|
الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-3
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4630 - 2014 / 11 / 11 - 10:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تأسس المجلس الوطني بالقاهرة في أكتوبر 1945 بمبادرة من جمعية أصدقاء أرمينية السوفيتية تحت رئاسة فنان الكاريكاتور ألكسندر صاروخان. وقد تأسس بالإسكندرية في 12 ديسمبر 1945 تحت رئاسة المحامي إستيبان شاهباز . وجدير بالذكر أن دوائر حزبي الرامجافار والهنشاك وجمعيتي سيفان ويريفان الثقافيتين ونادي ديكران يرجات قد أيدوا جميعا المجلس الوطني .أما الطاشناق فلم ينضم إليه ولم يؤيده . ولإنجاح العمل المشترك، انضم المجلسان في إدارة مركزية مشتركة سميت ب" المجلس الوطني لأرمن مصر " برئاسة شاهباز. حدد المجلس الوطني أهدافه فيما يلي: أولا : مطالبة تركيا بإعادة الولايات الأرمنية التي اغتصبتها بموجب معاهدة لوزان 1923 إلي أرمينية السوفيتية، وهي الولايات المذكورة في سيفر 1920 ، ودفع التعويضات اللازمة للأرمن. ثانيا : تشجيع عودة أرمن المهجر إلي وطنهم الأم وتقديم كافة التسهيلات إليهم. ثالثا: تسليم متابعة القضية الأرمنية إلي أرمينية السوفيتية، والتي بدورها ستخول الاتحاد السوفيتي بالأصالة عنها في متابعتها. رابعا : توطيد الروابط الثقافية والقومية مع الوطن الأم..أي أرمينية السوفيتية. بادر المجلس الوطني في عام 1946 بإرسال مذكرة إلي هيئة الأمم المتحدة في جلستها الافتتاحية ووجه إليها نداء للنظر في حقوق الشعب الأرمني الشرعية وإعادة أراضيه المغتصبة. كما أرسل المجلس عدة مذكرات وتظلمات واحتجاجات وكتب عدة مقالات موجهة إلي الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من اجل القضية الأرمنية. ورغم أن هذه الأعمال جميعا لم تسفر عن أية ردود أفعال ، إلا أن النجاح الأكبر والأهم، للمجلس تمثل في تنظيم عمليات إعادة الكثير من أرمن المهجر المصري إلي وطنهم الأم. فقد خولت أرمينية للمجلس الوطني بهذه المهمة الوطنية .ولذا ، شكل المجلس بالإسكندرية لجنة إعادة أرمن مصر إلي أوطانهم التي قدمت للعائدين إلي الوطن كافة التسهيلات. نجم عن جهود هذه اللجنة تصفير أول فوج (1680 نسمة) من الأرمن المصريين العائدين إلي الوطن في جو مفعم بالشعور الوطني والبهجة العارمة في 4 سبتمبر 1947 علي متن السفينة "بوبيدا". وبهذه المناسبة ، أبرق المجلس الوطني رسالة باسم العائدين إلي رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا(9 ديسمبر 1946-28 ديسمبر 1948) جاء فيها ما يلي:" نكن للحكومة المصرية ولكم وافر الحب بمناسبة مغادرة وطننا الثاني مصر إلي وطننا الأم.. لقد تمتعنا بكامل حقوقنا المدنية وبالأمن أثناء وجودنا في مصر ، ونأمل بأن تتوج قضايا مصر وآمالكم بالنجاح"، أما الفوج الثاني والأخير (2018 نسمة) ، فقد تأخر مغادرته إلي 22 أغسطس 1948 بسبب تفشي الكوليرا في مصر. هنا أيضا ، لم يفلت المجلس الوطني لأرمن مصر من لدغات الطاشناق. