أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عمر شاهين - الثورة الوطنية الديمقراطية















المزيد.....



الثورة الوطنية الديمقراطية


عمر شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 4635 - 2014 / 11 / 16 - 01:34
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


الثورة الوطنية الديمقراطية،

هل استحال الربيع العربي خريفا؟

بعد أن طرق الربيع العربي أبواب ليبيا وسوريا حتى غير الكثير من الرفاق تقيمهم للأحداث، وحل التفسير التآمري للتاريخ مكان المادي، واستحال الربيع خريفا، والثورة الوطنية الديمقراطية التي بشرنا بها إلى ثورة مضادة.

وما زاد من تعقيد المسألة، هو وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر وتونس والمغرب، والحديث المتزايد عنهم في وسائل الإعلام كقوى ثورية يتعين التحالف معهم، خاصة في الدول أعلاه.

ومن أكثر التساؤلات التي حيرت اليساريين، إلى جانب الالتباس الناجم عن مواقف قطر والسعودية والإمبرياليين، الأمر الذي رجح فرضية الخريف والمؤامرة هي:

- لماذا ابتعدت الثورة عن الأنظمة الرجعية العميلة، واجتاحت الدول الجمهورية؟

- من أين لهذه الثورات الجرأة أن تطيح بالقذافي الوطني التقدمي، وتدخل سوريا الصمود والمقاومة والممانعة...لإطاحة النظام؟ كأنها صورة مقلوبة للواقع.

هل من إجابة ذات مدلول واحد؟ سأحاول تقديم مساهمة بهذا الاتجاه.

المفهوم المادي للتاريخ أم المؤامرة،

لقد بشرنا بسقوط العالم الرأسمالي والأنظمة الرجعية، وعندما تفاجئنا بحصول العكس أخذ البعض بنظرية المؤامرة الكونية، التي قادتها "السي أي إية" بديلا عن المادية التاريخية، لتفسير التاريخ. وبدلا من الاعتراف بالأخطاء والبدء من جديد، فقد الكثيرون إيمانهم بالاشتراكية، وأخذوا بالتقرب من القوى القومية.

الثورات حدثت قبل ماركس، ويعود الفضل له في وضع المفهوم المادي للتاريخ، وهو التطبيق الحي للمادية الديالكتيكية على الواقع والتاريخ. وقد رسمت النظرية طريق التطور البشري منذ انحلال المشاعية البدائية إلى الآن، بناء على مسألة التوافق بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج أو التناقض والتنافر بينهما، أي وحدة وصراع الأضداد.

فإذا كان التوافق، تطور المجتمع ببطء تبعا لتطور القوى المنتجة، والتغيرات تكون كمية وحسب. وعندما يشتد التناقض بينهما، وتصبح علاقات الإنتاج أغلالا وقيودا للقوى المنتجة، تتأزم الأمور ويأتي زمن التغيرات النوعية في علاقات الإنتاج، أي الثورة والغليان. وهنا تندثر الطبقات والأحزاب القديمة، لتخلي المكان والزمان، وتظهر الطبقات والأحزاب الصاعدة الجديدة.

وهنا تتم عملية نفي النفي، أي الفرز بين ما هو تقدمي ورجعي. فمن يقف مع الطبقات أو القوى الصاعدة الجديدة فهو التقدمي، ومن يقف مع القوى المندثرة فهو الرجعي أو المحافظ.

إن التناقض الناجم عن عدم التوافق بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج هو محرك التاريخ. وعندما يستفحل، تحدث الثورة الاجتماعية، ويتم الانتقال من تشكيلة إلى أخرى. أما العوامل الخارجية، والمؤامرات فتأثيرها محدود. وقد تسرع أو تبطئ في الحدث.

العملية الثورية معروفة للماركسيين. بيد أن معرفة المرض لا تعطي الطبيب المناعة إذا تجاهل طرق الوقاية، وهذا ما حصل في الدول الاشتراكية والدائرة في فلكها من الدول التقدمية، وكان الانهيار المتوالي لتلك الدول في ما سمي بالموجة الثانية والثالثة للديمقراطية.

