غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4640 - 2014 / 11 / 22 - 17:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وعــن الــبــرنــامــج... أي بــرنــامــج؟؟؟!!!...
ســألني صديق عتيق بهذا البلد عن محتوى البرنامج الذي تحضره بعض الشخصيات السورية الهامة بهذه المدينة الفرنسية التي نقيم فيها من سنوات طويلة, والمختلفة الآراء والأفكار والبرامج.. والتي تبقى على مستوى الأفكار والبرامج فقط... وليس باستطاعتها تغيير ما يحدث على الأرض السورية.. فاصلة واحدة.. ولا إعادة الكهرباء أو المياه المقطوعة, بحاكورة صغيرة منكوبة سورية, بهذه الحرب الغاشمة الغبية المجرمة التي تدور من أربعة سنين بهذا البلد المتعب.. والتي لا بد أنها كانت تتحضر بمشاركات وخيانات دنيئة.. ككل الخيانات من سنوات طويلة.. وصديقي يسألني عن برنامج محاولات هذا اللقاء.. لأنني مدعو.. مدعو فقط.. ولست من المحضرين لـه بأي شكل من الأشكال... وهذا جوابي له :
يا صديقي
بــرنــامــج؟...أي بــرنــامـج؟...
تبويس شــوارب.. خطابات ناعمة.. كلام شـــامـي على طريقة باب الحارة... على راسي.. كلو تمام.. يا عيني عليك.. عن الطقس في البلد... عن أطيب مجدرة وأكبر صحن حمص (الأكلة وليست المدينة) لأننا إن تكلمنا عن المدينة سوف تظهر خلافات تاريخية معقدة ملموسة, ولو أن عددنا لم يتجاوز الخمسة ســوريين. إذن كل شــيء في البرنامج... ولا أي شـيء في البرنامج... كما كان منذ مئات السنين...
إذن إن أردت أن تضيف شيئا.. وأنا أقول أننا يجب أن نبق البحصة بوضوح.. بصراحة.. دون أي باطن وظاهر...حتى تتوضح النوايا الحقيقية لرغبة حقيقية " لـجـمـع الــشــمــل " أو أية فكرة أو محاولة جدية لمساعدة بلدنا المنكوب.. بالشمل المتفتت والغارق بالفرقة والتجزيء والتمترس وراء التعصب الطائفي من أربعة سنوات.. واعتقد ايضا من مئات السنين.
هل تتذكر خلال السنوات العديدة الماضية, كم محاولة خلق رابطات ثقافية سورية ــ فرنسية حاولنا خلقها. واندثرت لأننا حاولنا الإلحاح على مبادئ علمانيتها. وكان مجرد ذكر كلمة العلمانية, تجعل بعض مشاركينا السوريين الذين يعيشون بهذا البلد من سنوات طويلة, حاملين أرفع الشهادات الجامعية, يتحسسون باستمرار من كلمة العلمانية, كأنها شتيمة وإلحاد وعداء مفتوح ضد كل ما اعتنقوا من فكر وتحليل... لذلك يا صديقي الأمور لم ولن تتغير.. وخاصة بعد هذه الحرب الغبية ضد سوريا وفي سوريا.. لأنها أظهرت الضغائن التاريخية المكبوتة.. والتي لم يجرؤ أي مفكر من الأنتليجنسيا الغربية أو الإسلامية التطرق إليها وتحليلها بركائز علمية تاريخية.. وهنا عقدة العقد التي تتوالى سنة بعد سنة هناك وهنا.. ولا بد أنك لاحظت أنني كلما تطرقت لهذا الموضوع بكتاباتي الواضحة المنطقية الراغبة (بشق الدملة وعلاجها) حتى تتبخر أو تندثر هذه الخلافات المنبثقة من هذا الجعل التاريخي, والذي يقتل من سنين كل انتساب إلى المواطنة والمواطنة فقط.. كانت تنهال علي تهم الزندقة والكفر والنصرانية والإلحاد.. وابتعاد العديد من الأصدقاء والمعارف والأصحاب السوريين والعرب, والذين اعتقدت يوما أنهم أرفع وأسمى وأذكى من كل هذه العنعنات والعربشات الطائفية, والتي شــكـلت خلال هذه السنوات الأربعة العقدة والدملة التي كانت مخبوءة في هيكل الجسد السوري.
