|
الهولوكست: عندما تتحطم الحرية.
السيد إبراهيم أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4629 - 2014 / 11 / 10 - 18:05
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أصبحت (الهولوكست) الصخرة المجيدة المقدَّسة التي تتحطَّم فوق قِمَّتِها جميعُ ادِّعاءات ما يسمَّى بحرية التعبير في الغرب الحُر، فبسببها تعرَّض مجموعة من المؤرخين والعلماء والمفكرين - من مشاهير أوروبا وغيرها - للسجن، والضرب، والاضطهاد، والمُصادرة، والعزل، والهروب، والملاحقة، والطرد، بل والموت أيضًا. من ضحايا تلك الملعونة: المؤرِّخ البريطاني "ديفيد إيرفنج"، الذي حُكِم عليه بالسجن بتُهمة أنه نفى وجودها، مع كونه مؤرخًا مارَس حقَّه في حرية التعبير، وبحسب تخصُّصه العلمي أعلن أن المحرقة لم تكن موجودة بالصورة المرسومة في بعض المراجع والأدبيات السياسية والثقافية والدعائية، فسجَنوه وسحَلوه وشهَّروا به، حتى أعلن صارخًا في وجه من يحاكمونه: إن التهمة الموجهة إليَّ تعني مصادرة حقي العلمي في حرية التعبير. وهي جريمة أقدَم عليها قبْله المؤرخُ وعالم الجغرافيا الفرنسي الشهير "بول راسنيين"، فأصدر عام 1948 أهمَّ كتاب تاريخي حول أُكذوبة الهولوكست، تَجاوَز الخط، أثبت فيه بالأرقام والإحصاءات الدقيقة أن عدد اليهود الذين قُتِلوا بفعْل الحرب، أو بفعْل اضطهاد النازية لهم ولغيرهم من الجنسيات غير الألمانية - لم يتجاوز عدة مئات من الألوف، فكان جزاؤه المطاردة ثم المحاكمة التي شمِلتْه وناشرَ الكتاب، بل وكاتب مقدمة الكتاب بغرامة مالية كبيرة، ثم تلا راسنين بسنوات طوال في سبعينيات القرن المُنصرم "روبير فوريسون" الباحثُ الفرنسي المتخصِّص في النصوص القديمة، و"فرانسوا دوبار" أستاذ التاريخ، فماذا كان جزاؤهما؟
أما الأول، فقد حكَمت عليه المحكمة الفرنسية بغرامات كبيرة، أدَّت إلى إفلاسه وانهياره وعائلته ماديًّا، فقد صدَر الحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، وغرامة قدرها 5000 فرنك، ودفْع تعويضات قدرها 10000 فرنك، مع إجباره على نشْر الحُكم على نفقته في الصحف الفرنسية، وطرَدته جامعة ليون، فخسِر كُرسيه الجامعي. والثاني: لم يُنكر الواقعة تمامًا؛ وإنما شكَّك في عدد ضحايا المحرقة، فكان جزاؤه أن يموت في سيارته مُنفجرة به. ويبدو أن آفة البشر النسيان، فلم تكد تحلُّ ثمانينيات القرن المُنصرم، وفي سابقة لم يَعرفها تاريخ البحث العلمي الفرنسي، قام مشكورًا ومضطرًّا السيد وزير التعليم الفرنسي آنذاك، بسحْب الدرجة العلمية التي حصل عليها بامتيازٍ الباحثُ والمؤرخ الفرنسي هنري روك، عن رسالة دكتوراه كان قد قدَّمها لجامعة نانت، ناقَش فيها اعترافات ضابط نازي، وفنَّدها تاريخيًّا وعلميًّا، بل واتُّهم بمُعاداة السامية، ولم تستطع دار نشرٍ من الاقتراب من محاولة نشْرها، وعندما تجرَّأت دار نشر صغيرة وفعَلتها، لاحَقتها المحكمة الفرنسية بإصدار قرار منْع وبيْع وتداوُل الكتاب؛ وذلك