الفيضانات بالجنوب المغربي أو الموت بسوء التقدير

عزيز باكوش
إعلامي من المغرب
(Bakouch Azziz)

الحوار المتمدن-العدد: 4655 - 2014 / 12 / 7 - 18:26
المحور: المجتمع المدني
    

عزيز باكوش


على خلفية مشاهدة عشرات أشرطة الفيديو التي تم ترصيدها عن طريق الهواة بهواتف ذكية وغير ذكية ارتباطا بما شهده الجنوب المغربي من فيضانات كاسحة لم يشهدها المغرب منذ عقود ، يتضح أن المغرب ولج عصر الصورة كوثيقة من بابها الأوسع ، وأن ما يمكن أن ينعم به من هو في وضعية خطر محدق ، ليس عيون الوقاية المدنية الجسورة ، وسيارات الإسعاف الزاحفة على عجل والإسعافات الأولية ، وإنما عيون الكاميرات المفتوحة على أكثر من نطاق هذا ما حدث و يحدث اليوم ، حيث غمرنا الهواة بساعات وأمتار من المشاهدة الحية والمرعبة ، كان الموت بطلها ومحركها العميق .
شاهدنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة اليووتوب العشرات من الأشرطة التوثيقية المباشرة والحاملة للرعب .. بنية تحتية من رمال تبرز الحد الأقصى للجشع والعبث وأشكال القصور التدبيري للسلطات والمنتخبين الذين للأسف الشديد ، سيظلون خارج منطق المساءلة والعقاب ، بل وهم من سيدبر مرحلة ما بعد الانهيار ، أسوار وحيطان تنهار أمام أعيننا .. منازل تغمرها المياه وساكنتها تستنجد فقط من أجل مشاهدتها وهي تستغيث ..دور سكنية عشوائية تتهاوى كما الملح ، سيارات وشاحنات تجرفها السيول كما لو كانت لعب أطفال ، شوارع من ماء أحمر تجرف الحجر والبشر ، وقنوات تلفزية منتشية خارج التغطية ، ولولا هذا الدفق المجاني من الصور المرعوبة والمهزوزة الأمينة والصادقة في الآن نفسه ، دونما تحريف أو مقص لما كنا في قلب المآساة ولا نطلت على السواد الأعظم لازمة " الكاميرا شاعلة " ولما اقتنعنا بغصة ، أن الجنوب المغربي، منطقة منكوبة قبل أن تعلنها القنوات والإذاعات الرسمية وغيرها خبرا وتتاجر فيها المواقع التواصلية بسخاء

لقد كان علينا نحن سكان الشمال والوسط أن ننتظر حتى تستقر الأجواء وتنجلي السحب وتنخفض منسوب المياه لننعم بروبورتاج مصور في القناة الأولى أو الثانية ،لتعود بعدها الحياة كما لو كان عرسا ؟؟؟؟
لكن، دعونا من كل هذا ، ولنترحم بداية على أرواح الضحايا ، ونتساءل بجرأة
أين الإعلام الرسمي والقنوات التلفزية المتعددة بصيغة المفرد من التحسيس والتوعية بالمخاطر والتدخل زمن الأزمات ؟
لماذا يذهب المواطن إلى حتفه بكامل وعيه واتزانه ؟
وكيف يتعامل الفرد منا مع القوة الجارفة للمياه ، كما لو كانت شريطا سينمائيا ؟
لماذا اختزال الخطر في مجرد مغامرة غير محسوبة العواقب ؟

كيف نهتدي إلى التهلكة ببصائرنا المفتوحة ونقود الجماعة إلى مصائرها عبثا ؟
لقد حاولت بحرص شديد الاستماع إلى أحد سائقي سيارات النقل غير المشروع بالجنوب المغربي ..لقد وقف أما الطوفان وهو يقول لمحاوريه ” هذي راها 207..بلاندي الما ما يدي منها والو.. وسرعان ما اعتمد غفلته وشحنها ب10 مواطنين ظانا أن ثقلهم عاملا مساعدا .. لكن المفاجأة كانت أكثر قساوة وفجعا ..لقد راح السائق وضحاياه مجانا ضحايا سوء التقدير …

هناك من يتحدث عن الأجل المحتوم ، وهناك من يتحدث عن الأجل المخروم ” أي نعم المخروم ” بتسكين حرف الخاء وهذه المقاربة يبسطها أصحابها بمثال واحد بسيط وهو الآتي:
لو اشترى أحدهم سيارة جديدة بحيث يتوقّع من صناعتها أن تدوم عشرين عاماً، بشرط المحافظة عليها وصيانتها، وفي هذه الحالة فإنّ الأجل الحتمي لهذه السيارة هو عشرون عاماً، ولكن لو لم تتحقّق لها الصيانة المطلوبة وقام صاحبها بتسليمها إلى أشخاص لا مبالين وغير عارفين بقيادة السيارات، أو أن يحملها فوق طاقتها، أو أن يقودها بعنف في طرق وعرة يومياً، فإنّ أجلها المحتوم ذلك يمكن أن يهبط إلى النصف أو العشر، وذلك هو الأجل المخروم، ونحن نعجب كيف أنّ بعض المفسّرين لم يلتفتوا إلى هذه القضية الواضحة" .


ثمة مواطن آخر رصدته كاميرا الهواة ، وهو يصارع موجات الماء محتميا بما توفره له شاحنة تعبر الفيضان فوق جسر من الماء الوحل ، وعندما أقدم سائق الشاحنة على التقليل من السرعة ، لم يستطع سائق الدراجة النارية مجارته ، فقذفته المياه كما لو كان قشة ..
حالات كثيرة لعب فيها سوء التقدير دورا كبيرا في إزهاق أرواح بريئة ..
ثمة مواقف وحالات ينبغي للفرد فيها التروي والصبر …ولعل المأثور الاسلامي غني بدلالاته في هذا المجال ” رحم الله جميع ضحايا الفيضانات الجنوب المغربي وأسكنهم فسيح جنانه “ان الموت قدر محتوم على جميع العباد ، والموت قادم علينا بحرب وبدون حرب ، والحرص لن يرده والخوف لن يؤجله “
قال تعالى: …قل يتوفاكم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة” صدق الله العظيم

#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات