عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4648 - 2014 / 11 / 30 - 00:22
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
التحولات الكبرى
في الصراع بين الأعراب والإسلام من محمد ص إلى الإمام الحسين ع .
من يعتقد أن المواجهة الحتمية بين منهج المحافظة الفكرية الذي يمثل المدرسة الإعرابية التقليدية في تعاطيها مع المشكل الديني وبين مدرسة الإتباع والطاعة المتحررة من البيئة والمناخ الفكري السائد قد أبتدأ في عام 60و61 هجري عليه أن يراجع مجريا الحدث ليتأكد أن المواجهة كانت ممتدة وحتى أيام الرسول محمد صل الله عليه وأله وسلم ,كان ما ينقصها الخوف والخشية من أن ينزل الوحي وإن قد نزل ليفضحهم في مواطن كثيرة , لكن اللطف الرباني والخلق المحمدي الرسالي كان من الحلم بمكان مكن لمدرسة النفاق أن تستتر به .
الصراع الحقيقي كان يجول في الصدور وتضمر النوايا ما تضمر من تناقض بين معتقدات الجاهلية وبين تعاليم السماء السمحاء حتى أشتد أوراها بعد الفتح الأكبر فتح مكة حين لم تجد المدرسة العربانية من بد حتى أعلنت انصياعها راغمه مطاطاه الرؤوس لتدخل الإسلام تحت ضغط الإفلاس الفكري والانهيار الأجتماعي الذي تزعمته مدرسة مكة وحلفاءها من أهل الكتاب ,لذا فلا غرابة أن تتحول المواجهة من العلن والجهر إلى السر والإضمار الذي يعلمه الله وتفضحه ممارسات الطلقاء من بقايا أصنام العبادة الجاهلية التي أرتدت ثوب الإسلام خانعة .
هذا الحال لم يقدر له النجاح لولا الفئة الحاضنة التي كانت بنت لها وجود حول النبي ص ومن خلال تجمع الأنصار وتجمع المهاجرين ومحاولة التفريق دائما بين المسلمين تبعا للإنتماء الجغرافي ليبقى الفرز حاضرا للمهمة القادمة وهي قرشنة الدين وحصر حق الزعامة فيه بأعتبار أن أهل مكة أهل سيادة بما يمتلكون من منزلة أجتماعية عصبية فيها بيت الله ومنهم رسوله وهذا السبب كاف لترويج قرشنة الدين وبالتالي قرشنة الإيمان ونقل المهمة التي عجزت قريش عنها بالسلاح لتنالها أيادي غلمان مكة بلا ثمن .
كان محور الصراع من جهة المدرسة المحافظة في الفكر الإسلامي العام هو الشرف الأجتماعي والمنزلة بين العرب والأعراب وما تدره من منافع مالية وسيادية وأمور أخرى ,أما عند المدرسة الرسالية المطيعة كانت الهدف هو إعادة خلق الإنسان الجديد المسلم المتسلح بروح التحرر والإنعتاق من كل أنواع الجاهليات تحت عنوان لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى وتجسيد هدفية خير الناس من نفع الناس ,هذا التناقض الجوهري هو من وضعنا نحن وبعد أحتدام المواجهة أمام وجهين مختلفين من التفكير ,وجه يريد الإنسان كائن فاعل بالوجود ومستعين بالعقل والحرية من خلال الإيمان ووجه أخر يريد أن يستغل الإنسان مستنزفا كل إنسانيته من خلال التدين الجاف وإن كان السلاح في الأثنين هو الدين الإسلامي .
في حركة الصراع داخل المجتمع الإسلامي في أثناء حياة الرسول وما بعد حتى نهاية ولاية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كانت هناك تحولات مهمة وأساسية وخطيرة هي المسؤولة عن بلوغ الإسلام هذه المنزلة الوجودية سوف نعددها تحديدا ولكن قبل ذلك نشير إلى ملاحظة أساسية ومهمة وهي أن الرسول ص والإمام علي ع كان المحور الفاعل الذي قاد هذه التحولات في مقابل ذلك كانت قريش المحور الثاني ,وهذا يقودنا لنتيجة أن الصراع الأساسي في الإسلام لم يكن بين الإسلام كدين وباقي الأديان وأنه كان صراع الإسلام وقريش المتعنة قريش التي كانت تقود بفخر مدرسة الجاهلية ولذا كان خيار مكة عند الله لبدء نزول الوحي هو محاولة تفجير الجاهلية من داخل نسيجها الأجتماعي الطبيعي وفي مركز ثقل الجاهلية في الأرض.
الحركة الكبرى الأولى التي قادها الرسول هي الهجرة من مكة للمدينة وترك الإمام في مكة قائما مقام النبوة وراغم أنف قريش على ما تريد , فخرج نهارا جهرا مع كل ما لمحمد الرسول ص من بقية في مكة ليعلن أن هذا الفتى هو مقابل جبروتكم يا قريش وأهل مكة , فخرج منها أمير المؤمنين وهو الكرار الذي أغاضهم وفي قعر دارهم , جاءت النقلة الكبرى الثانية في معركة الخندق التي كان الإمام فيها مع الرسول وخياره في كفة والوجود كله بشقيه الإيمان والكفرة في كفة وهما في كفة فأثقلت ضربة حيدر الميزان وأنتكس علم قريش مرة أخرى على يده المباركة .
