ابراهيم قلواز
الحوار المتمدن-العدد: 4627 - 2014 / 11 / 8 - 09:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الماء هو منبع الحياة ،وهو أساس المعرفة والاقتصاد بفروعه الزراعية والصناعية وهو منبع الثقافات والأفكار،والتاريخ يؤكد على تلازم الجغرافيا الحضارية مع خارطة الموارد المائية التي كانت مصدرا ملهما للشعوب لاغناء الإرث الإنساني والتاريخي، بتنوع وتعدد حضاري غير مسبوق ،زيادة على كونها-اي هذه الثروة المائية-المصدر الأساسي لبناء الكثير من الدول وانجازات الحضارات السابقة؛ بداية من حضارة بلاد الرافدين على ضفاف دجلة والفرات والحضارة المصرية على ضفاف نهر النيل، وحضارات الامازيغ على ضفاف وادي ملوية،وصولا إلى الحضارات الكبرى التي قامت على السواحل البحرية والمحيطية من الإغريق واليونانيين إلى الرومان والقرطاجيين ،والوندال، والعرب والمسلمين في سواحل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.
إن قراءة بسيطة في الجغرافيا الحضارية تقدم رؤية متماهية مع جغرافيا المنابع المائية ؛ما يؤكد على ترابط فكرة القوة بمتغير الثروة المائية، وارتباطها بجيوبوليتيكية السياسات العالمية وفلسفة القوة في القرن الواحد والعشرون:وعليه فما هي جيوبوليتيكية المياه العربية وما موقعها من التفاعلات الجيوستراتيجية الإقليمية؟
عرفت المياه قديما لدى العرب على أنها المصدر الأساسي للري والطاقة,فقد أقامت مجتمعات عربية عدة أنظمة ري زراعية وبناء للسدود ,على غرار سد مأرب باليمن وأنظمة الري في بلاد الفراعنة والعراق ,نظرا لما تزخر به المنطقة من موارد وثروات مائية لا حسر من انهار وسدود وبحيرات ومياه جوفية إضافة الى تساقطات الأمطار .
وإذا كانت كمية الأمطار المتساقطة في معظم المناطق العربية متوسطة ,نظرا لطبيعة البيئة العربية الحارة وشبه الجافة إلا أنها تتمتع بالكثير من الموارد المائية الجوفية .
ويعرف حوض المياه الجوفية على انه طبقة أو عدة طبقات حاملة للمياه الجوفية, تكونت بشكل طوبوغرافي أو تركيبي يسمح لها بتخزين حجم معين من المياه ,كما يسمح لهذه المياه بالحركة بحكم نفاذية الطبقات المكونة لها(1).ويمكننا تحديد نوعين من الطبقات الجوفية في هذا الإطار:
-طبقات ذات موارد مائية متجددة لايؤدي استخدامها الى انخفاض احتياطاتها ومنسوبها,وطبقات احفورية يؤدي استغلالها الى تناقص نسب احتياطاتها على غرار تلك المتواجدة في شبه الجزيرة العربية والصحراء الكبرى.
واهم أحواض المياه الجوفية في المنطقة العربية تنتشر على النحو التالي(2):
في افريقا:العرق الشرقي الكبير متاخم للحدود بين الجزائر وتونس مساحته 375كم2 ومخزونه يصل الى .
العرق الغربي الكبير ويقع جنوب سلسلة الأطلس مساحته تقدر ب330كم2
حوض تنزروفت:يقع جنوب حوض العرق الغربي الكبير مساحته 240 كم2
حوض فزان بليبيا مساحته 175كم2
حوض الصحراء الغربية ويقع بين مصر السودان وليبيا مساحته 1800كم2 بالإضافة الى
حوض دالتا النيل ويقع بمصر.
