|
سعيد عقل
عبد الحميد عبود
الحوار المتمدن-العدد: 4653 - 2014 / 12 / 5 - 01:15
المحور:
الادب والفن
أنا فلسطيني وأُفَضَّلُ ان يشتمني سعيد عقل بالعربية على ان يمدحني الطاهر جلون بالفرنسية
سعيد عقل ، بعينيه العميقتين ووجهه الشبيه بطابع تذكاري ، مات وأثارنا بموته كما بحياته ، بيد ان الكبار لا يموتون ، هم فقط يرحلون عنّا ولا يرحلون منّا ، كان يغار على الصليب وعلى الهلال الخصيب من ريح الصحراء ، كان يجاهر بمشاعر سوداء ليس هو المسؤول الوحيد عن سوداويتها ، نحن الفلسطينيون أصبناه بسهم الفلسطينوفوبيا ، تحامَلنا عليه فلم نحفظ من خصاله إلا تحامُلَه علينا ، وفي ظني فإن من يتحامل على سعيد عقل لا يعقل ، نحن شعب شكلاني يفضل السياسة على الأدب ويفضل العرضي على الجوهري ، يضع عرض المرأة فوق المرأة ، ويمجِّد صيت الشعب أكثر من الشعب نفسه ، وللحق فإننا في تلك الأيام كنا نستحق الشتم ، لم نكن ثورة نموذجية بل كان يشوبنا ثورجية وبلطجية وأبوات وشبيحة منضوين تحت مسمى قوات ال 17 ، انخرطنا نتيجة وسببا للحرب الأهلية اللبنانية ، وخلقنا لأنفسنا عدوا كان من المفروض ان يكون صديقنا : المارونية السياسية التي ربطناها لاشعوريا بالإمبريالية الامريكية والصهيونية والفاشية والرجعية وكل الفزاعات الايدولوجية التي تنتهي ب"ية" ، أصبحنا ضيوفا على أهل الدار وأمسينا أصحاب الدار وأصحاب القرار ، أسسنا في الفاكهاني دولة ضمن دولة وفبركنا شعارت وطلاسم جغرافية من طراز "طريق القدس تمر من عيون السيمان وجونيه " ، وترتّبَ على ذلك ان عشائر عرفات وأبو موسى الفتحاوية تحاربت فيما بينها ودمرت أرزاق اللبنانيين ، تمرجلت راجمات صواريخنا على زحلة (البنت البكر للكنيسة اللبنانية ) مهددةً اياها بالزوال، بينما طبق ناجي علوش نظريته الثورية في تثقيف أهل الدامور ( بذبحهم ) ، وحصلت فظاعات وفظاعات مضادة ، قَتْلٌ طائفي عالهوية ، تم نبشُ خشخاشات المسيحيين طمعا بأسنان موتاهم الذهبية ، احترقت كنائسهم ونُهبت اجراسها لتباع بالكيلو في سوق الخردة ، بكلمتين ، كانت الحرب الاهلية ( الطائقية) مجالا للجنون وكان شاعرنا يمارس جنونه الخاص ضمن الجنون العام ، تشنّجَ نيابةً عن المسيحيين وخشية شطبهم من المعادلة اللبنانية ، فدلق علينا الشتائم بلهجة موتورة ، معشر الشعراء لهم شطحات ، فالغضب من لوازم الشعر كما هي البراكين من لوازم الطبيعة ، بودلير تمنى زلزالا يدمر البشرية ، لوتريامون تغنّى بالشرّ والقساوة والرعب، إدغار ألان بو أراد ان يشعل حريقا كونيا، ماياكوفسكي أحب ان يتفرج على موت الأطفال، المتنبي هجا كل الزنوج بخطيئة زنجي واحد ، الحطيئة هجا نفسه ثم هجا أمه ، الحجاج شتم كل أهل العراق ، لكن سعيد عقل أبى الا ان يميز بين الغريزة والعقل وبين الوطن والوطني ، فغنى لفلسطين وشتم الفلسطينيين ، من يقدر على تأليف القصيدة المبهجة قادر على تأليف القصيدة الحاقدة ، فأصل القصيدتين واحد ، نحن العربان متعصبون بشكل أهوج وتحاربنا اربعين عاما في حرب البسوس لأن داحس سبقت الغبراء ، أشعارنا من زمن الأخطل التغلبي إلى زمن الأخطل الصغير كانت تتراوح بين المديح والهجاء ، الشعر هو أن نخالف أنفسنا ونفاجئ غيرنا ، الشعر لم ينوجد الا بعد ان صنع عقل الإنسان من الحديد سكيناً ، كما ان الشتم شيء تعوَّدنا عليه في تغريبتنا الفلسطينية ، كنا دائما نبحث عمن ينكبنا ودائما نجد ، نكبة 48 في فلسطين، عام 70بالأردن ، 82 في لبنان ، 91 بالكويت ،2003 بالعراق 2013 في سوريا ،فالفلسطيني ذنبه الوحيد انه مُخوزَقْ ، يعني خازوق دُقَّ ( في مؤخرات العرب) ولن يُقلع ، الملك فيصل أوصى بعدم جمع فلسطينييْنْ اثنينْ وتفريقهما أبعد ما يمكن بمدن المملكة ، الملك حسين نكّل بنا في أيلول الأسود ، الأسد وصدام أذاقانا الويل في السجون ،القذافي رمانا بالصحراء ، الكويت منعتنا من ركوب خطوطها الجوية ، حتى أبو نضال بتاعنا جرب كواتم صوته بروؤسنا ، فلم نلوم سعيد عقل وحده ؟ يمكننا ان نتتقده ولا يحق لنا ان نعاديه ، ويقيني انه شتمنا تحت تأثير العرق الزحلاوي ومن باب انه يحق للواحة ان تلعن الصحراء ، وأجزمُ انه كان يخشى ان ينحط في خانة الذمي الكتابي التي شاء ان يحشره بها مجاهدو جند الله والجماعة الاسلامية الجاعلون من القرآن برنامجهم السياسي ، من يتأمل بعمق في شرقنا المهترئ يدرك ان الأقلية دائما محقة لأن الأغلبية دائما غبية ، من ينظر إلى الطوبوغرافية اللبنانية يجدها عبارة عن سلسلتي جبال ممتدتين وكل قمة جبل تأوي أقلية نازحة من ريح الصحراء (الموارنة في جبل لبنان ، الشيعة في جبل عامل ، العلويون في جبل الاقرع ، الدروز في جبل العرب ) لكن هذه الحصون الطبيعية لم تكن دوما منيعة بوجه الزحف السني ، فالظاهر بيبرس فتك بالموارنة في التجريدة الكسروانية ونفى قسما منهم إلى قبرص ، الدولة العصملية فرضت ضريبة الذمتلي عليهم وعلى كل شجرة ففضلوا ان يقلعوا الأشجار ، إفتحوا سير المغازي السيفية والفتوحات ، إقرئوا فقه الفقهاء ، استفتحوا بسورة الفاتحة ، نحن المسلمون يمكننا ان نلعن المسيحيين خمس مرات باليوم ولا نسمح لشاعر مسيحي ان يشتمنا مرة بالعام ، على انه سين عين ( سعيد عقل) شاعر ويحق له ما لا يحق لغيره ، وقع بالنظرة الاختزالية وأوقعنا بها ، قَسَّمَ لبنان إلى غرباء وأصلاء، جمع َطهارةِ القِدِّيسِينْ وعهارة البشر، رسم نفسه متحفا برسم التاريخ ، مارس طبيعته البشرية فلم يتعظ بموعظة المسيح التي تقول أدر خدك الايمن لمن ضربك على الأيسر بل قال من ضربك على خدك فاضربه على الخدين ، ولعله شتمنا من فرط محبته لنا وليعطينا امتياز ان نترفع عن رد الشتيمة ، تحامل علينا ليميزنا بميزة جبل المحامل ، واجهنا بالوجه والصديق اللدود يطعنك دائما من الأمام، بالإضافة إلى مأثرته في نزع الملائكية عن الفلسطينيين فقد نزع القداسة عن اللغة العربية ، كان مَجْمَعَ لغةِ عربية بحاله، كان لغةً في اللغة، قاموسا مفتوحا ، أخْرَجَنَا من الإنشاء والبلاغة إلى البساطة والمعنى ، أخْرَجَنَا من حالتيْ الصرف والإعراب ومن خانتيْ البدو والأعْراب ، اللغة العربية على لسانه انتماء يصل الأرض بالسماء، يكفيه عروبةً انه شتم عربا بالعربية ، وتزحلن وتفنيق وتلببن بالعربية ، وجدد اللغة العربية بالعربية ، كان عربيا قلبا لا قالبا ، وفعلاً لا اسما ( رغم ان في اسمه عين وفي لقبه عين أخرى ) كان يكتب بالعربي من اليمين إلى الشمال، لكل هذه الأسباب أترحمُ عليه ولا أرجمه ، أذكرُ حسناته دون سيئاته ، وأرافع دفاعا عنه عن اللغة التي يشعر بها ، أنا مش فلسطيني ولا لبناني ولا مسلم ولا مسيحي ، أنا ابن لغة الضاد وحسب، هي وطني النهائي ومتراسي الأخير ، وهي كذلك هواي وهويتي ، وهي قرآني وإنجيلي ، وأُفَضِّلُ ان يشتمني سعيد عقل بالعربية على ان يمدحني تاهر بن جلون بالفرنسية، وأفضّلُ رعيَ الخنازير بلسان عربي مبين على رعي الإبل مع الفرنكوفونيين، وأُفَضِّلُ يهوذا الاسخريوطي