أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد ابداح - 27 يوماً في بغداد - ج6















المزيد.....



27 يوماً في بغداد - ج6


محمد ابداح

الحوار المتمدن-العدد: 4645 - 2014 / 11 / 27 - 12:11
المحور: الادب والفن
    


ساحة التحرير في بغداد

خرجت من مطبخ الشيف حميد ، قبل أن يبدأ بمحاضرة عن الحلويات في بغداد ، والتي لربما كانت محشية أيضاً بلحم الخاروف !، وعلى أية حال ، ذهبت لمكتب الإستعلامات ، وقمت بتسليم مفتاح غرفتي لأبو مهدي ، وأردت التوجهة نحو مكتب السفريات ، كي أقابل ( مجنون عبير !) أي السيد خيري ، ذلك السوداني العاشق..
ولكن قبيل خروجي من الفندق، سألني أبو مهدي قائلا : أبو جاسم إنت لايكون زعلان مني ! ، لأنك ما قاعد تتكلم ويّاي مثل عادتك ..
وفي الحقيقة لقد كنت فعلاً غاضباً من السيد أبو مهدي ، لأننا كنا لازلنا في فترة الصباح ، ولم تعجبني طريقة تكلمه معي عن النقود أو حتى عن نيتي في الإقامة ليوم آخر عندهم ، وأنا أعلم بأنه قبل الثانية عشر ظهراً من ذلك اليوم فإنني لست مطالباً بدفع أي نقود ، وخصوصاً بأنني لم أنم جيداً بالأمس ، من كثرة الأصوات المشبوهة للنساء والرجال في الممرات ، وطوال الليل ، وكما كان يمكن أن يكون أسلوبه أفضل من ذلك ..
ولكن على العموم ، هذا ما حصل وعلي التعامل مع هكذا أمور بدبلوماسية أكثر ، فأنا لا أعرف حتى تلك اللحظة فندقاً آخر أفضل منه من ناحية الأسعار.
فقلت له : لا .. عمي ابو مهدي انا مو زعلان ولاشي ، بس أنا البارحة مانمت زين ، وبعدين أنا قلقان لأني كنت حابب أطمئن على أهلي بالكويت ، بس الإتصالات الهاتفية مقطوعة كلّش ، وما كو طريقة أخابر ( أي أتصل ) مع أهلي ؟
فقال لي : لا ابو جاسم .. أكو طريقة !
فقلت له باندهاش : والله أكو ؟ ، طيب قل لي كيف أبو مهدي ؟
قال: عيني ! تروح آخر شارع السعدون ، واشار بيده لناحية اليمين ، ثم أكمل: وبس توصل لعند ساحة التحرير ، تلاقي نفق مشاه ! ، ثم أكمل : تنزل من تحت النفق عيني !، وتصعد الدرج للناحية الثانية من النفق ، وتلاقي مقابيلك ( أمامك ) عمارة طويلة هوايا (أي كثير ) ، هذه اسمها عمارة البريد، وهي مسؤولة عن الإتصالات الدولية ، ومن هناك عيني تقدر تخابر الأردن أو الكويت !
لقد كانت سعادتي بسماع كلمات ابو مهدي لاتوصف ، حتى أني كدت أقفز من الفرح ! ، فشكرته جداً ثم أسرعت خارج الفندق ، سائراً بنفس الإتجاه الذي وصفه لي .
وفعلاً كان وصفه لي دقيقاً ، فلم ألتفت يميناً أو يساراً ، وإنما سرت قدماً لآخر شارع السعدون ، والذي تكاد كل زاوية فيه أن تنطق ، لتستوقفك وتحدثك عن تاريخها العريق ، وعن كل ما تحمله من أسرار وأحداث تاريخية وحضارية ، حفرت لنفسها مكانة في صفحات التاريخ ، ولكني في تلك اللحظة لم أكن مصغياً إلا لصوت سماع أهلي ، ولم أكن أرى سوى صورة والدايّ وأخوتي ، فيجب أن أصل لعمارة البريد والإتصالات ، ولاحقاً سأنعم نفسي بعبق التعرف على تاريخ بغداد الرائع ..
وصلت لساحة التحرير، وهي إحدى الساحات الرئيسية في وسط بغداد، حيث تقع في منطقة الباب الشرقي ، والتي تحدث عنها الشيف حميد في مطبخ الفندق ، وقد كانت كما وصفها ، تمتلأ بعربات بائعي الأكلات الشعبية العراقية ..
دخلت إلى النفق ، وقد بدى لي بأنه طويل نسبياً، ولم يكن مضاءاً ، ولكن الرؤية كانت واضحة نسبياً، لأننا في فترة النهار ، وقد وجدت بعض الباعة يفترشون أرض النفق ، ولم أنظر جيداً لما يبيعونه ، فقد كنت أمضي مسرعاً ، وبعدها وصلت للطرف الاخر من النفق ، وفعلا شاهدت ذلك المبنى الضخم ، أي عمارة البريد ، فتوجهت نحوها فوراً .
كان يقف أما بوابة المبنى جنديان عراقيان ، ومعهما بعض المدنيين ، سلمت عليهما ، وأخبرتهما بأني أريد الدخول للمبنى ، للإتصال بأهلي في العاصمة الكويتية أو مع بيت جدي في الأردن ، فأخبرني أحدهما بابتسامة هادئة ، بأن جميع الإتصالات مقطوعة حتى إشعار آخر !
فسألته إن كان ثمة أي طريقة للإتصال : فقال : والله .. أنت شايف كل هاي الناس ( وأشار بيده لبعض المراجعين المدنيين والواقفين بجواره) ، هذولي كلهم يريدون يخابرون أهاليهم ، بس والله عيني ماكو أي اتصالات دولية ..
فقلت له : طيب يعني ما تعرف متى تفتح الإتصالات ؟
فأجاب : لا ما أعرف.. ، بس تقدر تيجي كل يوم تسأل ، يمكن بأي لحظة يتم فتح الإتصالات..
قلت حينا : إيه زين ،، بس أنتو دوامكم شلون ( يعني لأي ساعة الدوام ؟ ) ..
فقال : إحنا عيني فاتحين اربع وعشرين ساعة ، ثم التفت لزميله وبدأ يتحدث معه..
لقد كانت خيبة أمل كبيرة ، لدرجة شعرت وقتها ، بأني قد استقظت للتو من حلم جميل ، عشته لبرهة من الوقت ، وقفت أمام مبنى البريد قليلاً ، ثم استدرت ببطيء، حتى أصبح المبنى خلف ظهري، وحينها رفعت رأسي كي أرى بغداد ..