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية وقيام " الحرب الباردة" ضد الكتلة الاشتراكية ، خرج الطاشناق من جمعيته العمومية المنعقدة بالقاهرة في عام 1947 ب" توجه أمريكي" وانحاز إلي الغرب الديمقراطي المضاد للسوفيت. وغدت بؤرة الأحكام السياسية الطاشناقية هي القضاء علي البلشفية ، وكانوا يكتبون بما يعبر عن مكنوناتهم:" إذا دمرت البلشفية..." ، " عندما تدمر..." ، " بعد ان يتم تدميرها ..". وفي ظل هذه الظروف، وصفت صحافة الطاشناق جميع المؤسسات المتعاطفة مع أرمينية السوفيتية ب " العميل الأحمر" لا سيما أعضاء حزب الرامجافار "أقنان البلشفية والبلاشفة". وهكذا ، قرر نشطاء الطاشناق في كنف الحماية الأمريكية اجتثاث الماركسية من جذورها في محيط الحياة الأرمنية بالشتات. في ضوء هذه المتغيرات ، نشط الطاشناق ليس ضد أرمينية السوفيتية فحسب، بل أيضا ضد الراغبين في العودة إليها من أرمن مصر، وأعلن بلا تردد أن " وطننا ليس مستقلا ، وان العودة إليه لا تسبب إلا الأضرار، وأن الشعب هناك وشيك الاندثار" ورغم استخفاف الطاشناق بوطنية أرمن مصر ووعيهم السياسي إزاء وطنهم الأم،إلا أن الجالية الأرمنية كلها ، وبلا تفرقة حزبية أو مذهبية ، انهمكت تعمل في هدوء وحماس من أجل العودة إلي الوطن. وغدا الطاشناق مجرد شلة معزولة في هذا الوسط المتحمس للوطن. وعندما فشل الطاشناق في تدمير المشاعر الوطنية للجالية الأرمنية ، لجأ إلي إرهاب الجالية باستخدام سلاحه التقليدي:إلصاق صفة الشيوعية بأية نشاطات لصالح أرمينية السوفيتية . فقد اتهم الطاشناق العناصر الموالية لأرمينية ، بل الجالية بأكملها ب" الشيوعية" ، حتي تقف الحكومة المصرية حائلا دون تنفيذ النشاط ذي التوجه إلي أرمينية. والحقيقة أنه منذ إخفاق وشاية هوج في عام 1935 ، لم يكتف الطاشناق عن إرسال تقارير وإخباريات إلي الحكومة المصرية ع وجود عناصر شيوعية في الجالية الأرمنية.أكثر من هذا، وصفت جريدة هوسابير الموالين لأرمينية بطابورنا الخامس ، وان جميع من سجلوا أسماءهم للعودة إلي أرمينية "ليسوا إلا جواسيس لروسيا، وأنهم ينشغلون بالسياسة الداخلية لمصر . وبالطبل والزمر يطوفون من حي إلي آخر ومن مدينة إلي أخري ويعلنون بان البلاد التي يعيشون فيها (مصر) عبارة عن جهنم". وهكذا ، كان الطاشناق يرمي إلي إفشال حركة العودة إلي أرمينية السوفيتية وعرقلة المؤسسات العاملة في مصر لهذا الغرض عن طريق لفت أنظار الحكومة المصرية إلي الخيانة الجماعية من الطابور الخامس ؛ غالبية أبناء الجالية الأرمنية في مصر. وغم ان الحكومة المصرية كانت متأكدة من أن أغلبية أرمن مصر يراودهم حلم العودة إلي الوطن ولا يتدخلون في شئونها الداخلية ويكنون لمصر منتهي الجميل ، إلا أنها وقعت في فخ افتراءات الطاشناق ضد الجالية الأرمنية. ومرة أخري وسع البوليس رقعة مطاردة المؤسسات الموالية لأرمينية السوفيتية .فألغي المجلس الوطني لأرمن مصر، وانحلت جمعيتا يريفان بالقاهرة وسيفان بالإسكندرية، وقبض البوليس علي رؤساء هاتين الجمعيتين بتهمة الدعاية للشيوعية. ورحلت الحكومة بعض الأرمن بتهمة التورط في أعمال ضد الدولة المصرية، كما اعتقل البوليس العديد من الأرمن الشيوعيين ، ولكن القضاء المصري برأ ساحتهم من التورط ضد مصلحة الدولة مقابل غرامات مالية. هكذا ، نجح حزب الطاشناق في وأد المؤسسات الأرمنية التي تأسست في مصر بعد الحرب العالمية الثانية للعمل من أجل أرمينية السوفيتية بفضل تدخل الحكومة المصرية ضدهم إثر وشاية الحزب بهم. واستؤنف الصراع الدموي المتعلق بمسألة إغلاق المدارس أو فتحها يوم 29 نوفمبر؛ يوم دخول القوات البلشفية أرمينية. وحذر حزب الطشناق قرينه الرامجافاري بإيقاف تعاونه مع التيارات الموالية لأرمينية السوفيتية حتي لا تحترق أصابعه؛أي اتهامه لدي الحكومة بمزاولة نشاط شيوعي ، بيد أن أنصار