|
حوار مع الأديب الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف العضوي الفاعل- من - بؤرة ضوء- - الحلقة الثانية عشر - الجزء الثالث-2
فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 4635 - 2014 / 11 / 16 - 18:34
المحور:
مقابلات و حوارات
14. ما كرنولوجيا مفهوم فن البرهان والإقناع عند فلسفة ماركس "المادية الجدلية " ؟ الجواب :
ب . منطق هيجل الجدلي بقي المنطق الشكلي سائداً دون تغييرات جوهرية عشرين قرناً متواصلاً ، حتى عفا عليه الزمن ، و أصبح عقبة أمام تطور العلوم . و تأكد قصوره الواضح في بداية القرن التاسع عشر عند اصطدامه المباشر بالمشروع الفلسفي الشامل لهيجل (1770-1831) صاحب المقولة الشهيرة : " ما هو عقلي ، واقعي ؛ و ما هو واقعي ، عقلي " . و لأن ذلك المشروع يقارب الفكر و الوجود كوحدة واحدة ، لذا فقد سخَّر له هيجل علماً منطقياً جديداً يغطي ليس فقط قوانين التفكير المنطقي ، بل و كذلك قوانين التطور ؛ ذلكم هو المنطق الجدلي . يفهم المنهج الجدلي الأشياء و الأفكار بكونها في سيرورة متواصلة من التخلق من خلال صراع الأضداد بغية رفعها لحل هذا الصراع ، و فسح المجال لبدء مرحلة جديدة منه . و يوضح هذا المنهج أن مبدأ التناقض (التضاد ، التعارض) أبعد ما يكون عن اللامنطقية مثلما يزعم القانون الثاني للمنطق الشكلي لكونه بالضبط هو الذي يجعل الفكر يتطور إلى أمام و معه كل شيء . التضاد يحرِّك الأشياء بفعل القوى الكامنة فيها ، و هذه الحركة هي السبب في النشوء و التطور . الحركة بركة - مثلما يقول الموروث الشعبي العراقي - لكونها علة التغيير و التقدم . فمثلاً ، من المعلوم عندنا الآن أن الأرض قد تكونت قبل مليارات السنين من تراكم السديم الشمسي بهيئة كرة ملتهبة من الغازات و الأتربة ؛ و لولا التضاد بين عمليتي التبريد و التكثيف داخلها ، لما قامت عليها الحياة ؛ ليتواصل بعدها الصراع بين كل الأنواع الحية ، فتنقرض أنواع و تتخلق أنواع أخرى في سيرورة لا تنقطع . أطلق هيجل على الشيء أو المخلوق الذي تفعل فيه المتضادات فعلها إسم : "الإيجابي" ؛ كما سمى العنصر المضاد أو النقيض الفاعل المفعول على الإيجابي بـ "النفي" . و النفي ليس هو مجرد إفناء للإيجابي و لا تصفيراً له ، بل هو البداية في تغييره بتخليق شيء آخر منه ؛ النفي هو حركة الإيجابي لمرحلة أعلى . يصف هيجل أهمية فهم الصراع في وعي هوية كل شيء في الفكر و الوجود بالقول : " و من الإجحافات ذات الجذور العميقة في المنطق لحد الآن ، مثلما هي في الإعتقاد السائد ، ذلك التصور بأن التناقض ليس ميزة جوهرية و لا متأصلة (للأفكار و للوجود) مثل الهوية . و لكن ، و بالمقارنة مع التناقض ، فإن الهوية ليست هي في الحقيقة سوى الميزة لما هو مُدرك ببساطة و على نحو مباشر ، أي للوجود الذي لا حياة فيه . في حين أن التناقض هو المصدر لكل الحركة و الحياة ؛ فكل شيء بدون التناقض لا يستطيع امتلاك الحركة ، و لا القوة ، و لا التأثير .... وحده المنطق الفعال يختزل التنوع و التعدد الخاص بالظواهر إلى نقيض الأطروحة. و فقط عند دفعها إلى هذه النقطة يصبح تشعب الظواهر فاعلاً و له حفزه المتبادل ، لينتج حالة النفي ، و التي هي بالذات نبض القلب للتطور و الحياة .... و حيثما تكون القوة قاصرة عن تطوير التناقض و دفعه إلى أمام ، فإن الشيء أو المخلوق يتدمر في التناقض (هيجل ، علم المنطق ، الجزء الأول ، الفصل الثاني ، ص 66، 69 ، 70) . و يمكن إختصار كل قوانين الديالكتيك الهيجلي بالقول بأن كل الأشياء في الفكر و الوجود مترابطة على نحو مباشر أو غير مباشر مع غيرها من الأشياء ، و هي في سيرورة دائمة من التغير و التحول عبر الزمكان نتيجة لصراع الأضداد في داخلها و من خارجها حيث يؤدي التراكم الكمي عبر نفي النفي إلى تغير نوعي إلى الأعلى . هذا هو التوجه الإيجابي العام للديالكتيك ، و لكن ليس كل تغير كمي يؤدي إلى تغير نوعي ، و لا كل نفي هو حركة إلى الأعلى . نتيجة الصراع تعتمد على متغيرات و مؤثرات عديدة ، و هي محكومة بطبيعة توازن القوى المتضادة و توجهاتها ، و قد يفضي الصراع إلى النكوص السلبي المرحلي قبل معاودة التحرك الإيجابي في مرحلة لاحقة مثلما تبين جملة هيجل الرائعة الأخيرة حول فناء الشيء بفعل عجز أضداده على حسم الصراع فيه للإرتقاء به إلى مرحلة أعلى .