أذكر وقتها بأني قلت في نفسي : يا إلهي ما أكبر بغداد !! ، كما أستطيع التذكر جيداً ، بأنه حينها فقط كان قد تسرب لقلبي شيئا من الخوف ، خوفٌ عجيب ، شعرت به يسري بعروقي كلما بلعت ريقي ، مما جعلني انتفض قائلاً : لا !! لن أخاف ، ان شاء الله سيكون كل شيء على مايرام !
ذكّرت نفسي بالسيد خيري ( مجنون عبير!) ، فقلت : يجب أن أذهب إليه الآن ، وحتماً سيجد لي عملاً، وبقيت أردد في نفسي : يجب أن أجد عملاً كي أنفق على نفسي ، وإلا فإنني سأضيع في بغداد، وكي أرفع معنوياتي قلت : لن أستجدي المال من أحد ..
شحذت بتلك الكلمات همّتي، وجددتُ طاقتي ، ثم توجهت نحو نفق ساحة التحرير، ولكن ما لفت انتباهي فوراً، هو وجود نصب كبير في وسط الساحة ، يدعى نصب الحرية، والذي كما علمت لاحقاً ، فإن الشخص الذي قام بتصميمه وتنفيذه ، هوالنحات العراقي جواد سليم ، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الصرح يعد من أهم إنجازات الثورة العراقية عام 1958م ، حيث عهدت حكومة 14 تموز من عام 1958 الى النحات جواد بتصميم ذلك النصب وتنفيذه أيضاً.
وقد تعهدت الحكومة العراقية آنذك بدفع تكلفة تنفيذه على حساب الدولة ، وأرادت أن يكون نصباً للثورة أو الإنقلاب الدموي (وفق البعض) والذي أطاح بالنظام الملكي ، حيث طلب زعيم الإنقلاب أو الثورة ، عبد الكريم قاسم ، من الفنان العراقي المبدع (جواد سليم) ، أن يصمم النصب ، وأخبره بأنه يرغب بوضع صورته فيه، فقام النحات جواد بتنفيذ تلك الرغبة ، لذا يمكن للزائر أن يرى رجلا بالزي العسكري وسط مركز النصب ، وهو يحطم قضبان السجن ، معلناً عن إطلاق الثورة .
ولكي يوحي الفنان جواد بأن الثورة كانت شعبية خالصة ، وضع في النصب مزيجاً بشريا كأوبريت بشري ، يمثل أبناء الشعب من عمال وفلاحين ومثقفين ونساء وأطفال ، من كافة محافظات العراق، ويلاحظ بأن النصب يتكون من أربعة عشر وحدة فنية، يرمز عددها الى تاريخ الثورة في 14 تموز ويضم 25 شخص بالإضافة للحصان والثور .
ويعتبر النصب وحدة متكاملة مبتدءاً بالحصان من الجهة اليمنى رافعاً رأسه وقوائمه الأمامية بشكل شامخ ، فاتحاً ثغره بإيماءة تعبيرية عن الصهيل الذي يمثل الأصالة العربية، ومنتهياً بالثور في أقصى اليسار والذي يرمز للقوة والفحولة ، ويمكن أن ترى تحت الثور الى اليمين رجلان يمسكان (مسحاة) ترمز للزراعة وعلى يساره تحت الرأس يقف أحد العمال بعضلاته المفتولة ممسكاً بآلة الطرق.
ويبدو واضحاُ أن الأمومة عند الفنان جواد ، تحتل مكانة مقدسة ، وتعبيراً عن إعجاب وتقدير الفنان للأم عموماً ، ولتحملها لأعباء الحياة ، واحترامه لمكانتها في المجتمع، فقد احتلت مُجسّمات المرأة في نصبه التذكاري ، أغلب وحداته الأربعة عشر ! ...
فهي العاملة التي ترفع يدها بمؤازرة أخيها الرجل ، وهي الأم الباكية الحزينة التي قامت بلف عباءتها حول خصرها ورفعت يديها للأعلى تنوح على أمر جلل حدث لها ولأهلها ، وفي وحدة الشهيد ترى مجسم للأم وهي تبكي على إبنها القتيل وحولها نسوة يشاركنها حزنها ويواسينها ، وهي تمثل صلة الرحم التي تربط الأم بوليدها ، وفي مجسم آخر تشاهد الأم وهي تحضن إبنها الصغير وتغمره بالحنان بكلتا يديها وتضمه لصدرها بمودة ورحمة.
وتجد أيضاً مجسم إمرأة عراقية ترفع مشعلاً كبيراً في يدها اليمنى ويدها اليسرى مبسوطة ومرفوعة للأعلى وهي بهذه الحالة تكون كما لو أنها تحلق بالفضاء ! ، وفي مُجسّم آخر ترى المرأة في وهي باسطة يديها الى الجانبين بحركة وديعة دالة على الهدوء والسلام ومن خلفها الأغصان.
وقد جسد الفنان نهري دجلة والفرات في نصبه ، من خلال مجسم المرأة الحامل ، والتي تحمل على أكتافها ( والتي شبهها بضفاف النهر) حزمة من السنابل التي ترمز للوفرة والخصب في بلاد وادي الرافدين !! خاصة وأنه وضع طفلة صغيرة بالقرب منهما وهي تحمل صينية مملوءة بالسمك.
وفي مجسم أخر نراه يشير الى نخبة المفكرين الذين آزروا الثورة ، فصورهم يقبعون خلف القضبان وثمة جنوداً يحاولون كسر تلك القضبان، بهدف تحقيق الحرية للشعب !
وفي هذه الوحدات المترابطة بشكل وثيق يكون النصب قد عكس مرحلة تاريخية هامة بشرت بها ثورة 14 تموز الشعب العراقي والتي تؤكد على نشاط القوى الديموقراطية والتقدمية في المجتمع العراقي ودعوتها لتحرير العامل والفلاح والمرأة وسائر المحرومين من النظام الملكي.
ولكن ثمة قصة محزنة في الأمر ، فالفنان والنحات العراقي جواد سليم ، والذي بذل كل الجهد في محاولة إنهاء وتجهيز النصب بوقت قياسي ، أصيب بنوبة قلبية توفي على أثرها في يوم 23 كانون الأول عام 1961 وهو في ريعان شبابه ، حيث كان يعاني من الإرهاق البدني الشديد والمتواصل مما أدى لوفاته أثناء العمل ، فلم يشهد رفع الستار عن النصب التذكاري الذي أزيح عنه في يوم 16 تموز عام 1961م ، في غمرة إحتفالات العراق بأعياد الثورة، ويبدو أن كل مواطن عراقي يعلم قصة ذلك الفنان الراحل جواد سليم ، والذي تمكن من تصميم وتنفيذ نصب تذكاري ، بات معلماً من معالم مدينة بغداد ، ليس محلياً فقط وإنما عالمياً أيضاً.
