أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - المسلمون الجدد - 3















المزيد.....

المسلمون الجدد - 3


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 4644 - 2014 / 11 / 26 - 17:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في هذا الجزء سوف أتطرق إلى قضية الناسخ والمنسوخ في القرآن، باعتباره المُدخل المناسب لمُناقشة مسألة العقوبات البشعة في الإسلام والتي يدعي المُسلمون الجدد أنها ليست من الإسلام، وأنا هنا أقصد عقوبة رجم الزاني والزانية المحصنين وعقوبة قتل المرتد، ويحتج المُسلمون الجدد بأنَّ هاتين العقوبتين غير موجدتين في القرآن، وقد رأينا كيف أنَّهم يؤولون الآيات القرآنية ظنيَّة الدلالة أو المُتشابهة، ويُحيِّدون الآيات قطعية الدلالة أو المُحكمة بحبسها في سياقها التاريخي. من خلال نقاشاتي وقراءاتي توصلتُ إلى أنَّ رفض هؤلاء الجدد للناسخ والمنسوخ في القرآن مُتأتٍ من استبعادهم لفكرة أن الله يُمكن أن يتراجع في قراراته، فهم يستبعدون أن يُشرِّع الله أمرًا ثم يتراجع عنه، فيُلغي التشريع أو يُغيِّره مرَّة أخرى، ويرون في ذلك انتقاصًا من صفة الألوهية، وسوف نناقش هذه المسألة، ولكن قبل ذلك دعونا نستعرض الآيات التي تتناول موضوع النسخ في القرآن؛ فالقرآن أورد في أكثر من موضع قضية النسخ بشكل شديد الوضوح، والآيات التي تناولت هذا الموضوع، هي على النحو التالي:
{ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير}
{وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون}

بالتأكيد لن نذكر الأحاديث والمرويات التي تُؤكد ثبوت النسخ في القرآن، وسوف نكتفي بهاتين الآيتين الواضحتين والصريحتين، مع علمنا التام بأنَّهم يلجأون إلى تأويل القرآن لكي يتوافق مع الصورة الذهنيَّة التي يرغبون في تثبيتها. ويعتمد المسلمون الجدد في إنكارهم للنسخ في القرآن على تأويل كلمة {آية} على أنها لا تعني فقط الآية التدوينية أو الآية القرآنية؛ وإنما قد تأتي بمعانٍ أُخرى، كأن يكون المقصود منها الآية الكونية، كما في آية: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} أو قد تأتي بمعنى المعجزة، كما في قوله: {ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله} أو بمعنى الأمارة والبيِّنة، كما في قوله: {وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} والأدلة كثيرة جدًا من القرآن، ولكن سوف نكتفي بهذا القدر. ونقول إنَّ هذه الحجة صحيحة ظاهرًا وفاسدة باطنًا؛ فصحيح أنَّ كلمة (آية) لا تأتي دائمًا بمعنى الآية التدوينية أو الآية القرآنية، وأنها تأتي بمعانٍ أُخرى مختلفة، وهذا أمر طبيعي؛ ففي اللغة العربية (كما في لغاتٍ أخرى) ثمَّة خاصية يُقال لها "الترادف – Synonymy" والترادف يعني أن تحتمل اللفظة الواحدة أكثر من معنى، فعلى سبيل المثال، كلمة (ضَرَبَ) في اللغة العربية لها أكثر من معنىً واحد:
أ‌ ) { واهجروهن في المضاجع واضربوهن} أي الضرب المعروف
ب‌) {لا يستطيعون ضربًا في الأرض} أي السفر
ت‌) {ضرب الله مثلًا عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيء} أي إعطاء الأمثلة

وهكذا نرى أنَّ اللفظ الواحد قد يكون له أكثر من معنىً، وهذا أمر لا يُجادل فيه إلا جاهل باللغة، ولكننا لا نفهم معنى اللفظ إلا من سياق الجملة نفسها، ومن الجهل أن نأخذ معنى اللفظ في الجملة (ت)، ونُلزم به معنى اللفظ في الجملة (أ) مثلًا، وهذا هو فساد حجة المُسلمين الجدد، أنهم يؤولون معنى كلمة (آية) على غير ما يُمكن أن يُفهم من سياق الجملة، وجُل محاولاتهم لإعادة التأويل تعتمد في أساسها على التلاعب بمسألة المترادفات هذه، فما معنى أن يُبِّدل الله معجزة مكان معجزة أو يُنسها؟ أو ما معنى أن يُبِّدل الله علامة مكان علامة أو يُنسها؟ أو ما معنى أن يُبدِّل الله آية كونية مكان آية كونها أو يُنسها؟ إنَّه وبقليلٍ من المنطق سنجد أنَّ استخدام المعاني المُترادفة الأخرى يجعل الجُملة بلا معنى، ولنؤكد على ذلك، دعونا نستبدل كلمة (آية) بأحد معانيها المذكورة، لنعرف ما إذا كان المعنى سوف يستقيم أم لا:
{ما ننسخ من شمس ولا قمر أو ننسهما نأت بخير منهما أو مثلهما ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير}
{ما ننسخ من علامةٍ أو بيِّنةٍ أو ننسهما نأت بخير منهما أو مثلهما ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير}
{ما ننسخ من معجزةٍ أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير}

وهكذا نرى أنَّ استبدالنا للفظ بالمعنى الذي يقترحه المسلمون الجدد يجعل الجُملة لا معنىً لها على الإطلاق، غير أنَّنا نجد في القرآن آيةً أُخرى أكثر وضوحًا في إثبات النسخ، فنقرأ: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} وهي آية لا تحتمل التأويل، فهنا لم يأت ذكر كلمة (آية) حتى تُأوَّل على أي معنىً من المعاني. الغريب في أمر المسلمين الجدد أنهم رغم رفضهم للنسخ بحجة أنه ليس من المعقول أو المقبول أن ينسخ الله كلامًا أو حُكمًا بعد أن أنزله؛ إلا أنهم في الوقت ذاته يؤمنون بوقوع النسخ في الشرائع السابقة، ويُؤمنون أنَّ الله أنزل التوراة والإنجيل، ثم نسخهما بالقرآن، فكيف آمن هؤلاء بأنَّ الله نسخ تشريعاته السابقة بتشريعات جديدة كليًا؟ علمًا بأنَّ تلك التشريعات منها ما هو غير موجود في الإسلام أصلًا؟ فهل غيَّر الله رأيه مثلًا؟ وكعادتهم فهم لا يعتمدون منهجًا موضوعيًا يُمكن له أن يصمد في التطبيق على كل الوجوه. فإذا كانت فكرتهم عن الله أنه من المستحيل أن يُغيِّر رأيه وحكمه وتشريعه، فكان يجب أن يرفضوا أيضًا وقوع النسخ بين الشرائع الأخرى، لأنَّ تلك الشرائع هي من الله أيضًا، ولكن لأنَّ نسخ الشرائع يصب في مصلحة الفكرة القائلة بعلو الإسلام وهيمنته على بقية الأديان السابقة؛ لذا أصبح فكرة مقبولة؛ بل ومنطقية، ولمَّا كان النسخ في التشريعات داخل الدين الواحد كانت فكرة غير مقبولة ولا منطقية(!)