انهيار كومونة موسكو،

لقد انتصرت الثورة الاشتراكية في أضعف حلقة من سلسلة الدول الرأسمالية. وقادت السلطة السوفيتية عملية تطوير القوى المنتجة، وبناء ما عجزت عنه البرجوازية الوطنية الروسية في الصناعة والزراعة. وتم تطوير قطاع الخدمات الاجتماعية حتى أصبح منارة للكادحين في العالم. ومثالا يحتذى به حتى الآن. ونحن بحاجة لدراسة نقدية شاملة لأضخم تجربة اشتراكية لتبيان آثارها الايجابية التي عمت العالم مثل؛ التخطيط المركزي؛ والضمان والتقاعد والتأمين الصحي والتعليم المجاني وحقوق المرأة والطفل وغيرها.

وفي المقابل، تم تطوير الصناعات الثقيلة والعسكرية وإهمال تطوير الصناعات التحويلية. وتم القضاء على الملكيات الصغيرة قبل الأوان، وخنق الاقتصاد المنزلي في الريف، وإهمال دور التعاونيات. وتميزت علاقات الإنتاج بالتعسفية. لقد أدت المبالغة في التخطيط المركزي الذي شمل كل شيء، إلى سيادة علاقات تعادلية أهملت قيمة العمل الفردي للعاملين، وجرى تهميش آليات السوق، والعلاقات السلعية النقدية. وتم إعطاء العاملين من الحقوق والخدمات ما تعجز القاعدة المادية والخدمية عن القيام به، مما أدى إلى أزمات النقص أو الندرة في السلع والخدمات ( تضخم من جانب السلعة).

واقعيا، فقد تم تطوير القوى المنتجة في إطار علاقات إنتاج أكثر تقدمية بما لا يقاس، وبناء فوقي سياسي غير مناسبين. فقد سادت ديكتاتورية البروليتاريا بداية الأمر، وجرت محاولة الخروج منها عبر السياسة الاقتصادية الجديدة. وبعد وفاة لينين تحولت إلى ديكتاتورية باسم البروليتاريا، وتم ترسيخ الإدارة المركزية ونظام الحزب الواحد وسطوة الزعيم، وسيطرة الأجهزة الأمنية.

إن بناء الاشتراكية يتطلب،قوى منتجة متطورة أكثر من أعتى الدول الرأسمالية وعلاقات إنتاج اشتراكية مناسبة، وفضاء أوسع من تلك الحريات السائدة في الدول الرأسمالية المتقدمة. وإن إغفال هذه المسائل قد أدى إلى الانهيار المتسلسل بعد سبعة عقود، الذي بدأ في الدول الحليفة، نتيجة فعل التناقضات الداخلية.

تونس، الحلقة الأقوى أولا

انطلقت الشرارة الأولى في تونس، وكانت الأحداث الثورية فيها شاملة، وبسرعة فهم الرئيس بن على المسألة، ورحل، وانهار النظام، دلالة على نضج الظروف الموضوعية والذاتية للثورة. فلماذا؟

لقد كانت تونس عن حق أكثر البلدان العربية والإفريقية تطورا في كافة المجالات. فبعد الاستقلال تحولت إلى النظام الجمهوري وشهدت تطورات هامة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات، وأصبحت تحقق مداخيل عالية من السياحة وصادراتها الصناعية والزراعية.

وقطعت تونس شوطا كبيرا في مجال التنمية الاجتماعية والبشرية، وتطور الحركة النقابية والسياسية والحقوق المدنية، وتقدمت كثيرا عن الدول المجاورة. وتمكنت من الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع كافة الدول رغم توجهاتها الغربية.