كان يقع على الجانب الغربي من ساحة التحرير جسر يصل ضفتي دجلة ، يدعى جسر الجمهورية والذي كان يدعى جسر الملكة عالية ، زوجة الملك غازي بن فيصل بن الحسين ووالدة الملك فيصل الثاني ، أما على الجانب الشرقي من ساحة التحرير فتقع حديقة الأمة، وعلى الجانب الشمالي يقع شارع الجمهورية ، والذي كان يسمى شارع الملك غازي ويوازي شارع الرشيد وعلى الجانب الجنوبي من ساحة التحرير يقع شارع السعدون ، وعلى الجانب الأيسر للجسر تقع بناية مدرسة دجلة الابتدائية للبنات والتي تأسست سنة 1921م ، وكذلك ثانوية العقيدة للبنات وعلى الجانب الأيمن تقع بناية المطعم التركي ، كما ويوجد في الساحة عدد كبير من بائعي الأطعمة الشعبية وبائعي الجرائد والمجلات ، والعديد من المكتبات ، أميزها مكتبة النهضة.
ويبدو أن ساحة التحرير تلك، قد لعبت دورا أساسياً في تاريخ الحركات الشعبية النضالية في العراق، حيث كان يجتمع فيها كل اطياف الشعب العراقي من أجل إبداء آراءهم ، وتقديم مطالبهم الإجتماعية والمدنية والسياسية ، وابداء آراءهم ، كما أنها أيضاً تلعب دوراً هاماً في عكس صورة واقعية لنبض الشارع العراقي ، سياسياً واجتماعياً وفكرياً .
حيث يمكن للزائر أن يرى في حديقة الأمة ، شرق ساحة التحرير، كل شيء تقريباً ، فثمة من يقرأ الكتب والجرائد ، وثمة من يتنزه هو وعائلته ، ويمكن أن ترى رجالاً يلبسون بدلاً رسمية واقفين في الحديقة ، يتحاورون حول أمر ما ، كما يمكن لك أن ترى الباعة المتجولين وبائعي العربات المتنقلة ، وكذلك بعض المصوريين الفوتوغرافيين والذين يعملون لحسابهم الخاص ، تراهم وهم يتنقلون بين زوّار الحديقة، ويعرضون خدماتهم على الزبائن ، لأخذ صورة تذكارية بكل أدب ولباقة، ويلتقطون الصور الخاصة لمن يرغب مقابل مبلغ زهيد ، أذكر أنه كان ( دينار ونصف عراقي فقط ) في ذلك الوقت ، وقد شكلت ساحة التحرير بالنسبة لي ، عالماً ومتنفساً رائعاً ، فقد كنت أقصد حديقته العامة في كل يوم تقريباً ، للتنزه، وتناول الأطعمة الخفيفة أو شرب الشاي ، أوقراءة الجريدة اليومية .
انتهى بي المطاف أمام مكتب الفرات للسفريات في شارع السعدون ، بحي البتاويين ، وتمكنت أخيراً بالإجتماع مع السيد خيري ( مدير المكتب) ، وقد استقبلني في الحقيقة استقبالاً جيداً، جلست بقربه في المكتب ، وتحدثت معه عن آخر الأخبار المتعلقة بالسفر إلى الكويت أو الأردن ، ولم يكن يوجد وقتها أية أخبار جديدة ، غير أنه أخبرني بأن العديد من العائلات النازحة من الكويت من كافة الجنسيات العربية وغيرها ، محتجزة على الحدود الكويتية العراقية ، وتنتظر الأوامر بفتح المعابر كي تدخل إلى العراق ، فقلت في نفسي ربما تكون عائلتي من بينهم ، وعلى أية حال ، دخلت مباشرة في صلب الموضوع ، فأخبرته بأنني بحاجة ماسة للعمل ، وسألته إن كان ثمة فرصة عمل لي عنده في المكتب ، وأخبرته بأنني مستعد للعمل بأي وظيفة قد يعرضها علي عنده في المكتب أو عند أحد معارفه في أماكن أخرى قريبة من الموقع .
فقال لي : والله يا محمد ! أنت ترى الوضع الآن ، العمل متوقف تماماً ، ولكن يمكن إني أشوف لك بعض أصدقائي في المحلات التجارية الأخرى .
ثم سألني عن مستوى تحصيلي العلمي ، وإن كان لي أي خبرة في العمل بأي مهنة معينة ، فأخبرته بأنني قد أنهيت الثانوية العامة حديثاً ، ولم يسبق لي العمل بأي مهنة على الإطلاق ، ولكني أكدت له بأنني مستعد للعمل بأي وظيفة قد تعرض علي، كالعمل بائعاً مثلاً في أحد محلات التجارية أو مكاتب السفريات أو أي عمل متوفر .
فقال لي : خلاص .. إن شاء الله خير ، ثم أكمل : أنا رح أشوف معارفي ، ويمكن أن أجد لك عملاً في محل لبيع الخضار، عند قريب لي في نفس المنطقة ، فأخبرته بأنني مستعد للعمل فوراً ، وسألته متى سيرى قريبه ، فقال لي بأنه سيذهب إليه اليوم ، وبأنه سيرد لي خبراً في المساء، فشكرته كثيراً ، وأخبرته بأنني سأعود له مساءاً ، ثم خرجت من عنده ، وتوجهت عائداً نحو الفندق.
وصلت إلى الفندق ، وتوجهت من فوري للمضافة ، فرأيت الصبي (مهدي) ابن صاحب الفندق ، كان جالساً وبيديه كتاب يقرأه ، فجلست بجاوره ..
قلت له : الله يعينك مهدي.. كيف حالك ..
قال : الحمد لله زين ..
فسألته قائلا : شنو قاعد تقرأ ..
أجاب : هذا كتاب اللغة الإنجليزية للصف العاشر ، ثم تابع القراءة ..
وكنت قد لاحظت بأنه يقوم بقراءة وتهجئة بعض المفردات بطريقة خاطئة ، فبادرت إلى مساعدته في إعادة تهجئتها بالطريقة السليمة ، وخصوصاً بأنني كنت أتقن اللغة الإنجليزية وأتحدث بها بطلاقة ، حتى أن أفضل علامة لي في شهادة الثانوية العامة كانت في اللغة الإنجليزية، وأذكر بأن الموضوع الذي كان يدرسه هو عن قواعد التصريف، كالماضي البسيط والتام وفعل المضارع وغيرها.
أخذت أشرح لمهدي عن أفعال التصريف ، وأضرب له أمثلة عن كل فعل ، وقد بدى متفهماً ومتعاوناً جداً ، وأخذ يشاركني في وضع الأمثلة والحلول ، فكنا نأخذ الفعل ونعيده لأصله ثم نضع مثالاً عليه في حالة الماضي أوالمضارع أوالمستقبل وهكذا ..
وبعدها بساعة تقريباً، أنهينا الدرس ، وكم كنت مسروراً بذلك ، فقد شعرت بأنني ساعدت شخصاً في شيء ما، وخصوصاً بأن مهدي بدت عليه علامات السعادة لأنه فهم مبادىء تصريف الأفعال ، والأهم من ذلك بأن جو الدراسة قد أشعرني بالحنين لمنزلي .
