|
قراءة في رواية مواسم الأسطرلاب للروائي علي لفتة سعيد
لؤي قاسم عباس
الحوار المتمدن-العدد: 4637 - 2014 / 11 / 18 - 01:34
المحور:
الادب والفن
قراءة في مواسم الإسطرلاب للروائي علي لفتة سعيد ... لؤي قاسم عباس يقول ماركيز الرواية هي مجموعة من القصص القصيرة المتلاحمة عبر ( فن التلصيق ) فهي أشبه بالبيت الذي يحتوي على مجموعة من الغرف . وهنا أجد ظلما تعسفاً للرواية فالرواية فن أدبي يختلف عن فن القصة مع إنهما من نفس الجنس الأدبي ويشتركان بمجموعة عناصر فكلاهما مرتبط بكونهما من أرقى الفنون النثرية إضافة إلى وجود عناصر مشتركة كالشخوص والزمان والمكان والحدث والحبكة والعقدة والنهاية والحل . إلا أن الرواية تتميز بكونها سرد نثري طويل بل هي من اكبر الأجناس القصصية من حيث الحجم وتعتمد على الوصف والحوار وأحداث خيالية وصراع بين الشخصيات وما ينطوي عليه ذلك من تأزم في الصراع ليشكل عقدة وحبكة في الأحداث. في مواسم الإسطرلاب والتي تدور أحداثها حول شخصية البطل - الزوج المهووس أو الحاكم المجنون – لم نجد أي تشعبات أو تفرعات لأحداث ثانوية الغرض منها خلق أزمات جديدة مبتكرة ثم محاولة اللجوء إلى فن التلصيق لتصبح رواية ، ولعل لغة السرد عند علي لفتة سعيد والتي تتسم بقدرة عالية على وصف الحدث و بأسلوب الحوار الأدبي المتين الذي يقترب من الشاعرية التي تلامس الإحساس وتحرك المشاعر مع الاحتفاظ بوتيرة متصاعدة لعنصر التشويق هي التي مكنته من الاستغناء عن فن التلصيق . في رواية مواسم الإسطرلاب يتمرد الروائي علي لفتة سعيد على بنيوية الرواية ويعلن عن بنية سردية جديدة للرواية المعاصرة ونجد ذلك جلياً حينما جعل المكان والزمان مبهمان وترك تأويله إلى القارئ فأينما سيولد الدكتاتور سنجد أن الإسطرلاب سيشير إلى ذلك المكان ليبدأ موسمه , وهذه هي القصدية التي من وراء جعل الزمكانية مفتوحة بل ويصبح ذلك ملزماً عندما يتحدث الروائي عن صناعة الدكتاتور . وهذا يفسر لنا تعمدهُ إخفاء أسماء الشخوص و اسطرة الرواية وجعلها تقترب من أساطير ( البحث عن إكسير الحياة وسر الخلود ) . خاصة إذا ما علمنا إنها كتبت في زمن كان فيها الرقيب يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة وآذان الجدار تنقل الأخبار فقد كتبها ما بين الاعوام 1991- 1999 وطبعت طبعتها الأولى في عام 2004 . لم تعتمد الرواية على الترتيب الزمني – الكرونولوجي – للأحداث وهذا ما منحها عنصر التشويق فقد استطاع الروائي أن يمسك بطرفي العقدة بإحكام ليحلها متى شاء فقد افتتح روايته بالمشهد ( رقم 1) والذي يتوجب أن توضع ما بعد المشهد (رقم 10) حسب التسلسل الزمني لإحداث الرواية * وهذا ما فتح الباب على مصراعيه للقارئ للتكهن والترقب بما ستؤول إليه النهاية . مواسم الإسطرلاب عمل روائي جريء يتسم بالشجاعة لأنه يخوض في غمار منطقة محظورة لا يجوز المساس بها والاقتراب منها لأنها محاطة بهالة من القدسية فالحاكم الدكتاتور هو نصف اله يمتلك صلاحيات إله كاملة. فهو المحي والمميت والرازق والقائد والقادر والقاهر والأوحد والمفدى وووالخ . وما ان تلج الرواية تشعر للوهلة الأولى إن الحديث يدور عن ذلك الدكتاتور المؤله وصورته المتداولة بحديث الناس وما تناقلته الإخبار عن هوسه بالسحرة والمنجمين وعلاقته المشبوهة بتكايا الطرق الصوفية فقد افتتح سعيد روايته ( دخل القصر .. محاطاً بحرسه ... ترتعش من خطواته الأبدان وتخفق من رؤيته القلوب . وتتعثر الخطوات خلفه . لا صوت يُسمع إلا كصوت تنفسٍ مكتوم ووقع الأحذية الحذر ...) ثم يعاود سعيد الكره مرة أخرى ليكشف عن ملامح ذلك الدكتاتور ( سيد القصر المهوس او الحاكم المجنون ) بحديث مستشاره الأول