لطيف الحبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4644 - 2014 / 11 / 26 - 22:36
المحور:
الادب والفن
لطيف الحبيب/ برلين
26. 11.2014
مدن العراق
شواهد على فعل
الانسان البربري
في ثلاث رويات انتجها الروائي العراقي عباس خضر في اللغة الالمانية بين اعوام 2008 الى عام 2013,تمتد احداثها على وسع مساحة العراق , مجللة بعذابته وبكاء الفرح , بدأ من التشرد على حافات المدن عبر البحار,حلما في الوصول الى مرافأ الامان, مرورا بزيارات القبور وتقديس الاضرحة , لم يهبط حس المدينة فيها الى تراتيل الريف والبدواة ,رغم عشقه لتربية الطيوروالحمام ,هواية تشوه اجتماعيا سلوك عاشقها .
عرفنا التعذيب في العراق ومرأغلبنا في دهاليز واقبية قصر النهاية ,مغلوبين على امرنا بمواجهة العصي الغليظة والركلات والصعق, وما يتفتق عنه ذهن الجلاد من طرق عراقية في تهشيم عظامنا وزهق ارواحنا , لم نفكر يوما في المواجهة في داخل زنزانات التعذيب ,كنا كالمسيح في عشائه الاخير نخبر اصدقاؤنا" الخبز جسدي والخمر دمي اشربوا في ذكراي " , يكتشف الروائي العراقي عباس خضر في روايته الثانية في اللغة الالمانية " برتقال الرئيس " الصادرة عن دار " ناتيلوس " عام 2011
سر مقاومة التعذيب ,وكسر قدسية مهنة الالام والعذابات في معتقلات العنف , سر يكمن في غريزة الانسان ومن طبائعه " الضحك" في زنازين التعذب , الضحك امام المحقق الشرطي , الضحك المختلط بدموع الالم ,اهانة للجلاد اضخم من عصاه , استخفاف بشروط الخوف الطاغي في فضاء الزنزانات , "تترقرق دمعات امي حين تسعد , وتسميها دموع الفرح, ابي رجل مرح لا يعرف الدموع اطلاقا ,اما ابنهم الذي هو انا ابتكرت وجها جديدامن كأبة الضحك ,ممكن ان ينعته المرء حزن الضحك " ص 5 من رواية "برتقال الرئيس" .
مدن العراق التي أصبحت شواهد على فعل الانسان البربري , يتصفح الكاتب تاريخها ببراءة السوال, مهاجر عراقي غادر العراق عام 1996 الى المجهول ,جالت اقدامه في سعة الارض من الشمال الافريقى الى محطته الاخيره قبل اكثر من اربعة عشر عاما , كتب ملامحها في البواخر ومحطات القطارات وتراب الطرقات واعتاب الفنادق , كتب في لغة موطنه الجديد , لغة لم تتوغل في مسامته ولم تختلط في كريات دمه , لكنه اذهل اهلها , دخل مفرداتها ,جدد في وقع نسيجها . الرواية مزيج غريب من التقريرية وحكايات التشرد , فيها البطل يحقق نجاحات كبيرة بين النساء برغم فشله عشرات المرات في تنفيذ حلمه بعبور الحدود عبر منافذ البحار والمحيطات, رغم ذلك تبقى روح الدعابة طاغية على مآسيه . كما في مسيرة حياته ,يوظف الكاتب عباس خضر في روايته"برتقال الرئيس" مرارا وتكرارا جزء دامي من تجربته الحقيقية ووقائع يومه, تجواله انكساره دعابته ومزحته , كل فصل قصة عاشها ,خاصة به , لم يجتزئها من خيال او تأليف ,بل ينهل من تراكم مخزون مادته ويضعها في مسارات جديدة ,بلمسته وطريقة سرد مركبة مبهرة ومشدة للقارئ , فحين يتحدث الراوي طويلا عن مكان اقامته