|
حوار العيون الحلقة التاسعة
الرفيق طه
الحوار المتمدن-العدد: 4624 - 2014 / 11 / 4 - 12:08
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
حوار العيون الحلقة التاسعة
بعد خروجه من مطار بقبرص ، اتجه نحو السيارة التي اقلته الى مركب مائي وفق الاشارات التي قدمتها له السيدة حسناء، لما سلمته تذكرة الطائرة و الدعوة الرسمية لحضور حفل عيد الميلاد . كان المركب ينتظره بشكل خاص ، بمجرد ان اخذ مقعده انطلق عبر نهر هادئ يتسع عرضا لما يقارب المائتي متر . ضفتيه عليها مبان رسمت عليها اياد الابداع لمسات حضارات راقية و ثقافات متعددة مرت من المكان . و اهم ميزة تعم طيلة المسار هي النقاء على الارض و الحيطان و المياه . بسرعة متوسطة يشق المركب مياه النهر الذي بنيت فوقه جسور متتالية و منتظمة . كان احمد يتابع هذا كله و كانه يتابع شريطا وثائقيا . تحت كل جسر ينتظر نهاية الشريط لكن المسيرة مستمرة و المجهول في النهاية اكثر شوقا . مجهول له طعم المرارة و طعم الحلاوة . مجهول منتظر و لذة اللحظة و المكان تترسخ في الذاكرة . يستمر المركب و يستمر قائده في صمته و عناده بعدم الاهتمام بمن خلفه . وحيد احمد على المركب خلف قائده الاشقر ،القوي البنية ، القاسي النظرة ، ذو البدلة البيضاء المرصعة باشارات زرقاء . وحيد وسط عالم مثير للاعجاب بجماليته و خلطته الروماسية تثير الغبطة على من اختارتهم الصدف لهذا المكان و جماليته و اختارته في غيره . بعد عدة منعرجات للنهر انعرج المركب معها بانسيابية ، الى ان دخل منطقة مائية اكثر اتساعا و اكثر هدوءا ، بحيرة تتخللها ارخبيلات من الجزر . جزر عبارة عن منتجعات سياحية و ترفيهية و مناطق لللهو و العاب الاطفال و نوادي للسباقات المائية بالزوارق و بغيرها . لكن الانتظام و الرقي الحضاري لم يفارق عين المتطلع يمينا و يسارا . بعد برهة اتجه المركب نحو مرفئ خاص بقصر عبارة عن برج انشق عنده النهر الى جزاين . هو العنوان المحدد على دعوة حسناء . برج مطل على النهرين على مثلث الشكل اتسعت قاعدته بتباعد النهرين الواحد عن الاخر . قصبة رومانية محصنة ، تعلوها مدخنات و نوافذ . اسوارها مشيدة بحجارة صماء . تعلوه زرقة السماء كانها مرات للمحيط المائي . هدوء المكان لا تمزقه الا حركة بعض الطيور المختلفة الاشكال و الالوان مستانسة برحابة و زهو المكان . بباب الاقامة استقبلته حسناء بابتسامة الفرح العميق ، ربطت يده اليسرى بيمناها و اتجهت به نحو بهو رحب . به كنبة و مائدة . جلس الاثنان لبعضهما . تساله حسناء عن السفر و الوصول و رايه في المسار الذي اتى منه . قدم له الثمر و الحليب و بعض الحلويات المحلية . كان المكان مغر بالنظر ، يطل على النهر من جهتين ، و اشعة الشمس تخترق الستائر . الجدران مزينة بلوحات لا يعرف قيمتها الا من اختارها لهذا المكان . النقوش و الرسومات توحي ان المكان يلجه ذووا مقام في الفن و الابداع و من يتكلمون لغة الحضارة و الابداع . احس احمد برغبة جامحة في الاطلاع على هذه النوادر التي تحيط به . لكن العينين المتلالاتين لحسناء امامه تاخذه غارقا في اعماقها . اذا نظرت في وجهه شعر و كانه سمكة في بحر