|
تأملات فى السقوط 2
رمسيس حنا
الحوار المتمدن-العدد: 4648 - 2014 / 11 / 30 - 13:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يثير سقوط الملاك و سقوط أدم عديد من الأسئلة لما لهما من تأثيرات ونتائج – سوا كانت إيجابية أو سلبية – على ثقافاتنا و بالتالى على تفكيرنا و نفسياتنا و سلوكياتنا و تعاملاتنا نحو أنفسنا و نحو الاَخرين. و لأن السقوط له علاقة و ثيقة بتكوين أو تركيب و طبيعة الملاك الساقط و كذلك بتكوين أو تركيب و طبيعة اَدم أو الإنسان الساقط فكان لابد لنا أن نتناول هذين الموضوعين بالبحث و السؤال حتى نستكشف الجوانب و التأثيرات السلبية علينا نحن البشر. و فى هذه المبحث نتناول قصة خَلقْ الملائكة. و لأن الملائكة مخلوقات ميتافيزيقية فلا يمكن إخضاعها للملاحظة أو التجربة لدراسة مكونها أو تركيبها و لذلك فسوف نعتمد فى بحثنا على ما جاء من نصوص فى كتب الأديان الإبراهيمية الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد و القراَن الكريم. و سنتناول فى هذا المقال خلق الملائكة حسب ما ورد فى الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد حيث أن العهد القديم يضم التوراة التى تبنى عليها دعائم الديانة اليهودية بينما تستقى المسيحية ركائز معتقداتها من كلا العهدين القديم و الجديد.
بداية نريد أن نشير الى انه لا توجد أى إشارة صريحة عن كيفية خلق الله للملائكة أو الشياطين بداية من سفر التكوين و حتى سفر الرؤيا كما حدث فى عملية خلق ادم. و يبرر معظم رجال الدين عدم ذكر تفاصيل كاملة عن خلق الملائكة على ان هذه التفاصيل المعرفية الخاصة بخلق الملائكة لا تؤثر على خلاص الانسان. و لكن هذا لا يمنع من وجود نصوص مقتضبة عن عملية خلق الملائكة فى ثلاثة نصوص فى الكتاب المقدس بمجمله أحدهما فى سفر أيوب و الثانى فى سفر المزامير و الثالث فى سفر رسالة بولس الرسول الى العبرانيين.
أن أول ما يطالعنا من نصوص صريحة عن الملائكة بصفة عامة (و ليس عملية الخلق) نجده فى سفر أيوب الأصحاح الأول العددين 6 و 7
"6 وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ. 7 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟». فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا".
نحن بدأنا بسفر أيوب لأنه – و حسب موقع (St-takla) و موقع (masi7i.com) – يُعتبر أقدم سفر فى الكتاب المقدس من حيث كتابته ؛ فهو أقدم من سفر التكوين كتابةً بالرغم من الشكوك الى تُثار حول زمن كتابته و شخصية كاتبه سواء كان أيوب نفسه أو أحد أصدقاءه و يُدعى اليهو "لأنه يكتب عن أيوب كشخص لا يزال حياً"؛ أو "أحد العبرانيين الملمين بأداَب بلادهم". كما يُعتقد أن موسى النبى هو الذى كتبه و هو فى مديان أو على الأقل "أضاف" مقدمة السفر و نهايته "لكى يعزى الشعب المُستعبد فى مصر"؛ و هناك من يرى أن سفر أيوب كُتِب فى عصر سليمان لتقارب أفكاره مع سفر الأمثال؛ و يرى البعض أن أشعياء أو حزقيا أو باروخ صديق أرميا هو من كتب سفر أيوب. و أخيراً يرى البعض أن سفر أيوب كُتِب بأكثر من كاتب؛ مما دفع البعض أن يعتبر مقدمة السفر و خاتمته من قصص الفلكلور فى أرض عوص تناقلتها الأجيال حتى وصلت الى أرض كنعان فى زمن صموئيل و دأود و سليمان فى القرنين 11 و 10 ق.م. و بعد سقوط اورشليم و سبى بنى يهوذا سنة 587 ق.م. كتب احد الشعراء قصة بطل "أيوب" ليرمز به الى الشعب المسبى و الذى يعانى من الألاَم "الإضطهاد" و لا يعرف لماذا يتألم فكتب معظم النقاش الدائر بين الأصدقاء و بين أيوب حول معنى الوجود و حقوق الأنسان بالنسبة للبشر من ناحية و بالنسبة الى عدل الله من ناحية أخرى، ثم بعد ذلك إنبرى أحد تلاميذ هذا الشاعر فكتب خطبة أليهو للدفاع عن عدالة الله و ويعلى من قيمة ألم الإنسان "أيوب".