في بلد ما بشغف واعجاب ,نراه في فصل اخر من الرواية ,يرى ان أقامته في مكان ما تسبب في طرده الى مكان اجمل, أنها استعارات من تقاليد السرد الشرقي كانها اساطيره ," ولدت من بصقة امي على وجهه ابي" في البداية لم تكن الكلمة ,بل كانت بصقة امي في وجه ابي , تلك كانت بداية عائلتي . ابي محسن قدم من مدينته الناصرية ,وعمل كمعلم في مدينة الحلة ثم امضي بسبب والدتي "حياة" بقية عمره في هذه المدينة , لم يتعرف عليها في العمل ,بل التقاها في سوق المدينة , حين وقع نظره عليها كلَمها فورا , لم تجب واستمرت في طريقها ,تبعها في ازقة السوق الضيقة , فجأة توقفت واستدارت اليه سالته ساخرة : لماذا تلاحقني ؟؟ ارغب في التعرف عليك اجاب ابي , حدقت في عينه بغضب , لا ارغب بذلك !!, استدارت وتركته واقفا , بقرة غبية همس ابي متذمرا , توقفت حياة واستدارت اليه عائدة ,وضعت يدها على كتفه , حدق في وجهها مذهولا, فجأة بصقت في وجهه , صعق ابي وظل صامتا مثل عمود الملح, أما هي فغادرته بهدوء ,في تلك اللحظة عشق ابي محسن امي حياة " ص 30
روياته مرشد ونهج وطريقة لتعليم المهاجرين الجديد ,كيفية تحمل مياسم ومسارات الهجرة وهجيرها بروح المزحة والنكتة ,الدعابة للخلاص من اسر الياس ,والتحول الى جثث على سواحل البحار.
في صحيفة الوقت يقول عنه : الناقد ينس جيسن
" لم توثر شرقية الكاتب على لغته الالمانية المكتوبة ,ولم توثر عليه الترجمات الالمانية للادب الشرقي ولم يحاول ان يقلدها , لغته غير مزخرفة, لكنها بنفس الوقت لغة غير هابطة , جملة مقتضبة اقرب الى الشعر منها الى النثر"بعض الهفوات الاستثناءات القليلة هي ملحوظ على الفور", لوكان الكاتب الألمان يهتمون بلغتهم الأم وتوظف موسيقاها بدقة مماثلة لنهج الكاتب ، لكان الأدب الألماني المعاصر أكثر ثراء" وتقول عنه الصحفية في محطة تلفزيون " ار ب ب " كرستينا تيلمان :
"رواية عباس خضرمترعة بالاحاسيس والمشاعر يفيضها شعرا على طوال صفحات الرواية ، لا يوجد فيها بطل مبهر, الانسان المكسور فقط يبرز واضح الملامح في حروفه وكلماته وجمله , رغم حزن الناس وانكسارهم يتمسكون في النكتة والدعابة الساخرة ولا يتخلون عن الامل ابدا" . الكاتب عباس خضر يعيش في ألمانيا / برلين , نشر ثلاث رويات باللغة الالمانية " الهندي المزيف "2008 و" برتقال الرئيس " 2011 , " رسائل في جمهورية الباذنجان" عام 2013 , تدوراحداثها اما في بلده الأصلي العراق او حوله , نال العديد من الجوائز الادبية والمنح الدراسية, نجح بموهبة هائلة في دراسة الأدب والفلسفة في ميونيخ ,وبالفعل بعد ثماني سنوات نشر أول روايته, أصبحت قيمة الكتابة عنده خلاص من الماضي وصولا إلى تحقيق حياة بشرية جديدة , اصبحت اللغة الأجنبية الألمانية مكانا للجوء والاحتماء من رعب الماضي ,لفهمها يجب التعامل معها بمهارات مبدع ,انه لا يروي حكايات الف ليلة وليلة انه يكتب نصا ادبيا يروي عن الحياة المعاصرة, دائم البحث عن الشكل الروائي الجديد وعوالم السرد.