ج. المنطق الماركسي بعد وفاة هيجل ، إختلف أنصار فكره فيما بينهم ، فانقسموا إلى صفين : اليمينيون المحافظون ؛ و الشباب التقدميون - و منهم ماركس - الذين إنتقدوا ميتافيزيقية هيجل ، و لكنهم تبنوا منهجه الجدلي لنقد التخلف الإجتماعي و السياسي و الديني في ألمانيا و أوربا و العالم أجمع . و بعد لقائه بإنجلز عام 1844- الذي لفت أنظار ماركس إلى الدور التقدمي تاريخياً الذي يمكن للبروليتاريا تسنمه في الثورة الإشتراكية و تحرير البشرية جمعاء من الإستغلال و الظلم - و تطوير ماركس للمادية التاريخية ، فلم يتوان الأخير عن توجيه نقوده ضد هيجل نفسه ، و للهيجليين الشباب : برونو باور ، و ماكس شتيرنر ، و لودفيغ فيورباخ . و لكن وعي الأهمية الأساسية للتناقض في فهم طبيعة و تطور كل الأشياء ، بضمنها المجتمع ، جعلت كل كتابات ماركس و إنجلز تركز دائماً على الولوج إلى جذوره المادية للكشف عن أنواعه و ما هو أساسي منه و ما هو ثانوي و شروط حلها و التطور إلى أعلى . ليس هذا فحسب ، بل أن تكريس فكريهما الحر على قول الحقيقة التي تخدم كل إنسان بالإنسان جعلهما يرفضان كل توجه فكري يعمل بالضد من الحقيقة و الشروط الموضوعية لتطور البشرية جمعاء . سبق القول بأن هيجل كان فيلسوفاً مثالياً ؛ فهو يعتبر أن أصل و جوهر سيرورة التطور يكمنان ليس في القوى المادية - علاقات الإنتاج مثلما توصل ماركس و إنجلز للإستنتاج - و إنما في الفكرة المنطقية أو الروح الكلية - أي الله ، الذي خلق العالم من ذاته ليحتوي كل أشكال الوجود التي تتطور جدلياً . و الأغرب من هذا ، هو أنه كان يرى في النزعة الجرمانية ، و في البروتستانتية ، و في الدولة البروسية الرجعية و غير الديمقراطية أعلى التعبير عن "العقل الكلي" حسب نموذجه الفلسفي . إذن ، فقد كان هيجل يجمع في فلسفته بين المثالية و الواقعية ، و لم يستطع أن يصل بهما إلى درجة التضاد الديالكتي الحاد بينهما لكي يبلغ درجة أعلى من الفكر الثوري الذي توصل إليه ماركس . لدينا في التوجهات المحافظة و الصوفية الغامضة لهيجل ذلك الإنعكاس الخافت و المخيب للآمال لألوان الآفات الأزلية الثلاث التي ابتلى بها الإنسان و المجموعات البشرية منذ أقدم الأزمان و إلى الآن : آفة القومجية ، و آفة الدينجية ، و آفة الدكتاتورية ؛ و التي أبادت و شردت ، و تبيد و تشرد ملايين البشر كل قرن . و مثلما حصل مع هيجل ، فكثيراً ما تنصهر كل هذه الآفات معاً ، بهذه الدرجة أو تلك ، في التوجهات الفكرية للأشخاص ، و في فكر و ممارسة الحركات و الأحزاب و الأنظمة الفاشية الإرهابية . أما ماركس و إنجلز ، فقد أدانا بأشد العبارات كل توجه منافق دينجياً أو قومجياً أو دكتاتورياً . لا جامع مطلقاً بين الماركسية ، من جهة ؛ و بين النفاق الدينجي أو القومجي أو الدكتاتوري بأي شكل كان . الهدف الأسمى لماركس و إنجلز هو تحرير الإنسان كل إنسان على وجه الأرض ، بلا تفرقة و لا إقصاء ؛ و ليس ضيق الأفق القومجي و الدينجي الذي يحول البشر إلى : نحن الأعلون ، الفائزون ، الناجحون ، المتميزون ، الأفضلون ، الأحقون ؛ و غيرنا هم الأسافل ، الضالون ، الخاسرون ، المتخلفون ، المستَغَلون ؛ و لا الدكتاتورية التي تكرس حكم الفرد أو النخبة عن طريق إصدار القرارات من جانب واحد لتكريس القهر بأنواعه من فوق . لقد مثّلت الحرية أسمى إلتزام عند ماركس الذي ربط قيمتها بدرجة توسيعها جدلياً نحو آفاق متعاظمة أبداً ، بلا أي قيود خارجية على حرية الفرد ، و لا أدنى تدخل في شؤونه الخاصة . بالنسبة لماركس ، من الواجب على كل نظام سياسي إجتماعي أن