وأخيرًا فإنَّ النسخ، رغم ما به من طعن في الذات الإلهية، إلا أنَّها ضرورية لحل إشكاليات التناقض الواضحة في القرآن، فلو لم يكن هنالك نسخ في القرآن فإن المسلمين الجدد سيكونون أمام ورطة كبيرة جدًا إزاء الآيات التي تبدو متعارضة ومتضاربة، كالتعارض الذي نجده في قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} فهذه الآية فيها حكم بإلزام الميت بترك وصية قبل موته، ونحن نعرف أنَّه لا وصية في الإسلام، لأنَّ القرآن جاء بآية المواريث، وحدد الكيفية التي يتم بها اقتسام الثروة التي يتركها الميت، ولم يدع ذلك للميت نفسه، خوفًا من أن يجور على أحد، فكيف يُمكن التوفيق بين آية الوصية وآية المواريث؟ وكذلك نجد التعارض بين آية {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } وآية {فاتقوا الله ما استطعتم} فما هو الواجب فعله على المسلم أن يتق الله حق التقوى أم أن يجتهد في التقوى ما استطاع؟ وكذلك التعارض بين آية {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا} والآية التي تليها {الآن خفف الله عنكم وعلم أنَّ فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله} فكيف سوف يوفق المسلمون الجدد بين هاتين الآيتين المتعارضتين بشكل واضح؛ لاسيما مع وجود عبارة {الآن خفف الله عنكم}، وماذا عن التعارض بين قوله {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك} وبين قوله: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين} فهل لا يرى المسلمون الجدد أي تعارض بين هاتين الآيتين؟ وهنالك آيات أخرى كثيرة تتعارض مع بعضها البعض، ولا يُمكن حل إشكال التعارض إلا عبر القول بالناسخ والمنسوخ، وعلى كلٍ فاستبعاد المسلمين الجدد أن يُغيِّر الله رأيه بعد صدوره، هو حكم ذاتي لا يُمكن الاعتماد عليه، لأنهم لا يملكون دليلًا على هذا الاستبعاد، فمن أين عرف هؤلاء أنَّ الله لا يتراجع في رأيه أو في حكمه؟ إلا أن يكون صورة ذهنية عندهم عن الله، والله لا يُعرف بالهوى أو بالحدس والبداهة وإنما يُعرف بما يُخبر به أنبياؤه ورسله، وما جاءوا به من كتب منزلة منه.

وقبل أن أختم هذه الجزء من المقال، دعوني أناقش فكرة (قتل المرتد)، حيث يرفض المسلمون الجدد أن تكون للمرتد عقوبة دنيوية، ويرفضون قتل المرتد بحجة أنه يتعارض مع صريح القرآن، كما في آية {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، وكذلك: {لكم دينكم ولي دين} وكذلك {لا إكراه في الدين} فيحتجون بهذه الآيات وغيرها مما يدل ظاهرًا على أنَّ "الله" لم يُحدد أي عقوبة لمن ترك الدين، ويزعمون أنَّ عقوبة المرتد هي عقوبة آخروية بدليل {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون} وكذلك قوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً}، كما يعتمد المسلمون الجدد في ذلك على أنّ قتل المرتد ليس من الحدود الشرعية؛ لأنه إن كان كذلك لكان لزامًا ورود نص قرآني عليه، وسوف أحاول فيما يلي الرد على هذه المزاعم بشيء من الإيجاز منعًا للإطالة.

دعوني أبدأ بالآيتين الأخيرتين؛ إذ توردان الردَّة بشكل واضح، دون أن توردا أي عقوبة دنيوية عليها، فهل بالفعل يُمكن اعتماد هاتين الآيتين كحجة قاطعة؟ الواقع أنَّ عدم إيراد العقوبة الدنيوية في الآية ليس دليلًا على أنه لا توجد عقوبة دنيوية، وإلا لكانت الآية {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا*يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} دليلًا على أنه لا حد لقاتل النقس والزاني، ولكن الواقع والمعلوم غير ذلك، لأنَّه لا أحد بإمكانه إنكار وجود حد للقاتل والزاني؛ وما يهمني هنا أولًا إثبات أنَّ عدم ورود عقوبة دنيوية في آيةٍ ما لا يعني أنه لا توجد عقوبة، وقد يقول قائل: "إننا قد عرفنا عقوبة القاتل والزاني بآياتٍ في مواضع أخرى." وهذا ما سوف أوضحه لاحقًا، فقط اسمحوا لي أن ننتهي من الحجج الصغيرة التي تضع العراقيل أمام الفهم الصحيح لمُجمل الآيات.