نعم.. نعم.. نعم يجب أن نشارك بهذا الاجتماع ولو مرة واحدة.. وأن نحاول أن يشارك فيع أكبر عدد ممكن بهذه الجالية السورية.. لا اجتماع افراد انتليجنسيا محدودة معروفة أو زعامات مبتدعة.. أكبر عدد ممكن من الجالية السورية والتي تمثل كل الفئات بلا استثناء.. دون تابو.. دون باطن وظاهر.. دون مسايرات كلامية خداعية.. واقع مشاعرنا وتحاليلنا وأحاسيسنا وما نردد بالمطابخ خفية.. عندما يكون الآخر غائبا... يجب أن نتحدث عن العلمانية التي تبتعد اليوم عن كل مشاريع وتشريعات بلدنا.. بلا أقلية ولا أكثرية... المواطنة المتساوية بكل الحقوق والواجبات.. ولا شيء سوى المواطنة الصافية الحضارية, كما تحياها كل الشعوب المتحضرة. وإلا ما فائدة هذا اللقاء, إذا كنا نعيش اليوم في بلد (ديمقراطي متحضر) ولا نكتسب منه ما تعلمنا من تجارب هذه المواطنة العلمانية. ما الفائدة إذا كنا نعيش فيه من سنوات, وما زلنا بقعر وحول الطائفية والعشائرية والقبلية والمذهبية.. وبأي شــيء يمكن أن نفيد بلد مولنا إذن, وهو يعيش اليوم أمراض ما سببته مئات ومئات السنين من هذه المذهبية والطائفية والعشائرية والمذهبية الظاهرة و المخبوءة, والتي أوصلتنا اليوم إلى "خلافة داعــش", والتي هي اليوم أكبر نكبة إنسانية وانحسار وانحطاط اجتماعي وحضاري عرفته ســـوريــا, مع مزيد الألم والحسرة والألم, منذ آلاف السنين من تاريخها وقبل ابتداع جميع الأديان التي ولدت فيها...
ســـوف أحضر هذا اللقاء.. وأنت يا صديقي يجب أن تشارك بــه, وأنت تتكلم بكل وضوح.. كما تكتب وكما تحدثني وتساءلني من وقت لآخر... على الأقل يمكنك ويمكنني أن نعبر عن أفكارنا بوضوح وصراحة على الملأ.. وأن نحلل جميع الخلافات الظاهرة والباطنة.. من يدري؟... قد تظهر حينها بعض التوافقات البسيطة.. ويمكننا أن نساعد أهالينا المنكوبين بهذه الحرب الغاشمة الغبية.. ولو أننا لا نملك ســوى الكلمة.. على الأقل قد نخفف بعض الشيء من عنفوان هذا السلاح الدمار الشامل الذي يقتلنا من مئات السنين.. والذي اســمــه : الــطــائــفــيــة...
*************
على الهامش :
ــ إضــافــة هامة
بمحادثة شخصية هاتفية هذا الصباح, طمأنني صديقي الإنساني الرائع والذي هو أحد الداعين ومنظمي هذا اللقاء.. بأن كل المواضيع سوف تكون مفتوحة.. وأن الدعوة إلى المواطنة وشعور المواطنة وواجبات المواطنة.. سوف تكون أهم المواضيع الرئيسية الممكن نقاشها والتحدث عنها بهذا اللقاء...
كلام صحيح مطمئن... أرجو أن يــجــد بــه الصديق المتسائل الأول.. جوابا لتساؤله وانشغاله... وعلنا نجد بعض الحلول والأجوبة البسيطة الأخرى.
ــ كلمة شخصية أخيرة
استمعت بعد ظهر هذا اليوم مقابلة على راديوRTL للآكاديمي والمؤرخ والكاتب المخضرم الذي كان مستشارا للرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران... السيد إيريك أورسينا Eric ORSENA يقول : فن السياسة أن تناور وتطالب بالمعقول... كم بهذه الكلمة من براغماتية... أعترف أنني لم أمارسها بأي يوم منذ اندمحت بالسياسة باكرا, ســواء في ســوريــا أو في فــرنــســا... لأنني كنت دوما أحارب ــ على طريقتي ــ من أجل الصــعــب.. الصعب جدا.. وحتى اللامعقول......
بــــالانــــتــــظــــار...
للقارئات والقراء الأحبة الأكارم.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأصدق وأطيب تحية مهذبة...
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