عيونها . و اذا اغلقت رموشها و كانه انقبض و ضاق به العالم كما ضاق بين اهذاب عينيها . بعد انطلاق الحفل باحدى قاعات البرج الفسيحة التحق احمد ترافقه حسناء مزينة بلباسها الجميل يعود بها الى ايام الجامعة الامريكية،هندام ترك لجزء من الصدر الى العنق حرية الظهور ، بساقيها المليئتين من الكعب الى ما فوق الركبتين اشارات لغة الجسد المتحرر من الحجاب ، شابة انيقة بالوان متناغمة و بشرة ثلجية و عيون زرقاء باهذاب سوداء و سوالف تتمرد بالسقوط على الوجه لتعيدها انامل يدين لطيفتين الى خلف الاذنين . تمشي على يمين احمد يتلامسان الكتفين . انبهر الحضور للمنظر الاخاذ الذي دخلت به السيدة حسناء و الذي لم يسبق ان راه فيها اغلب الحضور الا الذين حضروا زفافها من زوجها الراحل . اعتقد البعض ان احمد هو المعني بعيد الميلاد ، الا ان الطفل اسعد دخل القاعة و رحب بالجميع و شكرهم على حضورهم و فرحته بمشاركتهم له بالمناسبة السعيدة . كان ذلك بعد ان اخذ احمد مكانه الخاص بين الحضور لتعود حسناء لمدخل القاعة مشرفة على بروتوكول استقبال طفلها المدلل . هذا الذي دخل مرفوقا بمجموعة من الاطفال الذين ارتدوا ملابس بالوان فاقعة و رسومات جميلة على وجوههم و خلفهم فرقة بهلوانية تؤدي نفحات موسيقية تناسب الحدث . انبهر اغلب الحضور لسلوك الطفل اسعد معهم و لكلماته المتزنة و الدقيقة و كانها من فم راشد . كلمات متزنة و بالانجليزية ثم العربية ، و بابتسامة تملا محياه . كانت حسناء تعبر عن اعجابها و تعجبها بالطفل بنظراتها لامها ،التي ترتدي زيا مغربيا مرصعا بالمجوهرات و تضع الكثير من الماس و الذهب . نظرتها لامها بفتح عيونها و ابتسامة التعجب مما صدر منه ، و كانه فاجاها بحدقه ، تعجب مليئ بالفخر و الاعتزاز . اما ام حسناء ، السيدة راضية ، فكانت تنظر للطفل و ترفع يدها اليمنى حد الصدر و تفتح كفها مظهرة اصابع يدها الخمسة منفصلة و تقول كلاما لا يسمع و كانها تدعو له او تقرا كلاما قد يكون تعويذة او ما شابه ذلك حماية له من العين . بعد ان استقر موكب الطفل و اقرانه على ارائك بوسط القاعة ، اتجهت حسناء مبتسمة مبتهجة و الى جانبها امها ، التي تحدثها بسلاسة و تحرك يدها اليمنى بعناية و يدها اليسرى تشد لباسها لترفعه قليلا عن الارض ، نحو احمد . ما ان وصلا بمقربة منه حتى وقف مستقبلا الام باحترام شديد و عيناه لا تفارق الارض . يتكلم بهدوء و يسرق النظر الى حسناء مبديا حشمة متناهية . اما الام فقد ابانت له عن ترحيبها به مخبرة اياه انها تحب كل من احبته حسناء . كما قالت بين فقرات حديثها ان حسناء نية لكن حظها في الحياة ضعيف و كل من حن عليها ربح . كانت الام تتكلم و حسناء تبتسم و تقهقه بحذر و كانها تقول لاحمد ها انت تكتشف ان امي بسيطة جدا . بابتسامة عريضة سالته حسناء اذا بامكانه التعرف على ابيها . اجاب بنعم و وقف على الفور و دون تردد قائلا بفخر و اعتزاز . ترك الكرسي و رافق حسناء و الام خلفهما تجاه الركن اليميني للقاعة . هناك يقبع رجلان احدهما ستيني بشعره الابيض و هندامه الفاتح ، و الاخر يقاربه في السن لكنه يظهر اقل دراية على يبدو من الاخر . من بعيد يتساءل احمد عمن