في قارة آسيا:حوض الأزرق ويقع في الأردن تبلغ مساحته 1300كم2
حوض عمان تبلغ مساحته 850كم2
الملاحظ على خارطة المياه الجوفية أن غالبيتها تتركز في القسم الإفريقي من المنطقة العربية وبالأخص بمصر ,على أن احتياطات أخرى مهمة تتركز في اليمن والسعودية إلا أن نوعيتها لا تسمح باستخدامها إلا في مجالات محدودة وتحتاج الى برامج معالجة.
-المياه السطحية في المنطقة العربية (الأنهار):
إذا كانت خارطة المياه الجوفية قد أبرزت أفضلية القسم الإفريقي من المنطقة العربية, فالأمر يختلف مع خارطة المياه السطحية, إذ نجد أن اغلب الأنهار العربية وأهمها منتشرة في القسم الأسيوي, باستثناء نهر النيل الإفريقي بامتياز واهم الأنهار العربية هي على النحو التالي:
1-نهر النيل :يعتبر النيل نهرا مركبا نتج عن اتصال أحواض مستقلة بعضها ببعض منذ آلاف السنين, يتصدر أنهار القارة من حيث طول المجرى، إذ يبلغ طوله نحو 6650 كيلومتراً، في حين يحتل المرتبة الثانية من حيث اتساع مساحة الحوض، بعد نهر الكونغو، إذ تبلغ مساحة حوضه حوالي 3349 ألف كيلومتر مربع.ويمكن تقسيمه الى ثلاثة إقليم مائية رئيسية:إقليم المنبع ويمثل البحيرات الكبرى والحبشة,إقليم
الممر ويمثل السودان بشطريه,إقليم المصب ويمثل مصر.
تتوزع تفاصيل تلك الخارطة الطبوغرافية للنهر من المنبع الى المصب, مرورا بدول الممر على النحو التالي:حيث يعتبر نهر كاجيرا المنبع الحقيقي للنهر وهو أطول روافده ,حيث يبلغ طول مجراه 480كم وهو يتكون من التقاء رافدية روفورو في دولة بور ندي ونيافرونجو في دولة رواندا ليصب بذلك في بحيرة فيكتوريا مسار النهر عد خروجه من بحيرة فيكتوريا, تعترض مجراه شلالات ريبون ومرتشيزون ليصل الى بحيرة موبوتو ومنها يسري في نيمولي قبل أن يصبح في مجرى بحر الجبل في الأراضي السودانية.
ويتميز سهل وادي النيل، جنوب السودان، باتساعها الكبير جدا، نتيجة لتعدد روافده، التي تشمل بحر الجبل، وبحر الغزال، ونهر السوباط، ويمتد النطاق السهلي الى الشمال ليشمل سهول وسط السودان، التي تضم أرض الجزيرة، وسهول النيل الأبيض، وسهل البطانة (بين نهري عطبرة والنيل الأزرق). ويتصل بالنيل، في مجراه الأوسط والشمالي في السودان، النيل الأزرق، ونهر عطبرة، وروافدهما، ويتسم الجزء الشمالي من وادي النيل في السودان، وهو الجزء المعروف بالنيل النوبي، بكثرة خوانقة، وتعدد المندفعات والجنادل، إضافة إلى ضيقه الشديد(3).
ويتجه النيل الى أراضي مصر بداية من وادي حلفا (دائرة العرض 22 شمالاً)، بعد مجرى سيلان في دول المنبع بمسافة تبلغ نحو 5130 كيلومتراً من منابعه، وبذلك يبلغ طول نهر النيل داخل أراضي مصر حوالي 1520 كيلومتراً، وهو ما يُعادل نحو 22.9 % من إجمالي طول النهر، ولا يتصل بالنيل داخل الأراضي المصرية، أي رافد نهري، باستثناء بعض الأودية الجافة الغير دائمة السيلان ، التي قلما توجد بها مياه جارية، وتقل كمية المياه، التي ينقلها النهر بشكل تدريجي بالاتجاه من الجنوب إلى الشمال ، ويعزى ذلك إلى عدم وجود روافد تغذية من جهة، ولارتفاع درجة الحرارة، وما يتبع ذلك من فقد جزء من مياه النهر بفعل التبخر من جهة أخرى، وقد ساعد ذلك على ترسيب ما تحمله المياه من الإرسابات المختلفة، إضافة إلى تعرض مجرى النهر للتفرع شمال مدينة القاهرة بنحو 20 كيلومتر لتظهر دلتا النهر(4).