لقد تطورت القوى المنتجة وجانب هام من علاقات الإنتاج. وأصبحت الطبيعة التسلطية للسلطة السياسية والإدارية للدولة، تشكل عائقا أمام أي تطور لاحق للقوى المنتجة. ولذلك، اندلعت الثورة وشاركت فيها مختلف الفئات الشعبية ببرامجها ومطالبها. إلا أن برنامجها العام، وقيادتها الاجتماعية السياسية، ومآلها التاريخي لغاية الآن، يشكل ثورة برجوازية وطنية ديمقراطية، ابتدأت في أقوى حلقة، من سلسلة الثورات الوطنية الديمقراطية العربية، أو ما يسمى بالربيع العربي.
حوار؛ إذا ما اعتبرنا الثورة في الصين وفيتنام وكوريا الشمالية ثورة وطنية ديمقراطية ناجزة فهل ستواجه تلك البلدان الاستحقاق الديمقراطي أم لا؟ وهل يمكن اعتبار نموذج الهند أو حتى الثورة الأمريكية ثورة وطنية ديمقراطية؟


الحريق الثوري

بعد تونس، كانت الحلقة الثانية في مصر، وقد ابتهج جميع الرفاق. فنظام كامب ديفيد غير مأسوف عليه. وبعدها انتشر الحريق واشتد في ليبيا واليمن وسوريا.

وهنا جرت محاولات القوي القومية الحاكمة إحلال نظرية المؤامرة الكونية مكان التفسير المادي للتاريخ. وساعد في ذلك التدخلات الإمبريالية والرجعية في الأحداث مما دفع باتجاه المواقف الميكانيكية والقوالب الجامدة البعيدة عن التحليل الطبقي، وكأن التغني بالموقف الوطني لهذا النظام أو ذاك يعطي مناعة أمام الاستحقاق الطبقي. فما يجري هو الحصاد، أو التغير النوعي الطبيعي، لتراكمات كمية جرت في العقود السابقة.

مثال ثورة 23 يوليو في مصر، أو المرحلة الناصرية ومآلها التاريخي، والتحولات المشابهة في سوريا والعراق والجزائر واليمن والسودان. ودور حرب 67 وما تلاها لإجهاض التحولات التقدمية.


فقد قامت البرجوازيات الوطنية العربية، منذ منتصف القرن المنصرم، بالاستيلاء على السلطة السياسية في عدد من الدول العربية بواسطة النخب العسكرية، وتمكنت من بناء أنظمة جمهورية ذات طابع بونابرتي مقزم وقامت بتطوير الصناعة الإستخراجية والتحويلية، والزراعة ومشاريع الري، بالتعاون مع المعسكر الاشتراكي. وقد تم تطوير قوى الإنتاج بشكل فوقي وعلى أساس تعدد القطاعات.

ولم يتم إعارة الاهتمام بعلاقات الإنتاج وطبيعة البناء الفوقي السياسي، وخاصة المسألة الديمقراطية التي نوهت لأهميتها الأحزاب الشيوعية على الدوام. وعلى العكس من ذلك، وخاصة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، فقد سارت تلك النخب من الديكتاتورية إلى القمع والاستبداد والطفيلية، ونحو توريث الحكم على طريق التحول إلى الملكية، مما أفقدها مبرر وجودها. ( عائلة المجيد في العراق، عائلة الأسد في سوريا؛ وعائلة مبارك في مصر، وعائلة القذافي في ليبيا، وعائلة صالح في اليمن )

نتيجة لما سبق، فقد اشتد وتعمق التناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج في تلك الدول، وهو التناقض الأهم المحرك للثورات الاجتماعية. لقد أصبحت تلك الأنظمة هشة وضعيفة أمام العدوان الخارجي، وفي المقدمة من الدول التي عصفت بها رياح التغيير.

لقد اعتقد الحكام أنهم يستطيعون خداع الجماهير بإعلامهم الوطني الزائف، ولم يلاحظوا أن الشعارات في تونس ومصر ولاحقا في معظم الدول غلب عليها الطابع الطبقي السياسي، وخلت تقريبا من الشعارات الوطنية والقومية. ففي زمن الثورات تتراجع أهمية المسألة الوطنية لحساب المسألة الطبقية والسلطة السياسية.