المتملق ... - سيدي ... الأرجاء تؤدي إليك يمين الولاء والطاعة . الناس مازالوا يحبونك ويهابونك ويطلبون... - لقاءك مازلت حديثهم سيدي حديث المقاهي والبيوت حتى فراش الزوجية لقد استفتوك سيدي العظيم وزحفوا الى صناديق الاقتراع مع دبكاتهم .. لا تطل غيبتك عليهم . ثم يعاود تملقهُ قائلاً - سيدي ما عليك سوى الإشارة إلى هؤلاء سنأتي بهم إليك مقيدين او ننفذ فيهم حكم الأعدام فوراً . - صورتك سيدي مرسومة في الأحداق .. أنت الأوحد في القلوب ... غير أن ذلك الدكتاتور الذي يقبع هاجس الخوف في خلايا دماغه وكريات دمه وجزيئات أنفاسه يلقي بمستشاره الهمام في قفص الكلاب المسعورة لتلتهمه وتحيله إلى جيفه . بينما راح هو يجلس ( خلف منضدته العاجية ذات الحواف المزخرفة المنتهية برؤوس ٍ لأسودٍ أربع ليعيد شريط نضاله . نعم انه نضال . لأنني الوحيد الذي جعل الناس جميعاً تفرح وتضحك وتأكل وتضاجع ) ونرى سعيد مصراً على تقريب ملامح تلك الشخصية المعقدة مع كل بداية لحديث عنه ففي مطلع المشهد رقم 9 يقول سعيد ( أدرك تماماً انه ممسك بعصا الشفاه يحركها كيف يشاء ، وتأتيه النتائج مثلما يريد ..) وفي مطلع المشهد رقم 11 يقول ( لقد بدأت الأمور تخرج من يدي . ضرب مسند كرسيه المصنوع من الذهب ) . وفي المشهد الثالث عشر يقول عن حالة دخول الجماهير الى القصر ( وقد مزقوا لوحة الأعياد المعلقة قراؤا ... عيد العثور – عيد السطوع – عيد التولّد – عيد التولي – عيد الخلود – عيد الولاء – عيد الرجال – عيد الأمل – وعيد الإنقاذ وعيد الشباب الدائم ) . في المشهد الثاني يرجع بنا الزمن إلى الوراء لتبتدئ الرواية لمعرفة سر ذلك المخلوق المهووس بحب السلطة والتملك فقد تخلى عن ذكورته استجابة لهلاوس سحرية وتنبؤات شيطانية وأماني ضالة أمليت عليه من قبل العرافة الشريرة فتوجب عليه أن يتخلى عن كل ملذاته ابتدأها بقطع عضوه التناسلي أمام مرائ زوجته العذراء ليعلن عن قبح داخلي وعداء لكل من حوله ، وقبيل تنفس الصبح ولى شارداً ليس معه إلا حماره وذلك الإسطرلاب الذي يدور برأسه يحركه كيفما يشاء . لقد استطاع سعيد أن يخلق جواً ملائماً لصناعة شخصية انزوائية معقدة حين أنهى حياة الحمار- وهو الكائن الوحيد المرافق لبطل روايته - في أجواء غامضة ليبقي بطله مستسلماً لحديث نفسه وتنبؤات كوابيسه فهي بيئة مناسبة لخلق هكذا شخصية . ويحتدم الصراع داخل الرواية وتنتقل المشاهد تارة بتسليط بقعة الضوء على ذلك الزوج المهووس وتارة أخرى على تلك الزوجة المنكوبة وفق انتقالات مدروسة للإبقاء على عنصر التشويق ...و هنا ينجح الروائي بخلق صراع محتدم داخل جسد الزوجة المنكوبة بزوج مجنون فاقدأً لرجولته وهي تعود إلى بيت أهلها تعشعش في ذاكرتها صورة غامضة عن ذلك الزوج و لا تجد تفسيراً منطقياً لذلك الفعل الشنيع الذي قام به ذلك المهووس فبقيت أسيرةٌ لوساوس موحشة و كوابيس خانقة و أمنيات بالموت ، وهي تعيد أسئلتها له :- أذن لماذا تزوجتني ؟ ولم تجد جوابا شافياً لسوائلها ... وهنا يحدث تشضي الجسد وانفلات الروح في دوامة الأفكار وهي تداعب أنوثتها التي لم يهتز غشاء بكارتها فتسلم نفسها لرعشة مشوبة بالألم ... وكأي بنت تجد في صدر أمها صندوق سرها الذي تلجأ إليه في هكذا احوال راحت تحدثها بما جرى عليها من ويلات من زواجها البائس الذي لم تنال منه إلا لقب الزوجة ... وهنا يتدخل الرجل الحكيم أو الرجل الثرثار كما تسميه الزوجة لكسب ودها فيعرض عليها خدماته لمساعدتها في تقصي أخبار زوجها لكنه يعبث بالحقائق ويخفي تلك الورقة التي كتبها الزوج وعلقها على الباب وتتسارع الأحداث وتصل الأنباء عن عودة زوجها وتتوارد الأخبار بأنه صار رجلاً يملك القلوب والأنفس يشفي بقدرات خارقة كل العلل والأمراض وصار يملك الأرواح والأجساد و ما في الأرحام . لكن هذه المدينة ظلت عصية عليه بفعل ذلك الرجل الحكيم ...