت فحينما يحل التركيز فيما بين الممثلين بديلا عن التركيز في ذاتهم كل على انفراد يبدأ الفعل بالتدفق بشكل أوتوماتيكي لأن كل ما هو حقيقي موجود الآن وفي هذه اللحظة فقط. , لحظة التمثيل في المسرحية.
أن تقنية ميسنر لأعداد الممثل تبث الحياة في الأداء التمثيلي, من خلال تمرين إطلاق الممثل لتصريح حول الممثل الآخر فيرد الآخر مؤكدا التصريح وفي حالة الاتفاق المسبق على التصريح يركز الممثلين على كيفية التصريح وليس التصريح بحد ذاته وهذا ما يحدث التواصل الحقيقي فيما بينهم بشكل أوتوماتيكي, فمن خلال القدرة على التواصل الحقيقي في وسط بيئة متخيلة بداية من شخصية الممثل ذاته وانتهاء بالشخصية المسرحية, فمثلا لو كان على الممثل أن يؤدي شخصية محام يترافع في قضية مهمة وسط المحكمة وتمثل هذه فرصة حياته المهنية فليس على الممثل إلا أن يربط بين شعوره في حياته وهو يتلقى فرصة مماثلة في مهنته كممثل أو أي مهنة أخرى يمارسها , وبين شعور الشخصية المسرحية.
أن ما تقدمه تقنية ميسنر من خلال التمرينات التي يقوم بها الممثل للأعداد للدور المسرحي, تراعي إن الممثل يبدع ذاته., لا ينتهي بالنتائج التي انتهى إليها إعداد وأداء الممثل المسرحي لدوره مع ستانسلافسكي أو مع أي نظرية تمثيل أخرى أن الممثل يعي وجود الجمهور ولا ينكره كما انه لا يقدم الشخصية بل يؤديها أمام هذا الجمهور وبهذا تكون تقنية ميسنر قد وضعت حلا لمشكلة تقمص الممثل للشخصية المسرحية من جهة وحلا لمشكلة عدم تقمص الشخصية من جهة أخرى , فمن خلال التمرين يكون الممثل واعيا للممثل الآخر والجمهور من على خشبة المسرح , أن نتيجة التمرينات تجعل الممثل قادرا على التركيز خارج ذاته, مما يعزز واقعية الفعل في المشهد المسرحي.
أن تمرينات الممثل في تقنية ميسنر تؤدي إلى تطوير القدرة على أداء الفعل المسرحي:
1. أن الممثل يؤدي دوره بواقعية, وذلك بالانتباه الكامل إلى ما يفعله وليس إلى ذاته, ومن خلال فعل مستند إلى رد فعل الممثل الآخر والبيئة المسرحية المتخيلة.
2. أن الشخصية المسرحية هي فعل الممثل بناء على البيئة المسرحية المتخيلة.
3. رد فعل الممثل ينتج أداء شخصية النص المسرحي.
4. الأداء التمثيلي ليس للجمهور ولا بدون الجمهور بل هو أمام أنظار الجمهور.
يحتل الفعل مكانة بارزة عند ميسنر, يعتبر ميسنر أن الفعل هو قلب عمل الممثل المسرحي. , ولأن مفهوم التمثيل عند ميسنر يتركز حول فعل الممثل المسرحي., فضلا عن ذلك أن معنى الفعل التمثيلي عند ميسنر هو أن يتواصل الممثل بشكل حقيقي في بيئة المسرحية المتخيلة من خلال التركيز على أفعال الممثلين. , وان وصول الممثل المسرحي إلى الفعل التمثيلي المطلوب لأداء الشخصية المسرحية, ولأن الإحساس بالحقيقة هو أساس عمل الممثل., فذلك يكون من خلال تمارين التكرار التي تقترحها تقنية ميسنر لأعداد الممثل المسرحي., لكن لا يجب أن يكون تركيز الممثل منصبا على كيفية أداءه الفعل المسرحي المطلوب أثناء تمثيله الشخصية المسرحية لأن مشاعر الشخصية تتدفق بشكل أوتوماتيكي كما يحدث أثناء تمارين التكرار التي تقترحها تقنية ميسنر. , مما يعزز الأداء.