الممالك والإمارات

لماذا لم تدك الثورة الوطنية الديمقراطية حصون وقلاع الرجعيات العميلة أولا؟

إنها مجموعة دول، ذات اقتصاد ريعي، أحادي الجانب، توفر لها صادرات النفط والغاز فوائض اقتصادية هائلة، يتم نهب جزء منها من قبل العائلات الحاكمة، والجزء الآخر لتمويل أجهزة الدولة المتضخمة بالموظفين، والمشتريات العسكرية غير الضرورية.

ويحتل قطاع الخدمات، مكان الصدارة في الاقتصاد، وهو يعتمد على الاستيراد لإشاعة حياة استهلاكية ترفية، وعلى قطاع الخدمات الاجتماعية والإسكان، وهو يوفر خدمات مجانية للمواطنين في الصحة والتعليم والضمان والتقاعد والإسكان. القطاع الإنتاجي ضعيف ومهمش في الصناعة والزراعة نتيجة إغراق السوق المحلي بالسلع الأجنبية، مما جعل تلك الدول تابعة وملحقة بالاقتصاد الرأسمالي.

وقد طبق حكامها، وكذلك؛ الأردن والبحرين وعمان؛ سياسات مدروسة من قبل الدوائر الإمبريالية لعرقلة النمو الحقيقي لإبعادها عن الحريق الثوري، من أهمها؛ الحفاظ على البنية القبلية العشائرية لتلك البلدان؛ وإحلال القوى العاملة بالعمالة الوافدة في شتى قطاعات العمل والخدمات، مما يساعد على تصدير الأزمات وحلها على حساب العمالة الوافدة وتغيير قوامها السكاني المستمر.

وتعاني القوى المحركة للثورة من عدم الوحدة الإثنية والاجتماعية داخل شرائحها، وهي تفتقر إلى الوحدة الطبقية والنقابية، وإلى عادات وتقاليد ومزاج شعبي موحد، وفوق ذلك، تعاني من سياسات التفرقة بأنواعها الإقليمية والطائفية والمذهبية بما فيها العنصرية السائدة في الحياة المدنية والسياسية، والتمييز في الرواتب والأجور بين العمالة الوطنية والوافدة، وتوظيفها دعائيا بيسر حال العمالة الوطنية، في ضوء فوارق الدخل مع الدول الأقل حظا.


إن التغيرات الجارية في العالم إلى الحداثة والديمقراطية حول تلك الدول تشكل ضغوطا جبارة على حكامها. وبغياب أو ضعف البرجوازية الوطنية والطبقة العاملة، فإن فئات شعبية أخرى تحمل راية التغيير. ولذلك فقد يأخذ الحراك الجماهيري في تلك الدول شكل الهبات الشعبية التي تقودها النخب الدينية والعشائرية والعسكرية والمثقفين، وهي بمجملها تدفع باتجاه الإصلاحات في الغالب على طريق الملكية الدستورية، رغم أن التغيير الثوري غير مستبعد.

بعض خصائص تكوين البرجوازيات الوطنية العربية وأحزابها

لقد تكونت البرجوازيات الوطنية العربية في أواخر سلسلة التطور الرأسمالي العالمي، ولذلك فهي تختلف عن مثيلاتها الأوروبية التي نشأت في أول السلسة. وهذه ظاهرة شائعة في الطبيعة والمجتمع ولا تعني أنها مشوهة، بل لديها خصائص يتعين علينا دراستها، إلى جانب السمات العامة المشتركة للبرجوازية الوطنية.

وقد نشأت في البلدان الجمهورية حول الحرف والصناعات التقليدية نتيجة توفر إمكانيات التراكم الداخلي. ومع مجيء النخب العسكرية إلى الحكم، وإقامة علاقات مع المعسكر الاشتراكي، نمى الاقتصاد الخاص والعام، في الزراعة والصناعة والخدمات، ومعه البرجوازية الوطنية. وقد شهدت نموا لاحقا جراء النكوص عما سمي بطريق التطور اللارأسمالي أو التوجه الاشتراكي بفعل عمليات الخصخصة.