انظر هذين الرابطين المتعلقين بتاريخية و كُتاب سفر أيوب: http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/20-Sefr-Ayoub/Tafseer-Sefr-Ayoob__00-introduction.html
http://www.masi7i.com/uploads/1789/3711/__.pdf
من كتاب "تفسير سفر أيوب" للقمص تادرس يعقوب ملطى صفحة 21 ان "بنوا الله" هم الملائكة الذين أتو من إرسالياتهم ليمثلوا أمام الرب فيسبحوه و يقدموا له تقاريرهم عن كيفية سير هذه الأرساليات. يقول القمص تادرس فى تفسيره للعددين السادس و السابع من الأصحاح الأول لسفر أيوب" كان الملائكة – بنوا الله – يجتمعون معاً يقدمون له التسبيح اللائق من أجل محبته للسمائيين و الأرضيين، و يقدمون أيضاً صلوات المؤمنين، و يترقبون أى إرسالية يتممونها، إذ هم خدام للعتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: 14).تسلل بينهم الشيطان المتكبر و المضل لكى يشتكى على البشرية، خاصة المؤمنين، ففى حسده لا يطيق أن يرى إنساناً ترابياً ينمو فى الروح، و ينطلق كما بجناحى حمامة الى السماء."
ثم يستدرك القمص تادرس فيقول أنه رغم عدم إحتياج الله لكل هذا فأنه من أجل حبه للملائكة فانه يمنحهم "عمل المحبة" بتقديم صلوات المؤمنين فى الأرض أو إتمام إرساليته، كما أن عدله يقتضى ان يعطى للشيطان فرصة "الحرية" ليشتكى على من يريد". و ان الشيطان أتى وسطهم بسماح منه "من الله" لان الشيطان لا يستطيع ان يفعل شيئاً دون سماح من الله. فالله بهذا يقدس حرية الإرادة فى المخلوقات العاقلة.
أما عبارة " وجاء الشيطان ايضا في وسطهم" يفسرها القمص تادرس يعقوب ملطى على أن الملائكة و الشياطين موجودون على الأرض كما يوجد البشر الصالحون و المخادعون "ممتزجون معاً" ثم يفسرالقمص تادرس يعقوب ملطى إجابة الشيطان للرب بانه أتى "من الجولان قى الأرض و من التمشى فيها" تفسيراً مجازياً حيث يقول ان العبارة تشير الى أن الشيطان لم يتعد حدوده حيث ان الأرض تشير الى "الأنسان الترابى الجسدانى لا ينشغل إلا بالأرضيات" حيث "يجول" الشيطان "كما فى ملكه" أما "السماء فهى تشير الى الإنسان الروحى الذى ينشغل بالأبديات" الذى لا يمكن للشيطان أن "يتسلل الى قلبه".