على أية حال ، أغلق مهدي كتابه ، ثم غادر المجلس متجهاً نحو أبيه في مكتب الإستعلامات، فبقيت وحدي قليلاً في المضافة ، أشاهد التلفاز ، وأراقب النزلاء يتحدثون ويضحكون وكأن كل شيء على مايرام ، وبعدها بقليل رأيت ثلاثة جنود عراقيين يدخلون إلى الفندق ، متوجهين لأبي مهدي ، ويبدو أنهم كانوا يريدون حجز غرفاً لهم ، وقد استطعت مراقبتهم من مكاني في المجلس ، ثم رأيتهم بعدها يتوجهون نحو درج الطابق العلوي ، فعلمت بأنهم قد حجزو فعلاً للإقامة في الفندق.
لاحظت وجود ساعة حائط ، معلقة على الجدار قرب التلفاز ، وكانت الساعة تشير إلى الثانية ظهراً ، نهضت من المجلس ، وتوجهت نحو مطبخ الشيف حميد! ..
كان السيد حميد منهمكاً في إعداد الأطعمة ، يتنقل من طاوة (طنجرة) لأخرى ومن فرن لآخر، يتذوق من هذا الطبخة، ويضيف بعض الملح والتوابل لطبخة أخرى، فسلمت عليه قائلا : الله يعينيك يا شيف حميد !
نظر إلي مبتسماً وقال : هلا بيك ابو جاسم .. آغاتي ، شلونك عيني .. شاكوماكو..
فقلت له : آه .. والله أكو وأكو هوايا! .. يا شيف حميد .. ثم أكملت : آنا اليوم بدي اتغدى غدى دسم من تحت إيدينك يا فنان ..
فقال فوراً : إيه .. تدلل عيني ..
قلت : أريد أن اتناول على الغداء أكلة (عروق الطاوة !) ..
فضحك مني قائلا : عيني أبو جاسم .. شبييك !!، هذه أكلة كلّش بسيطة ، شوية لحم مفروم بالبطاطا المهروسة ، يعني لقيمات ( جمع لقمة) يمكن تاكلها على الفطور ، وهاي هية ..، بس مو على الغدا!
ثم قال : خلاص .. ماعليك.. أنا أقلك شنو تتغدى اليوم ، إحنا طابخين اليوم دولمة ! ..
طبعاً أكلة الدولمة قد سبق وتشرفت بمعرفتها، وهي أكلة محاشي الأرز واللحم المفروم، كورق العنب أوالكوسا أوالباذنجان ، فقلت حينها لحميد : حسناً والله فعلاً .. هاي هية !!
ثم سألته فوراً كم يبلغ ثمن هذه الوجبة ، فقال : إيه ابو جاسم لاتاكل هم !!
قلت : لا عيني .. آكل هم .. لازم أعرف كم يكلف سعرها ..
فقال : الوجبة على ما اعتقد طال عمرك .. خمس دنانير عراقي !!
فأجبته فوراً : ها هية عيني !! يلا جيبها .. الله يرحم والديك يا حميد !
جلست على أحد طاولات المطبخ ، أنتظر بفارغ الصبر وجبتي اللذيذة ، وبعدها بلحظات كنت أستمتع بمذاقها الرائع جداً ، بطعم التوابل الغنية بالنكهة الحارة، مع الطرشي، وهي المخللات التي تشتهر بها مطاعم العراق عموماً، بسبب نوعية الخل المستخدم في أعداده، وقد كان ثمة راديو آخر في المطبخ أو مسجل كاسيت ، لم أكن أعلم بالضبط ، ولكنه كان يبث أغنية عراقية جميلة ، للمطرب العراقي الشهير( سعدون جابر) ، كانت الأغنية تتحدث عن الغربة ، وتقول بعض كلماتها: يا طيور طايرة سلمي لهلي ( أي بلغي سلامي لأهلي) يا شمسنا الدايرة سلمي لهلي ، وحقاً كانت أغنية تثير الشجون في النفس ، وتذكر الإنسان بأهله وخصوصاً في غربته.
أنهيت وجبة الغداء، ثم عدت للمضافة ، متخماً من شدة الشبع ، شربت الشاي، وبعدها شعرت بنعاس شديد ، فصعدت لغرفتي ، وادرت جهاز التكييف ، ثم استلقيت على السرير كي استريح قليلاً ، ولكني لم أتمكن من النوم، فنظرت إلى النافذة، ثم نهضت متوجهاً نحوها وقمت بفتحها ، ولكن فجأة أحسست بأني قد فتحت باب فرن ساخن، فقد لفح وجهي هواءاً حاراً جداً شعرت بأنه يكاد يسلخ جلد وجهي من شدة حرارته ، وكان دخان الشواء المتصاعد من ساحة الفندق الخلفية يزيد الوضع سوءاً ، فأغلقت النافذة ، وكانت تلك آخر مرة أفتح فيها النافذة طوال فترة إقامتي بالفندق.
في غرفتي ليس ثمة شيء فيها ، غير أربعة جدران مملة ، فقرت النزول للمضافة من جديد ، على الأقل يوجد بها تلفاز وراديو ، فيمكن متابعة أية أخبار جديدة ، حول الأوضاع السياسية والأمنية في كل من العراق والكويت والأردن، وكذلك وضع العائلات النازحة، والعالقة على الحدود العراقية الكويتية ، كان المجلس شبه فارغ ، ويبدو أن هذا الوقت هو وقت القيلولة لسكان بغداد ، على أية حال جلست في واجهة المضافة، أي في المكان الذي يجلس فيه عادة أبو مهدي ، وأصدقاءه من الشيوخ وكبار السن ، فأحسست بنوع من الفخر وشيء من الغرور، وكأني شيخ قبيلة ومن حولي أتباعي يجلسون منتظرين أوامري !
عجيباً هو أمرهذه الدنيا !، فمجرد الجلوس على فرشة اسفنجية شبه بالية ! تخص شخصاً متوسط الحال ، يصيب الإنسان بالغرور ، ويمنحه إحساساً رائعاً وبأنه قد بات ولو للحظات ذات شأن ومكانة عالية في المجتمع! ، فإن كان هذا حال إنسان عادي يعلم بأنه ليس أكثر من ضيف بفندق ، بل ويدفع أجرة إقامته فيه، فما بال من يجلس في الواقع فجأة على كرسي الرئاسة !، سواء بعد انقلاب عسكري أو مدني أو ثورة بيضاء أو سوداء أو حمراء ، ثم يجد نفسه زعيماً للأمة !
ربما لهذا السبب وحده وأقصد الغرور والفخر والكبرياء وحب التملك ، هو من يجعل زعيم أي دولة يقتل نصف شعبه الثائر ضده ، كي يستمر فقط في الجلوس على كرسي الرئاسة ! ، إنها حقاً لمعضلة كبيرة ، أن نتمكن من فهم الطبيعة البشرية الميالة للتملك والتدمير.