في الممالك والإمارات، ونتيجة الاقتصاد الريعي والحياة الاستهلاكية والتبعية للاقتصاد الرأسمالي، فالبرجوازية الكومبرادورية هي الأقوى. أما البرجوازية الوطنية فتنمو ببطء من بعض فئات الكومبرادور حول الصناعات التصديرية أو إحلال الواردات، وذلك نتيجة السعي للحصول على ربح أعلى بالتوجه لاستخدام الخامات المحلية، وإشباع حاجات السوق الداخلي.

وأهم الأحزاب التي مثلت البرجوازية الوطنية هي البعث والقوميون العرب والناصريون وما حولهم من جبهات ومؤتمرات... وقد مثلت حقبة "الصحوة القومية" خاصة في خمسينات القرن المنصرم إلى الآن، في مصر وسوريا والعراق واليمن والجزائر والسودان، حيث تولت تلك الأحزاب السلطة واحتكرتها فعليا على غرار نظام الحزب الواحد، بداية ثم تحولت إلى الحكم العائلي على غرار الأنظمة الملكية.

ويأتي "الإخوان المسلمون" الذين يمثلون شرائح البرجوازية الوطنية ببرنامجهم وشعاراتهم وجهدهم السياسي في المرحلة الراهنة. وقد اشتد عودهم في حقبة " الصحوة الإسلامية" التي جاءت نتيجة أسباب كثيرة، من بينها فشل برامج القوى القومية في قيادة الثورة الوطنية الديمقراطية، جراء التركيز على الشعارات الوطنية على حساب الديمقراطية، مما أضعف المشروع الوطني ذاته.

وبسبب قمع الحريات الذي ساد طويلا في عموم الوطن العربي، أخذ الاحتجاج السياسي شكل الحركات الدينية التي تعنى بتربية وإصلاح الفرد، ولديها مشروع سياسي باطني غير معلن. ففي روما انتصرت المسيحية بعد قمع ثورة العبيد؛ وفي مصر انتشر الإسلاميون بعد هزيمة ثورة 1919وهزيمة حزيران؛ وفي إيران بعد هزيمة ثورة مصدق؛ وفي الأردن انتشر الإخوان بعد الانقلاب على حكومة النابلسي...وفي الجزائر بعد احتكار السلطة من قبل جبهة التحرير الجزائرية، وفي إندونيسيا بعد قمع الشيوعيين في الستينات وغيرها.


وعندما نضج الظرف هب الإخوان وساهموا منذ البداية، أو تأخروا قليلا، في الحراكات الثورية إلى جانب القوى العلمانية، وقدموا التضحيات، وساهموا عمليا في كافة مراحل العملية الثورية، ضد الحكم المطلق.
وهذا ما قاله شيخهم حسن البنا من رسالة المؤتمر الخامس:
“وفي الوقت الذي يكون فيه منكم ـ معشر الإخوان المسلمين ـ ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسيا وروحياً بالإيمان والعقيدة ، وفكرياً بالعلم والثقافة ، وجسمياً بالتدريب والرياض ة ، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار ، وأقتحم بكم عنان السماء. وأغزو بكم كل عنيد جبار ، فإني فاعل إن شاء الله.

ولذلك فقد تراوحت أحزاب البرجوازية الوطنية العربية بين القومية والإسلامية.



البرجوازية الوطنية وأحزابها القومية والإسلامية مشروع يميني أساسا، وهو يخاف من اليسار بحكم تكوينه الطبقي. وبسبب تأخر انتقال المنطقة العربية إلى الرأسمالية وحلول عصر العولمة، فالبرجوازية الوطنية تنشأ ضعيفة بشكلها التقليدي، وتنشأ أكثر من فئة الكومبرادور لتوفر فرص التراكم الداخلي، أي تابعة منذ البداية وملحقة بالخارج، لكنها تحاول تصنيع الخامات المحلية، وإشباع السوق الداخلي لزيادة الربح. لذلك فهي على استعداد للوصول إلى حلول وسط مع الأجنبي على حساب اليسار والمصالح الاجتماعية للشعب. وفي نفس الوقت فهي تحاول إقامة علاقات متكافئة مع الرأسمال الأجنبي.