على بقية الحواريين ، أنحاز أحشائيا للمسيحيين العرب ضد العربان المسلمين ، فأبناء قومي هم الذين يشاركوني لساني ، وهم البساتنة ، آل اليازجي ، الأخوان تقلا ورحباني ، أحمد فارس الشدياق ، مارون عبود ، قسطنطين زريق ، ميشيل عفلق ،شبلي الشميل ، يعقوب صروف ، جرجي زيدان ، أمين الريحاني ، فارس نمر ، فارس الخوري ، فرنسيس مراش ، فرح أنطون ، الأب أنستاز الكرملي ،أنطوان سعادة ، مكرم عبيد ،مجيد طوبيا إدوارد الخراط ، سركون بولص ، جميل حتمل ، أنسي الحاج ، إلياس خوري ، بول شاوول ، جبور دويهي ، عيسى مخلوف ، رشيد الضعيف الخ ...، وبالمقابل فإن عار الكينونة هو ما يجمعني ب تاهار بن جلون وصلاح ستيتية وعبد الوهاب المؤدب وفؤاد العروي ومحمد ديب ومحمد مولسهول ، ولا أستطيع ان أصف هؤلاء الا بوصفهم قرودا بمؤخرات حمراء لتسلية الفرنسيين ، لا يوجد شعور بالنقص أشد من انتقاص الفرد للغته القومية والعزوف عنها ، وكل حرف تكتبه بلغة الغير يشبه رصاصة تطلقها على نفسك ، وإذا فرط الإنسان باللغة الأم فبإمكانه أن يفرط حتى بمؤخرته ، سين عين كان أصيلا قياسا بهؤلاء المارقين من اللغة ، ترانيمه الرائعة تألقت ضمن رطاناتهم الكاكافونية ، كان معاصرا لنفسه وسابقا لوقته ، لم يكتب فقط بالعربية بل اجتهد لتجديدها بدعوته إلى الدارجة ، ووجهة نظره هذه تحتاج لأن ننظر لها جديا ، لقد تخلص الشعر العربي من بحور الخليل وعلى النثر ان يتخلص من بحور سيبويه ومن الصرف والنحو الإعراب ، تجديد اللغة هو أكبر تحد يواجهنا فلا معنى لحريتنا ( الموعودة) بلغة الآخرين وعلى جثة اللغة القومية ، إن عصر الإنسان العربي لا يكون الا بالخروج من عصر القداسة إلى عصر الأناسة وهذا لا يكون الا بالمسيحيين العرب ، إنهم ضروريون لثلاثة: أولا لأنهم مسيحيون ، وثانيا لأنهم عرب ، وثالثا لأنهم أقدر من المسلمين العرب على تطويع لغة الضاد للتعبير الدنيوي ، الرعيل الأول من القوميين العرب كان معظمهم مسيحيون وكان شعارهم "إضرب بسيف محمد واهجر يسوعا "، ولكن ان امتد هذا السيف لنحورهم فإنهم سيهجرون خوفاُ من سيف محمد ( الكنيسة المارونية معظم رعاياها موجود في استراليا مش بلبنان ) اذا تحولت لغة الضاد إلى لغة الضد فسوف يتصحر المشرق (وحتى المغرب) ، اذا تحولت لغة النقد إلى لغة النقض فسوف ينقلب أحفاد جورج حبش وجورج حاوي إلى أنطوان لحد وسعد حداد مسيحيونا العرب سامحونا ، فنحن جلجلتكم التي لولاها لم يكن المسيح ابن الله إنسانا، نحن تلاميذكم وأنتم معلمونا، وشهد الله ان شبهة "الانعزالية" التي وصمناكم بها هي تهمة نخبوية ، وشهد الله إنّا نحبكم ولا نلومكم ان شتمتونا
عبد الحميد عبود رحالة فلسطيني
#عبد_الحميد_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا ابايع الخليفة البغدادي
-
مفكرة ثورجي في بلاد الكرد
-
مفكرة ثورجي في الثورة السورية(2)
-
مفكرة ثورجي في الثورة السورية (1)
-
مفكرة ثورجي في الثورة السورية
-
حلب التي لا تستحق اسمها
-
اصبح عندي الآن بندقية الى حلب خذوني معكم
-
الفساد ، ماركة سورية مسجلة
-
ظبية خميس ، فاجرة في هيئة شاعرة
-
أيها النساء ، أبو القاسم الأمين هو الداء وقاسم أمين هو الدوا
...
-
بيان لرجل واحد ضد أيور الثقافة
-
عن الثورات العربية والمناعة الخليجية
-
بيان لرجل واحد مع النساء وضد الشريعة
-
بلا بوكر بلا جوكر ، نريد جائزة باسم البوعزيزي
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|