أنظر هذا الرابط الخاص بتفسير سفر أيوب للقمص تادرس يعقوب ملطى: http://www.masi7i.com/uploads/1789/3711/__.pdf
و يمكن الأضطلاع على تفسير سفر أيوب للقس أنطونيوس فكرى على موقع (St-takla) على هذا الرابط: http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/20-Sefr-Ayoub/Tafseer-Sefr-Ayoob__01-Chapter-01.html
و يمكن الأضطلاع على تفسير سفر أيوب للقس وليم مارش على هذا الموقع: http://www.call-of-hope.com/new/site/pages/itemFormat.php?lang=ara§ion=alkanz&item=30-9&format=xml#idp229593168
و تثير الاًية و تفسيرها عدة أسئلة نطرحها للتفكير و التأمل و للقارئ أن يتأملها أو يجيب عليها كل حسب معتقده وله أن يدلى برأيه فى التعليقات إذا أراد:
1- هل الملاك و الشيطان لهما نفس الهيئة؟ و هل يتواجدان سوياً على الأرض – و لن نستخدم تعبير القمص تادرس فى قوله "ممتزجون معاً" – دون ان يتعرف أحدهما على الاَخر؟ 2- ما غرض سؤال الله للشيطان "من أين جئت؟" هل ليوصل له رسالة انه – أى الله – قد تعرف عليه؟؟ أو هل الغرض من السؤال هو جذب انتباه الملائكة ان يكونوا حريصين من تسلل الشيطان بينهم؟ ام أن الله لم يكن يعلم من أين جاء الشيطان بالفعل؟ و هل كذب الشيطان على الله؟ 3- ألم يستطع الملائكة التعرف على الشيطان الذى – و لن نستخدم تعبير القمص تادرس "تسلل بينهم الشيطان" – جاء أيضاً و سطهم؟ 4- هل هذا يعنى أن الشيطان يستطيع أن يتعرف على الملائكة ويعلم أين يذهبون و من ثم يندس بينهم و هم لا يعلمون؟ 5- ماذا كان يمكن للملائكة أن يتصرفوا لو تعرفوا على الشيطان و سطهم؟ هل كانوا سوف يمنعونه أو يطرحونه أرضاً مرة أخرى؟ 6- هل إجتماع الله بملائكته يتم بصورة دورية محددة المواعيد مسبقاً... أو يتم عقد الأجتماع بصفة غير دورية؟ و فى جميع الحالات كيف علم الشيطان بموعد أو مواعيد عقد الإجتماع أو الإجتماعات بين الله و ملائكته فيندس هو بينهم و يحضر هذا الاجتماع؟ 7- هل يمكن أن يكون للشيطان جواسيس (سواءاً كانو من الملائكة أو الشياطين) ينقلون اليه ما يحدث و ما يُتخذ من القرارات فى الإجتماعات بين الله و الملائكة؟ 8- هل يمكن ان يأخذ الشيطان شكل ملاك و يندس بين الملائكة – دون أن يتعرف عليه أحد منهم – فيعرف مواعيد الأجتماعات و ما يُتخذ من قرارات؟ 9- أو هل الشيطان و الملاك لهما نفس الهيئة فلا يمكن لأحدهما التعرف على الاَخر؟ 10- أو هل أعطى الله للشيطان حق حضور مثل هذه الإجتماعات و هل يعلم الملائكة بهذا الحق ومن ثم فأنهم لا يعترضون على حضوره؟
إن أول ما يطالعنا صراحةً عن العنصر أو المادة التى خُلِقت منها الملائكة نجده فى سفر المزامير لدأوود النبى فى المزمور 104 عدد 4:
"4 الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا، وَخُدَّامَهُ نَارًا مُلْتَهِبَةً"
و فى موقع "St-takla" فأن القس أنطونيوس فكرى يعطى تفسيراً مجازياً للعدد او الاَية و ليس تفسيراً حرفياً أو ظاهرياً للنص فيقول:
{آية (4) من المزمور 104: "الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ." ملائكته رياحًا= نشعر بعملهم دون أن نراهم، وهم في تنفيذ أوامر الله في منتهى السرعة كالريح. وخدامه نارًا ملتهبة= لهم طبيعة روحية، وكما أن الله نار آكلة هكذا ملائكته، قلبهم ملتهب فيهم كنار حبًا لله.}