لذلك، فالبرجوازية الوطنية لا تدار عبر الهاتف، أو من خلال السفارات الأجنبية، كالأنظمة الرجعية القائمة، وإنما تبحث عن دور أو نوع من الشراكة مع الرأسمال الأجنبي.
من هنا، فالتحالف معها ضروري في الأردن للوصول إلى الديمقراطية ولتداول الحكم دون احتكار. وبعد ذلك ينتهي التحالف.

إن إنهاء التحالف معها قبل إنجاز هذه المرحلة من الثورة الوطنية الديمقراطية يعني الوقوف مع الحكم المطلق، أي مع الثورة المضادة.

حوار

معهم ضد الرجعية، أم مع الرجعية ضدهم؟

من يعلم عن "الإخوان المسلمين" قبل خمسة عقود... والآن، يدرك مدى التغيير الذي أصابهم. فقد أصبحوا يؤمنون بالتداول السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع، بديلا عن إصلاح الفرد للوصول إلى الدولة الإسلامية الشمولية. وهم الآن يتقبلون ويمارسون العمل الحزبي، ويقبلون بالتعددية الحزبية والسياسية، وبالدولة العلمانية قانونيا ودستوريا أكثر من أي وقت مضى.

وهنالك تمايز كبير وواضح، وصل إلى حد الصدام المسلح، بينهم وبين الفصائل التي تمارس الإرهاب باسم الإسلام( في غزة وتونس ومصر ) وأصبحوا أكثر إقبالا على التعاون مع الأحزاب الشيوعية والقومية واليسارية.

وإذ كانوا يرفضون النضال من أجل القضايا الوطنية والنقابية، فهم الآن لا يمارسون ذلك وحسب، بل يؤمنون بالثورة وتغيير الأنظمة التي ولدوا في رحمها، تماما كما فعلت البرجوازية الوطنية، وها هم يقدمون الشهداء من أجل ذلك.

البعض من مدعي الثورية، يستصرخ ضد "الإخوان المسلمين" والإسلام السياسي، ويصمت، أو يؤيد، العائلية السياسية، أي الحكم العائلي المطلق بأنواعه؛ الملكي والجمهوري.


الثورة والثورة المضادة




هل يمكن حرف الثورات عن مسارها؟

هنالك ثورات تفشل أو تهزم لكنها تنتصر لاحقا مثل ثورة 1905 وثورة شباط 1917 في روسيا، أو في إيران.

وفي فرنسا عادت الملكية بعد إسقاطها، قبل الانتصار النهائي للجمهورية.

وهنالك ثورات قد تهزم من داخلها مثل ثورة أكتوبر الاشتراكية، أو تقمع من الخارج في أمريكا اللاتينية.

أخيرا وليس آخرا، تحول الثورة إلى حرب أهلية على أسس إثنية أو طائفية أو مذهبية...بفعل عوامل داخلية وخارجية، قد تؤدي إلى انهيار الدولة وتقسيم البلاد...كما هي المخاطر المحدقة بسوريا واليمن.

لقد استفاقت الرجعية العربية من هول الصدمة، وها هي الآن تقود ثورة مضادة بالتعاون مع السلفيين الجهاديين والعسكر بمباركة أسيادها الإمبرياليين والإسرائيليين، لاستعادة مصالحها الضائعة في شمال إفريقيا، ومنع انتشار الثورة الوطنية الديمقراطية في المشرق العربي.
فمن قتل البراهمي وبلعيد في تونس وعبد السلام المسماري في ليبيا؟ ومن دفع السيسي لركوب الحركة الجماهيرية والاستيلاء على السلطة في مصر؟ ومن دفع حزب الاستقلال للانسحاب من الحكومة المغربية؟ ومن قام بإعادة الحصار على غزة، وشكل تحالفا إقليميا عربيا مؤيدا للعدوان الإسرائيلي عليها؟ فأين هي المحصلة لغاية الآن؟

في المغرب قفز النظام خطوة إلى الأمام على طريق الملكية الدستورية وتداول السلطة.