ما يمكن قراءته من خلال هذه التفاصيل, هو الأهمية التي تكتسيها دول المنبع والممر والحظوة التي تمكن هذه الدول من الاستفادة والتأثير المستقبلي على عائدات هذا النهر, نظرا للظروف الطبيعية التي تتسم بتساقطات مطرية مطردة, حيث ترتفع النسبة في الجنوب بشكل قياسي وتتناقص هذه النسبة مع كل توجه نحو الشمال, كما أن هذه المناطق تعتمد على التساقطات المطرية فقط في زراعاتها, على عكس المصب الذي يعتمد في زراعته على نظام ري نهري بشكل كبير بالإضافة إلى الاستفادة التي تنالها دول إثيوبيا وأوغندا من الطاقة الكهربائية لمياه النهر نتيجة وجود الشلالات على طول مجرى النهر في هذه المناطق
-نهرا دجلة والفرات:
ينبعان من هضبة الأناضول جنوب تركيا على ارتفاع3000م عن سطح البحر ويجتازان الأراضي العربية داخل العراق وسوريا حيث يبلغ طول نهر الفرات 2315كلم مقسمة على:400كلم لتركيا و475لسوريا و1440كلم للعراق ,تبلغ مساحة نهر الفرات 388الف كلم2 ويعتبر المصدر الرئيسي للمياه بالنسبة لسوريا والعراق(5).
أما نهر دجلة فبالإضافة الى منابعه التركية, فان جبال زاغا روس الإيرانية تشكل منابع إضافية للنهر الممتد على طول 1718كلم منها 1100كلم داخل الأراضي التركية, ويجتاز العراق وسوريا ويشكل نحو 44كلم من الحدود السياسية بين سوريا وتركيا .
تعتبر تركيا النهرين على أنهما نهرين وطنيين عابرين للحدود, ولا حق دولي فيهما لسوريا والعراق ,وهي تستمر في إقامة الكثير من مشاريع الري والسدود وحتى التصدير الى إسرائيل(6).
بينما يرى الجانب العربي أنهما نهرين دوليين ويجريان لآلاف السنين في الأراضي العربية وقد كانت الحضارات القديمة لقرون في بلاد ما بين النهرين .
-نهر الأردن:
يعتبر جبل الشيخ(حرمون الغربي والجنوبي)المنبع الرئيسي لنهر الأردن على ارتفاع يصل الى 910مترو ويبلغ مورده الأقصى في فصل الربيع بعد ذوبان ثلج الجبل بينما تتراجع مناسيبه في فصل الصيف ,نظرا لارتفاع درجة الحرارة وتبخر مياهه بنسب عالية.
ويصل نهر الأردن الكثير من المصادر من نهر بانياس ثم الحاصباني, ونهر الدان ثم بحيرة الحولة ليجتاز بحيرة طبريا والبحر الميت, ويعتبر مصدرا رئيسا للمياه لكل من الأردن وفلسطين وإسرائيل بالإضافة الى لبنان وسوريا, غير أن إسرائيل تعتبر المستفيد الأكبر من النهر وتحاول بشتى الطرق إخراج النهر عن أية مطالب أو تفاوض مع العرب حول مياهه(7) .
-نهر الليطاني:
وهو من أهم الأنهار اللبنانية ينبع ويصب داخل الأراضي اللبنانية على مسافة 170 كلم ,إلا انه يشكل نقطة الصراع والأطماع الإسرائيلية اتجاه لبنان, وعادة ماكانت مياه هذا النهر المحدد الرئيسي للعلاقات بين البلدين, خصوصا بالنسبة لإسرائيل إذ أن محاولات الاعتداء المتكررة وغزو لبنان واجتياحه, كانت بسبب مياه النهر الذي تدعي إسرائيل انه جزء من منظومة نهر الأردن (8).