أمَّا حجتهم بأنَّ قتل المرتد ليس من (الحدود)، فإننا إن نظرنا إلى مُجمل الآيات التي أوردت عبارة (حدود الله) سوف نكتشف أنَّ المقصود لا يُحيل إلى العقوبات الدنيوية لارتكاب جرائم شرعية؛ بل إنَّ كل الآيات التي احتوت أو ذكرت هذه العبارة جاءت بمعنى (شرع الله) أو (الأوامر والنواهي) بصورة عامة، وفيما يلي سرد تفصيلي لهذه الآيات على النحو التالي:
• {أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم اتموا الصيام الى الليل ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله اياته للناس لعلهم يتقون} الآية هنا تتكلم عن أحكام الصيام وحدود الله المراد منها هنا التعاليم والأحكام المتعلقة بالصيام، وليس للأمر علاقة بالعقوبات.
• {الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان ولا يحل لكم ان تاخذوا مما اتيتموهن شيئا الا ان يخافا الا يقيما حدود الله فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فاولئك هم الظالمون} الآية هنا تتناول أحكام الطلاق، وحدود الله المقصود منها هنا أحكام الله في الطلاق، ولا علاقة لها بالعقوبات أيضًا.
• {فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فان طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا ان ظنا ان يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون} هذه الآية أيضًا تتناول أحكام الطلاق.
• {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ * تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم} هذه الآية تتناول أحكام الميراث والمواريث، ولا علاقة لها بالعقوبات لا من قريب ولا من بعيد.
• {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين} الآية هنا تتكلم عن تعاليم الله وشرائعه وفرائضه من صلاة وصيام وزكاة وما إلى ذلك، ولا علاقة لها أيضًا بالعقوبات.
• {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل ان يتماسا فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب اليم} هذه الآية تتكلم عن أحكام الصوم، وأيضًا لا علاقة لها العقوبات.
• {يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان ياتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا} هذه الآية أيضًا تتكلَّم عن أحكام الطلاق، ولا علاقة لها بالعقوبات.

من خلال ما سبق رأينا كيف أنَّ (حدود الله) المقصود منها حسب القرآن لا يعني أحكام العقوبات على الجرائم المنصوص عليها في القرآن، وإنما كل ما ورد عليه نص بعقوبةٍ فهو يعتبر حسب (الفقه الإسلامي) حدًا، وهذا هو قوام تعريف الحد في الفقه الإسلامي وتعني: (العقوبة المقدرة شرعًا في حق من حقوق الله أو من حقوق العباد)، وسوف نأتي لاحقًا على ذكر ما جاء في القرآن من عقاب على المرتد في الدنيا وليس في الآخر فقط، ولكن يتبقى أمامنا إيضاح المقصود من بقية الآيات التي جئنا على ذكرها من التي يعتمد عليها المسلمون الجدد في إنكار قتل المرتد، ومنها على سبيل المثال، قوله {لكم دينكم ولي دين} هذه الآية من سورة (الكافرون) وهي سورة مكيَّة نزلت في مناسبة محددة، وهي أنَّ مشركي قريش اقترحوا على محمد رسول الإسلام أن يعبد أصنامهم شهرًا، ويعبدوا إلهه شهرًا (حسب كتب السيرة وكتب التفسير)، فنزلت هذه الآية، ولكننا نعلم جميعًا أنَّ محمدًا عند دخوله إلى مكة فاتحًا لها، قام بهدم وتحطيم الأصنام التي كانت قريش تعبدها، دون وضع اعتبار لهذه الآية؛ وبالطبع فإنَّ المسلمين الجدد لا يقرأون هذه الآية في سياقها التاريخي، كما يفعلون مع آيات أخرى؛ فإذا كان الرسول نفسه لم يلتزم بهذه الآية فهل يُريدون أن يُلزمونا نحن بها؟ إن عدم التزام الرسول بهذه الآية لهي دلالة قاطعة على نسخ الآية بآية السيف كما أجمع علماء وفقهاء الإسلام على مر العصور؛ طبعًا باستثناء المسلمين الجدد(!) وربما يعتمد البعض على عدم وجود عقوبة للمرتد بآية {لا إكراه في الدين} ويقولون إنَّه لا يُمكن أن يُكره شخص على الاستمرار في الإسلام، والآية واضح جدًا أنها تعني عدم الإكراه على دخول الإسلام وليس على عدم الإكراه في الاستمرار فيه، فإذا قلنا (على سبيل المثال): "لا إكراه في الزواج" فما الذي قد يُفهم من هذه الجملة؟ هل أنه لا يجوز التزويج بالإكراه أم عدم جواز الاستمرار في الزواج بالإكراه؟ وحتَّى وإن صح عقلًا عدم إمكانية الاستمرار في الزواج بالإكراه، إلا أنَّ الجملة تُحدد الإكراه في التزويج وليس في الاستمرار.