استنادًا للقانون الفرنسي الذي يُهدِّد كل مَن يعترض أو يناقش أو يُشكك في مسألة استئصال وإبادة اليهود - بالسجن سنة، وغرامة تصل إلى 300 ألف فرنك، ولم تكن فرنسا بدعًا في هذا الأمر، فالنمسا هي الأخرى لديها قانون جاهز وفوري بالحكم بالسجن لمدة ستة أعوام لمن ينفي وجود المحرقة. تشمل قائمة مَن اضطُهِدوا لنفس السبب العديدَ من أمثال: أوجين كوجن؛ لتأليفه كتاب: "فرق الهجوم الكاذب"، وريتشارد هاروود مؤلف كتاب: "أسطورة رقم واحد"، وأيضًا البروفيسور آرتور باتز، أستاذ الهندسة الكهربائية والكمبيوتر في جامعة نورتوسترن في إونستون إيلينويز بولاية شيكاغو الأمريكية، وهو مؤلف كتاب: "خدعة القرن العشرين"، والذي يشير فيه إلى الهولوكوست وابتزاز الصِّهيونية لهذه القضية، وستاغليس فيلهالم مؤلف كتاب: "أكذوبة معسكر أوشفيتز"[1]،وديثليب فيلديرر؛ لتأليفه كتاب: "الخروج من معسكر أوشفيتز"، أما جريمة المؤرخ سرج تيون من وجهة نظر مُضطهديه، فتكمُن في قيادته لمجموعة من المفكرين، تولَّت الدفاع عن روبير فوريسون ونشر كتابًا وضع له عنوان: "حقيقة تاريخية أم سياسية؟". أما جريمة الجرائم، فهي ما فعَله البروفيسور فريدرك بيرج، حين أثبت علميًّا استحالة قتْل البشر بغاز الديزل، وهي الوسيلة التي ادَّعى اليهود أن النازيين استخدموها في إبادتهم. الخبير الدكتور فردريك توبن مدير مؤسسة آديلايد في أستراليا، كانت عقوبته السجن لمدة ستة أشهر في ألمانيا؛ لكونه ألمانيًّا، وذلك بتُهمة التحريض على الحقد العنصري، خاصةً وأنه أكَّد زَيْف قضية الهولوكوست، كما قال: إن الهولوكوست أُكذوبة انتهي عُمرها، ومما لا شكَّ فيه، فإن الذين يؤيِّدون قضية الهولوكوست الزائفة، هم: إما أفراد جاهلون، أو بشكل متعمد ولأهداف خاصة، يُضخِّمون هذه الأُكذوبة، وحسب اعتقادي أن كل مَن يؤيِّد هذه القضية هم شركاء مع الكِيان الصِّهْيوني في قتْل الفلسطينيين. وليس "بيرج" ولا "توبن" وحدهما، بل حذا حَذْوهما القسُّ "نويها وزلر"؛ لأنه كتب كتابه الشهير: "داخل معسكر داخاو"[2]،والمشكلة الكبرى أن مُضطهديه لا يستطيعون الادِّعاء عليه بالكذب؛ لأنه كان نفسه معتقلاً في نفس المعسكر، وفي عام 1988 تَمَّ طرْد وإخراج "أرنست زاندل" الناشر الكندي من أصل ألماني - من كندا، بعد إقامته فيها لمدة أربعين عامًا، بتُهمة إنكاره الهولوكوست، فكان جزاؤه أن أدانته محكمة ألمانية في مدينة مانهايم بالسجن لمدة خمس سنوات، وهو الحكم الأقسى والأشد في تاريخ محاكمة المُتهمين بإنكار الهولوكست. ويَنضم إلى مَن سبقوه الكيميائي "غرمار رودولف"، مؤلف كتاب: "تحقيق حول الهولوكوست" في عام 1995، والذي فرَّ هاربًا من ألمانيا إلى بريطانيا ثم إلى أمريكا؛ لتتمَّ إعادته إلى ألمانيا مرة أخرى عن طريق الصهاينة، وهو الآن قابع في المعتقل ينتظر مصيره. بينما اضهَدوا المؤرخ "برنارد كنتيل"؛ لنشره سلسلة من المقالات، كذَّب فيها مزاعم الهولوكست، أما آخِر تلك المجموعة، فهو "جان