لطالما سمعت أبي - رحمه الله- دوما يقول : يا بنيّ حينما تكون في مضافة رجال، لاتجلس في مقعد يقيمك منه الرجال ! ، أي بمعنى أوضح إننا مجتمع عربي شرقي قبلي بل وطبقي ، رغم قرون طويلة من تعاليم ودروس وعبر الإسلام ، والذي حاول جاهداً إزالة كل الفوارق الطبقية بيننا ، إلا أننا لازلنا نهيم بالطبقية والفوقية الكاذبة! ، وكان كلام أبي دوماً في محله ، فكلما جلس رجل مسكين غير ذي شأن في مجتمه بمجلس ما، فإنه بمجرد دخول شخص آخر أعلى منه مكانة بالمجتمع ، يتحتم على ذلك الرجل المسكين القيام وافساح المجال لمن هو أعلى منه مكانة للجلوس مكانه ، وهذا ما قد نهى عنه الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وربما يكون الإستثناء الوحيد على هذا النهي هو أن يقوم الشخص من مكانه احتراماً لشخص أكبر منه في السن ، فيفسح له المجال للجلوس ، ولكن بغير ذلك فحيثما جلست في مكانك ، عليك عدم القيام منه لمجرد أن فلاناً أفضل منك !
على أية حال ، بعد نصف ساعة تقريباً دخل ثلاث رجال إلى المجلس ، القو التحية علينا ، ثم جلسوا لوحدهم في أحد زوايا المضافة ، ثم أخذوا يتحدثون فيما بينهم ، وقد استطعت سماع بعض المواضيع التي تحدثوا بها ، وكانت عن المعسكرات والإجازات والتنقلات ، فتذكرت أنهم ذات الجنود الثلاثة والذين قاموا بالحجز في الفندق صباح اليوم، وكان شخص منهم ينظر إليّ بين حين وآخر ، ثم يعاود التحدث مع زملاءه ، ولكن بدى لي أن الأمر عادي جداً ، فربما كان يتفرّس في ملامحي ، وربما كان يقول في نفسه : يبدو أن هذا الشاب ليس عراقياً .
لم يطل جلوس هؤلا الجنود في المضافة ، فسرعان ما غادروا الفندق ، بعد إنهائهم لشرب الشاي ، وبعدها بقليل رأيت أبو مهدي يدخل المضافة، فسلم علي قائلاً : الله يعينك أبو جاسم ..
فقلت : الله يعينك أبو مهدي .. هلا بيك ..
لم أحاول حتى القيام من مجلسي ، رغم أن أبو مهدي اعتاد الجلوس فيه مع أصدقاءه المقربين ، وذلك لأنني لم أشعر بأني أقل منه مكانة ، كي أقوم وأجلسه فيه ، فهي مضافة عربية عامة وثمة متسع كافي في المجلس لمن يريد الجلوس ، كما أنه ليس شيخاً طاعناً في السن ، حتى أقوم وأجلسه مكاني ..
جلس ابو مهدي بقربي ، وتبعه أحد الموظفين وبيديه صينية ( سدر كبير ) تمتلأ بالعديد من استكانات الشاي الصغيرة ( أي كاسات الشاي) ، ثم بدأ هذا الشخص بتوزيع الشاي على الجالسين، وقد لاحظت أن معظم العراقيين يقومون بسكب بعض الشاي في صحن زجاجي صغير ثم ينفخون عليه لتبريده ، وبعدها يرشفونه بشفاههم!، تعجبت قليلاً من تلك الطريقة في شرب الشاي، غير أني في النهاية فعلت الأمر ذاته ، فأصبحت أسكب الشاي في صحن الكاسة ، ثم أرتشفه ، تماماً كما يفعلون هم .
وبعدها مباشرة حضر رجل آخر ومعه سلال بلاستيكية متوسطة الحجم تحوي تمراً ، مرصوفة فوق بعضها البعض، ثم قام بوضعها بالأماكن التي يتواجد فيها الجالسين ، فأخذنا نتاول التمر ، ونرتشف الشاي ، وفي الحقيقة كان ذلك يحدث مرتين أو ثلاث مرات في اليوم الواحد ، في الصباح وفي وقت العصر وفي المساء أيضاً ..
نظر إلي أبو مهدي قائلاً : أبو جاسم : أريد أشكرك عيني لأنك درست الولد مهدي إنجليزي ! ، وهو مستانس جداً ( أي سعيد) ، وبعد يريد منك إنك تستمر في تدريسه هذه المادة لأنه يفتهم عليك كثير ، ثم أكمل قالاً : ها عيني ابو جاسم .. شرايك إنك .. يعني .. لو كل يوم تقعد ويّاه فرد ساعة أو ساعتين وتفهمه الدروس ، لأن هذه اللغة صعبة هواية عليه ، وهو يقول إن طريقتك بالتدريس كلش سهلة !، وانه يفتهم عليك هوايا لما تشرحله الدرس.. ( كلمة فرد في اللهجة العراقية تشير إلى العدد ، وهي تستخدم في كثير الأحيان للتعبير عن تبسيط الأمور ، فعلى سبيل المثال قد يقول لك الشخص : يعني لو تزورني بس ولو فرد مرة ! ، بمعنى إنني أتمنى أنك لو تزورني فقط ولو لمرة واحدة! ) .
فأجبت : طبعاً ، أنا اعتبر مهدي مثل أخوي الصغير ، وأنا مستعد بأي وقت أساعده بالدراسة ..
قال : إيه عفية عليك أبو جاسم !، والله إني حبيتك مثل ابني مهدي ..
ثم أكمل قائلاً : تعرف ابو جاسم ! هذا مهدي، هو الولد الوحيد الباقي عندي من أولادي الذكور ، والله رزقني بيه، بعد دهر من الدعاء والرجاء!، لأنه كان عندي غيره ولدين مثل الأسود ! ، ثم فجأة وضع يديه على وجهه وأخذ يبكى !! ، وكأنيّ سمعت صوت نحيب وشهقات متتالية خافتة !
وفي الحقيقة لم أدري حينها ماذا أفعل ، فقد التزمت الصمت وأنا أنظر إليه مندهشاً!! ، فقبل قليل كنت أردد في نفسي بأني لن أقوم كي أجعله يجلس مكاني ، وأما ألا فأنا أشعر بأنني سوف أقوم وأضعه على رأسي من شدة تعاطفي معه ، وأنا أراه بهذا المنظر الحزين !!
