اليمن ومأزق دول التعاون الخليجي

بسام الرياحي

الحوار المتمدن-العدد: 4625 - 2014 / 11 / 5 - 01:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

أطلق الربيع العربي موجات سخط واسعة في صفوف الجماهير العربية ضد السياسات الإجتماعية وفشل الرهان الداخلي في ثقافة متماسكة والخارجي في إقتصاد متماسك يضمن أمن الدوّل القومي ، لكن لنستدرك من خلال فحص واقع الفوضة الهدامة وإنتشار السلاح والمليشيات التي تعيد الواقع إلى الوراء ، تعيد فصول قاسية لسقوط غرناطة وتشضي ثقافة وصلت للعالمية ونهلت منها أوروبا كأحدى روافد نهضتها الحديثة . واقع الطوائف البغيضة ، واقع رجعي ينهي طموحات الشعوب العربية في دولة وطنية وثقافة وحقوق وكرامة ... اليمن منذ مدّ تتصاعد فيه وتيرة الأحداث ، بلد السدود الأولى والتجارة التي كونت طبقة ما قبل رأسمالية منذ قرون عديدة ، يتخبط هذا البلد في صراعات قبلية وطائفية وتهديدات خارجية وإنتشار فوضى السلاح والتوازنات التي أثرت على مقدرات هذا البلد ومؤسساته السيادية وخاصة الجيش الذي غدى تحت وطأة القبيلة والمناورات الإقليمية . عندما نستعرض الجغرافيا اليمنية سياسيا نلاحظ أولا جغرافية متشضية وتحكم أطرافها التوتر البارد والظاهر ، فشمالا تجد جماعة الحوثي الشيعة الزيدية أكثر فرق الشيعة إعتدالا وفيما بعد ما يعرف بجماعة أنصار الله ، في الوسط هو مركز ثقل القبائل وخاصة آل الأحمر أكثر القبائل المتحالفة مع السلطة السياسية وتكون جسم سياسي هاوي ومتزلف ، إلى الجنوب يتعقد المشهد الجغرافي والسياسي من جهة الحراك الجنوبي الناشط هناك وتنظيم اللقاعدة ذراع الظواهري في بلاد اليمن .ماذا يعني هذا ؟ أولا وجود لوبي قبلي متحالف مع طبقة رأسمالية _ماركنتيلية تحت غطاء روابط الدم والطائفية البغيضة وبدعم من دوّل الخليج العربي التي تنظر لليمن نظرة رجعية ، هي نظرة القرن 7م كنقطة عبور تجارية هو "الشعب المسلح" اليمني الذي تحركه نواميس القبيلة وعدم إنضباطها للدولة .ثانيا حركات تمرّد مضادة تستمد شرعيتها من رواسب تاريخية ما قبل إستعمارية بالضرورة تفرض المحاصصة الطائفية مثال نجران المحافظة التي تطالب جماعة الحوثي بإرجاعها لليمن كجزء من بلاد عدن التاريخية وهي منطقة تحت النفوذ السعودي وغنية بالنفط.ثالثا والأهم سيادة يمنية مهددة من قبل تنظيم القاعدة الذي يتحصن بشريط جبلي وإستعصى طيلة ربع قرن على القوات اليمنية بسبب ضعف إمكانتها وقدراتها الحربية وخضوعها للقوى القبلية المتحكمة فيها ، وأيضا غارات أمريكية متواصلة على مواقع تحرك تنظيم القاعدة في إنتهاك سافر للسيادة اليمنية كما فعلت السعودية في 2009 في جبل الدخان لإيقاف المقاتلين الحوثيين الذين أعلنوا إسقاط النظام السياسي القائم . كما تنشط في جزء كبير من اليمن المخابرات الإيرانية والإسرائيلية والأمريكية المدبرة لواقع الإغتيالات المتكرر .هو واقع طائفي ،واقع قبلي حاد وواقع صفائحي غير مستقر بالمرّة ورجعي عموما ...