يضمن لكل إنسان الحرية الكاملة للخروج إلى العالم و ممارسة ما يحب من أنشطة و هوايات ، علاوة على تطمين حاجاته و تمكينه من أن يصبح أفضل و أسعد و أرقى فكرياً و مهنياً و مادياً . يقول ماركس ، في الآيديولوجيا الألمانية (1845-6) ، أنه يتطلع إلى زمن : " أستطيع فيه أن أمارس عملاً اليوم و عملاً غيره بكرة ، أن أصطاد الطرد في الصباح و أصيد السمك ظهراً و أرعى الماشية مساءً و أمارس النقد بعد العشاء ، حسبما يحلو لي " . كل مشروع ماركس و إنجلز في تحرير الإنسان من الإستغلال الرأسمالي إنما ينصب نحو التجلي اللانهائي للحرية و للديمقراطية . و أعتبر ماركس الديمقراطية الحقيقية هي الطريق نحو الإشتراكية لأن الدولة الرأسمالية تستحيل عليها - بحكم طبيعتها - أن تصبح ديمقراطية لكونها التجسيد الفوقي لديكتاتورية البرجوازية . و لذلك فلا يمكن لأي امرئ و لا أي حركة ثورية و لا اي نظام سياسي إجتماعي أن يدعي لنفسه الماركسية دون النبذ التام للقومجية و الدينجية و الدكتاتورية ، بل و محاربتها يومياً و منهجياً. و من لا يحارب تلك الآفات الثلاث ، فهو ضد الماركسية كائناً ما كانت طبيعة اليافطات التي يتقنع بها ، و مصيره النهائي في مزابل التاريخ . ******
يتبع ، لطفاً .
________________ انتظرونا والأديب ، المفكر الماركسي حسين علوان عند ناصية رواق - ج . من الشؤون الفلسفية - والجزء الرابع من سؤالنا : 14 . ما كرنولوجيا مفهوم فن البرهان والإقناع عند فلسفة ماركس "المادية الجدلية " ؟
#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)
Fatima_Alfalahi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع الأديب الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف العضوي ا
...
-
شفاهٌ مخملية الدهشة
-
حوار مع الأديب الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف العضوي ا
...
-
حوار مع الأديب الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف العضوي ا
...
-
حوار مع الأديب الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف العضوي ا
...
-
أتهجاك بين أضلعي
-
تفاصيل نهار
-
تهجّد الانتماءات
-
يباب بلا لون
-
حوار مع الأديب الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف العضوي ا
...
-
حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف
...
-
حوار مع الدكتور الناقد محمد عبد الرضا شياع في- القيم الفاعلة
...
-
حوار مع الدكتور الناقد الليبرالي محمد عبد الرضا شياع في- الق
...
-
صهوة الكلم
-
حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف
...
-
حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف
...
-
حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف
...
-
وجع الأمنيات
-
حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف
...
-
حوار مع الأديب والمفكر الماركسي حسين علوان حسين وَ - المثقف
...
المزيد.....
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
-
زاخاروفا ترد على تصريحات بودولياك حول صاروخ -أوريشنيك-
-
خلافات داخل فريق ترامب الانتقالي تصل إلى الشتائم والاعتداء ا
...
-
الخارجية الإماراتية: نتابع عن كثب قضية اختفاء المواطن المولد
...
-
ظهور بحيرة حمم بركانية إثر ثوران بركان جريندافيك في إيسلندا
...
-
وزارة الصحة اللبنانية تكشف حصيلة القتلى والجرحى منذ بدء -ا
...
-
-فايننشال تايمز-: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا و
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|