في مصر حدث انقلاب ثوري على النظام، واستفرد الإخوان بالسلطة مما فاقم من أخطائهم، ولم يمكنهم من حل العديد من المشاكل، وركب المجلس العسكري موجة الاحتجاج وانقلب عليهم وأعاد النظام القديم.

في البحرين قام النظام بقمع الحركة الجماهيرية الثورية بالاستعانة بالسعودية والأردن إلى جانب اللعب على الورقة المذهبية.


في ليبيا عملية تمزق واسعة، بعد التدخل الإمبريالي والقصف الجوي الذي دمر البلاد، وبعد سياسات القذافي الذي أنهك مؤسسات الدولة والمجتمع، بأفكاره وممارساته التي وصفها البعض بالجنون، وهي عبارة عن مزيج مستحيل بين نقيضين؛ الفوضوية Anarchism والتسلط الفردي على المجتمع، فبعد سقوطه لم يترك سوى البنى التقليدية.

في سوريا استمرت الثورة خمسة أشهر وهي سلمية رغم آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين. وقد تمكن النظام والقوى الخارجية من عسكرتها مما أدى إلى إضعاف القوى الثورية السلمية وقوى من التأثير الإمبريالي والرجعي والحركات الإرهابية؛ القاعدة والنصرة وداعش، الهادف ليس فقط لإجهاض الثورة بل تدمير سوريا.

في تونس هنالك نوع من التحالف بين القوى الثورية. وإصلاحات ما بعد الثورة تسير ببطء ولكن بخطى واثقة، تكللت بالنجاح نحو التداول السلمي للسلطة.

اليمن تحولت الثورة إلى الإصلاح وهذا شيء جيد، بالنظر إلى عمق وشمولية الفساد في جهاز الدولة ونفوذ الرئيس المعزول وأفراد قبيلته. إلا أن حجم التدخلات الخارجية آخذة في الازدياد، مما يفتح الباب واسعا أمام الثورة المضادة.

إن الإمبريالية والرجعية وإسرائيل تحاول جاهدة إجهاض الثورة الوطنية الديمقراطية العربية التي أضحت تطوق منابع النفط، أو حرف مسارها وتحويلها إلى صراع إقليمي ومذهبي وطائفي لسنوات قادمة. وتهدف كذلك إلى خلق بؤرة جديدة للحرب في المنطقة إلى جانب البؤرة الأوكرانية، وبدء سباق تسلح جديد، يؤدي إلى زيادة الإنفاق العسكري، وهبوط أسعار النفط والغاز. ويبدو أن النمو الاقتصادي مستحيل وأسعار النفط حول 110 دولار للبرميل.


في الأردن تمكن النظام من الالتفاف على القوى صاحبة المصلحة في التغيير والإصلاح وشق صفوفها الأمر الذي يستدعي منا جميعا إعادة النظر وتقييم الأمر من جديد. ويتعين تجميد الخلافات حول الوضع العربي برمته، في حالة عدم التفاهم عليه، والتركيز على الوضع الداخلي. المهم تقوية وتعزيز التحالف بين أحزاب المعارضة وإلا فالانسداد في أفق التغيير لسنوات قادمة.

الحكم الملكي المطلق يهيمن على ما عداه منذ تأسيس الإمارة. الملك يستجلب القروض والمساعدات من الخارج، ويشرف بنفسه على الاتفاقيات الاقتصادية والتعاون العسكري والأمني مع الدول، ويتولى بنفسه إدارة السياسة الخارجية والشؤون الداخلية في الاقتصاد والسياسة والدفاع والأمن. فماذا تبقى للحكومة؟

إن الصلاحيات الواسعة للملك تشكل خرقا كبيرا للدستور. فقد عرفت المادة الأولى نظام الحكم بأنه " نيابي ملكي وراثي " على العكس مما جاء في دستور 1946" ملكي وراثي نيابي " أي أن الأولوية للنيابي. وجاء التأكيد على ذلك في المادة 24 " الأمة مصدر السلطات " والمادة 26 التي أوضحت أن الملك يتولى السلطة بواسطة الوزراء، وليس مباشرة.