-نهر العاصي:
ينبع من البقاع في لبنان ويجتاز الأراضي السورية ليصب في إقليم الاسكندرونة في تركيا حيث يصل طوله الى 571كلم منها 45 كلم في الأراضي اللبنانية والأراضي التركية بنفس المسافة تقريبا بينما يجري على طول 417 كلم في سوريا ومنه يتضح التدخل السوري باستمرار في الشأن اللبناني الى حد التدخل العسكري تخوفا من وقوعه في أيدي معادية لسوريا يمكن أن يشكل السيطرة عليه وحرمان سوريا من مياهه بمثابة الضربة القاضية للأمن المائي السوري(9)
تعد المناطق العربية من أفقر المناطق من حيث الموارد المائية المتجددة ,نظرا لوجود المنطقة في أقاليم جافة تعرف بمناطق حزام العطش, رغم ذلك فإنها تمتلك الكثير من الاحتياطات الجوفية المهمة والمنابع النهرية التي تمكن الدول العربية من تخطي أزمات العطش المستقبلية من اجل تحقيق الأمن المائي العربي, وتحقيق المعدل المقبول لنصيب الفرد العربي من حصة المياه, ويمكن للموارد المتاحة باستخدام نظام للري والسقي والاستخدام العقلاني, أن يساهم في تحقيق التنمية الزراعية والصناعية, لكن المشكلة الكبرى تتمثل في أن اغلب هذه الموارد تتواجد في قلب النزاعات والصراعات في المنطقة مع دول الجوار من جهة إثيوبيا ودول المنبع بالنسبة لمصر, وتركيا بالنسبة لمياه دجلة والفرات والنزاع مع العراق وسوريا والمعضلة الكبرى الاستيطان الصهيوني ,الذي يشكل قلب الصراع في المنطقة بتماهيه في الاعتداء على الموارد المائية العربية ,واغتصاب حقوق العرب حتى داخل الأراضي العربية الغير محتلة .
هذه هي الإشكالات الكبرى التي تواجه خارطة المياه العربية المعرضة باستمرار للتغير والتغيير نحو الاسوا ,في ظل جيوبوليتيكية مائية تحددها السياسات الإسرائيلية ,وفق ما خططت له الحركة الصهيونية منذ عقود طويلة,ومتوجة بذلك الفكر الصهيوني والتخطيط الاستراتيجي اليهودي وعبقرية الشخصية اليهودية التي استغلت الظروف الدولية والإقليمية وحالة التشرذم العربي أفضل استغلال, لتجسيد أسطورة التوراة اليهودية لوطنها القومي المزعوم, ارض فلسطين المقدسة لشعب الله المختار من النيل الى الفرات
1)- سامر مخيمر وخالد حجازي,أزمة المياه في المنطقة العربية,الكويت:عالم المعرفة,سلسلة 209,جانفي 1996,ص15.
2)-المرجع نفسه,ص ص 16-17.
3)-ويكيبيديا ,الموسوعة الحرة العالمية.
4)سامر مخيمر وخالد حجازي ,مرجع سابق,ص ص17-19.
5)- عبد المالك خلف التميمي,المياه العربية التحدي والاستجابة ,لبنان:مركز دراسات الوحدة العربية,ط2، 2008.
6)-, عادل محمد العضايلة,الصراع على المياه في الشرق الأوسط ,الأردن :دار الشروق للنشر والتوزيع,2005 ,ص 22.
7)-سامر مخيمر وخالد حجازي ,مرجع سابق,ص ص 30-31.
8)- عادل محمد العضايلة,مرجع سابق ,ص 24.
9)-المرجع نفسه ,ص 28.
#ابراهيم_قلواز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