تمالك أبو مهدي نفسه فوراً ومسح عينه ، وأكمل قائلاً : كان عندي الولد الكبير مهدي والثاني كريم ، بس الله عليها الحرب !، الإثنين انكِتلوا في الحرب نفس الشهر ! ، ( إن حرف القاف يلفظ بالكاف في اللهجة العراقية، ويقصد أبومهدي أن أولاده المذكورين قتلوا أثناء الحرب العراقية الإيرانية الطاحنة ، والتي استمرت لثمان سنوات ، ( 1980م - 1988م) ، وقد خسر خلالها الطرفين مئات الألوف من رجالهم ونساءهم وحتى أطفالهم) ، ثم أكمل أبو مهدي كلامه قائلاً : وعندي بعد ثلاث بنات من زوجتي الأولى، والله رزقني ولد وبنت من زوجتي الثانية ! ، ( يقصد الولد الصغير مهدي واخته نادية ) ، ثم قال: وأنا سميت هذا الوليد الصغير (مهدي) على اسم أخوه الشهيد..
قلت له : الله يخليلك ولادك ، والله يرحم الشهداء ..
فقال : إيه .. بارك الله فيك ابو جاسم ..
ثم أكمل: الحمد لله رب العالمين ، هذا قضاء الله وقدره ..، بس تعرف يا بو جاسم أنا أدري إنك تخاف تتكلم بالسياسة ، وعيني ما ألومك والله ، لأن السياسة تخوّف وماتجيب إلا وجع الراس ! ، بس تعرف الواحد فينا والله ترى ينفجر من الضغط والقهر لو ما يتكلم !
فقلت له : إيه تكلم أبو مهدي ، بس شنو تريد تتكلم بالضبط !!
وفي الحقيقة ، لقد كان لدى أبو مهدي الكثير مما يخفيه في جعبة كبته وغيظه وكمده وقهره ، والكثير من الحقائق الصادمة والتي غيّرت نظرتي للأمور، بل حتى أن كلامه قد فسرلي العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية للحرب العراقية الإيرانية، وربما أيضاً أسباب الغزو العراقي للكويت ، وخصوصاً بعد ماتم ترويجه لاحقاً ، في معظم وسائل الإعلام المختلفة ، من أكاذيب وقلب للحقائق حول قضية دخول العراق الكويت في 2 آب 1990م ، بهدف تحميل القيادة العراقية سبب الحرب بين العراق وإيران ، فقد أخبرني أبو مهدي بأنه ضابطاً متقاعداً ، وبأنه قد خدم أكثر من خمسة وعشرين عاماً في الجيش العراقي ، وقال بأنه وعلى الرغم من أن الحكومات العربية وخاصة حكومات دول الخليج العربي، كانت كلها تعلم من هو المعتدي في الحرب العراقية الإيرانية، ومن هو المستفيد من من ويلاتها ، ومن كان أيضاً يُصر على استمرارها طيلة فترة السنوات الثمانية !.
نظر أبو مهدي حوله وكأنه يتاكد من أن لاأحد يسمعه غيري ، ثم قال: لأني عايشت سنوات الحرب بكل تفاصيلها فسأذكر لك بشكل مختصرما هي الأسباب الحقيقة وراء اندلاع الحرب بين العراق وإيران واستمرارها ، والتي خلفت كل تلك المآسي ..
أن أي صراع أو قتال عندما يندلع بين طرفين ، مهما كان الطرفين دولتين أو قبيلتين أو شخصين أو غيره، فأنه وبناءاً على منطق الحرب والقتال يكون الطرف الأكثر إمكانيات وقوة هو الذي يسعى للقتال والحرب وليس العكس ، وإيران تمتلك إمكانيات اكثر بكثير من العراق.
ففي بداية الحرب كان عدد سكان إيران 39 مليون نسمة والعراق 13 مليون نسمة أي أن سكان إيران ثلاثة أضعاف سكان العراق، ومساحة إيران تزيد على مساحة العراق بأكثر من ثلاثة أضعاف.
كما أن طول الحدود وافتقاد العراق لعمق استراتيجي من الناحية الجغرافية، جعل عدد كبير من مدن العراق المهمة ، كالبصرة والعمارة وديالى وأربيل وخانقين وغيرها، تحت مرمى المدفعية الإيرانية ومنها العاصمة بغداد التي تبعد 120 كم عن الحدود مع إيران ، والتي كانت تحت مرمى الصواريخ الإيرانية القصيرة المدى - سكود وغيرها والتي لا تتجاوز 150 كم ، والتي تمتلكها إيران والعراق في بداية الحرب ، وذلك على خلاف إيران والتي تمتلك عمقاً استراتيجياً كبيرا بسبب اتساع مساحتها الجغرافية ، لذا فمعظم مدنها المهمة مثل كالعاصمة طهران واصفهان وشيراز وقم وغيرها بعيدة عن المدفعية العراقية.
كما أن العراق يعتمد على 85% من اقتصاده على تصدير النفط الذي يتم تصدير معظمه عن طريق (مينائي البكر والعميق في الخليج العربي) والباقي عن طريق وتركيا وسوريا التي أوقفت تصديره في السنة الثانية للحرب بناءاً على وقوفها في الحرب مع إيران ، وبما أن الساحل الشرقي من الخليج العربي كله لإيران والعراق لا يملك إلا ما طوله 30 كم من السواحل فقط في شمال الخليج فأنه بذلك مهدد بأن تقوم إيران بمنع العراق من تصدير نفطه عن طريق الخليج العربي وهذا ما قامت به إيران منذ اليوم الأول لبدء الرد العراقي في 22/9/1980هـ .
كانت القيادة الإيرانية تعتقد (متوهمة) بأن الشيعة العرب في العراق الذين يمثلون اكثر من 40 % من الشعب العراقي آنذاك سيقف معها في الحرب باعتبارهم ينتمون لنفس المذهب، وكذلك الشعب الكردي الذي نسبته 13% ، وما حصل هو العكس .
ففي بداية السبعينات قامت القيادة الإيرانية في زمن الشاه الذي كان حليفاً لأمريكا بتحريض عملائها في كردستان العراق بقيادة الملا مصطفى البرزاني على التمرد على القيادة العراقية ، ورفض بيان 11 آذار للحكم الذاتي لمنطقة كردستان الصادر من القيادة العراقية عام 1971م ، وذلك بالتعاون المخابرات الأمريكية CIA والإسرائيلية الموساد بهدف زعزعة القيادة العراقية وإسقاطها أو استنزافها والتي تمثل خطراً على مصالحهم غير المشروعة بسبب خطواتها الوطنية الشجاعة والتي من أهمها تأميم النفط ومنح الحكم الذاتي لمنطقة كردستان والتوجه للبناء والتطوير والسعي لإعداد جيش قوي لحماية الوطن ومنجزاته.