وجرى تأكيد ذلك في المادة 40 التي أوضحت صلاحيات الملك وكيفية ممارستها. فالوزراء يعدون الإرادة الملكية ويوقعونها والملك يضع توقيعه فوق تواقيعهم، أي من باب المصادقة. وبينت المادة 48 دور الملك في المصادقة على قرارات مجلس الوزراء، والمادة 45 التي حددت تولي مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، والمادة 49 التي أكدت على أولوية مسؤولية الوزراء، أمام الأوامر الشفوية والخطية للملك.

لذلك فإن نظام الحكم في الأردن حسب الدستور ذاته والمواد الواردة أعلاه يعني أن الولاية العامة للحكومة، أمام مجلس الأمة، في ظل سيادة القضاء، والملك هو رمز الدولة الفخري وليس الحاكم التنفيذي. وبالمناسبة فإن الدستور الأردني متقدم بكثير على الدستور المغربي حيث ينص الأخير على العديد من الصلاحيات المطلقة للملك. فلماذا يسود في المغرب الحكم البرلماني وتداول السلطة بين الأحزاب، ومفقود في الأردن رغم النصوص الدستورية.

والإجابة طويلة والأسباب عديدة. إلا أن الأكيد أن أحزاب المعارضة الأردنية هشة وضعيفة، وأن الانقسام قد زادها ضعفا على ضعف.

















شرح بعض المصطلحات الماركسية الضرورية،


موضوع العمل= الموارد الطبيعية؛ الأرض البحر الهواء أشعة الشمس المواد الخام

وسائل العمل= الأدوات والآلات والأبنية وكل ما هو مصنوع ويساعد في الإنتاج

وسائل الإنتاج= موضوع العمل+ وسائل العمل

القوى المنتجة= الإتحاد بين قوة العمل+ وسائل العمل

الإنتاج= قوة العمل+ موضوع العمل+ وسائل العمل

علاقات الإنتاج= مجموع العلاقات الاجتماعية بين الناس الضرورية للبقاء والإنتاج وإعادة الإنتاج لوسائل الحياة. ( الملكية والتوزيع)

أسلوب الإنتاج= القوى المنتجة+ علاقات الإنتاج

التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية= أسلوب الإنتاج ( البناء التحتي)+ البناء الفوقي- (القوانين والقيم والأعراف والدين والأخلاق والجمال والنظام السياسي...)



#عمر_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة الديمقراطية العربية الكبرى
- استخراج ملح الطعام وتخصيب اليورانيوم، قصة تحرر الشعوب
- الانتخابات النيابية الأردنية: هل ستخرج البلاد من الأزمة؟
- دعاة الإقليمية وأنصار المحاصصة، وجهان لعملة واحدة
- هل تتعارض اتفاقية سيداو مع الإسلام؟
- من فشل لآخر!
- هل نواجه مؤامرة التوطين، بطعن الضحية؟
- بؤس السياسة
- تعطيل الإصلاح السياسي:- تحفيز للإقليمية
- هل هو حقا -كل الأردن- ؟
- القضية الفلسطينية: بين رفض قرار التقسيم والقبول بأقل من أوسل ...
- خطاب أوباما: دعوة للتصالح على قاعدة المصالح الأمريكية – الإس ...
- انتخابات نقابة الأطباء: من النقيب الشرعي؟
- ماذا يجري في نقابة الأطباء الأردنية؟
- المستأجر بين الإخلاء أو دفع الفدية!
- سر الأغنياء والفقراء
- هل حقا يريدون الإصلاح ؟
- الأوهام القومية, بين الركابي والبستاني
- معارضة في جيب الموالاة


المزيد.....




- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عمر شاهين - الثورة الوطنية الديمقراطية