انظر هذا الرابط للإضطلاع على تفسير القس أنطونيوس فكرى: http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/21-Sefr-El-Mazameer/Tafseer-Sefr-El-Mazamir__01-Chapter-104.html
أما النص الثانى المتعلق بخلق الملائكة من العهد الجديد نجده فى رسالة بولس الرسول الى العبرانيين الأصحاح الأول عدد 7 و هوترديد لما جاء فى العهد القديم المزمور 104 عدد 4
) 7 وَعَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ: "الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ". (عب 1: 7
و نجد تفسير الاَية 7 الأصحاح الأول من رسالة بولس الرسول الى العبرانيين فى موقع "St-takla" أيضاً حيث أن القس أنطونيوس فكرى يعطى تفسيراً مجازياً أيضاً و ليس تفسيراً حرفياً أو ظاهرياً للنص فيقول:
{آية 7: "وَعَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ:«الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ»: رياحا = من حيث السرعة والشفافية وعدم رؤيتنا لها راجع (مز4:104). وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ = من حيث قوة الضياء ورهبتها وقوتها وقوة تأثيرها. والرسول يكتب هذا عن الملائكة حتى لا يفهم أحد أنه يقلل من شأنهم. ولكن بالرغم من قوتهم فهم خليقة الله = الصانع ملائكته . ومزمور 104 يحدثنا عن الخليقة بينما أن المسيح هو الخالق = الذي به أيضا عمل العالمين. "كل شيء به كان ، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3) أي هو الذي خلق الملائكة. (عب2:1).}
انظر هذا الرابط للإضطلاع على تفسير القس أنطونيوس فكرى: http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/
ويورد القس أنطونيوس فكرى فى تفسيره رأي نيافة الأنبا غريغوريوس عن خلقة الملائكة استنتجه من بعض آيات الكتاب المقدس فيقول الأنبا غريغوريوس: إن الرسول قال عن الله "إنه الصانع ملائكته أرواحا، وخدامه لهيب نار" (عب 1: 7) , مبينا بهذا أن الله هو الذي خلق الملائكة من النور الذي خلقه أول ما خلق، فقد قال الله "ليكن نور فكان نور" (تك 1: 3), ومن النور خلق الله الملائكة، ومن هنا فهي كائنات نورانية طاهرة نقية صافية.. كائنات روحية ليس لها أجساد كثيفة كأجسادنا, وإنما أجسادها لطيفة. و يقول القس أنطونيوس فكرى أن هذا الرأي يؤيده الأنبا ساويرس أسقف الأشمونيدس الشهير بابن المقفع قائلا "إنه في يوم الأحد خلق الله السماء العليا التي فيها الملائكة وفيه خلق جميع مراتب الملائكة الروحانين، وفيه خلق السماء وجميع من فيها وفيه خلق النور..." و يستمر القس أنطونيوس فكرى تدعيم فكرة خلق الملائكة من "نور" بقوله: "وقد اعتقد كثيرون من الآباء، كيوستينوس الشهيد وأثيناغورس وإيريناوس وأكليمندس الإسكندري وترتليان وأغسطينوس، أن للملائكة أجساداً روحانية. وفي سنة 787م حكم مجمع نيقية الثاني أن للملائكة أجساداً لطيفة من النار أو الهواء استناداً على بعض آيات الكتاب المقدس (مثل: أي 1: 6، ودا 10: 6 ومت 28: 3 ومر 16: 5 ولو 24: 4 وأع 1: 10 و12: 7 و2كو 11: 14 ورؤ 10: 1). وفي سنة 1215م نقض المجمع اللاتراني هذا الحكم ونادى بأن الملائكة بدون أجساد. ووافقه في ذلك بطرس اللمبردي وكثيرون من علماء اللاهوت، وقالوا إن الأجساد التي ظهروا فيها أحياناً غير حقيقية. ولا يزال الاعتقاد أن للملائكة أجساداً روحانية هو الاعتقاد المرجح عند كثيرين.
