|
(صباح) فلسفة
بشرى الهلالي
الحوار المتمدن-العدد: 4651 - 2014 / 12 / 3 - 15:35
المحور:
الادب والفن
(صباح) فلسفة
بشرى الهلالي
رحلت صباح بعد إن تعب من طول عمرها حتى عشاقها، ومن منا لم يعرف أو يستمع الى صباح، المطربة اللبنانية التي وازت شهرتها شهرة أم كلثوم وفيروز رغم إنها لاتوازيهما في جدية الغناء والموضوع. عرفتها أجيال عديدة وظلت اغانيها متجددة حتى بين شباب الجيل الحالي الذي لم يعد يعرف الكثير عن مطربي ذاك الزمان كأم كلثوم وعبد الحليم وغيرهم. رافقت اغاني صباح طفولتنا كونها كانت الاغاني الوحيدة التي تبعث على الفرح في وسط موجة أغاني السبعينات المفعمة بالحزن فكانت هي الأنغام التي نحيي عليها مناسباتنا الاجتماعية. ورغم إني لاأفضل من اغاني صباح الا إثنين أو ثلاثة، ولا أجدها مطربة عظيمة وكبيرة كنجاة الصغيرة أو فيروز رغم روعة صوتها المتفرد، إلا إني أحببتها دائما وكنت حريصة على متابعة لقاءاتها وحواراتها في وسائل الاعلام. فإن قلّبنا معا صور صباح على مدى تاريخها، لن نجد أبدا صورة لها دون ضحكة، فما أحببته في صباح هو حبها للفرح ورسالة الحب والسلام التي كانت تنشرها من خلال أغانيها المبهجة. وهي كأي فنانة أو إنسانة واجهت الكثير من الازمات في حياتها، تخلى عنها أولادها، خدعها الكثير، تزوجت، أنجبت، فقدت، حزنت، وفرحت ومضت أيامها الأخيرة في غرفة في فندق، لكنها وسط كل ذلك لم تتخل عن فلسفة الفرح. لم تبكني اغاني صباح يوما، ولكن أبكتني وصيتها قبل موتها بأن يكون وداعها بالدبكة والرقص والغناء وأن يلبس أحباؤها الابيض، فهذا مااتمناه لنفسي أيضا وماجعلني دائما أشعر بأن صباح هي فلسفة إنسان وليس مجرد مطربة. فمن منا يعشق الفرح على طريقة صباح، من منا يدرك قيمة الحب ويكرس حياته له كما فعلت هي، من منا يؤمن بأنه ولد ليحيا لا ليموت؟ فأغلبنا يظن إن التعاليم الدينية والتقاليد التي نشأنا عليها إنما تشجع على الحزن والموت وتناهض الحب والفرح لأننا تعلمنا قوالب جاهزة نخشى التفكير في جوهرها، فلو حاول كل منا أن يفهم حقيقة التعاليم الدينية والتقاليد الاجتماعية لوجد إن فيها من الحب والفرح والحياة أكثر مما فيها من الحزن والموت الذي إصطبغت به حياتنا. احب رجل إمرأة حبّا كبيرا وكذلك هي، وفي داخله، كان يدرك هذا الرجل بأن هذه المرأة هي من كان يحلم بها، فكل دقيقة كان يمضيها معها تتسم بالفرح والأمان والراحة حتى شعر بأن الله قد وهبه أخيرا من يسعد قلبه ويعوضه عن الكثير من المعاناة والأحزان التي واجهها في حياته، لكنه بعد فترة قصيرة من علاقته بها تخلى عنها لا لسبب الا لأنه بدأ يشعر بأن هذه المرأة أصبحت خطرا على كل ماتعلمه وتعود عليه، فلكي يحتفظ بها عليه أن يتجاوز بعض العادات والتقاليد ويغير بعض مفاهيمه في الحياة. سبّب فقدانه لها الكثير من الحزن، وكذلك للمرأة التي كانت تظن انها تستطيع الأخذ بيده