لقد إحتدم الصراع على التمركز الإستراتيجي بين الدوّل الخليجية والدولة الإيرانية ،فتأجج الصراع الطائفي وأصبحت الجغرافيا اليمنية مهددة بالإنقسامات والإمارات .قلب الحوثيون أو "جماعة أنصار الله "مؤخرا كل التوازنات والحسابات لصالح الطائفة الأقل بالسلاح ، هو أخذ ورد بعدما تدخلت دوّل التعاون في البحرين منذ سنوات لتثبيت نظام آل خليفة بالبحرين بإدخال قوات "درع الجزيرة" وشرّعت قمع الشعب البحريني بمختلف وسائط الإجرام والإبادة .أسقطت العاصمة صنعاء عبر مراحل دقيقة ومسترسلة منها إقامة المخيمات التي قطعت طرق الإتصالات وحاصرت العاصمة ، ثمّ "الجمعات" الإحتجاجية التي كانت تجسد الزحف المدروس للإنتشار في جيوب مسلحة بالقرب من مراكز سيادية وتصبح بالتالي تحت السيطرة النارية للحوثيين ، وأخيرا التطوير السريع بإسقاط مقر الحرس الجمهوري والفرقة 21 التابعة لآل الأحمر القبيلة القوية . هو إنتصار للعقل الإيراني على دوّل التعاون وفرض واقع سياسي مؤثر لخص طموحات طهران للزحف نحو بحر العرب .أصبح الإيرانيون فعليّا يطوقون دوّل التعاون من الجنوب عبر اليمن ومن الشمال الشرقي بالتحالف مع نظام بشار الأسد المستميت وظهيره القوي إقليميا "حزب الله" والعراق الذي أصبحت تحكمه تنطع الطائفة بسبب روح الإرهاب الذي تغذيه "داعش" وأجهزة المخابرات المستفيدة من تشظّي الكيان التاريخي والوحدة الوطنية وإستحقاقاتها . يتعاظم القلق الإسرائيلي من هذا الواقع ، فقد فشلت أجهزة المهام الخاصة الإسرائيلية في التنبأ بخطورة الموقف منذ البداية رغم تصفية عديد الموالين لجماعة "أنصار الله" وسياسة الإغتيالات لعلماء إيرانيين ، لكن شفرة الحرس الثوري الإيراني وعلاقاته ونشاطاته تبقى غامضة خاصة فيلق القدس الذي بدأ نشاطه منذ التسعينات ، مع تقدم البرنامج النووي ولغز المياه الثقيلة التي دخلت لإيران إلى مفاعل آراك النووي جنوب غرب البلاد .يبدو القرار السياسي العسكري الإسرائيلي شديد التردد في ظل قرأة منقوصة لإحتمال ردّ إيراني كان له إشارته في عيد الثورة الإيرانية الأخير .تتقدم هذه العقيدة بخطى متماسكة في ذهن العقل الإيراني رغم رجعيتها الظاهرة على المستوى الإجتماعي والسياسي .أمر يؤرق دوّل التعاون السعودية خاصة الإمارات دولة رأسمالية برجوازية ناشئة ، الذين وضعوا مصر أو بالأحرى شركة الجيش المصري المتماسكة في واجهة الأحداث الإقليمية كليبيا وللتهويش ضدّ إيران بالمناورات في حالة تحرك مادي منتظر لإيران .الإسرائيليين الذين تبادلوا منذ مدّة معلومات ولقاءات مع المخابرات السعودية بحضور ضباط سامين من الشاباك والموساد ...شتاء هذه السنة سيكون قاسيا مع المعركة الدائرة في سوريا ، لكن الأكيد هناك سير لمواجهة مباشرة بين كتل بعد إخلاء الساحة من مسرح دمى يمثله الإرهاب الدولي .

#بسام_الرياحي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات