عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4656 - 2014 / 12 / 8 - 09:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإسلام وتأريخ الإسلام
يقول الأستاذ أيوب سعيد في فهه للإسلام وتأريخ الإسلام أنه الحركة الممتدة من آدم عليه السلام وانتهاء برسالة النبي الخاتم مرورا بكل الكم المتواصل والمترادف من رسالات جاءت لتؤكد على جوهرية علاقة الله _الإنسان وبشرت بالحرية ((ومن الخطأ الشائع أن تاريخ الإسلام هو نفسه تاريخ المسلمين ولهذا ظن العديد من الباحثين أن نقد تاريخ المسلمون هو نقد لتاريخ الإسلام ونحن نقول أن تاريخ الإسلام في الرسالة الخاتمة هو حركة الرسول ودعوته وهذا التاريخ امتداد طبيعي لتاريخ الدعوة منذ عهد نوح وآل إبراهيم وآل عمران عليهم السلام تاريخ الإسلام هو نفسه تاريخ الفطرة النقية التي لم تحيد عن الصراط المستقيم وعلى امتداد هذا التاريخ لا تجد إلا نصر الله قال تعالى {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }غافر51)) .
عندما نعود للتأريخ لنبحث عن أي موارد للنقد ومضان المادة التي تصلح محلا لها فإننا لا نعود للتأريخ الإسلامي بهذا الفهم إنما لنفرق بينه وبين تأريخ المسلمين الذي ترسخ وعاش في الزمن ومن ثم نجري عليه عملية المقارنة والفحص والفرز ومن ثم التقرير بضوء التقارن والتقارب والابتعاد مع الأس الصحيح وهو التأريخ بمفهومه الأول, عندها سيكون لنا معيار عملي سليم وخالي من التفاوت والنقص مما يؤهله أن يكون حياديا ومجردا من الخصوصية والشخصنة, فالنتائج اللاحقة ستكون هي وحسب المعيارية تستند إلى قواعد العقل والرسالة السليمة في آن واحد.
أننا نفهم تأريخ الإسلام أنه التطبيق السليم والحقيقي للرسالة الذي لم يشهد الإنحراف ولم يتبدل أو يتغير تحت طائلة الذاكرة المستعمرة لأنه نتج عن تدبير سليم لتطبيق الحق مع الواقع وبالتالي فأن خلوه من الإنحراف حفظ له المكانة اللائقة ليكون مرجعا في النقد وأساس صائب للعودة إليه في المقارنة والمكاشفة ,وهذه النتيجة لا تعبر عن احترامنا له على قاعدية القدسية والمعصومية بل على قاعدة أن ما بني على السلامة من الميل وجرى وفق قواعد منطقية صارمة هو الأجدر أن يصنع معصوميته وقدسيته الذاتية صنعا لا جعلها اعتبارية مسبقة من كونية المؤسس لها أو لكيفية ارتباطه بالمقدس المعصوم فقط.
تشكل تأريخ الإسلام وتعرفنا عليها من خلال النصوص المنقولة فقط عن طريق الرسالات ولم نتعرف عليه من خلال رواية أشخاص تتناقل عبر الزمن فتزيد وتنقص بمقدار التدخل الإنساني فيها, لذلك نعتقد بمحافظتها على الشكل الذي تجسد فيه الفعل المورخ له دون أن نشك في تخلخل الصورة أو تدحرجها من على جبل الثلج, لذا فأن القياس والمقارنة معها هو قياس على قاعدة مطلقة ثابتة ومجرده وحقيقيه.
لو نظرنا إلى تأريخ الملوك والقادة والعظام مثلا نجد التزويق والتعظيم ورسم الصورة المثالية للأبطال فيه لا يمكن أن تفارق صورة المثال والكمال بل يحرص الكاتب لها أن يزينها بالكثير من اللا واقعية لغرض محاباة أبطاله أو الانتقاص من خصومه, أنه يسعى وراء البطل الفذ, أما في تأريخ الإسلام لا نجد هذا المنهج معتمدا ولا يمكن أن نلمس له حضور فعندما يصف أبطاله والقوى الفاعلة يتناولها بكل شفافية وتجرد ولا يستح التأريخ هنا أن يصف مثلا أن نبيا عظيما قد ساهم في تثبيت النهج الوحدوي الإسلامي في مقابل أكبر إمبراطورية في ذاك التأريخ بأنه أجير أو مستأجر بكل تفاصيل قصة نبي الله موسى عليه السلام.