انظر هذا الرابط للإضطلاع على تفسير القس أنطونيوس فكرى: http://answering-islam.org/Arabic/Books/Theology/chapter20.html
و نلاحظ هنا أن الأباء لم يتفقوا على رأى واحد خاص بـ"مما خُلِقت الملائكة" أو "ماهية الملائكة" و لا حتى المجامع اتفقت على هذا الأمر: فهى أجساداً لطيفة من النار أو الهواء كما حكم بذلك مجمع نيقية الثانى سنة 787م. و نعتقد ان مجمع نيقية لم يستطع أن يستخدم كلمة "كتلة" من النار و الهواء لعدم تناسبها مع وضع الملائكة موضع السمو و لِما تحمله كلمة "كتلة" من عدمية الحياة فى "كتلة" من الجماد و بناءاً على ذلك كانت سقطة مجمع نيقية فى إستخدامه لكلمة "أجساد" فكلمة "جسد" تعنى التركيب الفيزيائى لإنسان أو لحيوان بما فى ذلك من عظام و لحم و أعضاء داخلية و خارجية و لا يستطيع أحد أن يتأكد من ذلك بالنسبة للملائكة. أما استخدام تعبير "بدون أجساد" الذى نادى به المجمع اللاترانى فى سنة 1215م وضع رؤى - جمع رؤية – الأنبياء و الرسل للملائكة موضع شك.
و السؤال الأول هنا: إذا لم يكن للملائكة "هيئة" أو "شكل" فى أى "قالب مادى محسوس" فكيف يمكن رؤيتهم بالعين البشرية المجردة التى للأنبياء أو الرسل أو لأى بشر يدعى رؤيته لهذه الكائنات الميتافيزيقية اللهم إلا إذا كان الرائى يمتلك عينين من نوعية خاصة لا يمتلكها أى بشرى غيره؟
و السؤال الثانى الخاص بهذه الجزئية: هل يمكن لعلم النفس التجريبى الحديث أن يعطينا أجابات لمثل هذا السؤال؟؟ ربما!!! بمعنى هل لهذه الرؤى تفسير فى علم النفس؟؟ هل هناك أشخاص لا يُعَدون من الأنبياء أو الرسل أو القديسين أو أولياء الله الصالحين يرون مثل هذه الرؤى أو غيرها، و كيف يرى علم النفس مثل هولاء الأشخاص؟؟
على أن ما هو واضح و جلى الاَن أن الأباء و المجامع كانوا يبحثون فى أمر ميتافيزيقى لا يخضع للتجربة و لذلك لم يكن لديهم دليل إثبات غير النصوص الكتابية التى لا تعبر إلا عن رؤية كاتبيها و هم بشر متأثرين بثقافات البيئة التى يعيشون فيها و التى بها تتأثر و تتشكل معارفهم و رؤاهم و التى أيضاً تتأثر بلغاتهم التى بها يعبرون عن رؤاهم. و من ثم فليس لدينا ما يمكن اللجؤ اليه سوى ظاهر النص و دلالة الكلمات لكى نصيغ إستفسارات و أسئلة أخرى حتى نشبع غريزة حب الإستطلاع التى أوجدها الخالق فى مكونات العقل البشرى حتى تستريح النفس الباحثة " فتشوا الكتب لانكم تظنون ان لكم فيها حياة ابدية..." يو 5 : 39
و من ظاهر النص نعلم أن العنصرين المصنوع منهما الملائكة هما "الرياح" و "النار". و هذان العنصران ماديان موجودان فى الأرض و ربما يكونان موجودين فى كواكب أو نجوم أو عوالم أخرى فى عوالمنا المادية الطبيعية. ولكن ما يلفت النظر هو أن النار و الرياح أشياء مادية طبيعية فيزيقية كالتراب و الماء ... الخ و ليست عناصر ميتافيزيقية. و بالطبع لابد أن يكون هناك عنصر ميتافيزيقى و هو الروح. فلابد للعنصرين الفيزيائيين أن يتحدا مع عنصر ميتافيزيقى لكى يتكون هذا الملاك... و لكن لم يتناول الكتاب المقدس ماهية هذا العنصر الميتافيزيقى و ماهية مصدر الروح الملائكية كما تناول ماهية و مصدر الروح فى عملية خلق اَدم.