وتتسارع الأحداث بموت والد الزوجة و تلتحق به والدتها ومن رحم تلك المعاناة تتولد الرغبة لدى الزوجة بتخليص تلك المدن القابعة تحت سيطرة ذلك المهووس فتشد رحالها للانتقام تحفها إرشادات الرجل الحكيم ورغبتها بوضع حد لجموح ذلك اللعين . وفي التفاتة ذكية من الروائي تأتي النهاية في المشهد ( رقم 13 ) وهو الرقم الغير قابل للقسمة الا على نفسه وهو خارج حدود الأبراج السماوية الاثنى عشر ومواسم الإسطرلاب لتصنع نهاية ذلك الدكتاتور على يد الزوجة وهو بذلك يشير إلى ما يمكن أن تلعبه المرأة من دور عظيم في أحداث تغيير جذري في المجتمع ... وهذا ما يجعلني أتكهن بان الإسطرلاب لم يكن بيد بطل الرواية ( الحاكم المجنون ) بقدر ما هو بيد الروائي علي لفتة سعيد لأنه تنبأ بالحدث قبل وقوعه . . ففي المشهد الأول استطاع سعيد أن يتنبأ لنا بمصير الحاكم المجنون :- ( انتبهوا إليه لم يكن حليق الوجه – لم يرتب ملابسه . كما هي عادته ليبدو في كامل أناقته التي تضفي عليه هالة من الإعجاب تفوق هالة الملوك ... رأوه أشبه بمتسول يرتدي ملابس جديدة حذاؤه مفتول الأربطة . ) وتكررت تلك التنبؤات في المشهد الأخير ... ( كان القصر يوحي بالغنى والعظمة بينما الناس يقتلهم الجوع ... ) ( فراح قسم منهم يتجول في القصر ، يحمل ما يصادفه كغنيمة العمر والتعويض الفقر الذي ادقعهم ) ( غص القصر بهم وتكسرت أصص الزهور وبعثروها انتقاماً كسروا الرماح المنتصبة والسيوف وفتحوا الأبواب الكثيرة عابثين بكل شئ أمامهم وتساءلوا أين ذهب كبار الرجالات ؟ ) ... لقد نجح الروائي علي لفتة سعيد بخلق شخصية معقدة سايكولوجياً غريبة الأطوار تنتعش في دولته وزارة الموتى ووزارة الإنصات وشؤون المرضى. مما جعل تلك الشخصية تقترب في أهميتها من عقدة اوديب الملك في مسرحية شكسبير ومن عقدة اليكترا في الميثولوجيا اليونانية لسوفوكليس وعقدة دون كيشوت للروائي الاسباني سرفانتس . مما جعلها تستحق عن جدارة فوزها بجائزة القلم الحر في جمهورية مصر العربية ... وانتهي من حيث ابتدأ علي لفتة سعيد حيث قال باهداءهِ إلى أمي ...التي لم أرها ...لعلي... الحق بها. فعلا كانت هذه الرواية مجازفة فكان قاب قوسين او أدنى من الالتحاق بأمه ... * وأود الإشارة إلى إني تعمدتُ أن استبدلَ كلمة الفقرة أو الفصل بكلمة المشهد لأنني اشعرُ بأني أمام رواية سينمائية متكاملة و يمكن كذلك أن تكون عملا مسرحياً كبيراً لو قدر لها ذلك .
#لؤي_قاسم_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كربلاء في شعر نزار قباني
-
لو خيرني الله ؟!
-
مزاد علني
-
حدثٌ غيَّر مجرى حياتي
-
جنازة السيد المدير ( قصة قصيرة )
-
مدينة الاحلام ... قصة قصيرة
-
عتيق للبيع ( قصة قصيرة )
-
بغداد عاصمة الثقافة
المزيد.....
-
الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا
...
-
الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي
...
-
-تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
السكك الحديدية الأوكرانية تزيل اللغة الروسية من تذاكر القطار
...
-
مهرجان -بين ثقافتين- .. انعكاس لجلسة محمد بن سلمان والسوداني
...
-
تردد قناة عمو يزيد الجديد 2025 بعد اخر تحديث من ادارة القناة
...
-
“Siyah Kalp“ مسلسل قلب اسود الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة
...
-
اللسان والإنسان.. دعوة لتيسير تعلم العربية عبر الذكاء الاصطن
...
-
والت ديزني... قصة مبدع أحبه أطفال العالم
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|