بلانتين" المحرر بمجلة تُدعى "أكربيا"، والذي قضَت محكمة فرنسية بسجْنه لنشْره أعمالاً اعتبَرتها المحكمة تشكيكًا في المحرقة. ما زالت ذاكرة العالم تحتفظ بأسماء ضحايا، ممن أقدَموا على انتقاد المحرقة، يأتي المفكر الفرنسي المسلم "رجاء جارودي" على قِمَّتهم، فكما يقول محمد حسين هيكل[3]: "والحقيقة أن آخرين - قبل الأستاذ جارودي - حاولوا أن يَقتربوا من الموضوع، لكن (جارودي) تجاوَز مَن سبقوه بالإحاطة الشاملة بكل الأساطير الإسرائيلية، بمعنى أن كل مَن سبقوه - وعلى الأقل في حدود ما أعلم - ركَّزوا على أسطورة واحدة في الغالب، ولعل أكثر التركيز كان على المحرقة النازية Holocaust التي تقول الأساطير الإسرائيلية: إن ضحاياها من اليهود وحْدهم وصلوا إلى ستة ملايين، وربما أن الضجة التي دارت حول هذه الأسطورة بالذات، كانت "مشادة بين الضمير أو الشعور بالذنب الأوروبي، وبين محاولة الضغط عليه وتعذيبه لصالح المشروع الصِّهيوني، وكان من الطبيعي أن يحاول الضمير الأوروبي أن يبحث عن الحقيقة، ويضعها في مكانها من التاريخ الإنساني، كما أنه كان طبيعيًّا - من ناحية أخرى - أن تُحاول الحركة الصِّهيونية قصاراها؛ لكي تضع إسرائيل في الموضع الذي أرادته لها على خريطة الشرق الأوسط! وما أن صدَر كتاب جارودي: "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، حتى رفَضت كل دُور النشر طبْع الكتاب، بل حاصَرت المنظمات الصِّهيونية صاحب مكتبة في سويسرا، تجرَّأ ووزَّع الكتاب بعد أن طبَعه "جارودي" على نفقته الشخصية، دون تمويلٍ من أي جهة ولو عربية، ثم أقاموا عليه دعوى، فكان جزاؤه في عام 1998 الحكم بالسجن لمدة أربعة أشهر، وغرامة مالية قدرها 20 ألف دولار، ولا تزال تُلاحقه عيون وأعوان اللوبي اليهودي في كل مكان يذهب إليه، بل وهدَّدوه بالقتل ومارَسوا ضده أبشع وسائل الإرهاب الفكري؛ إذ بدأت الصحف شنَّ حملات تشهيرٍ وانتقاد بشكل واسع، بل رفضت جميعها مُضطرة أو مأمورة أو مذعورة - مجرَّدَ نشْر ردوده؛ إعمالاً لحرية الرأي والرأي الآخر، وهذا حق قانوني يحق لمن وُجِّهَ له النقد أن يردَّ بنفس المساحة في ذات الصفحة من الجريدة، ولم يكتفوا بهذا، بل مُنِعَ جارودي أيضًا من الظهور في الإذاعة والتليفزيون، فيما يُشبه الشكل القمعي بمُصادرة الحريَّات والرهن الاعتقالي الذي يُمارَس مع بعض الساسة المغضوب عليهم، وإمعانًا في ترهيبه وترويعه؛ قامت أذناب الصِّهيونية الموجودة بفرنسا بحرْق واجهات المكتبات التي جاهرَت وتجرَّأت، وتحدَّت الستار الحديدي المفروض عليه، وعرَضت ذلك الكتاب، ولم يكتفوا بهذا، فقد شوَّهوا وجْه موزِّع كُتبه؛ ليكون عِبرة لكل مَن يُحاول تَكرار تلك الفَعْلة الشَّنعاء. يقول هادي أحمد: "ولقد مثَّلت محاكمة جارودي في نظر الكثيرين منعرجًا في الحياة الفكرية والسياسية الفرنسية، أصبح فيها لسلاح (معاداة السامية) معنًى حقيقيٌّ وقانوني ورَدْعي، وأُسدِل الستار بعدها وللأبد في الإعلام الفرنسي، وفي