|
أنقذوا التعليم: أوقفوا تدريس اللغة الإنجليزية
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 4647 - 2014 / 11 / 29 - 13:52
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
سوف ينزعج الكثير منا من هذا النداء: "اللغة الإنجليزية مرة واحدة، مش التاريخ، ولا التربية المدنية، ولا التكنولوجيا اللي ما حدا فاهم شو موضوعها؟" نعم اللغة الإنجليزية تشكل كارثة كبرى في النظام التعليم الفلسطيني بخاصة، والعربي بعامة للأسباب التالية: أولاً، وفوق كل شيء، لأن الطالب في بلادنا دون طلاب الأرض جميعاً يتعرض لدراسة لغتين غير اللغة الأم في وقت واحد. وهذا على ما يبدو فوق طاقة العقل الإنساني. ليست اللغة شيئاً بسيطاً مثلما السباحة ليتعلمه المرء في بضعة أسابيع. اللغة سيرورة معقدة تستمر على امتداد حياتنا، ومعظم البشر يموتون دون أن يتقنوا لغتهم الأم. في بلادنا نحن نتعلم اللغة العربية الفصيحة التي هي لغة ثانية، بمعنى أنها ليست اللغة الأم؛ اللغة الأم في البلاد العربية هي العامية: الفلسطينية، أو المصرية، أو الجزائرية، أو العراقية...الخ ونحن نتعلم أيضاً الإنجليزية أو الفرنسية. أحياناً في بعض المدارس يتعلم الطفل ثلاث لغات في وقت واحد: العربية، والإنجليزية والفرنسية أو الألمانية بحسب مصادر الدعم والتمويل. النتيجة ضياع تام لعقل الطفل وسط الأنظمة اللغوية المختلفة. والنتيجة افتقار المواطن الذي كان طفلاً إلى أية أداة تواصل معرفي وعلمي وثقافي راسخة وقوية. ومن لا يصدقنا يستطيع أن ينظر لا إلى طلبة الجامعات العربية والفلسطينية، وإنما إلى أساتذة الجامعات. وإذا شئنا تحديد الحديث بوطننا الأصغر فلسطين، فإن نظرة عابرة لأي شخص يحتك بالأكاديميا المحلية تدله على أن الأساتذة لا يتقنون الإتقان الملائم للعمل الأكاديمي البحثي والتدريسي أية لغة، لا العربية، ولا الإنجليزية. والنتيجة هي الاضطراب المعرفي عند القراءة والكتابة على السواء. قارنوا الصورة ببلاد أخرى. المسافة بين المحكية ولغة الكتاب في الإنجليزية لا تكاد تذكر. وعلى الرغم من ذلك فإن الناس في الولايات المتحدة يكتفون بتعلم اللغة الإنجليزية الأم. أذكر أنني أثناء دراستي في الولايات المتحدة لم أواجه أي أكاديمي يعرف لغة غير الإنجليزية باستثناء المختصين في الدارسات الأجنبية بشكل أو بآخر، كأن تكون أستاذة باحثة متخصصة في قضايا الصين في تخصص السياسة المقارنة. في هذه الحالة نجد أنها تتلقى تدريباً يستمر خمس سنوات أو يزيد على اللغة والثقافة الصينية في الصين ذاتها، ثم بعد حصولها على الدكتوراة تواصل صلاتها وعيشها في الصين بين الفينة والفنية حتى تقترب من مستوى استدخال اللغة الصينية وثقافتها على نحو عميق. ما خلا ذلك الناس يكتفون بالإنجليزية ويحمدون الله على تمكنهم منها. ثانيا: نحن نتعسف في إخضاع الطفل لدراسة لغتين أجنبيتين في الوقت ذاته. العربية الفصيحة، والإنجليزية على الأقل. لا مكان على الأغلب للطفل لممارسة أي من اللغتين في الحياة العامة. والنتيجة أن يفشل الطفل في تحصيل مستوى عال في أي منهما. من نافلة القول إن اللغة العربية تضيع أكثر من الإنجليزية. ففي أحوال كثيرة –خصوصاً- في المدارس الخاصة يمكن أن يكون مدرس الإنجليزية ابن اللغة بشكل كامل أو في مستوى ابن اللغة. وهي حالات تتحقق في كثير من الأحيان بسبب وجود جالية كبيرة من أهل بلادنا في المنافي في شمال أمريكا. وهذا الحال ينطبق على رام الله وبعض مدارسها الخاصة، ولا يمكن تعميمه على الخليل في فلسطين، ولا على الفلوجة في العراق. في المقابل لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجد مدرساً واحداً يتمتع بصفة أن لغته الأم هي العربية الفصيحة. لأسباب تاريخية ليس هنا محل الخوض فيها ليس هناك من وجود للغة العربية إلا في بطون الكتب. ومن هنا فإن كل من يتعامل مع العربية من المحيط إلى الخليج هو شخص تعلمها في المدارس وليس من أمه وأبيه. بالتالي فإن التلاميذ في المدارس يتلقون اللغة العربية "الأجنبية" من أجانب لا يتقنونها. يكفي أن ندخل محاضرات تخصص اللغة العربية في القاهرة أو بيروت أو بيت لحم لنرى إلى التكلف والتعثر والتصنع والضعف الذي يميز جو المحاضرة. محاضر يحاول كمن يدحرج صخرة أن يقول جملة أو جملتين بالعربية الفصيحة، وطالب لا ينجح أبداً