الاثنين اب السيدة حسناء . لكن حسناء انهت التساؤل ، تقدمت نحو الرجل الستيني و قبلته على خده الايسر و قدمت له رفيقها . " هذا احمد يا بابا " " مرحبا بك و به يا ابنتي " اجابها الاب . و رفعت وجهها نحو احمد مبتسمة حد الضحك و شعرها سقط على طرف صدرها الايمن و قالت له هذا بابا . مد احمد يده للاب و صافحه باحترام شديد . التقت عيناهما التقاء خاطفا . عم الكلام المكان اكثر من العيون و النظرات . الترحيب الحذر يقابله الشكر و الحياء . كان الاب رجلا ذا شخصية قوية ، يظهر الصرامة من بعيد ، الابتسامة منه عسيرة . الجوعة على مائدته تقول انه رجل يميل للسكون ، حذر في ارتباطاته ، صارم في قراراته . يشرب الدخان بشراهة .و لكن الاناقة على محياه و نظراته الحذرة و جلوسه الى المائدة مجانبا تقول انه شخص يحب الهدوء و مؤنس لمن يجالسه رغم تقشفه في الكلام . عاد احمد و حسناء الى المكان لياتي الطفل لتقديم تحية خاصة لاحمد . لا يعلم احمد ان كانت اشارة من امه او من جدته . اظهر احمد اهتمامه و اعجابه بالطفل الذي لم يثره الامر كثيرا و لم يعره اهتماما ، لكنه ادى التحية و عاد الى اصدقائه و كانه ادى مهمة مكلف بها و فقط . كان الحفل بهيجا ، و كانت حسناء نجمة ناصعة في سمائه ، لكن احمد خطف الاضواء ، ليس باهتمام حسناء به فقط فوق العادة ، و لكن حين كان منشط الحفل يطلب من كل فرد من الحضور المشاركة بنكتة او اغنية او رقصة . لم يكن احد بمن فيهم حسناء يظن ان احمد سيشد اليه القاعة و ضمنهم المنشط حين غنى لمحمد عبد الوهاب " ساعة ما باشوفك جنبي " . ساد الصمت كل ارجاء القاعة و شد الصوت الشجي لاحمد و بحته الصادقة اذان الحضور ، و جعل العيون كلها منجرة نحوه . و ما ان انهى الاغنية حتى صفق له حتى الذين لا يروقهم هذا النمط الغنائي . رغم ان حسناء بدورها اثارت اعجاب من لم يسمعها تغني من قبل الا ان احمد كان وحده سارقا للاضواء و محتكرها . حتى ابو حساء تخلص من هدوءه و قام من كرسيه يصفق و اشار لابنته في اذنها انه معجب بهذا الشاب و صوته الشجي . البعض من الحاضرات همسن في اذان اخريات ان حسناء اتت به فقط لخلق المفاجاة و ادعين انه يمتهن الغناء حرفة . و البعض الاخر قال انها تزوجت به ، و اخريات قلن انه قد يكون لها رفيقا في كباريها بقبرص او مكان ما . لكن ام حسناء تتجول بين الموائد و تبتسم لصديقاتها و دون ان تظهر قصدا اخبارهم تقول هذا الشاب من كبار رجال الاعمال المرموقين . بقي احمد محافظا على هدوءه و تواضعه و انحنائه لكل من يشير اليه . يشعر و كانه تحت ضغط نظرات الاخرين و الشابات منهم بالخصوص . يراوغ كل عين تتعقبه فينظر ارضا او الى المائدة ، و الابتسامة الحذرة بارزة على وجهه مع الحياء الذي يشل حركاته . بعد مدة اتاه الطفل اسعد ابن حسناء يقول له " عمو اغنية اخرى من فضلك " . لم يكن ممكنا بالمطلق رفض طلب الطفل ليس فقط لانه هو المحتفى به و لكن لانه ابن حسناء ، هكذا جال ما بخاطره . بغمزة ذكية اشار لحسناء لترافقه ، غنى " كل عين تعشق حلوة و انت حلوة يا حبيبتي قلبي عاشق... " . لم تكن الكلمات وحدها تجهر عما بدواخل احمد ، بل حتى اشاراته باليدين و تقسيمات