المنتديات الفكرية والسياسية - على شخصية جارودي؛ فقد دُفِن الرجل حيًّا على حد تعبير صديقه الأب ميشال ليلونج، وتخلَّى عنه كل المُقربين منه، وانعَزل في شقة قاصية في ضواحي باريس، وربما حتى وفاته"[4]. بينما من جانبها فسَّرت إيزابيل باير محامية جارودي اختفاءَه عن الساحة الإعلامية الفرنسية التي قاطَعته منذ سنة 1995، قائلة: بأنه لا يزال يعاني من آثار الضجة التي خلَّفها كتابه، والقضايا التي رُفِعت ضده بعد صدور هذا الكتاب. لقد نال جارودي ما ناله؛ لأنه دعَّم البحث العلمي وصحَّح المسار التاريخي بكتابٍ لم يُنكر فيه المحرقة، بل شكَّك كغيره من المؤرخين والعلماء السابقين عليه في أعداد الهالكين فيها، وإن كان يُستَشَفُّ منه في النهاية الإنكارُ، فهل هذا ما يتَّفق مع حرية البحث العلمي، والحق كل الحق في التعبير عن الرأي ولو خطأً؟!
أما آخر ضحايا المحرقة - حتى أوائل عام 2009 - فهو الأُسقُفُّ الكاثوليكي ريتشارد ويليامسون، العائد إلى بريطانيا بلده قادمًا من الأرجنتين مَطرودًا من قِبَل حكومتها؛ لأنه تجرَّأ وأدلَى بتصريحات أنكر فيها الهولوكوست؛ مما أثار ضجة واسعة، واعتُبِرت تصريحاته تلك مُعاداة للسامية؛ إذ ذكر الأُسقُف في مقابلة له مع التلفزيون السويدي: أعتقد أن الدلائل التاريخية تخالف بقوة القول بأن ستة ملايين يهودي قُتِلوا بصورة متعمدة في غُرف الغاز، ضمن سياسة مقصودة وضَعها أدولف هتلر. ثم أتى بداهية الدواهي حين أضاف في تلك المقابلة التي تناقَلتها المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام لاحقًا: أعتقد أنه لم يكن هناك غُرف غاز، والرجل كان من الشجاعة بحيث لم يَسحب أقواله، بالرغم من أنها ستُعرِّضه للتوتر والصدام مع البابا الذي طالَبته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في وقت سابقٍ بالرد بحزمٍ على الدعوات المُنكرة لقضية المحرقة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية، وقالت بحسمٍ: يجب على البابا والفاتيكان أن يوضِّحا بشكلٍ قاطع، بأنه ليس هناك إنكار للهولوكوست، ولَم يتأخر البابا عن تلبية طلب ميركل، فقال خلال استقباله وفدًا من مؤتمر رؤساء المُنظمات الأمريكية اليهودية الكبرى: إن الهولوكوست شكَّل جريمة بحقِّ الله والبشرية، ومن هذا المنطلق لا يمكن القبول بأي موقف ينفي حصول هذه الجريمة الفظيعة، أو يُقلِّل من شأنها، وأضاف: يجب ألا ننسى أبدًا هذا الفصل المُظلم من تاريخ البشرية؛ لأنه يشكِّل تحذيرًا لنا، ويحثُّنا على العمل الدؤوب في سبيل المصالحة، ثم اختتَم حديثه: إنني أرفع الصلاة إلى الله؛ كي تقوِّي هذه الذكرى الأليمة عزيمتَنا على تضميد الجراح التي لطَّخت العلاقات بين المسيحيين واليهود، بل وأكَّد لهم عزمه القيام بزيارة إلى إسرائيل، التي وصفها بـ "تلك الأرض المقدسة للمسيحيين واليهود على حدٍّ سواء"، وبالطبع حصر قداسة الأرض فيمن ذكَرهم ونفاها عن المسلمين، بحديث ودودٍ مُستعطفٍ مُعتذِرٍ. وشجَّع الكرمُ البابوي الحاخام شير ياشوف كوهين - كبير حاخامات حيفا - أن يَطلب من البابا وهو معه في اجتماع في الفاتيكان: هل يُمكننا أن نَقترح عليكم أن يكون التاريخ والتأثير الأخلاقي للمحرقة موضوعًا مقرَّرًا ضمن مناهج الدراسة في المدارس الكاثوليكية في جميع أنحاء العالم؟ إن مثل هذا الإجراء سيعزِّز من موقفكم القوي ضد إنكار المحرقة، وإعلان أن معاداة السامية خطيئةٌ ضد الرب. وكعادته مع اليهود وفَّى البابا بوعده لوفد المنظمات اليهودية الأمريكية، فقد أعلن - خلال صلاة الأحد التالي للمقابلة، أمام آلاف الزوَّار في الفاتيكان، من 8 وإلى 15 مايو 2009 -: سأقوم برحلة حجٍّ إلى الأراضي المقدسة؛ لأطلب من الرب نعمة الوحدة والسلام في الشرق الأوسط والإنسانية جَمعاءَ، وكان البابا قد ناقَش تحضيرات هذه الرحلة مع الوفد اليهودي، وهي زيارته الأولى التي يقوم بها إلى المنطقة، والزيارة الثانية التي يقوم بها حَبر أعظم على الإطلاق لإسرائيل، فقد قام بالزيارة الأولى البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في عام 2000. كما أعرَب مبعوث البابا في إسرائيل أنتونيو فرانكو عن أسفه للسِّجالات التي حصَلت مؤخَّرًا بين الفاتيكان واليهود، بسبب إنكار الأُسقُف ويليامسون للهولوكست، فقال: إنه لا يمكن أن نكون كاثوليكيين ونُنكر المحرقة، بعدما تأكَّد بأوضح العبارات أنه لا مجال للنقاش حول هذه المسألة. وأرجو ألا ننسى أن البابا بندكتوس السادس عشر، كان قد زار معسكر أوشفيتز؛ تلبيةً لرغبته الشخصية، وكان هذا ضمن زيارته الثانية بعد تسلُّمه كرسي البابوية، أما الأولى، فكانت لبلده ألمانيا، والثانية كانت من نصيب بولونيا، بلد سلَفه البابا يوحنا بولس الثاني، فبعد أن أمضى بها أربعة أيام، ختَمها بعد ظهر الأحد الموافق 28/5/2006، بزيارة إلى معسكر أوشفيتز، التي فشِل فيها البابا فشلاً تاريخيًّا وإنسانيًّا وأخلاقيًّا - على حد قول يديعوت أحرنوت في المقال الذي نشَرته عنها جريدة (الحياة) اللندنية في 31/5/2006 - فقد وصل إلى المعتقل في سيارة ألمانية سوداء مصفَّحة، وألقى خطبة تُثير الغضب، فتلفَّظ بكلمات رخوة؛ مثل: التسامح والتفاهم، وصلَّى من غير طلب الصَّفح والاستغفار عن الجرائم التي ارتكبها شعبه، ثم إنه تكلَّم بالألمانية وهي عند بعض اليهود لغة القتَلة؛ ولهذا كانت هذه مناسبة قوية - فيما أعتقد - لتصحيح أخطاء البابا في زيارته الأولى لمعسكر الإبادة، سيُعقبها نجاح أكبر بزيارته البابوية الأولى لإسرائيل. وكلام (ميركل) أو بندكتوس السادس عشر، ليس غريبًا، فالكل يعلم أنه محظور على الجامعات ومراكز البحث التاريخي والسياسي، أن تتناول مسألة الهلوكوست بمنظور يُخالف (المُسلَّمات) اليهودية أو الصِّهيونية، كما تؤكِّد الجمعية العامة للأمم المتحدة رفْض أي إنكارٍ كلي أو جزئي لوقوع المحرقة كحدثٍ تاريخي، وتحثُّ الأمم المتحدة الدول الأعضاء على وضْع برامج تثقيفيَّة؛ لترسيخ الدروس المستفادة من