الرامجافار ردوا عليه بان الأيادي المأجورة يجب أن تخترق هذه المرة. وعلي هذا المنوال يمضي قطار الواقع السياسي الأرمني في المهجر المصري نحو أرمينية السوفيتية بين الموالين إليها والمناهضين لها حتي حدث التقارب المصري السوفيتي رسميا إبان ستينيات القرن العشرين، عندئذ انحسرت موجة العداء الطاشناقي نسبيا ضد أرمينيا السوفيتية. وهكذا ، يلاحظ مما سبق ، أن الخط السياسي لحزب الرامجافار الليبرالي قد سار علي درب تأييد النظام السوفيتي في أرمينية من أجل إرساء أسس ثابتة لتنمية الوطن الأم رغم أنه حزب غير اشتراكي إطلاقا. أما حزب الطاشناق المطرود من دائرة الحكم بأرمينية ، فقد انتهج مسلكا عدائيا ضد النظام السوفيتي بالبلاد. ولذا ، دار الحزب دوما في فلك القوة الأكثر عداء للسوفيت بغية تحقيق مآربه الحزبية: هاجس توحيد أرمن المهجر في كيان مضاد لأرمينية السوفيتية ، وحلم العودة إلي كرسي الحكم هناك. ورغم أن المناصرين لأرمينية السوفيتية قد نجحوا في إقامة جدار منيع أمام طموحات الطاشناق إلا أن الأخير في المقابل عرقل مساعي مؤيدي الوطن واستغل توجه الدوائر المصرية الحاكمة ضد الشيوعية في تصفية الحسابات مع خصومه السياسيين. وجدير بالذكر أن الموقف من أرمينية السوفيتية لم يكن المظهر الوحيد للصراع الحزبي الأرمني في المهجر المصري، بل تجسد هذا الصراع بشدة وحدة في انتخابات المجلس الملي الأرمني في مصر .
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-2
-
الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-1
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-7
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-6
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-5
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-4
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-3
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-2
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-1
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-5
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-4
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-3
-
الأرمن في مصر ( 1896- 1961 )
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-2
-
الجمعيات الأرمنية في مصر
-
ضبابية الموقف الأمريكي إزاء الإبادة الأرمنية
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر - 3
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر-2
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر-ألكسندر صاروخان-2
المزيد.....
-
هيغسيث: إسرائيل حليف مثالي للولايات المتحدة
-
علماء يكشفون كيف وصلت الحياة إلى الأرض
-
ماسك يرد على ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام
-
برلماني أوكراني: زيلينسكي يركز جهوده على محاربة منافسيه السي
...
-
رئيس جنوب إفريقيا يحذر نظيره الرواندي من عواقب الفشل في وقف
...
-
مستشار سابق في البنتاغون: على واشنطن وموسكو إبرام اتفاقية أم
...
-
منعا للتضليل.. الخارجية الروسية تدعو إلى التحقق بعناية من تص
...
-
ترامب -يعلن الحرب- على دعم فلسطين داخل المؤسسات التعليمية
-
لوبان لا تستبعد استقالة ماكرون
-
ترامب يوقع أول قانون بعد عودته إلى المنصب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|