وأخيرًا؛ هل ورد أي ذكر لأيِّ عقوبة للمرتد في القرآن؟ إنني أدعو المسلمين الجدد أن يقرأوا هذه الآية: {وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} وأن يقولوا لنا: "ما المقصود بالعذاب الأليم الذي سوف يلحق المرتدين الذين كفروا بعد إسلامهم (في الدنيا)؟" هذه الآية توضح وبشكل قاطع أنَّ للمرتد عقوبة (عذابًا أليمًا) في الدنيا قبل الآخرة؛ فإن قالوا إنَّ العذاب لا يعني القتل، على اعتبار أنَّ القتل ليس عذابًا، قلنا لهم: "اقرأوا الآية القرآنية {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}" فكيف لا يكون القتل عذابًا؟ وإذا عرفنا أنَّ السنة النبوية هي تفصيل وتطبيق لما أوجزه القرآن؛ بحيث تكون السنة النبوية هي الجانب التطبيق للنظرية الإسلام المتمثلة بالقرآن، أفلا تكون أحاديث قتل المرتد متسقة مع هذه الآية؟ كما قد تتسق مع هذه الآية أيضًا {ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق} لاسيما إذا عرفنا أنَّ الأحاديث الواردة فيمن تحل دماؤهم هي أحاديث صحيحة لا يُمكن الطعن بها أبدًا كحديث: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" وهو حديث اتفق البخاري ومسلم على تصحيحه وتخريجه. عمومًا أكتفي بهذا القدر من المقال، ولنا عودة أخرى لمناقشة المزيد، وللغوص عميقًا في دهاليز وأخبية عقول المسلمين الجدد؛ لنعرف إلى أيِّ مدىً هم غير متسقين مع نصوصهم وتراثهم الديني، رغم حسن نواياهم.



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسلمون الجدد - 2
- المسلمون الجدد - 1
- بتروفوبيا إلى الإنجليزية
- السَّنافر - 3
- السَّنافر - 2
- السَّنافر - 1
- المُعاناة في حياة المُلحد
- الخالق ورطة الخلقيين
- مصير الأنبياء
- الحجاب والحرية الشخصية
- دفاعًا عن نظرية التطور
- خطايا السَّيد المسيح - 2
- خطايا السَّيد المسيح
- فضائح السَّند والمتن في علم الحديث
- الالتفاتة الأخيرة لخلدون
- رَمَدُ العُيون في مقالة المدعو خلدون
- قراءةٌ في سِفر الوثنية
- محاولة لقراءة التاريخ الإسلامي بعينين
- زواج عتريس من فؤادة باطل
- هكذا تكلَّم يهوه 1


المزيد.....




- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - المسلمون الجدد - 3