محرقة اليهود في أذهان الأجيال المُقبلة، واتِّخاذ إجراءات لتعبئة المجتمع المدني من أجْل إحياء ذكرى هذه المحرقة. لهذا؛ فالحكومات والمحاكم لا تسمح مطلقًا بأي مقالة أو كاريكاتور، أو أي مقابلة تلفزيونية، أو أي كتاب يدعو إلى معاداة السامية، كما لا يَجرؤ أي كاتب أو مؤرِّخ على إنكار الهولوكست، إلا أولئك القلَّة التي تهوَّرت وفعَلتها، فنالها ما نالها. وبعد ما تقدَّم، ألا يخجل غُثاء السيل من المسلمين - على كثرتهم - من فشَلهم في فرْض قانون تتبنَّاه الأُمم المتحدة بحُرمة وتجريم التعرُّض - بكافة وسائل الإهانة والإساءة والازدراء - لشخصية مقدَّسة عند الكافة، ممن يَدينون بدين الإسلام، في الوقت الذي يُفلح فيه حَفنة من حُثالة الأرض وشَراذِم الدول، أن يُصدروا قانونًا دوليًّا بتجريم مَن يتعرَّض لأكذوبة خلَقوها؟! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1] يقع معسكر أوشفيتز Auschwitz، في جنوب بولونيا الحالية، على مسافة 70 كلم غرب كراكوفي Cracovie منطقة تابعة الآن لبولونيا، وينقسم المعسكر إلى عدة أجزاء: أوشفيتز رقم واحد، ثم بيركناو، أو أوشفيتز رقم اثنان - الذي يُفترض أنه كان مركز إبادة - ثم مونوفيتز Monowitz، أو أوشفيتز رقم ثلاثة، وهو مركز إنتاج صناعي ضخم، كما كان هناك عدد من المعسكرات الصغيرة المُلحقة بالمراكز الثلاثة. [2] أقامَت النازية معسكرات أخرى إلى جانب معسكر أوشفيتز؛ مثل: "ساكسنهاوزن"، "داخاو"، و"رافنزيروك"، غير أن معسكر داخاو - وداخاو مدينة صغيرة قريبة من ميونيخ - كان أوَّل معسكر بناه النازيون لدى وصولهم إلى السلطة في 1933 للسُّجناء السياسيين، ثم تغيَّر الغرض منه (داخاو) مع مرور الزمن، فأصبح أحد المعسكرات التي خُصِّصت لليهود، وتَمَّ اعتقال أكثر من مائتي ألف شخص في هذا المعسكر، ومات فيه أكثر من أربعين ألف شخص من اليهود وغيرهم. [3] الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية، ص (7)؛ تأليف رجاء جارودي، دار الشروق، ط (4)، 2002. [4] الإسلام قاتل جارودي http://www.study4uae.com.
#السيد_إبراهيم_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
[قراءة في مجموعة -طقوس للعودة- للكاتب السيد إبراهيم أحمد]
-
إشكالية الرجل/الأم ..بين الأم الهاربة والأم البديلة
-
د. رانيا يحي ..حين يعزف القلم..
-
منمنمات التائية في قصيدة: آثار جانبية لحب الورد.. ل يحي السي
...
-
فاطمة المرسي شاعرة..-عاشِقُها- الوطن..
-
السهل الجميل في شعر -الدليل-...
-
بين السياسة والشعر حوار مع الشاعر محمد عبد القوي حسن
-
قراءة -دويدار- في شعره..
-
حوار في حضرة النقد مع الدكتورة ديانا رحيّل
-
-ليلة مع عالم الواو-
-
فخر الفتاة العربية البطلة الإعلامية ندى السيد
-
كوميديا الأحزان الثائرة
-
الإعلام المصري بين الحياد والاستبداد
-
لقاء في حديقة الثقافة..
-
مقالة نقدية حول رواية هيروبوليس
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|