في تلك المهمة. لا بد أن حال اللغة الإنجليزية في بيرزيت وبيت لحم أفضل دون شك. ثالثاً: يشكل عبء تعلم اللغتين الأجنبيتين العربية الفصيحة والإنجليزية هماً كبيراً على عقل الطفل من ناحيتين: واحدة تتصل بضعف فرصة أن يتقن المتعلم أياً منهما مما يعني عدم تمكنه من أية لغة تقوم بدور حامل المعرفة ووسيلة التواصل بشكل فعال، وأخرى تتصل بضخامة العبء الدراسي الذي ينوء بحمله الطفل في سبيل التمرن على الجوانب المعقدة والواسعة والصعبة لنظامين لغويين يختلفان عن نظامه الأم. وهذا يأتي على حساب الوقت والجهد الذي يمكن إنفاقه على تعلم الرياضيات والفيزياء وطرائق التفكير من بين مهارات أخرى مهمة. رابعاً: يؤدي الانتشار الواسع للغة الإنجليزية بين المواطنين وخصوصاً في مستوى النخب إلى إضعاف الحاجة إلى الترجمة إلى العربية مثلما إلى إضعاف الحاجة إلى الكتابة بالعربية في المواضيع البحثية المختلفة، وليس سراً أن الكثير من أبناء بلادنا يكتبون بالإنجليزية، وهذا ينطبق على نحو خاص على الناس الذي تلقوا تدريبهم الأكاديمي في العالم الأنجلوساكسوني. خامساً: إذا كان لنا أن نحلم بتشكيل وحدة إقليمية فضفاضة، لكي لا نقول وحدة عربية تامة، لا بد من التركيز على محاولة تحويل اللغة العربية إلى لغة جامعة تقترب في مستوى إتقانها من مستوى اللغة الأم. وذلك بالطبع لا يتحقق في ظل المنافسة الشرسة مع اللغة الإنجليزية. سادساً: إذا كنا نحلم بفك الارتباط بالاستعمار الكوني الذي تقوده الولايات المتحدة، لا بد أولاً وقبل كل شيء التحرر من الهيمنة الثقافية الأمريكية التي تجسدها خير تجسيد اللغة الإنجليزية وتطبيقاتها في الأفلام، والإنترنت، وقطاع الأنجزة. سابعاً: لا علاقة مثلما قد يتوهم بعض الناس بحسن نية بين تعلم الإنجليزية وبين التقدم العلمي والحضاري أو الصناعي. إن الهند على سبيل المثال استدخلت الإنجليزية إلى درجة تفوق بلادنا بكثير، ومن نافلة القول إنها تعرف الإنجليزية خيراً من فرنسا أو روسيا أو الصين. ولكن من البين بذاته أن الهند لم تقلع بسبب ذلك. الصين هي التي تقلع بسرعة الصاروخ على الرغم من أن اللغة الصينية لغة "عجيبة" لم ترتق إلى مستوى النظام الهجائي المخترع من قبل الكنعانيين والمعتمد في منطقة حوض المتوسط حيث انتشر منها إلى أوروبا وشمال أمريكا. وليس ببعيد أن يأتي زمن قريب تصبح الصينية فيه هي اللغة الكونية الأولى، وذلك يجب أن لا يدهشنا، لأن الهيمنة اللغوية والثقافية تابع للهيمنة الاقتصادية والسياسية، ولا ترتبط بمزايا داخلية تتصف بها هذه اللغة أو تلك. إذن من أجل أن نؤسس لعقل سوي، لا يعيش بلبلة وضعفاً ناجماً عن عدم إتقانه لغة علمية واحدة، ومن أجل التأسيس للإقلاع العلمي، وفك الارتباط بالاستعمار، ووضع الأسس للتقريب بين المواطنين "العرب" لا بد من التوقف عن تدريس اللغات الأجنبية كلها، والاكتفاء بتعليم اللغة "الأجنبية" العربية الفصيحة لعلها تقترب تدريجياً من حالة اللغة الأم. أما إذا كان بيننا من يجد مزايا سحرية في الإنجليزية تجعله غير قادر على التخلي عنها، فيجب عليه أن يطالب علناً بإيقاف تدريس اللغة العربية، فحمل بطيختين لغويتين أجنبيتين في وقت واحد هي عملية تتجاوز إمكانيات العقل الإنساني.
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جامعة بيرزيت الليبرالية: التنافس والريادية والإبداع أساس الت
...
-
الحجاب وتدمير التفكير واحتكار الحقيقة الأخلاقية
-
بطش الاحتلال وبطش المدارس
-
فشل الدول وسقوط البرجوازية الكولونيالية في الوطن العربي
-
السويد لم تعترف بالدولة الفلسطينية
-
اليسار ليس إلحاداً ولا لبرلة ولا علمنة
-
فساد الأنجزة: سرية رواتب الموظفين فساد الأنجزة: سرية رواتب ا
...
-
هل من فروق بين حماس وداعش؟
-
المناضل مجد اعتراف الريماوي
-
رأس المال المحلي لا وطن له
-
أوباما، يصنع الدمى، يحركها، يعبث بها، ويحرقها
-
ما الذي يبقينا على قيد الحياة؟
-
أغلقوا المدارس/افتحوا بوابات الإنتاج والمقاومة
-
المقاومة الفلسطينية بين الإرهاب الإسرائيلي والإرهاب المصري
-
داعش في بيتي
-
غزة ومجتمع الفرجة وانتظار جودو إلى عادل سمارة
-
غزة ومجتمع الفرجة وانتظار جودو
-
انتصرت المقاومة
-
هاشم أبو ماريا
-
المقاومة الفلسطينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|