أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - في البدء كانت الكلمة














المزيد.....

في البدء كانت الكلمة


سميح مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 4638 - 2014 / 11 / 19 - 11:10
المحور: الادب والفن
    


من براعم الياسمين تولد الكلمة الصادقة مفعمة بشلالات من الأحاسيس... تتألق على سطور صفحات من الأوراق البيضاء برقص دائم لا يعرف الانتهاء ... تتناثر حولها الحروف والفواصل بمداد غارق بالندى... كلمة تلو كلمة تخفق في كل الجهات.
تُطل الكلمة الصادقة بوشوشات أوتار شجية يبلغ رنينها أقاصي الكون... ينبضُ الليل الرمادي على أجنحتها في رحاب السكون ... شيئاً فشيئاً تنساب عبر الليل، وتلونُ وجه الصبح بألوان ربيعية.
تَرسم الكلمة الصادقة ما طاب من الحروف في مسامات السطور... تتناثر الأفكار على إيقاعها في كل شيء ... وما إن يتم تشكيل الأفكار وترتيبها حتى تتفتح الأوراق متمايلة بتويجات أكاليل تكتحل بها العيون.
يُدرك القارئ إذ ذاك كيف تدبق الحروف على مقابض متتاليات من الصور الجميلة، وتنغرس في زحام منابت تكوينات مفهومية دقيقة تلاحقه وهو يقرأها، يستدفئ بها ويحسُ على إيقاعها برغبة جامحة للاقتراب أكثر فأكثر من عناقيد اختلاجات ثقافية وأدبية وفكرية يسودها العمق والصدق... تنهدل ُحوله كانثيال الأضواء.
يتابع القارئ مجريات الكلمة الصادقة بمختلف لمساتها وانسيابها وبريقها الوهاج ... يتابعها وكأنها أسرجة له في فضاءات الحروف والمفردات المنقوشة في مفارش الأوراق، يتشابك معها بكل إشاراتها وأخيلتها وإحالاتها ... يطيل اللقاء معها ... يُعلقها حوله على امتداد المدى، ويبحرُ معها على امتداد الأيام.
هكذا تتألق الكلمة الصادقة بصياغاتها اللفظية وأفكارها ومفاهيمها، وبكل ما تنسجه بقطرات الحبر من عبارات ترتعش النصوص على إيقاعها بتجلياتها المختلفة، وبكل ما يتصل بها من تفسير وتحليل وتعليل وتأويل واستحضار أدلة وحيثيات مطولة.
وفي ثنيات الحروف يبقى كاتب الكلمة الصادقة معها في أبهى حضور، تتصفحه عيون القراء، يدخلون عالمه، يدقون أبواب سطوره، ويُعمدون قرابة فكرية معه تمتد في عروق الأوراق.
الكاتب الصادق ينشد المزيد دوما في مسارب الحياة، معنيٌ بملاحقة الحروف... يصنع أشرعة لها لتمخر في لجة الحياة، بكل ما فيها من أفكار وشعور وميول... ميمماً شطر سياقات كثيرة، لا يترك المصابيح مضاءة حول ما يخفق به فكره وما يؤمن به فحسب، بل يكشف بالكلمة الصادقة كل الأفكار... كل أطياف الدلالات والحقائق دون قيد وبمعزل عن كل أشكال الضبط وممارسات الرقابة والتسلط.
يقول في هذا الشأن "بروكس" بأن الكاتب أو الشاعر الصادق هو الذي يقدر على إعادة تشكيل المتناقضات والانفعالات المتباينة التي تحفل بها الحياة، في شكل منسجم قابل للقراءة دون إيحاءات وصور ضبابية، حتى يساعد القارئ على إدراك ما يجول حوله من تجليات اجتماعية وسياسية وفكرية وأدبية متعددة... وهكذا فإن الكاتب مرآة تعكس لنا الحياة الواقعية... تعكس رؤاه ومضامينه التقييمية لكل ما يجول حوله، و ما يراه من حلول مناسبة يطلقها دون زيف ورياء... تساعد على معالجة إشكاليات مجتمعه السائدة.
من نافل القول أن الكاتب لا يستطيع القيام بكل هذا في منأى عن الحرية، لأنها المفتاح السحري لقدراته الإبداعية، بها وحدها توقظ الكلمة الصادقة... يحتاجها لكي يكتب بمصداقية وصوغ ما يفيد القراء... من هوائها ونورها يستمد حروفه، ويعلن بها ما هو مخفي في فكره، وما يجري في الحياة الخارجية السائدة في بيئته... بالحرية وحدها يكون في ميسور الكاتب الالتزام بمجتمعه وقضاياه... ومن دونها ينتهج نهجا آخر، يسطر حروفه على كثبان الرمال، تظهر لفترة قصيرة ومن ثم تمحى... تتطاير مع همهمات الرياح.
في مزيج الحروف والفواصل، تتألق الكلمة الصادقة شامخة على جسور السطور، تمضي بدفق دائب في أرجاء شتى، هي البدء وهي خبز الإنسان، بها يرى الكاتب الصادق واقعه المعيش على حقيقته، يغوص فيه... يرسمه بمنظومة من الكلمات، يتكئ عليها شكلا وموضوعا، وينقل للقراء من خلالها أفكاره ورؤاه إلى صور محسوسة من الأحلام مرخاة العنان تتلمس خير الإنسان، تبقى خالدة بعد رحيل كاتبها لا تنال منها عوادي الزمن.
تبقى الكلمة الصادقة محمولة على رافعات منصوبة فوق قباب النجوم... تتوالى على رفوف صور دائمة الصدى... تبقى خالدة لا تنسى .



#سميح_مسعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدينة النجوم
- لمن تدق ُ الأجراس
- دين الحب
- بمصابيح عكا يلمع القمر ُ
- حيفا تحلق في رحاب الذاكرة
- القدس
- لمنْ تدقُ الأجراسْ ؟
- الحطابة ام أسعد
- يوميات ابي عبد الله الصغير أخر ملوك الأندلس
- قراءة في كتاب : مسيحيون و مسلمون تحت خيمة واحدة
- سيد القوافي ... وداعاً
- طفلة من غزة
- جريدة الاتحاد الحيفاوية عرفتني على بعض جذوري في فلسطين
- أبو العلاء المعري رهين المحبسين
- قراءة في كتاب : مارغاروش ( ومضات من حيفا )
- المتشائل بين المسرح والرواية
- كلمات عن شعر حزين
- الأخوة بين أبناء الشعب الواحد
- مأساة الهنود الحمر
- قصيدة للرصافي في افتتاح الجامعة العبرية


المزيد.....




- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - في البدء كانت الكلمة