و لد عباس خضر في عام 1973 في بغداد, نشأ في الوقت الذي حول صدام حسين العراق إلى دكتاتورية عسكرية، طغى فيها اللون الكاكي لون العسكر الجيش على الحياة العامة. في التاسع عشر من عمره سجن لمدة عامين بدون محاكمة ,تعرض للتعذيب والحرمان حتى من ضوء الشمس وسلبت كل حقوقه , سرد وصف هذه الفترة الزمنية من حياته في روايته" برتقال الرئيس" . يصف عباس خضر في روايته
الاولى "الهندي المزيف "الصادرة في عام 2008محاولة هربه من العراق بعد ان أطلق سراحه من السجن ,ليجد طريقه بطرق غير شرعية إلى أوروبا ,جال فيها سبع دول حول البحر الأبيض المتوسط،
انه المتشرد من دون أوراق، دون مال,أوديسا معاصرة شهدها. رواية الأخيرة "رسالة الى جمهورية الباذنجان " صدرت عام 20013 . ـ رسالة إلى جمهورية الباذنجان، هي قصة رسالة حب يرسلها شخص عراقي يعيش في بنغازي الليبية إلى حبيبته في بغداد، ليس عن طريق البريد العادي بل عن طريق سائقي الشاحنات المتوجهين من عمان إلى بغداد. ففي أيام نظام صدام حسين كانت رسائل المهاجرين تقرأ من قبل دكتاتورية البعث، ما أدى إلى ظهور تجارة تهريب الرسائل من وإلى العراق. الرواية تحكي رحلة هذه الرسالة وهي تتنقل بين أيادي أشخاص ليبيين ومصريين وأردنيين إلى أن تصل إلى العراق، حيث عيون الرقابة على الرسائل لا تنام.. من لقاء مع الكاتب في موقع المراقب العراقي . يقول الكاتب عباس خضر في رسالة موجه الى اللجنة المانحة لزمالته الى لندن :
"انجلترا المستعمر القديم، والشريك السياسيي، العدو الدائم، الصديق القديم والجديد!" ربما فقط العراقي يستطيع ان يصف البريطانيين بهذا الشكل لأن بريطانيا الدولة الأم للعراقيين، كما جاء في معجم القوى الاستعمارية. انها أسست دولة العراق في العصر الحديث في أوائل القرن 20، تدخلت في القرن 20 و 21 في اتخاذ العديد من القرارات السياسية للبلاد وقادت حروب لا نهاية لها ضده، أو معه ضد الدول المجاورة. وأرسلت مرارا وتكرارا الجنود والمقاتلين الى العراق .
لذلك هناك ثلاث دول تلعب دورا في حياتي: بلد الأم (العراق)، البلد الأم (انكلترا) وبلد الراعي (ألمانيا). بفضل صندوق المنح الأدبية من بلدي الراعي المانيا , شاكرا سأزور بلدي الام المؤسس لوطني العراق في العام القادم والبقاء هناك لمدة 10 أسابيع. أعدكم أنني لن اخوض الحرب في لندن. ليس لدي الحق في القيام بذلك. انا ذاهب الى لندن كألماني وليس كعراقي. أنا في نهاية المطاف لست جنديا وليس بطالب ثأر. أنا كاتب، وأنا أؤكد لكم بأنني سوف اقوم بمهمة واحدة اغناء سيرتي الادبية, أبحث عن الحقيقة وأجوبة ولكن ايها ؟
الكاتب أجاثا كريستي وزوجة أحد المستعمرين البريطانيين، ، عاشت في أوائل القرن 20 في فيلا على النهر في بغداد, كتبت ما يلي في روايتها الشهيرة "جريمة في بلاد الرافدين" عن بغداد:
"إن الأوساخ والفوضى في بغداد هم لا يوصف ,تنعدم الرومانسية هنا ,كيف يمكن للمرء أن يتخيل بغداد بعد قراءة " الف ليلة وليلة "؟؟. لماذا هذا؟ من يتحمل الذنب واللوم في قذارات بغداد وحزنها وانطفاء رومانسيتها ؟ هل اهل العراق فقط ؟ في عام 2003، عندما وصل الجيش البريطاني بغداد، لقد شهدت شخصيا نفس الصورة مرة أخرى , الرومانسية ليست شيئا يذكر بل الجثث والتفجيرات والفوضى هي الطاغية .
تقول عنه الصحفية دينا نيتس في القناة الثالثة للتلفزيون الالماني
"ليس هناك من كتاب اللغة الالمانية غير الالمان يكتب بهذا الوضوح والبلاغة والتعاطف مع العالم العربي باسلوب مؤثر على غير العرب, لغة عباس خضير مختصرة ودلالية بجانب انها زاخرة بابهى الوان الجمل المتعددة المعاني , يكمن عباس خضر في زوايا الحدث راصدا لابعاده يحثها على النمو بكل قسوة , عباس هو هبة من السماء للغة الألمانية وأدبها".
#لطيف_الحبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