الحركة الثالثة كانت الأقصم والأشد مرارة حينما سرحها بحبلها لمن شقق ضرعها ليعلم المسلمون من كان معه ومن ضده أنه هو الذي يجليها للحق وكل من عداه مجرد حكام لا يؤمنون أنفسهم من هوى ولا يعتصمن إلا به وبالكتاب ولولا وجوده لهلك من هلك وضاع من ضاع , فنكس بذلك التسريح وفضح ضحالة قريش وجبروتها الذي يزعمون بالقرابة وهو أقرب لها من قطب الرحى ,أخر التحولات الكبرى هو نقل عاصمة الخلافة من المدينة التي تحولت بفعل أنتقال القرشيين والمتقرشين إليها بعد تسيدها فصارت الحاضنة الناطقة لهم وأنزوى الأنصار في خانة المواطنين من الدرجة الثانية .
بخروج الإمام من المدينة أصبح الصراع علنيا ومجاهرة بعدما كان خفيا وتحت الرماد , المدرسة المحافظة شهرت كل أسلحتها بوجهه دون وجل أو خوف وهي تعلم أن في خروجه وانتقاله للكوفة إنما تخلص من ضغط العربانية والأعراب وفلت من قبضة الحاضنة التي لا تمانع من العودة للجاهلية , كانت فكرة الأنتقال هي تخليص الدين من تأثيرات فكر ومنهج العربان وما موالهم ومن والاهم الذي يعتمد نفس النظام الأجتماعي العشائري القبلي بالتوريث الفخري دون الإلتفافت لموازين الإرادة الربانية ومقاصد الرسالة التي جعلت الولاء والولاية في كلمة ( منكم ) المحصور في آية الطاعة بعد تخصيص النبي .
هذه هي جذور الصراع بين حركة الحسين ع وما قابلها من الجهة الأخرى يزيد ومعسكر قريش ومن وراءه الإعرابية الجاهلية التي لا تعي إلا حكم السيادة والأسياد ولا تعير لمبدأ وحدة الإنسان والمساواة القائمة على فكرة كلكم من آد وآدم من تراب ,بين هذا الصراع المتفجر وصراع أبيه عليه السلام فترة أمتدت لعشرين عام عاش خلالها الحسن السبط عليه السلام والحسين النجيب فترة أنتظار وترقب وبناء للثورة أساسها الأول فكري تحصيني بعدما ألت الخلافة لمعاوية بعد واقعة الصلح التأريخية وهي بنظري لا تقل أهمية وخطورة عن معركة الخندق ونتائجها الكارثية لو حدث الصدام لبين المدرستين ومدرسة الطاعة تعاني من مواطن تخلخل بنائي وأهتزاز في عقل الكثير من أنصارها بعد أستشهاد أمير المؤمنين في رمضان الأربعين للهجرة .
لقد ترك الحادث جرحا عميقا في الذات المؤمنة والتي على حافة الإيمان إلا الأقلية الممتحنة من خلص أنصار الإمامة ورواد مدرسة الطاعة وما لاقوا من بعده من تنكيل وتهجير وقتل ومصادر أموال وإلخ من الأساليب البطشية في الشام والمدينة ومكة وسائر الأمصار خاصة اليمن ومصر ,مما أضعف من قدرة الإمام الحسن في المواجهة التي من المؤكد ستنتهي كما أنتهت معركة الطف في كربلاء , والمتألم أفتراضا لو أن حدث كربلاء حدث مع الإمام الحسن ع لم يكن ينتهي إلا بأستئصال شأفة أل البيت من الوجود حيث لا يمكن تصور أستشهاد الإمام الحسن إن لم يكن قبله الإمام الحسين شهيدا وقبلها أولاد أمير المؤمنين وقبلهم الهاشميون وقبل الهاشمين أنصارهم , كان الهدف من حركة معاوية أن يضع الحسن أمام خيارين الموت والهلاك وأنتهاء الرسالة أو الأسر والإذلال ومن ثم العبث بالدين ليتحول الإسلام إلى دين أخر.
قاد الإمام الحسن المواجهة ليثبت لمعاوية أن فكرة الإذلال غير واردة في القاموس وأن الجهاد فرض وجوب عليه وبالتالي فعقد الصلح من موقع المحارب المتصالح على حفظ الدم وليس المتصالح على التنازل عن الإمامة والقيادة والريادة , ومن نتائج هذا الصلح أن أكتشف المسلمون ولو متأخرا أن حكم بني أمية لا يمت للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد مجرد حكم قيصري كما ورد في أدبياتهم حكم أبناء الزرقاء , ولو تصورنا فرضا أن الإمام الحسن قاد المواجهة التي تنتهي بأنتصار الحسن ع لكان اليوم معاوية سيد الشهداء وافضل الخلق حتى من رسول الله بعد أن تمرد الخارج عن إمام زمانه الحسن وقتله طمعا بالدنيا وانتزاعا لإرادة الله والمسلمين وهكذا يتحول الطلقاء من عصاة إلى قديسين والمقدسين يتحولون بالنظرية الإعرابية إلى عصاة كفرة لا يتوجب لأحد الأنتماء لهم أو التعلق بهم وهذه الخسارة المعنوية وإن كانت عند البشر فقط تساوي نفس النتيجة التي أرادها حكام بني أمية في قتل الحسن ع .
هكذا مهد الإمام السبط الأرضية لفضح المنهج العرباني واستكمالا لدائرة الصراع وتحويطا للدين من أن يضيع في دروب المؤامرة التي قادها معاوية ومستشاريه من ملل أخرى وما خطط له بالخفاء زعماء الشام مدفوعين بالانتقام من النبي محمد ص ومن أبيه لذا صرح القوم أننا نعرف من أنت ومن تكون ولكن بغضا بأبيك والحقيقة من قولهم بغضا بجدكم ومن قبله الرب الذي بعثه الذي حطم هيبة قريش ومكانتها وجعلنا مرغمي الأنوف أن نصلي عليكم وإلا عدنا الناس كفرة فجرة وهذا ما لا ينسى ولا يكون .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