وبسبب رفض الملا مصطفى البرزاني المدعوم من قبل السطات الإيرانية، كل المحاولات التي قامت بها القيادة العراقية لإيقاف حرب الاستنزاف هذه اضطرت القيادة العراقية إلى توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975م بين العراق وإيران والتي من أهم بنودها عدم التدخل بالشؤون الداخلية لكلا الطرفين وتقاسم مياه شط العرب وعدد من البنود الخاصة بترسيم الحدود، مما مكن القيادة العراقية من منع التمرد القائم بكردستان وإدامة الاستقرار فيها والتوجه لمرحلة البناء والتطوير ، فتحسن اقتصاد العراق نهاية السبعينات وتوفر له احتياط بلغ اكثر من 35 مليار دولار! وكان الدينار العراقي يساوي اكثر من 3 دولارات! كما كان لديه افضل نظام طبي وتعليمي في المنطقة، ونظراً لرغبة الأمريكان التخلص من الشاه بسبب توقيعه معاهدة الجزائر مع العراق ولتأجيج الفتنة مع العراق ولأسباب سياسية دولية تفرضها المصالح الدولية في المنطقة، تم تحريك الشارع الإيراني ضد الشاه الذي كان متعطشاَ للخلاص منه ، كما جرى تلميع صورة الخميني وتسهيل عودته من فرنسا واستلامه السلطة وانتهاء عهد الشاه، ومع استلام الخميني القيادة في إيران بدأت إيران بقرع طبول الحرب.
وعليه فأن القيادة الإيرانية تتحمل كامل المسؤولية باندلاع تلك الحرب واستمرارها لمدة ثمان سنوات وان القيادة العراقية لم تكن تريد الحرب مع إيران مطلقاً بل خاضتها مضطرة للدفاع عن العراق ، وطبقاً لكلام أبو مهدي ، فقد أرسل الرئيس صدام حسين رسالة تهنئة للزعيم الإيراني الخميني بنجاح الثورة وتسلمه السلطة معرباً عن أمله بأن تكون مكسباً للامة العربية والإسلامية ومتمنياً بأن تكون العلاقات بين الشعبين العراقي والإيراني مبنية على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف والجيرة الحسنة بما يطور العلاقة بين البلدين والشعبين، وقد كان رد السيد موسى الموسوي (مستشار الخميني آنذاك) بأن الخميني قال له بعد قراءة الرسالة أمامه بأن صدام خائف لان هناك نسبة كبيرة من الشعب العراقي سيؤيده حالما ينادي بإسقاط النظام العراقي ، وقد رد الزعيم الخميني برسالة للرئيس العراقي تتضمن تهديداً ووعيداً وختمها بجملة والسلام على من اتبع الهدى!
بدأت القيادة الإيرانية بحملة إعلامية واسعة وكبيره من خلال وسائل الأعلام المختلفة بالترويج لما يسمى بتصدير الثورة الإسلامية للأقطار المجاورة خاصة العراق ودول الخليج لزعزعة وإسقاط أنظمتها ، والتي كانت تصفهم القيادة الإيرانية بالأنظمة الكافرة والعميلة للغرب، لإقامة أنظمة موالية لها، كما رددت من خلال خطابها الإعلامي في أنه أي اتفاقية وقعها الشاه لا تعبر عن طموح الشعب الإيراني وتطلعاته تعتبر لاغية وخصت بالذكر اتفاقية الجزائر الموقعة مع العراق .
بدأت القيادة الإيرانية واستمراراً لحملتها الإعلامية الواسعة ومنذ يوم 4/9/1980م بالإعتداء على المدن والقرى العراقية الحدودية، واعتراض السفن العراقية وحتى تلك التابعة لدول الخليج العربي، التي كانت تكتفي بالشجب والإستنكار لهذا التنمر الإيراني في المنطقة، وسياسة عرض العضلات في الخليج العربي وشط العرب ، وقد بلغ الأمر في القوات الإيرانية التي كانت تحتجز السفن العراقية والخليجية أن ترفع العلم الإيراني فوق سواريها فضلا عن العديد من المحاولات المستمرة لخلق الفتن الطائفية في العراق وعموم دول الخليج العربي ، وهذا الأمر لايخفى على أحد .
فتحريض ما يسمى حزب الدعوة لإشعال نار الفتنة الطائفية وللقيام بتفجيرات داخل المدن والعاصمة بغداد، وقيام طائراتها بالإغارة على المنشآت العراقية حيث تم إسقاط إحدى الطائرات وأسر قائدها والذي قدم كدليل إثبات على بدء الحرب من قبل الإيرانيين، وقد قدمت القيادة العراقية مئات مذكرات الإحتجاج موثقة ضد الجانب الإيراني على ممارسته وتجاوزاته وخروقاته للأراضي والمياه العراقية للأمم المتحدة وصور منها للجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي والسفارة الإيرانية في بغداد.
لكن بدى أن القيادة الإيرانية قد فسرت اعتماد القيادة العراقية سياسة الشجب والإستنكار ضعفاً مما جعلها تتمادى بتجاوزاتها، ومحاولة سيطرتها على المياه الدولية في الخليج العربي فضلا عن تعدياتها على المياه الإقليمية العراقية والخليجية عموماً وإشعال نار الفتنة بين مكونات الشعب العراقي.
ونظراً لإصرار القيادة الإيرانية إلحاق الضرر بالعراق وإشعال الفتنة الطائفية فيه ، خرج الرئيس صدام حسين على شاشة التلفزيون ومزق اتفاقية الجزائر التي لم يلتزم بها الإيرانيون أصلا ، فقامت القيادة العراقية بالرد في يوم 22/9/1980م بقيام الطائرات العراقية بقصف المطارات الإيرانية الرئيسية بوقت واحد ، رافقه دخول الجيش العراقي بعمق 10 كم داخل أراضى إيران على طول الجبهة بهدف تأمين المدن العراقية الحدودية من نيران المدفعية الإيرانية ..
كانت القيادة الإيرانية تتعامل بوجهين فهي تصف أمريكا بالشيطان الأكبر لكسب تأييد الرأي العام العربي والإسلامي بينما كانت تقيم علاقات سرية مع أمريكا وإسرائيل وتتزود بالأسلحة وقطع الغيار الأمريكية وقد اعترف الحسن بني صدر رئيس إيران وقال : سنتعاون مع الشيطان لإسقاط النظام العراقي، كما كانت القيادة الإيرانية قد تحالف مع سوريا العربية ضد العراق !
في السنة الثانية للحرب 1982م واستجابة لدعوات بعض الدول والمنظمات العربية والدولية بهدف إقناع القيادة الإيرانية بالحل السلمي ، انسحبت القوات العراقية من كافة الأراضي الإيرانية إلى داخل حدودها ما قبل يوم 22/9/1980م وفق اتفاقية الجزائر، رغم ما يمثله ذلك من خطورة على المدن العراقية الحدودية بسبب وقوعها تحت مرمى نيران المدفعية الإيرانية، فكان رد القيادة الإيرانية على مبادرة العراق ، بقصف المدن والقرى الحدودية بالمدفعية بشكل يومي لأنها باتت في مرماها من جديد ، كما قامت بسلسلة هجمات بشرية سميت (الموجات البشرية) بهدف خرق الحدود العراقية واحتلال أجزاء منه خاصة المناطق الجنوبية في البصرة والعمارة، واستمرت بقصف المدن والهجوم بالموجات البشرية حتى استطاعت احتلال شبه جزيرة الفاو على الخليج العربي عام 1986 وأطلقت عليها اسم الفاطمية وأقامت عليها دوري بكرة القدم بهدف ضمها للأراضي الإيرانية!.