حدد ميسنر كيف أن الفعل الداخلي يعتمد على رد الفعل من الممثل الآخر, كما رأى انه يجب على الممثل أن يعتمد على الفعل الداخلي كرد فعل على أداء الممثل الآخر ., حيث يستدل الممثل على العلاقة بين الفعل الداخلي والفعل الخارجي للشخصية المسرحية الممثلة من قبله, من خلال تمرين التكرار الذي تقترحه تقنية ميسنر لأعداد الممثل المسرحي فما يحصل حينما يقرأ الممثل فعل الممثل الآخر, يتطور فعله وأداءه يجب على الممثل, أن يكون مركزا انتباهه بشكل كامل إلى الممثل الآخر ويكون متأكدا من انه يتحدث ويستمع فعلا إليه لضمان التواصل الحقيقي.
أن دور الفعل المسرحي في إقامة تواصل حقيقي, يعتمد على مستوى أداء رد فعل الممثل للفعل التمثيلي القادم من الممثل الآخر., عندما يقوم الممثل بفعل فهو لا يدعي فعله يفعله بشكل حقيقي عندما يكون على الممثل أن يؤدي شخصية رجل يقع في الحب أثناء أداءه لدور مسرحي يتطلب ذلك يجب عليه أن يكون واقعا في الحب بتلك اللحظة بشكل حقيقي, مما يتطلب أن يكون الممثل مرتاحا مع نفسه و دور المؤلف المسرحي هو أن يعطي الممثل ما يقوله ودور الممثل هو أن يجعل هذا القول مليئا بالحياة فالشخصية المسرحية تكشف عن ذاتها من خلال الكيفية التي يؤدي الممثل المسرحي بها الفعل, مما يحقق التواصل بين الممثلين.
يعتمد ميسنر في تقنيته بشكل رئيسي على تمرين التكرار و الإصغاء, ابتكر ميسنر تمرين التكرار لاعتقاده بان الممثل إذا تحدث واستمع بشكل حقيقي إلى الممثل الآخر سيتم تفادي التناقض المستند على اختلاف مرجعية الممثلين الثقافية. , مما يطور قدرة الممثل على التواصل الحقيقي في وسط بيئة مسرحية متخيلة., وهذا هو جوهر التقنية.
يوضح ميسنر تمرين التكرار بقوله تقسم المجموعة إلى مجموعات صغيرة تتكون من اثنين من الممثلين يجلس احدهما مقابل الآخر ويبدأ الممثل الأول بتصريح حقيقي حول الممثل الثاني كأن يقول مثلا انك ترتدي قميصا اخضر فيكرر الممثل الثاني مؤكدا هذا التصريح الحقيقي., يؤكد ميسنر على أن القصد من التكرار أن يتعلم الممثل أن يبني أفعاله بناء على فعل الممثل الآخر , أن التمثيل ليس عملية أداء المشاعر إنما التمثيل هو الفعل, بنفس الوقت يعتمد فيه أداء الفعل على قدرة الممثل في تجسيد المشاعر. , أن تمرين التكرار يستخرج المشاعر الحقيقية ويضمن كونها تبدو منطقية . , أن قيمة تمرين التكرار هي تمكينه الممثل من وضع بصمته الخاصة النابعة أساس, من شخصيته بناء على ما يتلقاه من الممثل الآخر. , كما أن تدفق المشاعر الحقيقية, يأتي كرد فعل على محاكاة الممثل للفعل الداخل والفعل الخارجي للممثل الآخر, فيتحقق التواصل على مستوى الفعل.
إعداد الممثل وفق تقنية ميسنر يمر ب مجموع التمرينات التي تدل الممثل إلى وظيفة الفن التي هي نقل حياة الإنسان بواقعية على خشبة المسرح., ومن خلال التمرينات يصل الممثل إلى توظيف خياله في ضمان:
1. واقعية الفعل من على خشبة المسرح تأتي من التواصل بين الممثلين.