كما لا ينكر هذا التأريخ أن بعض الأنبياء قد اختلطت عليه الرؤية في بعض التفصيلات الحياتية دون أن ينكر معصوميتهم ولكن لقواعد عقلية وفكرية كانت ترد قصصهم كما هي لتبرير حال تشريعي أو تأويل حكم ما كما في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام إذن التأريخ الإسلامي لا يغطي الجوانب التي تبدو للقارئ البسيط أنها تنقص من قيمة البطل الرسالي.
في المقابل نجد أن الدفاع المستميت عن أخطاء بشريه حقيقية حدثت يتم محاولة تجاوزها أما بتجميل الحدث أو لي النص باتجاه تخليص البطل من ورطته أو باستحداث تبرير ما لجعل تلك الخطيئة فضيلة ومجد لا بد أن نقدسه طالما أننا أحببنا البطل فلا بد لنا من غفران ما يرتكب سواء أكان هذا الخطأ مغتفر عند الله أصلا أو غير قابل له, المهم أن لا تتم تشويه صورة البطل المقدس أنه اعتداء على التأريخ وظلم مزدوج للبطل ولمن وقع عليه خطأه.
في قضايا كثيرة في تأريخ المسلمين نجد السرد التأريخي يعصم البطل من أن يرتكب الخطأ مع إقرارنا بوجوده وبالصورة التي حدثت لكن المؤرخ المسلم لا يحاول أن ينقل الشهادة كما هي بل بتزييف ما حدث وكيفيته ونتائجه, لقد حدث الكثير بين الصحابة في زمن الرسول صل الله عليه وأله وبعده وصلت إلى الجنيات والخطايا التي لا تغتفر فيستعين المؤرخ أما بنص رسالي ويتأول فيه لمسح الخطيئة فإن لم يجد ذلك ممكنا نراه يروج لحديث أو رواية تتناسب مع المقالة التأريخية ويجد لها العذر.
هذا النهج وإن كان قادرا على إيهام الناس البسطاء ببراءة الجاني كائنا من كان لا يمكننا أن نجعل منه مفخرة لنا كما لا يمكننا الوثوق بهذا التأريخ اصلا ,لذلك نحاكم كل رواية تأريخية ترد منه على أنها مشكوك بصورتها وبمؤداها ويجب تجنب الالتجاء لها, أننا بإيماننا بالمؤرخ الإسلامي نهتك الرسالة ونعتدي على الإنسان وبالتالي نصنع عوامل أهتزاز صورة البطل الإسلامي ككل .
هذا على مستوى الفرد المؤرخ له ويكفيك عظة أن الأحداث التأريخية ليست فعل فرد منفرد أنها أيضا حركة مجتمع كامل ,أنها أحداث صاغته الأمة, وتعلقت بها وأثرت هذه الأحداث أيضا في تشكيل قواعد التحزب والتشظي الذي أصاب مجتمع الإسلام ,أنها مهدت له كما مهدت الذاكرة المستعمرة لهذه الرواية التأريخية والمنهج الزائف.
إن محاكمة ونقد الروايات التأريخية التي سردت أحداث كبيرة وسطرت من خلال تلك الرواية تاريخ نسب للأمة ولمنحاها الفكري والوجودي هي الأهم في أعادة صياغة الوعي السياسي للأمة, عليه يكون التركيز مهم جدا عن البحث عن كل الزيف والتضليل والتخريف الذي أصابها ومن ثم تسلل هذا المرض إلى جسد الأمة أننا أذ نورد أمثلة معينة لا نستهدف فئة معينة ولا نشير إلى صوابية المعتقد ولا صوابية الفعل ولكننا نناقش عملية التزييف والضلال فقط في الرواية.
في عام 60 هج وبعد أن أصبح الصدام حتمي بين منهجي متعارضين في كيفية فهم الإسلام كرسالة وكدين ,وفهم هل أن الدولة الإسلامية هي دولة دين أم أن ما يستلزم هذه الدولة فقط حس ديني وشعور بالانتماء الحقيقي للرسالة والدين, فكانت التناقضات التي تراكمت نتيجة التحزب الفكري والسياسي وصلت ذروتها بين طائفتين من المجتمع الإسلامي أمتد من أواخر حياة الرسول صل الله عليه وأله وسلم وحتى مجيء حاكم الدولة الإسلامية الجديد الذي شكل تواجده في مقر الرئاسة صدمة للغالبية الشعبية.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