الوجه تعني ما تقول و تقصد التبليغ . اما العيون فكانت تتكلم لغة فصيحة . تجول و تصول في خريطة الوجه الملائكي لحسناء . لم تكتف العيون بمحيا الوجه المبتسم ، بل تجاوزته الى الجزئيات من حسناء ، تخترقها اعين احمد غير مبالية بمن يراقب عن كثب . كان احمد يعيش لحظة توحدت كل الابعاد في احساسه بوحدانيته امام السيدة . يرسم خريطة الحب الذي ليس له عنوان الا في حسناء . انبهر الحضور مرة اخرى للانغماس الذي ابانه احمد بحيائه و بتعابير عيونه و مضمون كلماته ، و كيف جعلهم جميعا يعطون لكلمات اغنيته معنى دقيقا مضمونه حب صافي كالبرد . البعض من الشابات الحاضرات اكدن ظنهن السابق و اخريات اضفن احتمالات اخرى . لكن الكل توسعت مساحة شكوكه عمن يكن احمد و عما يربطه بحسناء . انتهى الحفل بهدوء ، قليل عدد المعجبين و المعجبات الذين تمكنوا من توديع احمد و تبليغه اعجابهم به . و البقية احتفظوا بما بدواخلهم نحوه ، خاصة الشابات منهم ، لانه تسلل بهدوء من الجمع نحو غرفته الخاصة بالاقامة ، استعدادا للسفر يوم الغد باكرا على مثن الرحلة الاولى نحو البلد . في الصباح خرج به السائق حتى المطار و ودعه عند المدخل . ما ان وصل المساء حتى تناقلت وكالات الاخبار سقوط طائرة تربط قبرص بالبلد ، و كل ركابها ليس لهم اثر . انها الرحلة التي حجز بها احمد تذكرة سفره . تواثرت الاخبار لحظة بلحظة ، و ذكر احمد باسمين مختلفين و بصورة واحدة ضمن لائحة المفقودين .
#الرفيق_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كارثة بوركون كاشفة عرائنا
-
حوار العيون الحلقة الثامنة
-
حوار العيون الحلقة السابعة
-
اغتيال بنعمار و عبد الوهاب رسالة من يفك شفراتها ؟؟؟؟
-
ملاحظات ميدانية في حيثيات اعتقالات 6/4/2014 بالدار البيضاء
-
توضيح احتياطي لرفاق النهج الدمقراطي
-
حوار العيون الحلقة السادسة
-
حوار العيون الحلقة الخامسة
-
حوار العيون الحلقات الاربع
-
حوار العيون الحلقة الرابعة
-
الالحاد السياسي
-
حوار العيون الحلقة الثالثة
-
حوار العيون الحلقة الثانية
-
حوار العيون
-
لقاء صامت
-
اعتبار العدل و الاحسان جزء من الحراك المغربي خسارة للرهان .
...
-
اعتبار العدل و الاحسان جزء من الحراك المغربي خسارة للرهان .
...
-
مصر بعد سوريا و العراق ... امريكا تدمر المنطقة 2 ( ذرائع الت
...
-
مصر بعد العراق و سوريا .. امريكا تدمر المنطقة 1
-
تسييس العفو و اعفاء السياسة ملاحظات اولية في العفو عن البيدو
...
المزيد.....
-
وزيرة الخارجية الألمانية: روسيا جزء من الأسرة الأوروبية لكنه
...
-
الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن
...
-
ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
-
بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية
...
-
استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا
...
-
الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
-
ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية
...
-
الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي
...
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|