2. شد انتباه الجمهور لواقعية الفعل التمثيلي.
3. التخلص من تعقيدات التقمص النفسي في الشخصية وضمان تلقائية الأداء.
حدد ميسنر طريقة توظيف الخيال لدى الممثل المسرحي, من خلال إجراء تمرين التكرار الذي يتكون من ممثلين اثنين في كل مرة., يتطور توظيف الممثل لخياله في أداءه المسرحي كلما مارس تمرين التكرار., أن وظيفة الخيال عند الممثل لا تعتمد على خبراته المستمدة من حياته الشخصية بل يمكن تطويرها من خلال تمرين التكرار., لأن مهنة الممثل تجبره على أن يستجيب لدوافع وهمية على عكس الإنسان في الحياة فهو يستجيب لدوافع حقيقية., بما أن التمثيل هو الفعل حسب تحديد ميسنر, فان وظيفة الخيال عند ميسنر تمثل مجرد تمهيد للفعل المسرحي. , أن الممثل لا يتخيل ما يفعل, بل يؤدي فعله حقيقة بالتواصل مع باقي الممثلين. , حينما ينشغل الممثل بفعله لا يكون تركيزه منصبا على كيفية أداءه. , يقول ميسنر أن تقنيتي تستند على رجوع الممثل لمشاعره الحقيقية لكي يؤدي فطريا,والتقنية التي ابتكرتها تستند إلى حقيقة أن التمثيل الجيد لا ينبع من التفكير بكيفية الأداء., كما يقول ميسنر أن أساس التمثيل هو حقيقة الفعل. , وبهذا يحدد ميسنر آلية التواصل بين الممثلين, فلا يجب على الممثل أن يفعل شيئا إذا لم يحدث شيء يجعله يفعل ولا يجب أن يعتمد الفعل على الممثل بل على الممثل الآخر., ومما يقوله ميسنر نستطيع أن نستوعب وظيفة الخيال ودورها في ضمان تواصل الفعل المسرحي بين الممثلين, إذ ليس على الممثل أن يركز بكيفية تمثيل الشخصية المسرحية لأنها تتكشف من خلال الفعل., مما يعزز واقعية الفعل التمثيلي.
أن إعداد الممثل في تقنية ميسنر من خلال تمرينات التكرار والإصغاء يتطلب من الممثل أن يمر بالمراحل التالية:
أولا. التحكم في حوارات الشخصية المسرحية.
1. أداء الحوار دون إضفاء معنى.
2. أداء الحوار بطريقة ميكانيكية.
3. أداء الحوارات بشكل فردي.
ثانيا.التحكم في مشاعر الشخصية المسرحية.
1. استبعاد المشاعر التي تأتي محملة مع النص.
2. استثمار البيئة المسرحية المتخيلة لإثارة المشاعر المناسبة للشخصية.
3. استثمار الممثلين على خشبة المسرح لإثارة المشاعر المناسبة للشخصية.
ثالثا.التحكم في فعل الشخصية المسرحية.
1. تعزيز فعل الشخصية من خلال التعبير الجسدي والصوتي في أثناء انتظار الدور بأداء حوار الشخصية المسرحية.
2. الربط بين فعل شخصية الممثل وفعل الشخصية المسرحية.
حدد ميسنر وظيفة لذاكرة الممثل المسرحي, من خلال مفردتين اثنتين هما المعين و ذو المغزى, حيث يعتبر ميسنر توظيف الذاكرة يندرج تحت ذو المغزى كما وصفه, أذا استخدم الممثل ذاكرته لكي يستحضر مشاعر مناسبة للشخصية المسرحية التي يؤديها. , ويجب على الممثل أن يحدد انطلاق مشاعره بعد أن يبدأ الفعل المسرحي, لكي لا يؤثر تركيزه على هذه المشاعر القادمة من ذاكرته في أداءه بشكل سلبي. , وإذا لم يمتلك الممثل في ذاكرته ما يعينه على أداء الشخصية المسرحية, فيجب أن يستعين بما يماثل هذه المشاعر التي تشعر بها الشخصية بشكل نسبي. , إلا أن هذا لا يعني اعتماد أداء الشخصية تماما على ذاكرة الممثل فقد لا يوجد فيها ما يشبه المواقف والمشاعر التي تمر بها الشخصية لكن على الممثل أن يستخدم ذاكرته إذا كانت تساعده على الأداء الواقعي. , لأنه في أحسن الأحوال قد يضطر احد الممثلين الموهوبين وذوي الخبرة أن يصارع لفترات زمنية معذبة ومملة وهستيرية ليخترق الحواجز ويصبح معبرا., من على خشبة المسرح.