استمرت القوات الإيرانية بقصف المدن العراقية بالمدفعية وبكل وحشية وبشكل يومي منذ انسحاب العراق من الأراضي الإيرانية، كما قامت القوات الإيرانية في عام 1987م بقصف العاصمة بغداد وغيرها لأول مرة بصواريخ سكود (مداها 150 كم) التي هي الأكثر تدميراً من المدفعية والتي سميت في حينها (حرب المدن) والتي بدأتها بالفعل القيادة الإيرانية لان معظم المدن العراقية ومنها العاصمة بغداد (التي تبعد 120 كم عن الحدود الإيرانية) تقع ضمن مدى الصواريخ الإيرانية وكان ضمن ما شمله القصف الوحشي مدرسة بلاط الشهداء في بغداد التي راح ضحيتها عشرات الأطفال، ولم تتمكن القيادة العراقية من الرد بالمثل بسبب بعد المدن الإيرانية ومنها طهران التي تبعد 600 كم عن الحدود واصفهان وشيراز وغيرها، اكتفت بالرد من خلال القصف بالطائرات .
وقد استطاعت القوات العراقية في الأشهر الأولى من عام 1988م من تطوير صواريخ سكود بزيادة مداها إلى 600 كم ، فقامت القوات العراقية بمفاجئة الإيرانيين بالرد العنيف حيث دكت الصواريخ العراقية معظم المدن الإيرانية ومنها العاصمة طهران والتي سقط عليها لوحدها 160 صاروخ مما جعل سكانها البالغ عددهم اكثر من ثمانية ملايين آنذاك ، أن يتركوها إلى الضواحي والجبال وبدأت معنويات الإيرانيون تنخفض وتصل إلى حالة الإحباط .
في نفس الوقت أكملت القوات العراقية تجهيزاتها للقيام بتحريرالأراضي والمدن العراقية التي احتلتها القوات الإيرانية، فقامت بتحرير شبه جزيرة الفاو بتاريخ 16/4/1988م خلال 36 ساعة وبعدها تحرير الشلامجة ونهر جاسم وجزيرة أم الرصاص والقرى والقصبات الأخرى حتى أن القوات الإيرانية من شدة تدني معنوياتها وإحباطها هربت من قرية حلبجه التي كانت مسيطرة عليها ودخلت القوات العراقية مرة ثانية إلى داخل الأراضي الإيرانية بعمق 10 كم على طول الحدود مع إيران وكان بإمكانه أن تدخل اكثر، بسبب إحباط القوات الإيرانية وتدني معنوياتها وهروبها من ساحة القتال، وهو كان رأي معظم القادة العراقيين في أن تستمر القوات العراقية حتى إسقاط نظام الحكم في إيران إلا أن الرئيس صدام حسين أمر بإيقاف تقدم القوات العراقية داخل العمق الإيراني وقال نحن أصلاً لم نرغب في الحرب وإنما اضطررنا لها ولا نريد لها أن تستمر يوماً واحداً وإسقاط النظام الإيراني مسؤولية شعوب إيران .
بعد تمكن العراق من تطوير قدراته العسكرية ، تغيرت موازين القوى تماماً ، وتمكنت العراق من تحرير جميع أراضيها من القوات الإيرانية بل ودخول القوات العراقية داخل العمق الإيراني إلى ما كانت عليه قبل انسحابها منها عام 1982م ، مما أصاب القيادة الإيرانية بالإحباط واليأس فقررت وقف الحرب وقبول قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 598 الصادر في 1988م والتوقف عن إطلاق النار على الأراضي العراقية، وأعلنت القيادة العراقية قبولها بذلك بشرط أن يكون للعراق الحق في إطلاق آخر قذيفة وأن لا ترد إيران عليها وإلا فستستمر الحرب ، ورضخت القيادة الإيرانية لهذا الشرط ، وكان هدف القيادة العراقية من هذا هو إيضاح للشعبين العراقي والإيراني والعالم بأن إيران هي التي بدأت الحرب والعراق هو الذي أنهاها منتصراً، وقال حينها الخميني ، بأنه يتجرع السم لقبوله وقف الحرب مع العراق!.
وفي الحقيقة كانت تلك أول مرة أسمع فيها تلك الحقائق والأسباب المؤدية للحرب ، فقلت حينها لأبو مهدي : والله هذه فعلا ملحمة تاريخية ، ثم سألته : لكن ما سبب قيام صدام باحتلال الكويت ؟
فقال : الموضوع ابو جاسم ما يحتاجله شرح طويل ، كل القصة متعلقة بالنفط ، وهاي هية !! ، ثم أكما كلامه قائلاً : بس عيني .. مهما كان السبب ، إحنا لسه طالعين من حرب مع إيران ، الله يسامح صدام ، خلانا هيتش ندخل حرب جديدة ، والله هذه .. الله مايقبلها !
فقلت له : الله يستر، إن شاء الله تنتهي المشكلة على خير ..
فقال حينها : والله يا بوجاسم ما ظنيت تنتهي على خير!، هاي دولة الكويت وشيوخها ، إنت ما تعرف إن الكويت هي الطفل المدلل لبريطانيا وأمريكا !! ، يعني انت تعتقد إن أمريكا رح تقعد تتفرج ساكتة على اللي قاعد يصير ، والله من بكرة غير تيجي بريطانيا وأمريكا تضرب العراق !



#محمد_ابداح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أتذكرين !
- 27 يوماً في بغداد - ج5
- أعذر
- لمن تشرق الشمس
- 27 يوماً في بغداد - ج4
- حواء امرأة شرقية
- خنادق الموت
- تعلمت معك
- الأقدار
- لذة الموت
- هل تمضي وحيدا
- 27 يوماً في بغداد - ج3
- سيرة ذاتية
- يا جور قلبك
- احن لعينيك
- ليته انتظر
- هذا الفؤاد
- أشتريك
- تعبت أهرب من تفاصيلك !
- ما أريد أحلم


المزيد.....




- -بندقية أبي-.. نضال وهوية عبر أجيال
- سربند حبيب حين ينهل من الطفولة وحكايات الجدة والمخيلة الكردي ...
- لِمَن تحت قدَميها جنان الرؤوف الرحيم
- مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي.. رحيل المفكر البحريني م ...
- رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
- وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث ...
- وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه ...
- تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل ...
- تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون ...
- محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد ابداح - 27 يوماً في بغداد - ج6