و السؤال هنا: هل الملائكة مخلوقة من هذين العنصرين الماديين الرياح و النار؟؟ و إذا كان الحال كذلك فهل هذا يعنى أن خلق الملائكة تم بعد خلق العالم الفيزيقى ذى الوجود المادى؟؟ و إذا كانت الملائكة مخلوقة من عنلصر مادية فلماذا لا يكونوا مُدْرَكين بأى من حواس الإدراك البشرية؟؟...
إنه من الجدير بالذكر و مثير للإنتباه أيضاً الفرق فى لقب الملائكة فى سفر أيوب من ناحية و فى سفرى المزامير و الرسالة الى العبرانيين من ناحية أخرى:
و السؤال هنا يتعلق بعلاقة الملائكة مع الله: 1- فهل الملائكة "أبناء الله" كما جاء فى سفر أيوب الأصحاح الأول العدد 6: "6 وكان ذات يوم انه جاء بنو الله ليمثلوا امام الرب وجاء الشيطان ايضا في وسطهم."؟ 2- أم هل الملائكة خدام الله كما جاء فى المزمور 104 عدد 4 و عب أصحاح 1عدد 7: " الصانع ملائكته رياحاً وخدامه ناراً ملتهبة"؟ 3- أم هل تطورت فكرة كون الملائكة "أبناء الله" فى سفر أيوب و هو أقدم أسفار الكتاب المقدس كما رأينا فى بداية المقال – الى فكرة كونهم "خدام الله" فى المزمور 104 عدد 4 و الرسالة الى العبرانيين أصحاح 1 العدد 7 و هما كتبا بعد سفر أيوب بفترة طويلة؟ 4- أم أن البنوية و الخدامية لله هما رتبتان أو وضعان لتصنيف الملائكة مع الفارق الكبير بين من يُدعى خادماً و من يُدعى إبناً؟ 5- و أخيراً هل كان الملاك الساقط إبناً أم خادماً؟
فيما عدا ما ورد فى سفر أيوب الأصحاح الأول العدد 6 و فى سفر المزامير المزمور 104 عدد 4 و فى سفر الرسالة الى العبرانيين أصحاح 1 العدد 7 لا يوجد اى تفاصيل عن خلق الملائكة فى الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد و لكن تطالعنا رؤئ أو ظهورات كثيرة فى أشكال متفاوتة سوف نتناولها فى مقال قادم. دمتم بخير (رمسيس حنا)
#رمسيس_حنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات فى السقوط 1
-
الفلاح و التلميذ
-
الرافض للحقيقة (قصة قصيرة)
-
-موسرب- أو الفلاح المصرى الذى مات واقفاً -قصة قصيرة-
-
الى إمرأة غانية (شِعر)
-
إعتذار لسيدتى العراقية (شِعر)
-
تباريح وطن (شِعر)
-
الطاعون فى العراق - شِعر - الى المضطهدين و المهمشين بالعراق
-
إغتراب (شِعر)
-
دماء فى القلب المقدس (قصة قصيرة جزء 3 و الأخير)
-
دماء فى القلب المقدس (قصة قصيرة جزء 2)
-
دماء فى القلب المقدس (قصة قصيرة جزء 1)
-
سياسة (1)
-
الهروب منه إليه
-
الصوفية المصرية
-
شخصية يسوع فى الألحان الفرعونية
-
أسبوع الألاَم خصوصية مصرية
-
همس الدولار -شِعر-
-
الطفل المشاغب يترافع عن عخان إبن كرمى (قصة قصيرة)
-
الطفل المشاغب عندما تم إعدام عخان إبن كرمى (قصة قصيرة)
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|