تتلخص تمرينات التكرار و الإصغاء في أربعة خطوات:
أولا. الإصغاء.
يجري هذا التمرين مع الممثلين وهم جالسين حيث يبدأ ميسنر بسؤال الممثلين هل تستمعون إلي؟, هل انتم فعلا تستمعون إلي؟, وبعد إجابة مؤكدة, تبين أن انتباههم قد جذب تماما وتركيزهم قد توجه نحو ميسنر, يطلب منهم إغلاق أعينهم لمدة دقيقة يستمعوا خلالها لعدد السيارات التي يسمعونها في الشارع خارج بناية الأستوديو, بعد أن تكتمل الدقيقة يطلب منهم أن يقولوا كم عدد السيارات التي استمعوا إلى أصواتها., بعد أن ينتهي الجميع من الإجابة يقول لهم أن هذا التمثيل, وإنهم كانوا يمثلون لأنهم كانوا يستمعون فعلا ولم يكن احدهم يدعي انه يستمع.
ثانيا. التصريح حول الممثل الآخر.
يطلب ميسنر ممثلين اثنين في كل مرة أن يقفوا ويصرح احدهم بتصريح حول الآخر, كأن يقول انك ترتدي قميصا احمر.
ثالثا. التكرار الأوتوماتيكي للتصريح.
يبدأ كل ممثلين اثنين على حدة بتكرار التصريح حول احدهم.
رابعا. التكرار مع تصريح يحمل وجهة نظر.
يبدأ كل ممثلين اثنين بتكرار التصريح حول احدهم والتعبير الجسدي والصوتي عن وجهة نظرهم.
عندما يؤكد ميسنر أن أساس التمثيل هو واقعية الفعل المسرحي, الذي يؤديه الممثل. , فهو يحدد حالة الممثل أثناء الفعل المسرحي, الممثل خارج ذاته فإذا كان الممثل فعلا يؤدي الفعل المسرحي فلن يكون عنده مجال ليراقب نفسه وعندما يؤدي الممثل الفعل المسرحي لن يكون عنده القدرة على الإدعاء, بأنه يفعل الفعل بنفس الوقت. , ليس على الممثل أن يركز بكونه يمثل الشخصية حينما يندمج بفعله المسرحي, بل أن الشخصية ستكون حاضرة أمام المتلقي إذا كان الممثل يؤدي الفعل المسرحي. , يؤكد ميسنر على أن إحساس الممثل بوجوده, هو الأساس الذي يعتمد عليه لأداء الشخصية المسرحية. , ولكي لا يكون هذا الإحساس عقبة أمام أداء الشخصية, يوظف الممثل خياله وذاكرته بشكل أوتوماتيكي بما يتلاءم مع الشخصية المسرحية من خلال تمرين التكرار. , لأن تمرين التكرار يساعد الممثل على ربط كلمات النص المسرحي بالفعل المسرحي., فعمل الممثل المسرحي, مجموع الأفعال الفيزيائية التي تعبر عن الشخصية المسرحية. , أن الهدف من تمرينات تقنية ميسنر هو تدريب الممثل على أن يقدم أداء واقعيا من على خشبة المسرح ويشعر المتلقي أنهم يمرون في المشهد لأول مرة. , وذلك الهدف من التمرينات يتحقق لو أصبح الممثل يتواصل بصدق مع الممثل الآخر أثناء أداء الشخصية المسرحية , وسط البيئة المسرحية المتخيلة.
#سرمد_السرمدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