وانقاذه من دوامة روتين الحياة، لكنه إستمر بعيش حياته كما رسم لها او رُسمت له، ولم يتغير شئ فيها سوى إن وجهه صار أكثر جمودا، فكأنه بتخليه عمّن أحب، تخلى عن الحياة والفرح. يذكرني هذا بقصة الفيل التي ربما يعرفها أغلبكم، فقد جنى أحد المزارعين فيلا، ولم يستطع السيطرة على الحيوان الضخم في بداية الأمر، فراح الفيل يعيث خرابا في المزرعة دون قصد لأنه تعود على التجول حرا في الغابة، فما كان من صاحب المزرعة الا إن ربط إحدى ساقيه الى شجرة بسلسلة تمتد لبضعة أمتار فقط. مرت بضعة أيام، كان الفيل فيها يثور محاولا السير أبعد من هذه الامتار ليرتد بفعل السلسلة، وشيئا فشيئا أدرك المسافة المسموحة له فكف عن المحاولة. بعد مضي شهر، فك المزارع قدم الفيل وحرره من السلسلة، لكن الفيل لم يتخطى حدوده بل ظل يدور ضمن مساحة الأمتار القليلة ظنا منه إنه مازال مقيدا. وهكذا نحن، نشأنا على الكثير من المفاهيم والمحظورات بعضها صحيحا وبعضها مغلوطا، فصارت سلاسل تربط حريتنا وصار أكثر ما يخيفنا هو أن نتحرر منها ونفكر بتهذيب أفكارنا لأن التغيير دائما يثير الخوف والقلق من الفشل، بل إن المحاولة، مجرد محاولة التفكير وتشغيل عقولنا قد تبدو فنطازيا للبعض، وشعار معظمنا هو (اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفه). والأمثلة والحكم هي أيضا أنواع من القيود التي تمنع حرية التفكير بجوهر الأشياء. ربما أكون الوحيدة في بلدي ممن كتب عن صباح بعد موتها، خصوصا وان عمرها الطويل أصبح نكتة يتندر بها البعض، وربما إنتظر الكثير موتها، وقد يقول البعض، هناك في الحياة الكثير من الأمثلة التي تستحق أن تكون قدوة لنا في حياتنا، هم خير من صباح، لكني أرى فيها قدوة ومثلا وأتمنى أن ندرك فلسفتها في إن الحياة قصيرة وسرعان ماتتسرب من بين أيدينا كقبضة ماء، وهي لاتقاس بعد الانفاس بل بعدد اللحظات الجميلة والمؤثرة التي تمر في حياتنا، وإن الله خلقنا لنحيا ونفرح بما أنعمه علينا، وان الضحكة التي تطرز شفاهنا نعمة لا تستحق ان نستدرك ونقول (ضحكنا هواي أللهم إجعله خير)، فأي حياة يتشاءم فيها الانسان حتى من الضحك، وأي قلوب ميتة تلك التي تخاف الحب!!ِ
#بشرى_الهلالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة عاشق
-
مدرسة دين امريكية تطبخ تمن وقيمة في الحسينية
-
فصيلة الخنساء
-
لقاء مع آخر
-
رحال
-
دمك (أميمة) فضح صبغ شواربهم
-
كاتم فرح
-
الاغلبية الصامتة.. السكوت علامة الرضا.. وصمتكم هو مايريدونه
-
لاتبيعونا
-
تقويم
-
عيدية
-
الكبرياء تليق برجل
-
يوم .. هو أنت
-
بعد انتهاء الزفة.. من هو العريس المخدوع؟
-
فضحنا الفيس بوك
-
فضيحة دستور مصر.. و القادم من فضائحنا
-
ويل لنا ان كان ماقاله محمد (حقيقة)
-
يافشلتنا
-
(حيّ على الجهاد).. على طريقة غاندي
-
تعلموا من اوباما
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|